الرئيسية / ادب وثقافة / سليم النجار يكتب : المراة الفلسطينية السيرة الشعبية الفلسطينية في الكويت

سليم النجار يكتب : المراة الفلسطينية السيرة الشعبية الفلسطينية في الكويت

المراة الفلسطينية

السيرة الشعبية الفلسطينية في الكويت
الحلقة الرابعة
سليم النجار
كان ليل الفحاحيل حبّ ومرح وانس وجدّ وهزل وجدل طافح بأمواج الناس راصدا حقيقيا لنبض الهدير الليلي لبحرها خاصة وقت عودة العائلات الفلسطينية من فلسطين التي قضت إجازتها الصيفية ٠ ويكثر الحديث عن البلاد والعباد هناك ٠
ولكن لا يعني هذا بأي حال من الأحوال لسمح الله وقدر ان هذه الزيارات الصيفية سنوية ؛ فهذا قول مجافي للحقيقة وممارسة للكذب ؛ والكذب كما هو شائع في حياتنا حرام !
فالهوانم الفلسطينيات العائدات للتو من فلسطين ؛ والقاطنات في التجمعات الثلاث في الفحاحيل ؛ حارة سوق الصباح ؛ حارة العوضي ؛ حارة المضخة ؛ يملأن دنيا الفحاحيل بحكايات أثثت ذاكراتنا بقصص عحائبي تفرّدن وحدهن دون نساء الأرض بأبتكارها : عن التاريخ القديم واخبار مواسم قطف الزيتون ؛ والأنس والجن والإنسان والحيوان واللّصوص والأبطال ورجال الدين والخير والشّر ٠٠٠
الذهاب لفلسطين ؛ يعني على الهانم الفلسطينية ان تتحول إلى خبيرة اقتصادية ؛ من اجل توفير وإقتطاع مبلغ من المال من الراتب المحدود والمحدود جدا ؛ وعلى مدى ثلاث سنوات أو اكثر ؛ حتى يكتمل المبلغ المراد ؛ وبعدها تنطلق رحلة علي بابا ؛ براً ؛ ومن المؤكد ان الطيران غير وارد في الرحلة ؛ فهذه جريمة يُحاسب عليها الفقر غبر المدقع ؛ نعم كان هناك مطار ؛ لكن الوصول له من عمل الشيطان ؛ ومن شارع الجهراء في مدينة الكويت ؛ ومن خلال مكتب السفريات ومن اشهر المكاتب سفريات العكر ؛ وهي من العائلات النابلسية ؛ ينطلق الباص على حدود الكويت المتاخ للحدود العراقية المعروفة بإسم صفوان وتواصل مشوارها ثلاثة ايام ؛ وتحط الرحلة في عمان ؛ ومن بعدها في السيارات إلى الضفة الغربية ٠ وكانت معظم العائلات من قرى جنين ونابلس والقليل القليل من رام الله او طول كرم ٠
ولأجل عيون ( سهام ) ملأت والدتي طفولتي حكايات ووعدتها منذ صغري ان املأ بدوري الدنيا حكايا ٠
وهي تهددني بعد تلك الليلة التي وضعت رأسي على ركبتها لأنام وتحكي لي حكايات عن نابلس ؛ وكيف كانت تذهب لسيمنا العاص ؟ وهي من عشاق فريد الأطرش ؛ ولا تكتمل حكاياتنا إلا بالحديث عن الكنافة والتمرية ؛ وكيفية تخزين الحبنة البيضاء ٠٠٠ التي لن تنتهي لأني سأنام مثلها في عزّ الحكايات ٠٠٠
هناك في ليالي الفحاحيل من نصب حكاياتهن عن فلسطين ؛ يبقى شيء مسكوت عنه ؛ ولا يمكن البوح به ؛ تكاليف رحلة الشاطر حسن لفلسطين ؛ والمبلغ الذي تم توفيره من اجل هذه الرحلة العرمرمية ؛ التي تُصبح اسطورة متجددة من اساطير الفحاحيل ؛ وهي متجددة عبر الزمان أيضا ٠٠٠
بعض الخبيثات من الهوانم اللواتي لم يحظن بالرحلة يؤكدن ان المبلغ لا يتحاوز ( ٥٠٠ ) دينار كويتي ؛ وهو رقم فلكي بكل المقايس في ذاك الزمان ؛ إلا ان هذا الرقم لا يصمد كثيرا امام البعض الأخر ويصرن بدورهم ان الملبلغ لا يتجاوز (٣٠٠ ) دينار كويتي ؛ وما بين شّدْ وجذب ؛ يتم تجاوز هذه القصة ؛ اذا ما تدخلت أحدى الهوانم المدنيات ؛ لتتوحد قوى الهوانم الفلاّحات امام المدنيات ؛ ويصبح موضوع الرقم المالي في خبر كان ٠
لولا هسهسة الموج تجذبنا لتذكرنا بأن ليل الفحاحيل هو ليل طرب أيضا واصوات تصدح بالشجن العراقي ٠٠٠ وتختلط أغاني ناظم الغزالي بأغاني أم كلثوم وأغاني العتابا ؛ وضحكات الأطفال ومرحهم بين أمواج المُحتفلين بالعرس ؛ الذي كان يُقام في حارة سوق الصباح ؛ الذي اصبح هذا العرس بهذه الشاكلة نفلة نوعية ؛ بعد ان كان في أوائل الستينات من القرن الماضي بسيط ويشارك فيه اهل الأحواش ؛ اما الأن ونحن على اعتاب العام ١٩٦٨ فالحال تغير ؛ وخاصة اصبحنا سكان عمارات ؛ فدخل صوت ناظم الغزالي وام كلثوم والعتابا ؛ بينما عمّال المخبز الأيراني الوحيد في حارة سوق الصباح ؛ بحتجون ويصرخون ويننطقون بلكنة عربية مكسّرة وبنكهة إيرانية ؛ لأن الأعراس تٌقام امام المخبز وهذا قطع ارزاق ٠ ولكن لا احد يستجيب لصراخ الأيرانيين ٠
أما السؤال الحاضر الآن :
فما اكثر ما يحدث ٠٠ ؟ وما أكثر ما لم يحدث ٠٠٠!
فهل ياترى سيتحقق هذا البعد الانتقائي وانا استدعي ذاكرتي ٠٠٠ ؟
٠٠٠هل انا بصدد القيام بطلاء جدار آيل للسقوط ٠٠٠ وانا أعاني احتباسا حكائياً ومغصا لغوياً ٠٠٠ ؟
لا جواب ٠٠٠
وهكذا بدأت اكتب ٠٠٠!،
كان اللافت ان الحجاب المتعارف عليه اليوم ؛ غير معروف عند الهوانم ؛ فكل ما في الأمر غطاء رأس ؛ أما السيدات المدنيات من الفلسطنيات القادمات من حيفا ونابلس ورام الله وعكا ؛ لا يتعاطون مع هذا الغطاء ؛ ورغم هذا الخلاف في البس بين الهوانم ؛ إلا لم يشكل محور للنقاش والأسشتباك اللغوي ؛ بل كان شيء لم يكن ؛ لأن هناك أمور أكثرا الحاحا بالنسبة للهوانم مدنيات وفلاّحات تدبير الوجبات الثلاث المتعارف عليها عالميا ؛ من الطعام ؛ علما ان هذه المعرفة ايام البلاد لم تكن موجودة ؛ كان هناك وجبتان الفطور والعشاء ؛ اما اليوم في حارة الصباح ؛ فالأمر تغير ؛ فرب الأسرة اصبح موظف أيٍ كانت وظفته ؛ يعود من عمله ظهرا ولابد ان يجد الغذاء جاهز ؛ وكذلك العشاء بعد عودته من العمل الثاني وهذا عُرف لمعظم ارباب الأسر الفلسطينية لأن الراتب وحده لايكفي بتوفير مصاريف الحياة ٠
أمّا أنا فقد انسحبت إلى موعدي السريّ ٠٠٠ أسير مع حافة شاطئ البحر حافي القدمين اتلذذ بمياهه الباردة تحت انعكاسات الأضواء لشارع الدبوس وكنت اتصورها كحدائق غنّاء ٠٠٠!

عن الصباح الفلسطينية

شاهد أيضاً

غصون غانم

جلسة على موائد الفلسفة

جلسة على موائد الفلسفة في كتاب ( دوستويفسكي وكانط _ حوارات الأخلاق ) للكاتبة أفرجينا …

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *