الرئيسية / ادب وثقافة / سليم النجار يكتب : المراة الفلسطينية السيرة الشعبية الفلسطينية في الكويت

سليم النجار يكتب : المراة الفلسطينية السيرة الشعبية الفلسطينية في الكويت

المراة الفلسطينية

السيرة الشعبية الفلسطينية في الكويت
الوجه الآخر للموت
الحلقة الثامنة
سليم النجار
بدأت رحلة الغروب ٠٠٠!
بعدها ؛ جلست مع فنجان القهوة ؛ وصور تمر في خاطري ؛ تهاجمني ٠ كانت صوراً واضحة ؛ بدت وقتها باهتة ؛ لكنني الآن اقول غفلتُ عن المعنى ٠
نعم ؛ غفلتُ المعنى ودلالاته ٠
٠٠٠يا من شتئت ان لا تفارقيني رغم البعاد ووسط أحزاني ٠٠ لقد تغّير الزمان والمكان ٠٠ لكنهما بقيا على العهد ؛ مستمعين منصتين فيأيتاني من بعيد بين الحين والآخر بالشوق مهرولاً يقتحم عالمي بجناح حلمي المبتور كقدمي ٠٠ كالوهج الذي يخفت ٠٠ ينير العتمة حولي بقناديل ذكراك فأتسكع معك والحنين ٠٠ وتتعطل أحزاني ٠٠!
تظاهرت بالتفاجؤ في بادئ الامر ؛ على الرغم من أن ذلك بين توقعاتي المتوثّبة ؛ ثم قلت متفكّها :
– ياللخيانة والدهاء ٠٠ لقد حبكت الذكرى وراء ظهري القصة ٠٠ على الشكل الأتي :
ففي إحدى الصباحات فوجئت أم فؤاد بزائر ٠٠٠ فجأة ودون سابق إنذار ؛ صوت كوثر النشاشبي ؛ الذي يبث كل يوم رسائل شوق من الإذاعة الأردنية ؛ هذا البرنامج صلة الوصل بين الفلسطنيين في عموم الكويت والضفة الغربية ؛ وبعد الإنتهاء من سماع كوثر مباشرة ؛ تبدا الإذاعة ببث وفيات الضفة الغربية ؛تحوّلت ابتسامات ام فؤاد العريضة إلى دموع مصحوبة بألم خجول مقيدّ بالانضباط ٠
وهكذا اكتمل الخبر ، وفاة يوسف فارس درويش مقبول ؛ عن عمر يناهز ثلاثة عاما ؛ ما ان انتهت من سماع الخبر ؛ انقبض وجهها الذي يشي بالاكتئاب ؛ وكأن الحياة بالنسبة لها فقدت لونها ٠٠٠
تساءلت ؟
كيف تخبر ام سليم بخبر وفاة اخيها ؟
ما هذا الصباح العكر ؟!
توكلت على الله واستعدت لهذا اليوم الطويل ؛ وفتحت باب الحوش واتجهت لحوش أم سليم ؛ وطرقت الباب بهدوء ٠٠٠ عمري وقتها لا يتجاوز الخمس سنوات ٠٠ وقبل قدوم أم فؤاد ٠٠٠ والدتي كانت تغسل ؛ وكان الحوار الدائر بيني وبينها ؛ قائلة :
بعد اليوم لا بد من ” لبس ” البنطلون بدلاً من الشروت ؛ انت الأن اصبحت رجل حسب وجهة نظرها ولابد من البنطلون حتى تكتمل طقوس الرجولة ٠
دخلت أم فؤاد ٠٠ واهدت السلام كالعادة ٠٠ لكنها هذه المرّة دون ابتسامة ٠٠ لم تعر والدتي اهتماما لهذا التغيير الثوري ٠٠٠
ام فؤاد بدأت تقرأ بعض أيات القرأن على طريقتها ٠٠٠ ودون سابق انذار ٠٠٠ توقفت قليلاً والدتي ٠٠ واقفت الغسالة ٠٠٠ وسألت ام فؤاد
– خير يا ام فؤاد ٠٠٠ ماذا هناك ؟
بدأت تنهار الدموع بلا حساب من ام فؤاد ٠٠
صرخت أمي بصوت عالٍ لدرجة ان كل حارة عثمان بن عفان سمعوا صراخها ٠٠
– البقية بحياتك
والدتي
– يوسف
اومات ام فؤاد بالإيجاب
لم تتمالك والدتي نفسها ومزّقت ملابسها ٠٠ وواصلت صراخها ٠٠
وقفت في حالة دهشة ورعب من منظر والدتي وهرولت لإحتضانها ٠٠
أم فؤاد دخلت على غرفة النوم لحوشنا – وفتحت الخزانة المكسرة وتناولت قطعة قماش ٠٠٠ التي ظهرت امامها وعادت مسرعة لستر جسد والدتي الذي اصبح مكشوفاً للسماء ٠٠ وانا مازلت احتصنها ٠٠ زاحتني ام فؤاد وغطت والدتي ٠٠
وبدأت الطرقات على باب الحوش تتزاخم ؛ الجارات يتوفدان بعد ان انتشر خبر وفاة اخ ام سليم ٠٠ كان ذلك عام ١٩٦٧ قبل هزيمة العرب بأشهر ٠٠
شردت عيناي وهي تروي الكثير عن هذا الحدث التاريخي الذي وقع في حارة عثمان بن عفان ٠٠
إلى الآن لا اعرف كيف عرف والدي بالخبر ؟ ما هي إلا ساعة وحضر الوالد بسيارته الفولكس واجن ذات اللون الأحمر ٠٠٠ وكانت سيارة والدي محط سخرية البعض من اهالي الحارة ؛ وما ان تصل الحارة ٠٠ حتى تبدأ الكلمات تتطاير بين الحاضرين من الحارة وقت وصول السيارة ٠٠٠ جاء جوز المدنية بسيارته الحمراء ٠٠
دُهش والدي من منظر والدتي ٠٠ ولا اعرف سبب احتضانه لي ٠٠ وأمرني بالذهاب للسيارة لإحضار البنطلون واضاف اذهب لبيت عمك ابوجورج واحضر الحطة الحمراء ، نفذت الامر وهذه ليست عادتي ٠٠
وبسرعة البرق احضرت ما طلبه والدي مني ٠٠
وطلب مني ” لبس ” البنطلون وارتداء الحطة الحمراء وقال لي يا سليم هذه عاداتنا ٠٠ وأن الآوان معرفتها ٠٠٠ عند وفاة قريب لك ؛ عليك ” لبس ” الحطة الحمراء ٠٠٠
انا كنت انفذ اوامر والدي بشكل ديمقراطي ٠٠
منظري بالحارة والحطة على رأسي تُثير السخرية حسب بعض فقيهات الحارة في العادات والتقاليد ٠٠
سمعت كلمات من تلك الفقيهات ٠٠٠
شوفوا شفوا شفوا ابن النابلسية ٠٠ اليوم صار فلاّح ٠٠بعد وفاة خاله ٠٠
اتجهت للمرأة التي سمعتها ؛ وبدأت بشتمها والعن ابوها وامها وجدّها ٠٠
والدي كان حائرا وفي الحوش وصوت النساء المزعج وهن يصرخن حزناً على وفاة خالي !،
من اين له بالمال للقيام بيت العزاء ٠٠ اتجهت ام فؤاد بعد ان شاهدت القلق على وجه والدي ؛ وعلى الفور اخبرته انها ستذهب بعد قليل واجهز المسخن للرجال الذين سوف يحضرون لتقديم واجب العزاء ٠٠٠ وانت تدبر امورك بالدخان والقهوة والسادة ٠٠
 
خالي قبل شهرين كان عندنا وما اذكره حضر للعلاج ؛ كان مصاب بجلطة بالقلب ؛ وكان يتعالج في مستشفى الصباح في مدينة الكويت ٠٠ لكن لا فائدة ٠٠ وقرر العودة إلى نابلس ٠٠
حضر ابوجورج صديق والدي واخيه الذى كنا نعرفه بالفعل انه اخ والدي ٠٠ غاضباً ٠٠ موجهاً غضبه لوالدي ؛ ماذا فعلت ؟ والدي كان مهموماً بكيفة الحصول على المال لشراء الدخان والقهوة السادة ؛ ولوازم بيت العزاء من كراسي وكمية من الصابون ؛ من اجل غسيل الأيادي التي ستلتهم المسخن ؛ ٠٠
عاد ابوجورج غضبه مرّة ثانية بصوت مرتفع قليلاً ٠٠ ردّ يا ابوسليم ٠٠ انتبه والدي لصوت اخيه ابوجورج ٠٠ خير ٠٠
– كيف توافق على ان يكون غذاء العزاء مسخن هل جُننت بت رجل ؟!
– لم يجب والدي ٠٠
على الفور أدرك عمي ابو جورج فداحة غضبه وقال :
نذهب لصديقنا ابوسكلان الآن ونحضر خروف ونذبحه لعمل مسف ٠٠
هذه اول مرّة اسمع بكلمة منسف ٠ج واكمل العم ابوجورج توجيهاته لوالدي ٠٠ انا عندي قصرين جميد احضرتهم من السلط ٠٠ عندما كنت في اجازة الصيف هناك ٠٠
المنسف يكون جاهز في المساء ٠٠
حضرت صواني المسخن الساعة الرابعة عصرا ٠٠ تعجبت من نشاط الخالة ام فؤاد كيف استطاعت خلال ساعات قليلة فعل كل ذلك ؟
ما ان نزلت صواني المسخن ؛
حتى بدأت الألسن الحاضرة تتهامس متسائلة ما هذا ؟
تدارك الأمر العم ابوجورج ؛ وقال بصوت خطابي :
يا خوان ارجو المعذرة ؛ في المساء لا بد من حضوركم لتناول العشاء المنسف ؛ انفرجت الوجوه ؛ وهجموا على صواني المسخن ٠٠
بعد انتهاء مراسم العزاء ٠٠ اقسم والدي الرحيل من الحارة ٠٠ خاصة ان العم ابوجورج سيترك الكويت ويذهب إلى تشيلي وحاول مرارا إقناع والدي بالذهاب معه؛ لكن والدي كان يرفض ٠٠
ذهب العم ابوجورج إلى تشيلي ٠٠
ورحلنا إلى الأحمدي عند العم ابو سكلان الذي كان يملك بيت فارغ ٠٠
إنه سفر لمكان لا تلمسه قدماك بل روحك ٠٠ هكذا كان حالي واقرأ سورة الفاتحة على قبر خالي يوسف في مقبرة نابلس ٠٠ وجدّي فارس ٠٠ فكانا الأثنين في نفس القبر ٠٠ نزل خالي على والده ٠٠
هذا اول عمل فعلته ؛ بعد دخول الثورة الفلسطينية إلى الأراضي الفلسطينية واعلنت قيام السلطة الوطنية الفلسطينية ؛ كنت الدفعة الثانية القادمين من الأردن ٠٠
تمتمت خالتي ام رمزي ما ان شاهدتني عائدا من المقبرة
– لا حول ولا قوة إلا بالله ٠٠٠ ! لا حول ولا قوة إلا بالله ٠٠ !

عن الصباح الفلسطينية

شاهد أيضاً

ثائر حمّاد وادي الحرامية

في كتاب ( أنا وحصاني ) للأسير ثائر حماد

في كتاب ( أنا وحصاني ) للأسير ثائر حماد  غصون غانم  ثائر حماد حضوره حفل …

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *