عدلي صادق: عدلي صادق : ضآلة التمحيص العربي في الشأن السوري بتاريخ الأثنين 30 يناير 2012
الموضوع: قضايا وآراء
|
 ضآلة التمحيص العربي في الشأن السوري عدلي صادق لم يتبق سوى إتمامي للفصل الأول، من كتابي الجاهز للطباعة،
ضآلة التمحيص العربي في الشأن السوري عدلي صادق لم يتبق سوى إتمامي للفصل الأول، من كتابي الجاهز للطباعة، بعنوان: جذور الاستبداد "الأسدي" في سورية. وقد أخرت كتابة الفصل الأول، استكمالاً للمراجع، إذ سيكون هذا الفصل، بمثابة مدخل وتوطئة، بمنهجية سوسيولوجية، تستعرض جذور هذا الاستبداد "الأسدي" المروّع. وفي الحقيقة، لم يكن ثمة مرجع، في مكتبتي، يفيد على هذا الصعيد؛ أوفر شرحاً من الجزء الثاني من الأعمال الفكرية والسياسية الكاملة، للمرحوم الأردني الاستاذ منيف الرزاز، الأمين العام لحزب البعث العربي الاشتراكي في العام 1965. فقد وقعت عيناي على مجلدات تلك الأعمال الكاملة، لدى بائع كتب قديمة ومستعملة، في "سقف السيل" في عمان. فالراحل المفكر منيف، الذي ربما يكون الراحل العزيز المفكر عبد الله حوراني، قد أطلق اسمه على نجله الأول، يُعد رجلاً غزيز الثقافة، ويطرح آراءه وأفكاره بموضوعية مقنعة. وهو يشرح في الجزء الثاني من أعماله، كيف نشأت عسكرة العمل الحزبي البعثي، وكيف اتخذ العسكريون، من طوائفهم متكأً لصراعاتهم ومؤامراتهم ضد بعضهم البعض، لتحقيق طموحاتهم في أدوار الزعامة والهيمنة على البلد. وفي السياق، يكتب الرزاز مبكراً، كيف نشأت الطائفية، وكيف تصارع الضباط الذين رقّاهم الحزب، وقفز برتبهم العسكرية من نقيب الى لواء، وكيف جرت بين أولئك الديكة التسويات العجيبة دون مراعاة لتراتبية الأجيال وحقوق الكفاءات، وكيف أعيدت صياغة الألوية والكتائب، وفق قاعدة الانتماء الطائفي، بحيث يأتمن كل آمر لواء ضباطه جنوده، بشفاعة طائفته التي ينتمي اليها أكثرهم، على أن يمضى مضغ الكلام بمفردات الأمة والقومية والوطن العربي الواحد، من ماء الخليج الى ماء الأطلسي! كنت أتردد في الإطلال على ما ينتجه "المركز السوري للدراسات السياسية والاستراتيجية" في واشنطن، وذلك لحساسيتي الشديدة حيال هذه المراكز المتوطنة في الولايات المتحدة. ذلك على الرغم من ترؤس د. رضوان زيادة لهذا المركز، وهو أكاديمي سوري الأصل، يعمل استاذاً زائراً ومحاضراً في قضايا حقوق الإنسان، وقد التحق مؤخراً بالمجلس الوطني السوري. وكان المدخل الى بعض نتاج هذا المركز، هو دار رياض نجيب الريس في لندن، التي اهتمت بالكتب الصادرة عنه، وشرعت سريعاً في ترجمتها ونشرها تباعاً، وقد تلقفها القراء المتعطشون لإضاءة الجوانب المظلمة، من الواقع السوري، واتفق الجميع على أنها بحوث رصينة، ومخرجات عمليات بحث أكاديمي محترم. وبدا أن بعض أفضل الكتب التي وضعها باحثون مختصون، استشهد برواية منيف الرزاز، التي حُسمت الكثير من النقاط على اساسها، ومنها أن حزب البعث، أياً كان متزعمه في سورية، ركز على الريف، حيث يعيش الفلاحون الناقمون على سلطة الإقطاع، وعلى الأقليات الدينية التي تبحث النخب منها، عن هوية تضعها في موقع المساواة مع الأكثرية، ولا تأخذ بالمعايير المذهبية. فمن خلال حزب قومي لا يفرق بين أبناء الطوائف، يكون الجسر والقاسم المشترك، الذي من شأنه تحييد عامل العدد والغلبة العددية. لكن الباحث المثابر، يتعين عليه أن يواصل توصيف الواقع بعد ذلك الفصل الذي يؤاخي ـ عن حق ـ بين الناس؛ فيتحدث عن مفاعيل الحكم العسكري البعثي، الذي حاد عن التقاليد الحزبية، وأنشأ منظومة أمنية، موصولة بمنظومة نقابية منتشرة في أرجاء البلاد، اغترفت من أبناء الطبقة الوسطى من كل الطوائف، وشكلت قاعدة اجتماعية للنظام، ما تزال ولاءاتها ظاهرة في بعض الساحات حتى اليوم. ريموند هينبوش، الباحث الأسكتلندي، كتب عن الشأن السوري بعمق، وشرح كيف تمكن النظام من إدامة وجوده، فيما يمثل ظاهرة فريدة في التاريخ، حتى أن هذا النظام، لم يكن يصدق أن رياح ما يُسمى بـ "الربيع العربي" سوف تطاله في أي يوم. أما الباحث ستيفن هايدمان، فقد شرح آليات الاستبداد، في كتابه "التسلطية في سورية" وذهب الى ما ذهبنا اليه بتلقائية، وهو أن حزب البعث لا يتحمل وزر "الأسدية" بل إن الطائفة النصيرية (العلوية) لا تتحمل وزرها، لأن الحكم في سورية بات أضيق من عائلي في قمته، ويستند الى شبكة متداخلة من مصالح اعتصار المجتمع ومصالح الأمن. وتعرضت باحثة أخرى، اسمها ليزا وايدن، لرموز الخطاب "الأسدي" ذات الصياغة الهادفة الى تمرير المراحل وضمان استمرارية الهيمنة. غاية القول، إن غياب المؤلفات العربية، التي تتقصى وتنقّب في الشأن السوري، كان لافتاً بالنسبة لمراكز البحوث المهنية الرصينة. بل إن تناول الشأن السوري، حتى في الدراسات المفبركة، المؤيدة منها للحكم "الأسدي" ظل امتيازاً للأجانب وعلى النظام المستفيد أن يدفع للمؤلف وللمترجم، لكي يباع الكتاب في دمشق. فلا بحوث عربية اهتمت بواقع هذا البلد العزيز المهم، الذي اختطفته طغمة فاسدة ومستبدة. كأنما سورية الحكم والواقع، ظلت محظورة، يمُنع الاقتراب منها أو التصوير. وظلت هكذا حتى بدايات عصر التلفزة الفضائية، إذ لم يُسمع عبر الشاشات، في السنين الفضائية الاولى، أي حديث يهجو الحكم على كل مفاسد النظام وآثامه، وكأنه أرعب الناس عبر الحدود. وقد كتبت في هذا المكان، كيف اضطرتنا كرامتنا المجروحة، ذات يوم، الى رد الصاع صاعين، للنظام السوري، بعد ان خرج وزير دفاعه العجيب، يتعدى ببذاءة، على شرف الشهيد الرئيس ياسر عرفات. فعندما شاركت في برنامج غير مسبوق في تجرؤه على النظام السوري، كانت ردود الأفعال في الداخل السوري نفسه عاصفة ومندهشة، وعلق على البرنامح عدد من كبار المسؤولين في النظام. المعنى، أن كتّاب الأمة ومفكريها وباحثيها، لا ينتجون بحوثاً أو أعمالاً رصينة، تتقصى بمنهجية، مكامن العفن والظلامية والاستبداد، في ممارسات الأنظمة وأوضاع الأوطان. وكأن هناك نوعاً من التوافق والتواصي، على عدم المس بأي نظام من هذا الطراز، إذ لم يتعرض أي نظام، لنقد منهجي موضوعي لتجربته، ولا حتى مبارك الذي كان يسمح بهامش من حرية التعبير. هذه نقطة نسجلها لوضعها بأيدي الأكاديميين، بعد أن اتسع الفتق على الراتق، وباتت الشعوب تواجه مصائرها بنفسها، وتواجه مآزقها باللحم الحي. فلا يصح ان يسبقنا الغرب في تشخيص أوضاع أوطاننا، وفي هجاء الحاكمين الذي بذلوا دماء وجوههم ودفعوا من سيادة بلدانهم ومن خبز شعوبهم، لاسترضاء الغرب. كانت نتيجة الاستنكاف عن التمحيص، أن نرى اليوم، من النخب العربية، من يصدق كلام النظام "الأسدي" عن وجود مؤامرة تستهدف إبداعاته النضالية والاستقلالية. ومن بين هذه النخب، من لوحظ هزال لغته، في تجربة جامعة الدول العربية عندما تدخلت، سواء من داخل هذه التجربة او من خارجها، بينما الواجب الذي يمليه الضمير، هو أن نؤازر شعبنا العربي السوري في محنته وفي سعيه الى الحرية! www.adlisadek,net adlishaban@hotmail.com
|
|
| |
تقييم المقال |  | المعدل: 0 تصويتات: 0
|
|
|