عدلي صادق: عدلي صادق : مصر وعاصفة هوجاء: حشد استباقي بتاريخ الخميس 24 نوفمبر 2011
الموضوع: قضايا وآراء
|
 مصر وعاصفة هوجاء: حشد استباقي عدلي صادق لو أن يداً التقطت من بين المحتشدين الآن في ميدان التحرير،
مصر وعاصفة هوجاء: حشد استباقي عدلي صادق لو أن يداً التقطت من بين المحتشدين الآن في ميدان التحرير، الآدمي الأجمل والأكفأ والأشد "ثورية" ونقمة على النظام، لكي يصبح رئيساً بدل المجلس العسكري، أو رئيس حكومة خلال الفترة الانتقالية؛ فإن هذا الرئيس المحظوظ مؤقتاً، سيلاقي ما لاقاه عصام شرف، وسيقع في المأزق نفسه، طالما أن الناس متعجلون بالجملة، وذوو أجندات مختلفة بالمفرق! ومهما بلغت هذه الحشود، وغمرت "التحرير" والشوارع المؤدية اليه؛ فإن معايير القياس تختلف بين رؤية وأخرى، إذ تراها عين، وازنة وممثلة لتوجهات الشعب الذي يبلغ تعداده 85 مليوناً، بينما تراها أخرى ضئيلة ولا تمثل اثنين في المئة من هذا الشعب. بعض الرؤى ترى كذلك، أن الاستبداد والفساد، اللذيْن استحثا الثورة، لم يعودا قائمين، وأن المستبدين إما محبوسون أو مختبئون، وكذلك حال الفاسدين، لذا ينبغي أن يتهيأ المصريون جميعاً للعملية الديموقراطية، وأن يتفاعلوا مع الخطوات المؤدية الى مواعيد الانتخابات، مثلما فعلوا بحماسة وتفاؤل، عندما ذهبوا الى الاستفتاء على الإعلان الدستوري في شهر آذار (مارس) الماضي! إن العودة الى وسيلة الحشد المليوني، بدون دكتاتورية مستفزة تكمم الأفواه وتسد الآفاق؛ من شأنها أن تضر بالمستقبل الوطني الديموقراطي للبلاد. وحتى لو اجتمع مليونان على رأي بأن نواقص الحال الراهن وبعض سماته المثيرة للأسئلة والمسببة للقلق (مثل عودة من يسمونهم "فلول" النظام القديم، وبعض التدابير الأمنية التي اقتضاها هدف إعادة الاستقرار الى الشارع)؛ فإن الأخذ بوسيلة التظاهر الحاشد، ستؤسس لتقاليد مضادة لمبدأ التداول الديموقراطي على السلطة. ذلك لأن مُخرجات العملية الانتخابية نفسها، ستكون هشة وقابلة للكسر بمليونية لاحقة، وستكون الحكومة المدنية ضعيفة ومتوجسة. فإن لجأت الى استرضاء الأقلية واسترضاء الجميع، ستتضاءل الدولة وتتعطل برامج الحكم وينتفي الاستقرار، وإن تغالظت لكي تطبق برنامج حكومة الفائزين في الانتخابات، فإنها ستصبح مشيراً أو مباركاً. وإن فرضت الحشود، شخصية بالغة الكياسة والرقة، فإن ضرورات حفظ النظام، في دولة ذات فسيفساء (موازاييك) ثقافي وفكري وديني وسياسي، ستضطر من يحكم، الى الالتزام بحق الدولة في التمتع بوظيفتها أو بشرطها الدستوري، الذي لا يمكن بدونه أن تكون الدولة دولة، وهو أنها صاحبة الحق الحصري في الإكراه، نيابة عن المجتمع ولمصلحته وبالقانون. وفي حال تعيين الفارق بين ما يجري في مصر وما يجري في سورية مثلاً؛ يُقال إن الواقع السياسي المصري الراهن، تتأسس فيه عملية ديموقراطية متفق عليها، بخلاف ما هو عليه الحال في سورية. فقد أطلقت في مصر حرية التشكيل الحزبي، وباتت نشاطات القوى السياسية مشروعة، وزاد عدد الأحزاب عن المئة. لكن هذه التشكيلات الحزبية، ما زالت تركز على حقها في التظاهر أو في الاستنكاف عنه، دون أن ترفضه أو أن تنصح بعدم القيام به، وباتت السياسة عندها، ميداناً للعلاقات العامة ولتوليد الانطباعات عنها وعن أشخاصها، لدى الرأي العام، عبر شاشات التلفزة، لغايات انتخابية بحتة. ولو أخذنا جماعة "الإخوان المسلمين" مثالاً، نرى أنها انشغلت في الجواب عن السؤال ماذا نفعل مع المجلس العسكري أو حيال القوى الأخرى في هذه الفترة الانتقالية؟ وقد أبعدها هذا السجال تماماً عن كل ما ظلت بعيدة عنه طوال تاريخها، وهي الإجابة عن أسئلة أهم: ماذا ستفعل عندما تحكم أو تشارك في الحكم؟ وأين برنامجها؟ وما هي فلسفة الدنيا عندها، الموازية لحديث الدين وضوابطه الشرعية؟ وما هي طبيعة الضمانات لأن يتم الالتزام بالضوبط الشرعية أصلاً؟ وما هي رؤيتها لمصر المستقبل؟ إن الوصول الى الحكم، هو الهدف. ومثلما فعلت الحلقة الفلسطينية من "الإخوان" في غزة، تركز الحلقة المصرية على عنصر المظلومية وعلى مظاهر فساد ونقائص السابقين، مع بعض وعود تتعلق بإنصاف المواطن وتسهيل أمور معيشته (فضلاً عن وعود المقاومة المزلزلة عندنا). وعندما ابتلع المواطنون الطُعم وصوّتوا، ثم حكمت "حماس" بدون برنامج يحدد الضوابط التفصيلية للسلوك، وطبيعة علاقة المشتغلين في العمل العام، بالمقدرات وبالمال وبالملكية العامة وبأرقام معدلات الفقر وحقائق الدخل الفردي والدورة الاقتصادية؛ فإذا بـ "الأيدي المتوضئة" تغترف مما ليس لها، فيغتني مستورو الحال ولسان حالهم يسأل عن المزيد، ويرتفع سعر متر الأرض مع ارتفاع أكلاف الحياة، بفعل المضاربة والازدياد الكبير على الطلب في كل شىء، وتتأجج المكوس التي كان يمقتها الرسول عليه السلام، حين تُفرض بما يُثقل على المواطن، ناهيك عن خيلاء السلطة وترفها ومآدبها التي يُطاح لها في كل مرة، برؤوس عجول بالجملة! ربما المصريون من "الإخوان" ومن السفليين، ومن سواهم الذين كانوا في المعارضة، أقل نهماً وأبسط وأصدق زهداً، وأقل تطلباً للترف، لكن "تشغيل" التظاهر، بالمشاركة المرئية أو بطريقة المشاركة بالتحكم عن بُعد، إنما يؤسس لوسيلة إكراه أخرى، غير تلك التي هي حق حصري للدولة، يؤدي الشُبان فيها اختبارات التمرس على التظاهر، لتكون الجموع الطائعة للحزب المنظم، جاهزة كلما اقتضى الأمر أن ينادي بها المنادي، من فوق منبر! إن قواعد العملية الديموقراطية، تسمح بالتعبير السلمي عن الرأي، وبالتالي بالتظاهر، غير أن الحشد المليوني الذي يستبق خطوات العملية الديموقراطية الجارية، وغايته فرض قرار وتغيير سلطة انتقالية، أعلنت أمس إنها لم ولن تطمح الى الحكم، يعبر عن منحى إكراهي، فيه سمة الاستبداد الذي لا يقصده الشبان المشاركون أنفسهم لأنهم يتظاهرون بالتحريض وببراءة. إن هذا هو ما ينبغي أن تعيه القوى السياسية الجديدة، لا سيما وهي تطرح نفسها، بديلاً لنظام سابق مستبد. وإن لم تعِ، فإن الدائرة ستدور عليها، ولكن متى؟ بعد أن تكون مصر المحروسة قد فقدت الكثير من مقدراتها، أو بعد أن يحدث الأسوأ الذي يريده الأعداء والمتربصون، ولا يريده الوطنيون والشرفاء والمواطنون البسطاء، لأن هؤلاء جميعاً هم الذين يدفعون الثمن! www.adlisadek.com adlishaban@hotmail.com
|
|
| |
تقييم المقال |  | المعدل: 0 تصويتات: 0
|
|
|