الرئيسية / الآراء والمقالات / الدكتور/ جمال أبو نحل يكتب : بَِــَـادَر قبَل أن تُـَغــَادِرْ حَسَنَاتَ مُوصُولَة بَعَد المَمَاتَ

الدكتور/ جمال أبو نحل يكتب : بَِــَـادَر قبَل أن تُـَغــَادِرْ حَسَنَاتَ مُوصُولَة بَعَد المَمَاتَ

جمال ابو نحل

بَِــَـادَر قبَل أن تُـَغــَادِرْ
حَسَنَاتَ مُوصُولَة بَعَد المَمَاتَ

الأديب الأستاذ الدكتور/ جمال عبد الناصر محمد عبد الله أبو  نحل

أيها الأحباب، والأصحاب، ذو الألباب، والآداب، أنتُم  كَالطِّيِّبْ، والرُّضَابُ، والرطاب الرطيبِ، كالرُطب الحلو الَطَيبَ، وكَالأهَداب؛ فأنتُم  الَحُبَ  الذي بَالخَيرَِ يذُب، ويَصُبْ، ولا يَذُوبَ، فَطوبي لكم، ويطيب الجواب بالترحيبِ، وبالرحِاب، لكُل متُحسب، ومُترقَّبٍ  لاقتراب يومًا فَِرَاشُك فيهِ التُراب، وبعدها الذهاب لِيوم الحساب، وللعرضِ، أو العتاب، والكل مِنا يرجو المغفرة، والثواب، في ذلك اليوم الرهيب، المَهَيبِ؛ يَجْعَلُ الْوِلْدَانَ تَشِّيِبْ!!؛ وتُنسي فيه الأنسَاب، وتَشَتدُ الأعصاب، والعرقُ يَتَصابُ، ويَنسَاب؛  وينطق فيه الرحمانُ: ” لمن المُلَكُ اليوم؟” لله الواحد القهار”؛ قولاً  هو  عينُ  الحَق، والصدقِ،  والصَواب…  فَيا سادة يا كِرام: مَعلُومٌ بآن الصاحب ساحب، وأن من يَدُق الباب يَسَمع الجوَاب، فَحياتنا أيام وسنين، تمرُ بِنا كالَسَحِاب، ومصيرنا جميعًا إلى التُرُابَ، ولنعمل أطيب الصالحات مما يكُرم الانسان عليها، ويثاب، خاصةً حينما تغلق الأبواب، فليس لك حينها إلا رحمة رب الأرباب، ومُسبب الأسباب؛ فاليوم عملٌ، ولا حساب، وغداً حسابٌ، ولا عمل؛ ولنترك أثر جميل لِبَعدِ الرحيل، لتبقي لنا حسنات موصولة، ومتصلة تصلنا بعد فراق الدنيا، والممات حينما نكون عند رب البريات؛؛ وإن خير ما يبقي، ويصل الميت بعد موته هو الصّدقة؛ والدليل في قول الله تعالى: “أَنفِقُوا مِن مَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أن يَأْتِّي أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إلى أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ، وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ”؛ وجاء في الحديث النبوي الصحيح عن عَائِشَةَ رَضِي اللَّه عَنْهَا:” أَنَّ رَجُلا قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ أُمِّي افْتُلِتَتْ نَفْسُهَا ( أي ماتت )، وَأَظُنُّهَا لَوْ تَكَلَّمَتْ تَصَدَّقَتْ فَهَلْ لَهَا أَجْرٌ إِنْ تَصَدَّقْتُ عَنْهَا  قَالَ النبي : نَعَمْ””؛ فما هو الشيء الذي يفعله المسلم  حيًا  قبل موته  فيصل  أجرهُ،  وثوابهُ، وتستمر  لهُ  الحسنات  في قبرهِ  حتي بعد الممات؟؛  نجِد الجواب هو  في الحديث الصحيح الذي  يرويه الصحابي الجليل أنس بن مالك رضي الله عنه: عن النبي صلى الله عليه وسلم أنهُ قال: (سبع يجري للعبد أجرهن وهو في قبره بعد موته: “من عَلّم علماً، أو أجرى نهراً، أو حفر بئراً،  أو غرس نخلاً، أو بنى مسجداً،  أو  ورّث مصحفاً، أو ترك ولداً يستغفر له بعد موته)؛ فاحرص أخي، وأختي على أن يكون لنا من تلك الأعمال الخيرة  حظ، ونصيب في الدنيا، ونحنُ ما دمنا  في دار الإمهال، فلنُبادر للخير قبل أن نُغادر، وقبل أن تنقضي الأعمار، وتتصرم الآجال؛ وفي حديثٍ صحيح آخر عن ما يجري للميت بعد موته، ما يرويه الصحابي الجليل أبي هريرة رضي الله عنه قال، يقول النبي ﷺ: ” إِذَا مَاتَ الإنْسَانُ انْقَطَعَ عنه عَمَلُهُ إِلا مِنْ ثَلاثةٍ إلا من صَدَقَة جَارِيَة أوَ عِلْم يُنْتَفَعُ بِهِ أوَ وَلَد صَالِح يَدْعُو لَهُ “، ومعني ذلك ينقطع عمل الميت الذي يجري عليه بعد الموت إلا من هذه الثلاث تصل له حسنات في قبره بشكل متواصل، ومن الأعمال التي تبقي حسناتها للإنسان بعد الممات، مثلاً لو أنهُ قبل،  وفاتهِ  حفر بئر مياه ونذرهَا في سبيل الله، أو زرع نخلاً،  أو بنى مسجد يُصَّلِى فيه المسلمين، أو تبرع بعمارة وأسكن فيها الفقراء،  أو  من لا يجدون مأوي لهم، أو له  أرض زراعية، ويتصدق بما يحصل منها، فهذه صدقة جارية، يجري عليه أجرها بعد وفاته ما دامت ينتفع بها الناس؛ أو ترك علماً ينتفع به  من خلال  كُتب ألفها، وانتفع بها الناس، أو اشتراها وأوقفها، أو علم طلاب، وطلابهُ تهلموا العلم وعلمُوه، وهكذا دعاء الولد الصالح الذي يدعو لوالديه، تنفعه دعوة ولده الصالح، ولاحظ دقة من لا ينطق عن الهوي لم يقول ولد لكانت نكرة، بل قال لصالح جعلها معرفة وأنه لا يدعو لوالدية بعد الممات الا من كان ابن بار بوالديه، وبالدعاء لهما أخذ صفة الصلاح التي تجمع مجموع صفات الخير والبركة؛ وباستغفار الذكر، والأنثى من أولاد الميت للميت – وهو الدعاء له بالمغفرة – فيه ميزة عظيمة كما قال رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْه ِ وَسَلَّمَ : إِنَّ الرَّجُلَ لَتُرْفَعُ دَرَجَتُهُ فِي الْجَنَّةِ فَيَقُولُ أَنَّى هَذَا فَيُقَالُ بِاسْتِغْفَارِ وَلَدِكَ لَك”؛  كما أن المبادرة قبل المغادرة بفعل الطاعات تكون قربات ورحمات وبركات لمن عسله، وحسنهُ،  فهيأ له عمل صالح يعمله فيموت عليهِ فتكون حُسن الخاتمة، مثل قيام الانسان المؤمن قبل موته ببِنَاء  بيتاً  كدار للأيتام، أو مدرسة، أو يتبرع بشقق سكنية للذين لا سكن لهم وخاصة  الأيتام، والأرامل، أو الفقراء، والمساكين، أو يدفع الرسوم الجامعية للطلاب الذين لا يستطيع أهاليهم دفع الرسوم الجامعية لهُم؛ وكم في هذا كله من أعمال البر، والخير والإحسان؛ وكلها أعمال المباركة إذا قام بها العبد في حياته جرى له ثوابها قبل، وبعد الممات بإذن الله عز وجل؛ وعن ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِي اللَّه عَنْهمَا أَنَّ سَعدَ بْنَ عُبَادَةَ رَضِي اللَّه عَنْهم تُوُفِّيَتْ أُمُّهُ وَهُوَ غَائِبٌ عَنْهَا فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أُمِّي تُوُفِّيَتْ وَأَنَا غَائِبٌ عَنْهَا أَيَنْفَعُهَا شَيْءٌ إِنْ تَصَدَّقْتُ بِهِ عَنْهَا قَالَ نَعَمْ قَالَ فَإِنِّي أُشْهِدُكَ أَنَّ حَائِطِيَ الْمِخْرَافَ  اسم لبستانه سمي بذلك لكثرة ثمره  صَدَقَة ٌ عَلَيْهَا””؛؛ وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَجُلا قَالَ لِلنَّبِي ِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّ أَبِي مَاتَ، وَتَرَكَ مَالا وَلَمْ يُوصِ فَهَلْ يُكَفِّرُ عَنْهُ أَنْ أَتَصَدَّقَ عَنْهُ قَالَ نَعَمْ””؛ وعَنْ سَعْدِ ابْنِ عُبَادَةَ قَالَ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ أُمِّي مَاتَتْ أَفَأَتَصَدَّقُ عَنْهَا قَالَ نَعَمْ قُلْتُ فَأَيُّ الصَّدَقَةِ أَفْضَلُ قَالَ سَقْيُ الْمَاءِ”؛ ومما يصل إلى الميت كذلك الحجّ والعمرة عنه بعد أن يكون الحيّ قد حجّ واعتمر عن نفسه؛ وقد روى عَبْد اللَّهِ بْن بُرَيْدَةَ عَنْ أَبِيهِ رَضِي اللَّه عَنْه قَالَ بَيْنَما أَنَا جَالِسٌ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذْ أَتَتْهُ امْرَأَةٌ فَقَالَتْ إِنِّي تَصَدَّقْتُ عَلَى أُمِّي بِجَارِيَةٍ وَإِنَّهَا مَاتَتْ قَالَ فَقَالَ وَجَبَ أَجْرُكِ وَرَدَّهَا عَلَيْكِ الْمِيرَاثُ قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّهُ كَانَ عَلَيْهَا صَوْمُ شَهْرٍ أَفَأَصُومُ عَنْهَا قَالَ صُومِي عَنْهَا قَالَتْ إِنَّهَا لَمْ تَحُجَّ قَطُّ أَفَأَحُجُّ عَنْهَا قَالَ حُجِّي عَنْهَا، ومما ينفع الميت أيضا قضاء نذره لحديث ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ امْرَأَةً جَاءَتْ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ إِنَّ أُمِّي نَذَرَتْ أَنْ تَحُجَّ فَمَاتَتْ قَبْلَ أَنْ تَحُجَّ أَفَأَحُجَّ عَنْهَا قَالَ نَعَمْ حُجِّي عَنْهَا أَرَأَيْتِ لَوْ كَانَ عَلَى أُمِّكِ دَيْنٌ أَكُنْتِ قَاضِيَتَهُ قَالَتْ نَعَمْ فَقَالَ اقْضُوا اللَّهَ الَّذِي لَهُ فَإِنَّ اللَّهَ أَحَقُّ بِالْوَفَاءِ، ولذلك فلنترك أثر جميل، قبل الرحيل، ولنبادر بعمل الخير قبل أن نُغادر، فلا نعلم كم بقي من عمرنا باقِ بقيةٍ، نسأل الله عز وجل أن يحسن ختامنا، وختامكم، وأن يرحمنا فوق الأرض وتحت الأرض، وأن يسترنا ويرحمنا يوم العرض أمين.
الباحث والكاتب الصحفي، المحاضر الجامعي، والمفكر العربي، والمحلل السياسي
عضو نقابة اتحاد كُتاب وأدباء مصر
رئيس المركز القومي لعلماء فلسـطين
المفكر العربي، الإسلامي والأستاذ الجامعي

عن الصباح الفلسطينية

شاهد أيضاً

عمر حلمي الغول

عمر حلمي الغول يكتب : نواقص القرار الاممي

نبض الحياة نواقص القرار الاممي عمر حلمي الغول بين مد وجزر على مدار 171 يوما …

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *