الرئيسية / تحقيقات و حوارات / دراسة قانونية: “الأسس القانونية لقيام الدولة الفلسطينية”

دراسة قانونية: “الأسس القانونية لقيام الدولة الفلسطينية”

158558934490248900

دراسة قانونية:

“الأسس القانونية لقيام الدولة الفلسطينية”
بقلم: أ.د. حنا عيسى
أمين عام الهيئة الإسلامية المسيحية لنصرة القدس والمقدسات
 
عضوية إسرائيل في الأمم المتحدة هي الوحيدة المشروطة بين عضوية باقي الدول الأعضاء. الجمعية العامة لم تلغ ولم توقف شرعية قرارها رقم (181) لعام 1947 الذي يعتمد مفهوم إقامة دولة فلسطين العربية على أساس جوهري هو حق تقرير المصير، المعترف به كمبدأ يعني حق كل شعب من الشعوب في تقرير مصيره كما يشاء، بما في ذلك إقامة دولته المستقلة. وبالطبع، فان هذا الحق ينطوي على ضرورة عدم التمتع به على حساب حق مماثل لشعب أخر، فضلا عن ضرورة حيازة هذا الحق على اعتراف الدول والشعوب الكامل بل وبذل ما يمكن لتحقيقه.
انطلاقا من هذا المبدأ أقرت هيئة الأمم المتحدة عام 1947 قرارها (181) المعروف، الذي نص على إقامة دولتين على الأرض الفلسطينية عربية ويهودية. ويرسي هذا القرار الأساس القانوني الدولي لإقامة الدولة العربية في فلسطين. وهو يحمل، من وجهة نظر الشرعية الدولية، طابعا ملزما لتنفيذه بحذافيره، ويتوجب على جميع الدول أعضاء المنظمة الدولية، أو غير الأعضاء فيها، لا أن تراعيه وتحترمه فحسب، بل أن تبذل كل ما بوسعها كي تساعد على تنفيذه.
وكما هو معلوم، فقد اشترط لقبول دولة اسرائيل في عضوية هيئة الأمم تنفيذها لقرارات الأمم المتحدة ، بشأن مسالة اللاجئين، وحل مسالة وضع مدينة القدس القانوني وحين تقدمت اسرائيل في 29 نوفمبر 1948، إلى هيئة الأمم المتحدة، بطلب لقبول عضويتها في هذه المنظمة الدولية، قامت الأمم المتحدة في ديسمبر بإصدار قرارها (194) الذي يطالب اسرائيل، بالسماح بعودة الفلسطينيين إلى وطنهم وبما أن اسرائيل رفضت هذا القرار، فقد امتنعت الأمم المتحدة، بدورها، من قبول اسرائيل في عضويتها وذلك بتاريخ 17 ديسمبر 1948
وفي 24 فبراير 1949 تقدمت اسرائيل، مجددا، إلى هيئة الأمم المتحدة، بطلب الالتحاق بها، عندئذ طالبت الجمعية العامة من مندوب اسرائيل الحضور، وشرح استعداد اسرائيل لتنفيذ قرارات الأمم المتحدة بشان مدينة القدس ووضعها القانوني وكذلك بالنسبة لموضوع اللاجئين . فقد أعلن المندوب الإسرائيلي بان اسرائيل ما أن تصبح عضوا في هيئة الأمم المتحدة فهي ستلتزم بتنفيذ القرارات المطلوبة منها، وبالطبع، فان الحوار في أروقة الأمم المتحدة دار حول ذلك الجزء من القرار (181) الذي تم إعلان دولة اسرائيل على أساسه، دون إن تقام الدولة العربية الفلسطينية في الوقت نفسه .
أن عدم تنفيذ القرار بفحواه الكامل، ولا سيما الحؤول دون تنفيذه احدث خللا في شرعية التنفيذ الجزئي، أي شرعية إقامة دولة اسرائيل، مما يترتب عليه مضاعفات سلبية للغاية على صعيد العلاقات الدولية .
بعبارة أخرى، قرار الجمعية العامة ينص على إقامة دولة يهودية في فلسطين إلى جانب الدولة العربية. وهذا ما يشكل الأساس القانوني لإقامة دولة اسرائيل ذاتها بشرط تنفيذ هذا القرار بشقيه. أما الوثائق الأخرى التي سبقت إصدار هذا القرار فلا يمكن اعتبارها ملزمة من الناحية القانونية.
وهنا، مثلا، رأى الحقوقي المعروف (سول لينوفيتس) بهذا الصدد، وبخاصة عند تطرقه لوعد بلفور (أن وعد بلفور ليست له أي قوة قانونية إطلاقا، لان بريطانيا العظمى ليست لها الأحقية في السيادة على فلسطين، وفلسطين ليست ملكا لها وليس لها حق التصرف بها. أن وعد بلفور يتضمن نوايا بريطانية لا أكثر ويتمسك عدد آخر من علماء القانون بوجهة النظر نفسها، لا سيما حين يجري الحديث عن توسيع أراضي دولة إسرائيل باستعمال القوة خلافا للقانون الدولي .
كتب الباحث الفرنسي أ.كارس في كتابه المعنون (الشرق الأوسط بين الحرب والسلام) أن كل مراحل الاستعمار الصهيوني لفلسطين بما في ذلك إقامة الدولة الإسرائيلية، وعلى حدود أوسع مما نص عليه القرار (181) جرت في ظل ونتيجة المشتريات المكثفة والواسعة للسلاح الغربي وتجنيد المتطوعين أو المرتزقة إي ما جرى من خلال التشكيلات المسلحة اليهودية لمنظمة الهاغاناه.
أما الآن، وحيث عقدت الدورة غير العادية للمجلس الوطني الفلسطيني ـ الجزائر 15 نوفمبر 1988، وحيث تم إعلان قيام دولة فلسطين المستقلة . وإقرار وثيقتين بهذا الخصوص. هما (إعلان الاستقلال) و (البيان السياسي) فان من المفيد أن ندقق في المبادئ الأساسية التي حددها إعلان الاستقلال لدى بناء هذه الدولة: أن دولة فلسطين هي للفلسطينيين أينما كانوا، فيها يطورون هويتهم الوطنية والثقافية، ويتمتعون بالمساواة الكاملة في الحقوق. وتصان فيها معتقداتهم الدينية والسياسية، وكرامتهم الإنسانية، في ظل نظام ديمقراطي برلماني، يقوم على أساس حرية الرأي، وحرية تكوين الأحزاب، ورعاية الأغلبية حقوق الأقلية، واحترام الأقلية قرار الأغلبية. وعلى العدل الاجتماعي، والمساواة، وعدم التمييز في الحقوق العامة على أساس العرق أو الدين، أو اللون، أو بين المرأة والرجل: في ظل دستور يؤمن سيادة القانون والقضاء المستقل: وعلى أساس الوفاء الكامل لتراث فلسطين الروحي والحضاري في التسامح والتعايش السمح بين الأديان عبر القرون
بكلمة أخرى، حددت هذه الأحكام الواردة في إعلان الاستقلال أسسا للتطور الداخلي لدولة فلسطين كدولة ديمقراطية ذات طابع تعددي يطورها الجميع.
كما أعلنت هذه الوثيقة المبادئ الأساسية لسياسة دولة فلسطين الخارجية. وتلتزم هذه الدولة على الأخص بمبادئ التعايش السلمي، وبمبادئ هيئة الأمم المتحدة. وأهدافها. وبالإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وبمبادئ حركة عدم الانحياز وبرنامجها السياسي .
وتهيب دولة فلسطين بالأمم المتحدة التي تتحمل مسؤولية خاصة تجاه الشعب العربي الفلسطيني ووطنه ـ كما تهيب بشعوب العالم ودوله المحبة للسلام والحرية، أن تساعدها على تحقيق أهداف الشعب العربي الفلسطيني، ووضع حد لمأساة هذا الشعب، لتوفير الأمن له وبالعمل على إنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية .
وتعلن دولة فلسطين، في هذا المجال، أنها تؤمن بتسوية المشاكل الدولية والإقليمية بالطرق السلمية، ووفقا لميثاق الأمم المتحدة وقراراتها . وأنها ترفض العنف، أو التهديد بالقوة ضد سلامة أراضيها، أو سلامة أراضي إي دولة أخرى، وذلك دون المساس بحقها الطبيعي في الدفاع عن أراضيها واستقلالها
وجاء في وثيقة إعلان الاستقلال، أيضا (انه، من الظلم التاريخي الذي لحق بالشعب العربي الفلسطيني بتشريده وبحرمانه من حق تقرير المصير، اثر قرار الجمعية العامة رقم (181) بتاريخ 29 – 11 – 1947، فان هذا القرار ما زال يوفر شروطا للشرعية الدولية تضمن حق الشعب العربي الفلسطيني في السيادة والاستقلال الوطني وإقامة دولته) .
أما المهام السياسية لدولة فلسطين فجاءت صياغتها في البيان السياسي الذي أولى اهتماما رئيسيا بحل القضية الفلسطينية بصفتها جوهر الصراع العربي الإسرائيلي. وفي هذا السياق اقترح المجلس الوطني الفلسطيني انعقاد المؤتمر الدولي الفعال الخاص بقضية الشرق الأوسط تحت إشراف الأمم المتحدة، ورعاية الدول دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي، وبمشاركة جميع أطراف الصراع في المنطقة، بما فيها منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب العربي الفلسطيني.
وتناول البيان السياسي مجموعة من المسائل المتعلقة بإحقاق الحقوق المشروعة للشعب العربي الفلسطيني وفي مقدمتها:
.1 انسحاب إسرائيل من جميع الأراضي الفلسطينية والعربية التي احتلتها منذ العام.
2. إلغاء جميع إجراءات الإلحاق والضم وإزالة المستعمرات التي إقامتها إسرائيل في الأراضي الفلسطينية والعربية منذ العام 1967 .
3.وضع الأراضي الفلسطينية المحتلة ـ بما فيها القدس العربية ـ تحت إشراف الأمم المتحدة، لتوفير مناخ مناسب لإنجاح أعمال المؤتمر الدولي.
.4 حل قضية اللاجئين الفلسطينيين وفق قرارات الأمم المتحدة الخاصة بهذا الشأن.
وينبغي الإشارة إلى أن إعلان قيام دولة فلسطين العربية استند إلى (الحكم) الوطني الناشئ في الأراضي المحتلة للدولة الفلسطينية، وفي مخيمات اللاجئين الفلسطينيين في أراضي البلدان الأخرى، والذي تحقق عن طريق الهيئات الشعبية، وغيرها من هيئات الانتفاضة والإدارة الذاتية، تسييرا فعالا لكافة جوانب حياة الشعب العربي الفلسطيني.
ولابد من التركيز، أيضا، على أن كل هذا النشاط الإداري يجري تحت قيادة منظمة التحرير الفلسطينية. بوصفها الحكومة في المنفى وفقا لمبادئ وأحكام القانون الدولي.
لقد اعترفت الجمعية العامة لهيئة الأمم المتحدة بتاريخ 15 ديسمبر 1988 في دورتها الثالثة والأربعين المنعقدة في جنيف، بقيام دولة فلسطين، مشيرة إلى أن إعلان هذه الدولة جاء تنفيذا مكملا لقرار الجمعية العامة رقم (181) الصادر يوم 29 نوفمبر 1947
ومن، هنا فان الشعب العربي الفلسطيني يعتبر نفسه ـ وعملا بالقانون الدولي ـ يمارس حقه في تقرير المصير، الأمر الذي تشير إليه من حيث الأساس، نظرية القانون الدولي بخصوص الأصالة والهوية بالنسبة للشعب العربي الفلسطيني ذي الخصائص الاثنية المتميزة . وبموجب القانون الدولي يتمتع هذا الشعب بحقوقه، ويؤدي واجباته، بصرف النظر عن دوره في العلاقات الدولية. ويشهد التاريخ أن الشعب العربي الفلسطيني كان دائما يمارس دوره النشيط في سعيه إلى أحداث تأثير ايجابي على العلاقات الدولية.
ويجب القول انه، رغم حقيقة وجود الشعب العربي في فلسطين وممارسات هذا ممارسات هذا الشعب في العلاقات الدولية، فان مواقف الزعماء الصهاينة لم تكن موجهة إلى عدم الاعتراف بهذا الشعب فحسب، بل والى إبعاده الجسدي عن كل صور التعايش الدولي. وحول هذا ذكر أحد منظري الصهيونية الأيديولوجية فلاديمير جابوتينسكي بان (فلسطين يجب أن تكون لليهود وحدهم. وسيكون تطبيق الأساليب المناسبة بهدف إقامة دولة يهودية قومية عنصرا إلزاميا وحيويا في سياستنا على الدوام. والعرب يعرفون جيدا من اليوم ماذا سنفعل بهم؟ وماذا سنطلب منهم؟ وفي هذا السياق يجب خلق جو من (الأمور الواقعية) وإفهام العرب أنهم يجب أن يتركوا أراضينا ويتصرفوا إلى الصحراء.
وفي 28 أكتوبر 1958 قال مناحيم بيغن عضو الكنيست الإسرائيلي في ذلك الحين، واحد أقطاب الصهيونية موجها حديثه إلى ممثلي الجيش الإسرائيلي.
ـ أيها الإسرائيليون، لا يجب أن تكونوا رؤوفين عندما تقتلون أعداءكم. لا تعطفوا عليهم ويجب أن نستمر في ذلك. نقضي على الثقافة العربية المزعومة، ونبني على أنقاضها حضارتنا الخاصة
غير أن شعبنا العربي الفلسطيني، رغم هذه المعاناة وخلافا لها، يعيش ويتطور متمتعا بحقوقه الوطنية المشروعة، المعترف بها في القانون الدولي. ويخوض نضاله من اجل إحقاق هذه الحقوق بالرغم من كل العراقيل التي تعترض طريقه، حائزا على الدعم الدولي الواسع من جانب الدول والرأي العام.
حول أي حقوق يدور الحديث في الوقت الراهن؟ من وجهة نظر القانون الدولي ينبغي عزو الحقوق المشروعة لشعبنا العربي الفلسطيني بالدرجة الأولى بحقه في تقرير المصير، وحقه في إقامة دولته المستقلة، وحق اللاجئين في العودة إلى ديارهم، أو حقهم في التعويض. وأخيرا حق شعبنا في استخدام كل السبل والوسائل من اجل تحقيق هذه الحقوق، حتى اللجوء إلى أعمال عسكرية ضد المعتدي والمحتل.
ولابد من التنويه في هذا الصدد بان جموعا ضخمة من المواطنين العرب، وجدت نفسها في مخيمات اللاجئين، أو هاجرت إلى البلدان الأخرى على أثر الإرهاب والعنف والبطش التي مارسها المتطرفون الإسرائيليون في سنتي 1948 – 1949 حتى وصل عدد اللاجئين الإجمالي في عام 1949 إلى 800 ألف فرد. وأقدمت السلطات الإسرائيلية على التشبث بالأراضي العربية المتروكة.
ووضعت الأراضي العربية الملاصقة لحدود اسرائيل (منطقة الجليل الأعلى، والمنطقة العربية وسط البلد، وقطاع غزة) تحت الإدارة العسكرية. وأخذت السلطات العسكرية في هذه المناطق تطبق قانون ملكية أملاك الغائبين على نحو ضمن إعادة توزيع الأرض لصالح المستوطنين اليهود .
ومنحت السلطات المدنية حق التصرف في إعلان أية مدينة أو قرية مسكونة بالعرب (منطقة متروكة) وإعلان ممتلكاتهم (متروكة) أيضا (وبالتعبير الإسرائيلي :أملاك الغائبين وبموجب القانون الصادر في 10 ـ 3 ـ 1953 في اسرائيل، فان(جميع الأراضي التي تم الاستيلاء عليها، أو الحفاظ عليها، أو توزيعها، أو الانتفاع بها، لسد حاجيات ما بعد 14 مايو 1948 لغرض تامين متطلبات التنمية أو الاستيطان أو الأمن والتي لم يقدم ملاكها أية شكاوي بصددها، تم وضعها في ملكية إدارة التنمية)
وعلى أساس هذا القانون تمت مصادرة زهاء 16 إلف هكتار من الأراضي التابعة للعرب .
وفي الفترة ما بين السنوات 1947 – 1966 جرى إدراج قضية اللاجئين الفلسطينيين 35 مرة على جدول أعمال الهيئات والأجهزة الرئيسية لهيئة الأمم المتحدة ولجانها الأساسية. وكانت الجمعية العامة تهيب على الدوام بالحل العادل لمشكلة اللاجئين معترفة بشكل مباشر بحقهم غير المنزوع في العودة أو الحصول على التعويض.
من المعلوم أن الجمعية العامة أصدرت في ديسمبر (كانون الأول) 1948 القرار رقم (194 / 3) الذي نصت فقرته الثانية على ما يلي:
يجب السماح لأولئك اللاجئين، الذين يودون العودة إلى ديارهم والعيش في سلام مع جيرانهم، بان يقوموا بذلك بأسرع ما يمكن. أما أولئك الذي لا يرغبون في العودة، فيجب أن يدفع لهم التعويض لقاء ممتلكاتهم، أو إتلافها، أو خسارتها، أو ضياعها). ومنذ ذلك الوقت فالجمعية العامة وغيرها من هيئات الأمم المتحدة أكدت هذا الحكم مرارا. من المعلوم أن احد شروط قبول اسرائيل في عضوية هيئة الأمم المتحدة تمثل في طلب تسوية مشكلة اللاجئين وفقا لأحكام القرار194/3
وجاء في قرار الجمعية العامة رقم (273/3) الصادر في 11 مايو 1949 على وجه الخصوص ما يلي:
(أخذا بعين الاعتبار بيان دولة اسرائيل بشأن قبولها الالتزامات الناجمة عن ميثاق الأمم المتحدة، وتعهدها بتنفيذ هذه الالتزامات منذ أن تصبح عضوا في هيئة الأمم المتحدة) . وبناء على القرارين بتاريخ 29 نوفمبر 1947 وبتاريخ 11 ديسمبر 1948 ونظرا للبينات والتفسيرات التي قدمها مندوب حكومة اسرائيل في اللجنة السياسية بصدد تنفيذ القرارين المذكورين.
وفي ضوء ذلك، قررت الجمعية العامة قبول اسرائيل في عضوية هيئة الأمم المتحدة
ولم تفعل الحكومة الإسرائيلية شيئا لتنفيذ هذا القرار، والقرار الصادر بتاريخ 11 ديسمبر 1948 وأثناء حرب حزيران (يونيو) 1967 أصبح حوالي 350 ألف لاجئ فلسطيني في قطاع غزة وزهاء 300 ألف في الضفة الغربية لنهر الأردن وقرابة 200 ألف منهم في سوريا من جديد، عرضة للتصرفات الوحشية للقوات الإسرائيلية. وتبين معطيات الأمين العام للأمم المتحدة أن حوالي 10% من سكان الأردن تم تهجيرهم من مكان إقامتهم. في محاولة تستهدف تبرير سياستها الخارقة للشرعية الدولية، تطرح إسرائيل طائفة من الحجج أبرزها التالية:
أن مشكلة اللاجئين هي مشكل داخلية بالنسبة لإسرائيل.
أن اللاجئين الفلسطينيين مذنبون بأنهم تركوا بلدهم. أن عودة إعداد كبيرة من العرب، المعادين لإسرائيل، تعني، في حالة تحقيقها نشوء (طابور خامس) يشكل ما يزيد عن نصف سكان البلد، وقد يعرض جود إسرائيل، كدولة للخطر.
أن حجة إسرائيل الأولى لا تصمد أمام أي انتقاد، لان مسالة اغتصاب ارض الغير وطرد السكان الأصليين لا يمكن أن تكون شانا داخليا لإسرائيل. وعلاوة على ذلك فان تجمع الأعداد الكبيرة من اللاجئين في أراضي الدولة الأجنبية يترك أثره السلبي على تطور هذه الدول، ويخلق توترا في علاقاتها مع إسرائيل. وفي الأردن مثلا شكل اللاجئون 36% من عدد السكان الإجمالي؟ وفي لبنان 8%وفي سورية 2% علما بان الأردن ولبنان وسورية هي بلدان نامية لا تقدر على تامين فرص العمل لمثل هذا العدد الهائل من اللاجئين ,مما يؤدي إلى التوتر الداخلي فيها .أما حجة إسرائيل الثانية فهي مختلفة بكل بساطة ويمكن الاستشهاد بالإسرائيليين أنفسهم لإثبات ذلك .واظهر تقرير وكالة الغوث الذي تم توزيعه في هيئة الأمم المتحدة في سنة 1968 أن عدد اللاجئين ازداد بمقدار 525 ألف فرد 175 ألف فرد شردوا للمرة الثانية.وذلك اثر حرب حزيران في الشرق الأوسط وأشار التقرير إلى أن اللاجئين العرب الذين طردهم الغزاة المحتلون من الضفة الغربية لنهر الأردن وقطاع غزة ومنطقة شبة جزيرة سيناء يعانون من الجوع ونقص الماء وأماكن السكن ويحتاجون إلى اللباس و المعونة الطيبة .وأقدمت سلطات الاحتلال على إرغام اللاجئين الفلسطينيين في القطاع على ترك بيوتهم و الانتقال إلى الضفة الغربية لنهر الأردن.واسترشد الغزاة بالهدف الأساسي المتمثل في متابعة الاستيطان أراضي العرب الفلسطينيين المنافي للقانون.وفي هذا السياق أبعت سلطات الاحتلال الخطط الرامية إلى استصلاح الأرض في المناطق المنزوعة السلاح على حدود إسرائيل مع سورية و الأردن.وصودر أيضا أكثر من 300 ألف هكتار من الأرض في القدس العربية حيث بنيت المساكن لأكثر من 17 ألاف عائلة يهودية .وفادت جريدة (نيويورك تايمز )في 12 أغسطس 1971 أن أكثر من 13 ألف واطن عربي تم تشريدهم من منطقة غزة .وفي شهر أغسطس من العام نفسه قامت سلطات الاحتلال بهدم 1857 منزلا عربيا في غزة .وفي سبتمبر وجه الأمين العام للأمم المتحدة مذكرة احتجاج لحكومة إسرائيل على تشريد السكان العرب غير المشروع وهدم بيوتهم, الأمر الذي ينتهك انتهاكا فظا للمواد 32, 33, 34, 54, 64 معاهدة حماية السكان المدنيين للعام 1949.وفي هذا المجال يتنافى ادعاء إسرائيل القائم بأنها لا تتحمل المسؤولية عن ظهور جموع غفيرة من اللاجئين مع الحقيقية .ولا يمكن الاعتراف بصحة وصواب الحجة الثالثة للأوساط الإسرائيلية الحاكمة, والتي تتمثل في عدم جواز اللجوء إلى أعمال ضد العرب ومنعهم من العودة إلى ديارهم في حالة وحيدة, هي صيرورة العرب أغلبية بحكم ظروف التطور التاريخية والاقتصادية في أراضي إسرائيل.ذلك من وجهة نظر القانون الدولي يجب تهيئة الظروف المماثلة للحياة بالنسبة لجميع السكان بغض النظر عن الانتماء القومي و الجنس واللغة والدين.عندئذ لابد من الأخذ بعين الاعتبار أن العرب و اليهود عاشوا سوية في فلسطين فترة طويلة ,وكانت العلاقات بينهم سلمية وحسنة كعلاقات الجيران وبما أن تنفيذ التزامات إسرائيل الدولية تجاه اللاجئين قد يعرض هيمنة الأوساط القومية المتعصبة الدينية في إسرائيل للخطر ,ووجود إسرائيل كدولة ,فان هذه الأوساط تطرح هذا البرهان الشوفيني الذي يعني ,عمليا ,انتهاج سياسة الإبادة الجماعية التي حظرتها معاهدة العام 1948 في ما يتعلق بمنع جرائم الإبادة الجماعية .ومعاقبتها بصفتها الجريمة الدولية .وهكذا فحق العرب المشروع في العودة إلى ديارهم (و/أو) الحصول على التعويضات لقاء فقدان ممتلكاتهم من حيث القانون الدولي يعتبر امرأ لا شك فيه, قابلا للتحقيق الشامل و الفوري.أما عدم تطبيق هذه الأحكام من القانون الدولي فسيتتبع إثارة مسالة مسؤولية دولة إسرائيل وقادتها .أن أعمال السلطات الإسرائيلية غير المشروعة ورفضها تنفيذ قرارات الأمم المتحدة أثارت حركة المقاومة في الأراضي المحتلة التي تحمل طابعين سلمي (على شكل الانتفاضة ) ومسلح (حركة الفدائيين.إن هذه الأعمال للشعب العربي الفلسطيني ترتدي طابعا مشروعا بما في ذلك حقه المشروع في المقاومة المسلحة وطرد الغزاة من الأراضي المحتلة في حال رفضهم تنفيذ مقتضيات الشرعية الدولية.
إننا نرى أساسا قانونيا لهذه الإعمال (الفلسطينية )بالإضافة إلى القرارات المناسبة للجمعية العامة في المادة الرابعة من معاهدة جنيف للعام 1949 بشان التعامل مع أسرى الحرب و المادة الثالثة عشرة نم المعاهدة نفسها بشان مصير الجرحى و المرضى في الجيوش المقاتلة ,وفي معاهدة جنيف حول حماية السكان المدنيين للعام 1949.وردا على أعمال الفدائيين تنهال السلطات الإسرائيلية بالإرهاب و البطش على السكان الأمنيين الذين يصبحون هدفا أساسيا لأعمال سلطات الاحتلال القمعية .علما بان معاهدات جنيف تحرم استعمال أي عقوبات ضد السكان الآمنين لقاء أعمال الفدائيين.أن الهتلريين مارسوا في حينهم الإرهاب و العنف ضد السكان الآمنين اشتباها لتعاطفهم مع الفدائيين .وحين برر الهتلريون أعمالهم الوحشية ضد الفدائيين واعتقالات الرهائن وتصفياتهم الجسدية من عداد السكان الآمنين ,بالتذرع بان الفدائيين لا يمكن اعتبارهم طرفا شرعيا في الأعمال الحربية بل وقطاع طرق .لم توافق محكمة نورمبرع وغيرها من المراجع القضائية التي حاكمتن المجرمين الهتلريين على مثل هذا الطرح ,وجلبت إلى المسؤولية الجنائية اؤلئك الذين كانوا يقترفون الجرائم ,أو أصدروا أوامر بتصفية الفدائيين لدى أسرهم و التنكل بالسكان المسالمين.وفي هذا السياق أثار اهتماما كبيرا التقريران اللذان قدمتها رابطة المحامين الديمقراطيين الايطاليين إلى المؤتمر الدولي الثاني لنصرة الشعوب العربية ومؤتمر أنصار السلم العالمي المنعقد في برلين . ذلك أن التقريرين تضمنا تحليلا حقوقيا للاحتلال الإسرائيلي في أوجه المختلفة في ضوء مبادئ وأحكام الشرعية الدولية, عالجا مسالة انتهاك حقوق السكان المدنيين في الأراضي العربية المحتلة من قبل سلطات الاحتلال, واستخلصا الاستنتاج بصدد تنافي الاحتلال الإسرائيلي التام مع مقتضيات المعاهدات الدولية وغيرها من الوثائق المنطبقة قانونيا على دولة الاحتلال .أن هذا السياق آثار اهتماما كبيرا التقريران اللذان قدمتهما رابطة المحامين الديمقراطيين الايطاليين إلى المؤتمر الدول الثاني لنصرة الشعوب العربية ومؤتمر أنصار السلم العالمي المنعقد في برلين .ذلك أن التقريرين تضمنا تحليلا حقوقيا للاحتلال الإسرائيلي في أوجه المختلفة في ضوء مبادئ وأحكام الشرعية الدولية ,وعالجا مسالة انتهاك حقوق السكان المدنيين في الأراضي العربية المحتلة من قبل سلطات الاحتلال ,واستخلصا الاستنتاج بصدد تنافي الاحتلال الإسرائيلي التام مع مقتضيات المعاهدات الدولية وغيرها من الوثائق المنطبقة على دولة الاحتلال .
ويستدل من ذلك كله أن تحقيق حق الشعب العربي الفلسطيني في تقرير المصير يجد له انعكاسا وتعبيرا، سواء مسالة اللاجئين العرب أو أعمال هذا العشب في نضاله، من اجل تطبيق هذا الحق بكل السبل المشروعة، يما في ذلك المسلحة منها عند الضرورة، بالإضافة إلى غيرها من الوسائل الهادفة إلى إحلال السلام وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وفقا للقانون الدولي.
وبهذا المعنى، فان قيام حركة المقاومة المنظمة في إطار منظمة التحرير الفلسطينية، جاء نتيجة للتعبير عن ذات الشعب العربي الفلسطيني الشرعية الحقوقية، أسفر عن الاعتراف الواسع بمنظمة التحرير الفلسطينية بوصفها الممثل الشرعي الوحيد للشعب العربي الفلسطيني في الساحة الدولية.
هذا وفي دورته الأولى المنعقدة في مايو 1964 أنشا المؤتمر الوطني الفلسطيني واقر الميثاق الوطني ونظام المنظمة الداخلي. كما تقرر تشكيل جيش التحرير الفلسطيني النظامي، وفصائل فدائية للعمل العسكري في داخل إسرائيل.
وأصدرت الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها 24/ديسمبر /1969 قرارا هاما أكد حق الشعب العربي الفلسطيني في تقرير المصير جاء فيه على وجه الخصوص أن (قضية اللاجئين العرب الفلسطينيين نتجت عن إنكار حقوقهم المشروعة المتفقة مع ميثاق هيئة الأمم المتحدة والإعلان العالمي لحقوق الإنسان). وأشارت المادة الأولى من هذا القرار مباشرة إلى أن الجمعية العامة تؤكد على حقوق الشعب الفلسطيني الثابت (القرار رقم (2535-24).
كما جاء في القرار رقم (2672-25) الصادر عن الدورة الخامسة و العشرين للجمعية العامة :أن الشعب الفلسطيني يملك كل الحق في الحقوق المتساوية وتقرير المصير وان الاحترام التام لحقوق الشعب الفلسطيني الثابتة المشروعة يشكل عنصرا ضروريا لإحلال سلام عادل في منطقة الشرق الأوسط.وهكذا ,فإنشاء الدولة الفلسطينية يمر عبر عدة مراحل ,بدأت المرحلة الأولى بإصدار الجمعية العامة لهيئة الأمم المتحدة القرار رقم (181) في 29/نوفمبر/ 1947 الذي نص – كما سبق لنا أن ذكرنا ذلك أعلاه – على إمكانية إقامة دولتين عربية ويهودية في فلسطين ,وبالأخص يدور الحديث عن التزام كل الدول المشاركة في الحياة الدولية ,باحترام سعي السكان العرب و اليهود إلى إقامة دولتين عربية ويودية ,و المساعدة على تحقيق هذه النية واحترام حقوقهم ,بما في ذلك حقهم في تقرير المصير .
وكما سبق لنا وذكرنا، فان تنفيذ جزء من القرار والخلي عن تطبيق جزئه الأخر يجعل كل التصرفات المستندة إلى هذا الجزء وحده أو ذاك عديمة القوى الشرعية ولاغية. وفي هذا الصدد فان الاكتفاء بإقامة دولة إسرائيل فقط مع رفض الاعتراف بضرورة إقامة دولة عربية في فلسطين، يعرض للشك شرعية قيام دولة إسرائيل.
هان لا بد من التذكير أن الطابع الشرعي والملزم للقرار رقم (181) قد أثير الجدل بصدده. وطرحت مجموعة من القرائن ضد الاعتراف بوجود القوة القانونية الإلزامية لدى القرار (181) الصادر في 29/نوفمبر /1947.
ادعى البعض –مثلا- أن القرار (181) يتنافى مع فحوى صك الانتداب بشان فلسطين الذي سرى مفعوله أبان إصدار هذا القرار .فثمة ما يتخطى المادتين 6,5 من وثيقة الانتداب علما بان المادة السادسة نصت على أن الدولة المنتدبة عليها أن تساعد على الهجرة اليهودية بطريقة تحول دون (الانتقاص من حقوق الفئات الأخرى من السكان أو الإضرار بوضعها ).وقيل أيضا أن القرار (181) مع أن الهجرة التي جرت لم تكن هجرة يهودية بقدر ما كانت هجرة سياسية محددة من قبل الصهاينة.هذا أولا, أما ثانيا, لم تكن ( الهجرة ) هجرة بمفهومها العادي المعتاد, بل وكانت غزوا جماهيريا صهيونيا بهدف تغيير المجتمع الفلسطيني.ثالثا, كانت هذه الهجرة, أو الاجتياح مهما اختلفت تسمية هذه الظاهرة –انتهاكا فظا لحقوق فئات السكان الأخرى وأوضاعها, بما في ذلك حرمانها من المساكن و الوسط المحيط.بعبارة أخرى:فالقرار, في رأي نقاده, أيد تصرفات الدولة المنتدبة غير المشروعة وأشعل (الضوء الأخضر )أما الهجرة الصهيونية التي جرب بخلاف صك الانتداب.
كما أن المادة الأولى من ميثاق الأمم المتحدة، التي تنص على أهداف المنظمة الدولية والمادة الخامسة والسبعين حول المناطق الخالية من الإدارة الذاتية ونظام الوصاية، لا يمكن تطبيقها بالنسبة للانتداب إلا جزئيا. وفي هذا المجال فان الحق في البحث في موضوع انتداب عصبة الأمم تتجاوز حدود الميثاق، ويتعدى على مبدئه الأساسي المتمثل في حق تقرير المصير الملزم بالنسبة لمنظمة الأمم المتحدة.
بكلام أخر: إن إقرار الجمعية العمومية رقم (181) يتعارض مع إدارة الأغلبية الساحقة من السكان الأصليين، ويشكل خرقا فظا لحق تقرير المصير، لذلك ليست له قوة قانونية.
إن مبدأ مصدر السلطة النابع من رأي الأغلبية، أي ذلك المبدأ الأساسي، والأصيل للديمقراطية والاستقلال. قد أهمل حين طرح موضوع تقسيم فلسطين. لذا يجوز لنا اعتبار هذا القراراً سياسيا كان الصهاينة وأصدقاؤهم قد وضعوه بانتهاك العدالة الاجتماعية والديمقراطية. هكذا يقال: أما فيما يتعلق لصالح لاعتراف بوجود القوة القانونية لدى القرار الصادر في 29/نوفمبر/1947 فهي كالتالي:
من المعلوم أن المادة الثانية (الفقرة 7) تمنع هيئة الأمم المتحدة من أن تتدخل في الشؤون الدستورية الداخلية لأي دولة.ومن المعروف, أيضا, أن فلسطين قبل عام 1945 كذلك كانت تثير قلقا لدى الأسرة الدولية.جاء ذلك في المادة 22-4 من ميثاق عصبة الأمم وأحكام الانتداب الخاص بفلسطين.في عام 1947 لم تكن فلسطين بموجب الانتداب دولة ,وبالتالي تثير مسالة الاختصاصات و الصلاحيات الداخلية لدولة فلسطين .علاوة على ذلك يجب القول أن تدفق أعداد هائلة من المهاجرين الأوروبيين إلى فلسطين كان موضع القلق الدائم لدى المجتمع الدولي.
ومما لا شك فيه إن مشكلة تقرير المصير كانت لب القضية الفلسطينية، ويعطي ميثاق عصبة الأمم والانتداب الخاص بفلسطين دليلا على ذلك. وكان الصهاينة و الفلسطينيون متفقون على أن مسالة تقرير المصير تخص فلسطين مباشرة, رغم اختلافهم في طبيعة المهام المطروحة.ذلك أن الفلسطينيين كانوا يقصدون أن تقرير المصير, ينطبق على كل سكان فلسطين المقيمين في حدود دولة مركزية واحدة, بينما قصد الصهاينة بالدرجة الأولى المهاجرين الأوروبيين, دون مراعاة حقوق أغلبية السكان.ولكن وجود مشكلة تقرير المصير بحد ذاتها جعل من القضية الفلسطينية, على الأخص, موضعا تعالجه الجمعية العامة بصورة مناسبة.ذلك انه لم تكن ثمة أيه هيئة أخرى بديلة من وجهة النظر العملية, تستطيع الانشغال بهذه القضية على مثل هذا المستوى الرفيع من الهيبة و المسؤولية . وفي عام 1947 أدت الممارسات الإرهابية في فلسطين إلى نشوء حالة تجاهل كافة حقوق الإنسان فيها، بما في ذلك الحق في الحياة والعيش. وفي مثل هذه الظروف فأصبح من الهام للغاية أن تتخذ هيئة الأمم المتحدة خطوات عاجلة لحماية حقوق الإنسان.
وتوجهت بريطانيا العظمى , بصفتها الدولة المنتدبة ,إلى الأمم المتحدة بطل أن تأخذ الجمعية العامة على عاتقها المسؤولية على إدارة فلسطين في المستقبل .خاصة وان الفصل 12 من ميثاقها يعطي الجمعية العامة الحق معالجة المسائل المرتبطة بنظام الوصاية الدولية ,و الذي يعتبر وريثا لحقوق نظام الانتداب لعصبة الأمم ,بينما تعتب الجمعية العامة وريثة لحقوق الجمعية الأمم .ولدى تناولها هذه المسالة بصدد المنطقة الانتدابية في جنوب غربي أفريقا في سنة 1950 كتبت المحكمة الدولية للأمم المتحدة في خلاصتها الاستشارية:( أن المحكمة توصلت إلى استنتاج مؤداه :أن الجمعية العامة الأمم المتحدة يمكن وصفها من الناحية القانونية منظمة تتولى وظائف الرقابة التي كانت عصبة الأمم تؤديها سابقا فيما يتعلق بتنفيذ الحكم الإداري في المنطقة الانتدابية ) .وجاء إقرار القرار بثلثي الأصوات دليلا على اعتبار المسالة هامة ,مما خول الجمعية العامة اتخاذ مقررات ذات مفعول قانوني من الدرجة القصوى بصدده.
وقال مندوب الوكالة اليهودية ( الذي عين, فيما بعد, وزير للخارجية ورئيسا لمجلس الوزراء الإسرائيلي ) في 26/ابريل / 1948 صراحة أن هذا القرار يحمل طابعا إلزاميا.واستطرد موضحا انه رغم كون قرارات الجمعية العامة التي تمس سيادة أعضاء هيئة الأمم المتحدة لا تتعدى بموجب القانون الدولي صفة توصيات غير ملزمة قانونيا ,فان القرار حول فلسطين اختلف عن القرارات الأنفة الذكر ,لأنه خص مستقبل الأراضي التي كانت سابقا تحت الوصاية الدولية ,ويم يقم ضمن صلاحيات أي جهة غير الأمم المتحدة أن تحدد مستقبل هذه الأراضي مما جعل قرارها بهذا الخصوص ذا طابع ملزم .
وجدير بالذكر أن وثيقة إعلان قيام إسرائيل تضمنت الإشارة إلى القرار (181) بوصفة ينص على إقامة دولة يهودية في ارض إسرائيل، ويجسد اعتراف هيئة الأمم المتحدة بحق الشعب اليهودي بإقامة دولة له. وورد في الفقرة الأخرى من الوثيقة المذكورة أن الدولة الإسرائيلية أقيمت تلبية لحقوق الشعب اليهودي الطبيعية والتاريخية، وبحكم قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة.
وينبغي القول، انه، رغم ذكر علاقة الشعب اليهودي التاريخية بفلسطين في مقدمة صك الانتداب، فان تاريخ المفاوضات حول الموضوع يشهد إسقاط ادعاءات الصهاينة واثبات حقهم في فلسطين.
وكتب الدكتور _حاييم وايزمان) يقول (أن أكبر الصعوبات نشأت بصدد الفقرة الخاصة بعلاقة اليهود بفلسطين. وبدلا من أن تتضمن الفقرة الإشارة إلى أن اليهود يملكون الحق التاريخي في فلسطين، كما اقترحنا ذلك صيغت على نحو مؤداه أن اليهود لهم صلة تاريخية بفلسطين. أن اللورد كرزون لم يقبل اقتراحنا).
هكذا يشكل القرار (181) أساسا قانونيا ذا بشأن لإقامة دولة إسرائيل. مع ذلك حاولت حكومة إسرائيل أبان حرب حزيران عام 1967 إنكار بقاء المفعول القانوني للقرار (181).
أما فيما يتعلق بالدول العربية، التي اعتبرت في البداية القرار (181) منتقصا من الحق في تقرير المصير، ولاغيا من الناحية الشرعية فهي ترى، حاليا أن هذا القرار له مفعول إلزامي قانونيا، شانه في ذلك شان غيره من قرارات الجمعية العامة التي تعتمد المبادئ نفسها.
ويكتب الأستاذان سن ماليسون،وت .ماليسون بحق أن القوة القانونية النابعة عن هذه الوثيقة الدولية أو تلك لا تتوقف على مدى تنفيذها الكلي أو الجزئي .ثم أن قرارات الجمعية العامة التي تعترف بكون الفلسطينيين شعبا ذا الحقوق المشروعة تتطابق كليا مع المفهوم الأساسي للقرار (181) بشان إقامة دولتين في فلسطين .أن إقراره بثلثي القرارات وأكثر يفتح المجال أمام الاتفاق العالمي الضمني حول تأييد الطابع القانوني الإلزامي لمبادئ القرار (181) الأساسية.
من هنا يمكن التوصل إلى استنتاج مفاده أن المرحلة الأولى من عملية إقامة دولة فلسطين العربية تنحصر في صدور القرار رقم (181) عن الجمعية العامة للأمم المتحدة. بينما تشمل المرحلة الثانية انطلاقة حركة التحرر الوطني وقيام منظمة التحرير الفلسطينية، وتشكيل لجنتها التنفيذية التي تجسدت فيها صفة ذات القانون الدولي للشعب العربي الفلسطينية. ثم حلت مرحلة جديدة شهدت الاعترافات المتزايدة بمنظمة التحرير الفلسطينية، بصفتها الممثل الشرعي الوحيد للشعب العربي.
الفلسطيني، وراح الشعب العربي الفلسطيني يلعب دورا نشيطا في الحياة الدولية بحيث يهم بقسطه في تنمية وترسيخ الشرعية الدولية.
أخيرا وليس اخرا يجب اعتبار إعلان قيام الدولة الفلسطينية من جانب المجلس الوطني الفلسطيني في عام 1988 مرحلة جديدة ثالثة في سياق إنشاء الدولة الفلسطينية. ويمكن الافتراض قد تكون هناك مرحلة رابعة حين تستكمل عملية بناء الدولة الفلسطينية في ارض فلسطين من خلال انسحاب اسرائيل حتى حدود الرابع من حزيران سنة 1967 وبسط السيادة المطلقة على الارض الفلسطينية.
وتوقعت معظم دول العالم بان الدولة الفلسطينية ستقام بتاريخ 4/5/1999 بحسب ما تم الاتفاق عليه بين منظمة التحرير الفلسطينية وحكومة دولة إسرائيل (اتفاقية اعلان المبادئ 1993 والاتفاقية المرحلية 1995) الا ان الاتفاقيات أصبحت في حكم المجهول والماضي وعليه فان الوضع القانوني للأراضي الفلسطينية المحتلة قبل وبعد اتفاقيات أوسلو ما زال حسب القانون الدولي خاضعا للاحتلال الاسرائيلي ، حيث بحسب نص المادة 42 من لائحة لاهاي لسنة 1907 فإن الاراضي الفلسطينية تخضع لحالة احتلال حربي يترتب عليه انطباق اتفاقية جنيف الرابعة لسنة 1949 الخاصة بحماية السكان المدنيين وقت الحرب. وبهذا الصدد أنه وبموجب إعادة الانتشار الاسرائيلية من الفترة 1994 – 1999، أصبح ما نسبته 18% من الاراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967 تحت السيطرة الفلسطينية الكاملة ضمن المنطقة المسماة ” أ ” وبقيت المناطق المصنفة ” ب ” تشكل ما نسبته 19% من الاراضي المحتلة عام 1967، وتتمتع السلطة الوطنية الفلسطينية في صلاحيات مدنية فقط، وبقي الجزء الاكبر من الاراضي المحتلة بما يعرف بالمناطق المصنفة ” ج ” والتي تشكل ما نسبه 60% تحت السيطرة الاسرائيلية الكاملة. أما النسبة للأرض المتبقية 3% فهي محميات طبيعية. وبالتالي لا تملك السلطة الفلسطينية أية صلاحيات في المناطق المصنفة ” ج ” أو في الجزء الشرقي من مدينة القدس المحتلة، سوى صلاحيات محدودة متعلقة بالسكان الفلسطينيين في تلك المناطق.
وبغض النظر عن التصنيفات المختلفة المذكورة أعلاه وما يقترن بها من صلاحيات متفاوتة، فإن المناطق الفلسطينية برمتها ما زالت حسب القانون الدولي خاضعة للاحتلال الاسرائيلي.
لذا، فإن موقف الامم المتحدة بشأن انطباق اتفاقية جنيف الرابعة على الاراضي الفلسطينية المحتلة كان واضحاً منذ عام 1967، باعتبار اسرائيل دولة محتلة لهذه الاراضي، ولم تسلم بالمبررات الاسرائيلية ولا تقف عندها.

عن الصباح الفلسطينية

شاهد أيضاً

received_421978380379975

يوم الارض اهم مراحل النضال للشعب الفلسطيني ضد المشروع الصهيوني

الأسير رائد عبد الجليل ٠٠٠ شكل يوم الارض اهم مراحل النضال للشعب الفلسطيني ضد المشروع …

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *