55523.
الرئيسية / تحقيقات و حوارات / نحو رؤية اجتماعية لواقع المشكلات الحالية

نحو رؤية اجتماعية لواقع المشكلات الحالية

55523.

نحو رؤية اجتماعية لواقع المشكلات الحالية

مونتجمري حور

غزة / الصباح / كتب / ⁠د. مونتجمري حور

أكدت في مقالات سابقة على عدم جدوى الوحدة بين حركتي فتح وحماس وقلت أن للحركتين برنامجين سياسيين مختلفتين ومتوازيين ولا يلتقيان إلا في الهدف الأسمى وهو دحر الاحتلال، وأن الحديث حول كتلة سياسية واحدة للحركتين التي نشط الحديث عنها مؤخرا مع اقتراب العملية الديمقراطية التي كانت مقدر لها في مايو الماضي لا يصب في المصلحة العامة للشعب الفلسطيني لأنه سيقتل مسألة التنوع والتعدد السياسي فالتنافس السياسي ظاهرة صحية لضبط التوازن وعدم الانفراد في القرار السياسي وهي ضمانة اكيدة لتطور المجتمعات وتقدمها.
إن المراهنة على عجز حركة حماس في تقديمها نموذجا يشكل قدوة يحتذى بها في ممارسة الحكم والاكتفاء فقط بتسجيل نقاط فشلها واخفاقاتها لتسويقها للجمهور الفلسطيني للمفاضلة بين النموذجين الفتحاوي والحمساوي لم ولن يجدي نفعا، فالأصل هو تبني رؤية وطنية قائمة وفق منظور اجتماعي تشمل الخطط والموارد المالية والبشرية لضمان نجاحها. وقبل الحديث عن أي رؤى يجب علينا إدراك حقيقة أن حركة فتح لديها التزامات وطنية وأخلاقية تجاه أبناء شعبنا، خاصة في ظل الأزمات والمحن التي يمر بها فهي كانت ومازالت حركة الكل الفلسطيني التي تقف بمسؤولية وحزم تجاه القضايا الوطنية المصيرية. حقيقة، آن الأوان للحركة أن تتبني برنامجا وطنيا كاملا يقوم على رؤية اجتماعية كخطوة أولى لتقديم عملا خدماتيا يشكل رافعة وطنية يحتذى بها ويعتمد على إعادة النشاط والحيوية للحركة والذي من شأنه أن يحصد ثمارا إيجابية على المدى القريب.
إن حالة الجمود التي تعصف بالسلطة الفلسطينية هي نتاج طبيعي لما آلت إليه الأمور سواء بأيدينا أو بأياد خارجية جراء عدم استقرار المتغيرات في المنطقة التي يقف أماها الكثير حائرا لا يعرفون ما الذي ينبغي فعله. ذهبنا للمفاوضات إيمانا منا أنها مصلحة عليا للشعب الفلسطيني وعملنا كخلية نحل في كافة الاتجاهات ومع جميع الأطراف فنجحنا في مواضع عدة أهمها جعل الضفة وقطاع غزة ساحة الصراع الرئيسة مع المحتل، وأخفقنا في مواضع أخرى متمحورة في مجملها في تقصيرنا تجاه أبناء شعبنا وتحديدا في قطاع غزة ومهما قدمنا من خدمات، يجب أن نشعر دوما بالتقصير فهناك أداء وهناك أداء أفضل وشعبنا يستحق الافضل دائما. أثبتت سياسة البتر التي انتهجتها السلطة الفلسطينية ضد الجسد الفلسطيني وتحديدا المحافظات الجنوبية عدم جدواها، بدأ البتر بالأذرع وسيصل الحد إلى بتر الأرجل ان لم تتخل السلطة الفلسطينية عن نهجها المبني على النظرة الأمنية البحتة في التعامل مع قطاعنا الحبيب وقضاياه وأقول بكل ثقة ومسؤولية لقد حان الوقت للتوقف عن هدر الطاقات الشبابية واستيعاب الجميع بصدر رحب.
ادرك تماما مستوى الاحباط المنشر الى حد كبير الذي أصاب قطاعات واسعة من النخب الوطنية والعلمية وأعلم أن السلطة الفلسطينية قامت بتجميد بعض القضايا عنوه نتيجة للضغط الدولي واستجابة لأصوات المانحين ولكنها جمدت قضايا حيوية أخرى طواعية، وهذا أمر مزعج وله تبعات خطيرة. على السلطة الفلسطينية البحث عن مصداقية دولية تبدأ بالمصداقية المحلية بدلا من اللهث وراء مكاسب دولية شكلية ومعنوية. فعلى الصعيد المحلي، لم تحل قضية الموظفين ولم يتم التوصل إلى مصالحة مع حركة حماس لرفع الأخيرة سقف طلباتها في اللقاءات الأخيرة من المحاصصة، عفوا أقصد المصالحة، والفشل الدائر في الوصول إلى حكومة وحدة وطنية ذات برنامج سياسي متفق عليه والاخفاق في رأب الصدع داخل حركة فتح.
دفعتني حالة الجمود هذه والتي قد أبني عليها لاحقا في مقالات قادمة، لكتابة مقترح مفصل يحد من اتباع سياسة البتر للجسد الفلسطيني الواحد وهي سياسة تدميرية وآن الأوان لضرورة مراجعة السلطة الفلسطينية لسياساتها غير المتوازنة تجاه قطاع غزة ولإعادة الحياة والمياه إلى مجاريها وإصلاح ما تم تدميره بسبب عقوبات معلنة وأخرى غير معلنة ثبت بالدليل القاطع عدم نجاعتها بل فشلها في اخضاع حركة حماس لحضن الشرعية وفي المقابل، تبين أن المتضرر الوحيد هم أبناء شعبنا عامة وأبناء حركة فتح والاجهزة الأمنية خاصة. يمكنني القول أن العاصفة قد هدأت نسبيا وتوقفت حدة سن السكاكين الموجهة ضد الموظفين المدنيين والعسكريين الذين شكلوا حائط سد منيع أمام صبغ قطاع غزة بأكمله باللون الأخضر. ثبت بالدليل القاطع محافظة هذه الشريحة على عنوان الشرعية وضد ما روج له البعض بأن غزة حمولة زائدة.
أعي جيدا أن تنظيم حركة فتح هو تنظيم محظور في قطاع غزة وأن عمل التنظيم شبه مشلول هناك مما زاد من الهوة بين القيادة والجماهير من ناحية وغياب برامج الاصلاح المجتمعي من ناحية أخرى، ولذا يجب علينا استدراك هذا الفراغ بالبدء الفوري ببرنامج اجتماعي شامل ، واجتماعي فقط، يتم بموجبه تحديد أهدافا اجتماعية معينة في قطاع غزة والقيام بمعالجتها بغية التخلص من الرواسب الفكرية الدخيلة على الثقافة الفلسطينية وللتقرب من جماهير أنهكتها “الحروب” والوعودات الكذابة. يمكن لجيش موظفي السلطة الفلسطينية في قطاع غزة الذين تم الاستئساد عليهم أن يشكلوا حالة وطنية حقيقية تجاه خدمة أبناء شعبنا في ظل هذه الظروف العصيبة ليقدموا بذلك نموذجا للعطاء والتفاني في خدمة الجماهير وإنبات أذرعا جديدة للجسد الفلسطيني بحيث تكون محصنة ضد الآفات والظواهر الاجتماعية الدخيلة. يجب استثمار هذه الطاقات النوعية في نسج شبكة من العلاقات الاجتماعية لمعالجة سلسلة الأزمات والصدمات التي تعرض لها أهلنا في قطاع غزة وهذا دور وطني بامتياز فبإمكاننا مثلا القيام بالتالي:
تبني رؤية اجتماعية توعوية وهذا يستوجب إجراء استثمار للطاقات المعطلة والمهدورة يكون في طليعتها أبناء الأجهزة الأمنية على أن تقوم على الكفاءة حسب ميدان التخصص مع مراجعة حالة الفرز غير الطبيعية داخل تنظيم حركة فتح وتقديم الأجدر على خدمة أبناء شعبنا، كما يمكننا انشاء مراكز طبية متخصصة من شأنها أن تكمل الدور الأساسي الذي تقوم به السلطة الفلسطينية في القطاع الصحي وهنا يجب الانتباه أن المواطن الفلسطيني من أبناء شعبنا لا يشعر في قطاع غزة بالدور الكبير الذي تقدمه وزارة الصحة الفلسطينية وبعضهم لا يعرف أن من يقدم هذه الخدمات كلها هي السلطة الفلسطينية. إن انشاء مراكز طبية متخصصة كمراكز للاخصاب ومعالجة ورعاية الحالات الحرجة بما يكفل مساعدة أهلنا في القطاع سيكون له أثر بارز في التخفيف من معاناتهم ولدينا من الطاقات الكثير. بإمكاننا أيضا تقديم ندوات ثقافية وتعليمية تستهدف مختلف القطاعات والفئات الاجتماعية بالاعتماد على حملة شهادات الدراسات العليا وغيرهم من الأكفاء ذوي الخبرات المتنوعة وتقديم ورش عمل تأهيلية لمختلف القطاعات بما يسهم في النهضة المجتمعية لمواكبة مجالات التقدم العلمي وبشكل يؤسس الى الاستثمار في العنصر البشري وإيجاد البرامج الكفيلة بتربية النشئ والاهتمام أكثر بالترابط الأسري باعتبار أن الاسرة الخلية الأولى في المجتمع. نحتاج إلى نشر الوعي المجتمعي والثقافة السياسية القائمة على التعددية وقبول الآخر والقيم التي تم المساس بها، تحديدا بعد الانقلاب.
بتنا أحوج ما نكون الى زعامات اجتماعية للملمة الجراح بمستوى يليق بخدمة أبناء الشعب الفلسطيني لكسر الهوة والفجوات الكبيرة. لدينا عشرات الآلاف من أبناء الأجهزة الأمنية الذين لحق بهم قرارات جائرة وهم يشكلون جيشا عديد القوام ويضم كفاءات من خيرة أبناء الشعب الفلسطيني.
أتمنى أن يلق مقالي هذا آذانا صاغية من أصحاب القرار وأن يكون اضاءة صغيرة يمكن البناء عليها وتقديم الحلول الممكنة التي تكفل استغلال الطاقات المهدورة ومعالجة أزمات ومشكلات أبناء شعبنا. باختصار، يمكن توظيف هذه الطاقات وصهرها في بوتقة الصالح العام.

Dr. Montgomery Howwar

عن الصباح الفلسطينية

شاهد أيضاً

received_7520320228035389

حوار قبل الاستشهاد مع الشهيد… الأسير المحرر / عوض غالب السلطان

الشهيد … الأسير المحرر / عوض غالب السلطان. ارتقى شهيدا في القصف الصهيوني الغادر على مخيم …

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *