الرئيسية / الفلسطينيون في المهجر / سليم النجار يكتب : السيرة الشعبية الفلسطينية في الكويت

سليم النجار يكتب : السيرة الشعبية الفلسطينية في الكويت

المراة الفلسطينية

السيرة الشعبية الفلسطينية في الكويت
⁠الحلقة السابعة عشر
⁠غير موجود
⁠سليم النجار
⁠نراه شاباً يتأمل بحر الفحاحيل وعقله الغامض، امتداد لا نهاية له الشاطئ طويل هش رخو مائع مغناج، ملقى بين عمل الإقامة التي تؤهله الحياة في الجنة … والمليء بصناديق التفاح الأمريكي الأخضر الاسم الحركي للسعادة لشباب حارة سوق الصباح … ومن العناوين التي انتشرت في الفحاحيل سيارة “الوانيت” رداً عملياً على قرار الحكومة العاقل والمتعقل رفع إيجارات الشقق مائة بمائة … واختلف القوم حول حكمة القرار، البعض اعتبره خطوة نحو تهجير الفلسطينيين من الكويت، والآخرون قالوا زواج سيء بين الملّاك وطلاق يعقبه زواج سعيد، فماذا يمكن أن يعقل الفلسطيني؟
⁠وأحضرت الحكومة شيخ غير فاضل، ومعروف في السر أنه يسهل عمليات التنوير لرغبات الذكور من عليّة القوم، زواج وطلاق لمدة محدودة، وأصبح محج لهم، وأفتى بجواز رفع الإيجارات وأردف قائلاً: أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، لهجته مدغمة ومتعثرة، وهو لا يعنيها بالتأكيد، لكنه يطلق التكبيرات العالية بين جملة وجملة، ويستمع الجميع للكلمات غير المترجمة التي كانت وجه يملئ شاشة التلفاز ويكرر استفزازه، مرّة تلو الأخرى، لاحظ المشاهدون أن جسده معطر، ولمساته أقل خشونة، كيف عرفوا؟ لا جواب.
⁠ولد الوجع وسط بكاء وعويل هوانم الفحاحيل، وكان القرار، الهجوم على سيارات “الوانيت” من قبل رجال الحارات الفلسطينية، للعمل بعد الدوام الرسمي لحل هذا المشكل الأيديولوجي الطارئ على الفلسطينيين في الكويت.
⁠فجأة يظهر في أحد عمارات الأشكناني صراخ من أم كمال، بعد أن أخبرها زوجها الورع أن مالك العمارة قرر طردهم لعدم قدرتهم وتخلفهم عن دفع إيجار الشقة لمدة ثلاثة شهور، تداعى أهالي العمارة وحارة سوق الصباح للدفاع عن عائلة أبو كمال وحمايتها من الطرد، فكان القرار التاريخي جمع تبرعات للعائلة المنكوبة، ودبّ النشاط المحموم بين الأهالي، وبدأت مسيرة التبرعات الساعة الواحدة ظهراً، لكن الزمان سريع التقلّب، فوجئت أم كمال أن حارس العمارة صلاح المصري جاء برسالة كأمانة لدفع المبلغ المطلوب في أقرب وقت ممكن ومعهم للساعة التاسعة مساءً، وبعد أن بلغ ذهب الى حال سبيله كانت الساعات تمر كأيام قديمة مليئة بالآمال رغم حزن قلب أم كمال، وبمرور الوقت أصبحت قادرة على خلق ما تحب في قلبها التعس، فرح سري بدأ يتسلل لها ويصرخ في صوت منخفض “حوار ذاتي”.
⁠انهم لا يعرفون ابتسامات النساء، سكت عقرب الساعة في الصالون حتى أن النعاس غلبه، لا تعرف كم من الوقت مر. وصحوت فوجدت العقرب فوق وجهها … حلماً أو حقيقةً … سيّان.
⁠يعود الشاب ليتأمل بحر الفحاحيل الخلاّب، لونه ورائحته وأهله الذين أداروا ظهورهم للعالم ليحدثوا البحر ويشكو إليه. الفلسطينيون هنا، أو كما يسميهم أهل البلاد الأصليين “الزلمات” مثل نغمة شاردة خارج السياق صدرت عن عازف ربابة مخزوقة، المهم أن رجال حارة سوق الصباح استطاعوا جمع المبلغ المطلوب وأكثر، وتم دفع المبلغ الى صلاح الباشا حارس العمارة، وذهبت الغمة الى حيث لا يعرف أحد. اقترح أحد الرجال شراء “وانيت” لأبو كمال حتى يعمل عليه بعد الانتهاء من دوامه في البريد، ورحب القوم وأجمعوا عليه دون خلافات، وهذه حالة نادرة تحصل في حارة سوق الصباح، ولكل قاعدة استثناء، لم يجد أحد سوى الشاب أي شيء مميز لهذه القصة، فهي تحصل يومياً في الحارات الفلسطينية في الكويت، لذا اختلف الرواة فيما بينهم عن أهمية هذا الحدث، ودبّ الخلاف كالعادة … انها عادة فلسطينية بامتياز.
⁠دخل عصام ابن أبو عصام وكيل مدرسة المعرّي المتوسطة الى غرفة الكشف لحل هذا التناحر بين الرواة، وقال أن أحدث خبر أن جاره المصري الذي يعمل في دكانة تحت العمارة، لم يقبل صرف له الدينار إلا بعد أن خصم مائة فلس، تعجبت من هذا السلوك لكنه –أي المصري_ قطع عليه هول المفاجأة وقال له: عندما تأتي للكويت خلّي ضميرك بثلاجة… وأنا عملت بهذه النصيحة النبيلة … قالها ضاحكاً … أحد المستمعين لخبر عصام قال: في حارة سوق الصباح سرد الكذب يُعدّ شكلاً من أشكال التقوى مثلما حدث في نكبة فلسطين، كما ورد في انجيل اللجوء الفلسطيني.
⁠أمسك الجميع بإبريق الضحية التي تحولت فيه الخيمة الى قصة لجوء، فيها أكثر من خمسين لتراً من الكذب.

عن الصباح الفلسطينية

شاهد أيضاً

محمد عياش

الدكتور محمد عياش والتضامن مع قطاع غزة

دعا الدكتور محمد عياش في رومانيا اكبر تجمع لابناء الجالية الفلسطينية وعلى شرف الاحبة ابناء …

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *