الرئيسية / الآراء والمقالات / د.سالم سريه يكتب : سد النهضه (الجزء الرابع( الكيان الصهيوني وسد النهضه

د.سالم سريه يكتب : سد النهضه (الجزء الرابع( الكيان الصهيوني وسد النهضه

د.سالم سرية  :اكاديمي وكاتب (فلسطين)
د.سالم سرية :اكاديمي وكاتب (فلسطين)

سد النهضه (الجزء الرابع(

الكيان الصهيوني وسد النهضه

د.سالم سريه:اكاديمي وكاتب (فلسطين)

تعود الأطماع الإسرائيلية في مياه النيل تحديداً إلى العام 1903 عندما قدّم هرتزل، مشروعاً الى لانسدون، وزير خارجية بريطانيا لمواجهة مشكلة ندرة المياه في سيناء ويتمثل في مد أنبوب على عمق كبير تحت قناة السويس لضخ مياه النيل اليها. لكن بريطانيا رفضت هذا الطلب، بسبب تأثيره السلبي على محصول القطن الحيوي للصناعة الإنجليزية . وأعادت “إسرائيل” طرح هذه الرغبة في ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، استناداً إلى دراسات تناولت المشاريع التي يمكن من خلالها نقل مياه النيل إلى المستوطنات الإسرائيلية. وكان أبرز تلك الدراسات “مشروع اليشع كالي” حيث قام المهندس الإسرائيلي اليشع كالي، في عام 1974 بطرح مشروعٍ تضمن نقل جزءٍ من مياه النيل يقدّر بـ1% سنوياً لتزويد المستوطنات الإسرائيلية في النقب وقطاع غزة والضفة الغربية، بواسطة أنابيب تمر تحت قناة السويس يصل طولها إلى 200 كلم. وفي عام 1977 قام الخبير الإسرائيلي ارلوزوروف، بطرح مشروعٍ تضمن شق 6 قنوات تحت قناة السويس تعمل على دفع المياه العذبة إلى نقطة سحبٍ رئيسية، ليتم بعد ذلك ضخ المياه إلى ارتفاعٍ يبلغ عشرات الأمتار لتدفع بقوة الثقل نحو ساحل سيناء وعبر أقنية فرعية إلى صحراء النقب. )1(

لم تكن مشاريع نقل مياه النيل إلى المستوطنات الإسرائيلية داخل فلسطين المحتلة حكراً على المهندسين والخبراء في كيان الاحتلال، بل إن أنور السادات، وفي تشرين الثاني/نوفمبر من عام 1977 خلال زيارته إلى القدس المحتلة طرح مشروع “ترعة السلام”، والذي يهدف لنقل مياه النيل إلى القدس المحتلة، لتصبح “آبار زمزم الجديدة”، إذ أن الرئيس المصري غلّف مشروعه التطبيعي هذا بالقول ( باسم مصر وأزهرها العظيم وباسم دفاعها عن السلام تصبح مياه النيل هي آبار زمزم لكل المؤمنين بالأديان السماوية الثلاثة) )2 (

لقد أظهرت دراسات عديدة في السنوات الأخيرة أن الكثير من بحيرات فلسطين المحتلة وأحواضها النهرية والمياه الجوفية قد وصلت إلى أدنى المستويات التي لم يسبق لها مثيل منذ 100 عام، حيث اقتربت بحيرة طبريا بشكل خطير من “الخط الأسود”، وهو المستوى الذي يقع تحت أنابيب السحب من مضخات المياه التي ترسل مياه البحيرة إلى البلدات المجاورة. و يظهر أن تحسين مستوى العيش وبناء المستوطنات يحتّم تأمين زيادة في المياه بمقدار 600 مليون متر مكعب كل عام  . (3)

كل تلك العوامل، تدفع السلطات الإسرائيلية إلى التواجد بشكل مباشر في مسألة “سد النهضة” المرتبطة بنهر النيل، وذلك من أجل فرض وجودها السياسي والأمني الذي سيخولها في مرحلةٍ لاحقة إعادة إحياء المشاريع الهادفة لإيصال مياه النهر إلى المستوطنات في فلسطين المحتلة، نظراً لخطورة ما تعانيه حالياً فيما يخص “أمنها المائي”، في ظلّ رغبتها المتزايدة في التوسع واستقدام المزيد من المستوطنين.

ويذكر في هذا السياق، أن نقل مياه النيل إلى فلسطين المحتلة، كان من أهم المشاريع المطروحة في المباحثات المتعددة الأطراف، التي عقدت في فيينا عام 1992، حيث تمسك المفاوضون الإسرائيليون بعدم التنازل عن ذلك، تحت ذريعة حاجة “إسرائيل” إلى المياه في المستقبل ومن ضمنها مياه النيل. إذ ان أحد المفاوضين الإسرائيلين وهو دان سالازفسكي، قالها صراحة “إذا كان أحد يقصد السلام، فينبغي ألا يجادل بشأن المياه”. )4(

وانطلاقاً من الرغبة الإسرائيلية في السطو على نسبة من مياه النيل، هذا من ناحية (الأمن المائي). وأمّا من ناحية الجانب الجيوسياسي، فإن “إسرائيل” تطمح إلى توسيع نفوذها والهيمنة على مصادر الطاقة التي يعد نهر النيل أبرزها، مما سيعزز موقفها السياسي في الشرق الأوسط والقارة الأفريقية.ان ملامح الحضور الصهيوني في اثيوبيا تتمثل بما يلي :

1- لقد كشف عن عن وجود طابق كامل في وزارة المياه الأثيوبية يقيم فيه خبراء المياه الإسرائيليون، وهم يقدمون الخبرة التفاوضية والفنية للفرق الإثيوبية، وأكد ذلك وزير الري والمياه المصري السابق محمد نصر علام، وكرره وكيل وزارة الري السودانية الأسبق حيدر يوسف كما أعاد ذكره نائب رئيس الأركان المصري محمد علي بلال في أيار/ مايو 2013 متحدثاً عن وجود أعداد كبيرة من الإسرائيليين يعملون في السد الذي يتم بناؤه بتمويل غربي وأمريكي (البنك الدولي، وإيطاليا، وبنك الاستثمار الأوروبي)، وبنك التنمية الإفريقي، والصين، و”إسرائيل”. هذا وتشير العديد من المعطيات إلى أن آلية التفاوض التي تتبعها أثيوبيا مع مصر، قد وضع أسسها فريق تفاوضي في الخارجية الإسرائيلية ومنهم وزير الخارجية الأسبق شاؤول موفاز، وديفيد كمحي وهو وكيل سابق في المخابرات الإسرائيلية “الموساد”.)5(

2- نشاط الشركات الإسرائيلية، لا سيّما تلك التي لها علاقة باحتياجات بناء سدّ النهضة الإثيوبي، حيث تتواجد بشكل فاعل الشركات الإسرائيلية مثل: شركة سوليل بونيه Solel Boneh للإنشاءات في كل من كينيا، وإثيوبيا، وأوغندا، إلى جانب شركة أغروتوبAgrotop للزراعة، وشركة كور CORE للإلكترونيات، وشركة موتورولا الإسرائيلية Motorola Israel للكهرباء والماء، وشركة كارمل Carmel للكيماويات. ورفعت “إسرائيل” من حجم استثماراتها في قطاع الطاقة سنة 2018 بقيمة 500 مليون دولار من خلال شركة جيجاوات جلوبال Gigawatt Global، وهي شركة لها علاقات مع عشر جامعات إثيوبية، وهناك عشر مؤسسات أخرى إسرائيلية تعمل في إثيوبيا .كما كشف موقع “ديبكا” الإسرائيلي في تموز/يوليو عام 2019 أن “إسرائيل” أكملت نشر منظومة الصواريخ الإسرائيلية “Spyder-MR” حول “سد النهضة لحمايته حيث تستطيع هذه الصواريخ ان تدمر أي قاصفة مهاجمة من بعد 50 كيلومتر. كما ان السفير الأثيوبي السابق لدى “إسرائيل” هيلاوي يوسف قد تحدث عن استحواذ شركة إسرائيلية على عقود إدارة محطات الكهرباء في أثيوبيا بما فيها محطة “سد النهضة”. وأكد أن “إسرائيل” لديها 240 مستثمراً يعملون في أثيوبيا بمجالات الري والكهرباء والمياه، فضلاً عن تنفيذ مشروعات ري ضخمة من خلال المياه الأثيوبية بعد إتمام بناء السد، بالتوازي مع تمويل 200 مليون دولار لتطوير أنظمة الري “. كما قامت الحكومة الإسرائيلية بافتتاح “اكتتاب شعبي”، في البنك المركزي الإسرائيلي لجمع التبرعات الموجهة إلى السندات والأذون لخدمة مشروع “سد النهضة”، وصولاً إلى قيام الحكومة الأثيوبية باستقدام العديد من الخبراء والفنيين الإسرائيلين للعمل في مراحل التجريب والتنفيذ طوال المرحلة الثانية.وقال نتنياهو خلال زيارته إلى أديس ابابا في تموز/يوليو عام 2016 :سندعم أثيوبيا تكنولوجياً لتستفيد من مواردها المائية”،)6(

الأهداف الإسرائيلية:

تسير “إسرائيل” ضمن مبدأ الضغوط القصوى على مصر من أجل دفعها سياسياً واقتصادياً، للعودة إلى مشاريع نقل “مياه النيل” باتجاه المستوطنات والمدن المحتلة في فلسطين، من خلال تدخلها المباشر في مسألة “سد النهضة” والتأثير على تداعياتها السلبية ضد مصر وأمنها المائي والسياسي. بمعنى أن تشترط “إسرائيل” وصول المياه إليها مقابل السماح بوصوله إلى مصر، وذلك من خلال شراكتها مع أثيوبيا بـ”البنك الإثيوبي لتصدير مياه النيل الأزرق”.

ربط المواقف المصرية في مشكلة السد بالموضوع الفلسطيني فبعض الباحثين توقع أن “إسرائيل” ستربط ضغوطها على إثيوبيا لتخفيف تعقيدات سدّ النهضة على مصر بأن تزيد مصر الضغوط على الفلسطينيين في مجال التسوية. )7)

خلاصة القول : يعتبر الكيان الصهيوني انه قد ضمن امنه المستقبلي عندما امتلك مفاتيح سد النهضة حتى ولو جاء رجل بحجم جمال عبدالناصر الى الحكم مستقبلا على حد اعتقاده وانه لن تتكرر حرب اكتوبر .وبذلك تكون (اسرائيل )قد انتقلت من مرحلة تطويع الانظمة الى مرحلة تطويع الشعب العربي من حيث التحكم بالماء والغذاء والطاقه. .

الهوامش:

1-كامل زهيري، “النيل في خطر: مشروعات تحويل مياه النيل من هرتزل إلى بيجن”، الهيئة المصرية العامة للكتاب.(فيه ترجمة لمذكرات هيرتزل)

2-أزمة سد النهضة ومشكلة مياه النيل .-الهيئه المصريه العامه للكتاب.2016- د.زكي البحيري ( تفاصيل اسرائيل ومياه النيل) في الفصل الخامس ص245-279والفصل السادس ص289-363

3-ورقة علمية: الاستراتيجية الإسرائيلية تجاه سدّ النهضة الإثيوبي أ.د. وليد عبد الحي

جامعة الزيتونه ومنشور في المركز الفلسطيني للاعلام

4- من هرتزل إلى نتنياهو.. خلفيات الدور الإسرائيلي في “سد النهضة”الكاتب: عباس الزين الميادين نت.

5-مهند النداوي، “إسرائيل في حوض النيل: دراسة في الاستراتيجية الإسرائيلية”، العربي للنشر والتوزيع.

6- المخطط الأثيوبي وتداعياته على الأمن القومي المصري (سد النهضة)”، المركز الديمقراطي العربي.

7- نجلا مرعي، “سد النهضة الأثيوبي.. والصراع المائي بين مصر ودول حوض النيل”، العربي للنشر والتوزيع.

 

 

 

عن الصباح الفلسطينية

شاهد أيضاً

عمر حلمي الغول

عمر حلمي الغول يكتب : نور شمس يبقى وضاءً

نبض الحياة نور شمس يبقى وضاءً عمر حلمي الغول لمخيم نور شمس له من اسمه …

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *