عدلي صادق: عدلي صادق : وسام الشرف الرفيع لأبي منيف الحوراني بتاريخ الثلاثاء 22 نوفمبر 2011
الموضوع: قضايا وآراء
|
 وسام الشرف الرفيع لأبي منيف الحوراني عدلي صادق في الذكرى الأولى لغيابه، عاد طيف عبد الله الحوراني الى "المقاطعة"
وسام الشرف الرفيع لأبي منيف الحوراني عدلي صادق في الذكرى الأولى لغيابه، عاد طيف عبد الله الحوراني الى "المقاطعة" لكي يتسلم من صديق عمره وأخيه الرئيس محمود عباس، وسام الشرف من الدرجة العُليا، تقديراً لدوره الوطني والتنويري الرائد والمميز، في مجالات العمل الثقافي والسياسي، والفكر القومي، وفي رعايه إبداعات الألمعيين من أبناء شعبه، في شتى ميادين الفنون. كانت تحمل روحه وترافق طيفه، في المناسبة، أم مُنيف، صديقة طفولته ورفيقة شبابه، ومؤنسة أيامه، على امتداد المسافة الشاسعة، بين نقطة البدء في تخليق الأمل، ونقطة الهجوع في اللحظات الأخيرة، تحت ثقل السقام. هي الشاهدة على خلجات قلبه وعلى كل تفاؤلاته، بما فيها من ومضات فرح، دون أن تفارقه في أماسي القنوط والخوف على مستقبل فلسطين، الأرض والشعب والقضية. وفي لقاء أبي مازن مع أم منيف ونجلها السفير عمرو، استُعيدت الذكريات بين الشابيْن اللاجئيْن اللذين كاناهما أبو منيف وأبو مازن، عندما تواصيا وتوافقا، على الوفاء لكل الأمنيات، التي سكنت قلوب المهجّرين من الديار الفلسطينية! * * * في زمن الأمنيات ذاك، كانت الفكرة قد نضجت مبكراً عند عبد الله الحوراني. فهو الذي شهد بأم عين الفتى الذكي، كيف تمكن الغزاة، من افتراس وطنه، لأن فلسطين، كما هي حتى الآن، ليست إلا "قُطراً" وحيداً في مواجهة العاصفة. في أيام الانتهاب، كان المستعمرون موحدين وراء الصهيونية، والأمة مكبلة في أقطارها. هم مدججون بالسلاح، مرفودون بمقومات الحرب وبأكلاف الإستيطان وبأفانين الخداع، بينما العرب يفرقهم المستعمر، الذي أغرقهم في الجهل والمحن والهوان، وحرص على أن يتحكم في تسلحهم وفي سياساتهم، بعد أن منح بعضهم استقلالات صورية، ومعدات لجيوشهم، تؤدي مهام الاستعراض وفرض هيبة النُخب الحاكمة ليس إلا. رحلة اللجوء نفسها، للفتى عبد الله، بدأت في الوطن نفسه، وقطعت شوطاً طويلاً فيه. فمن "المسمية الصغيرة" قرية الحوارنة اضطرت الأسرة المقاومة، التي فقدت شقيقيه الشهيدين عبد الرحمن وإبراهيم في معركة بيت دراس لأن تغادر القرية بعد احتلالها. اتجهت الى عراق سويدان حيث أخوال عبد الله، وحيثما كان جمال عبد الناصر. وبين الفالوجة وعراق سويدان تنقّلت هذه الأسرة، قبل أن تتسع دائرة الانتقال تباعاً. أوصلت الدروب عبد الله وشقيقته، الى مخيم عقبة جبر في أريحا مدينة النخيل والقمر، لعل التعويض في شح المأكل، يكون رُطباً فلسطينياً جنيّاً. غير أن روح الفتى كانت تهفو الى الغرب، والى الجبل، ومن ثم الى البحر. شق عبد الله طريقه خلسة الى قرية دورا التي نزح اليها جزء من الحوارنة. ومن هناك، تعيّن عليه ان يلتحق بوالديه وببقية الأسرة، في مخيم جباليا في قطاع غزة. تسلل مع شقيقته الى هناك، ليستأنف رحلة التعليم. وفي خط تلك الرحلة، اختلف الفتى عن سواه ممن يراوحون في ذات المكان حتى إتمام الدراسة الثانوية. كأن منحى المقادير جعل فتي صغيراً، يتنوع في إلمامه بتفاصيل وطنه مكاناً وإنساناً. يجوب القرى للتموضع فيها بعض الوقت، ثم ينتقل الى مخيم يتجمع فيه نازحون من كل صوب، ويحس بلقطة من التاريخ الفلسطيني الخاص في أريحا، حيثما تسد الأفق الغربي جبال، كان ينحت الفلسطيني القديم، في حوافها العُليا، ملاذات لرهبان مسيحيته، طلباً للسكون ولصفاء الروح! في سنوات التعليم ما قبل الثانوي، لم تفارق عبد الله الحوراني، فكرة احتياج فلسطين التي استفرد بها الغزاة، لأمتها وللوطن الكبير. استهوته منطلقات "البعث" الذي أعلن أن الحدود بين أقطار الوطن العربي زائفة ومصطنعة، تزول بيقظة الوجدان العربي. آنس في نفسه الجدارة في الالتحاق بالإطار الحزبي لهذا المشروع القومي الذي يسعى الى تلبية الأمنية، سيمّا وأن وجدانه كانت أيقظنه سلفاً، التجربة الشخصية، وما رافقها من عميق التأمل. وسرعان ما أصبح ناشطاً يافعاً، قبل أن ينخرط في سلك التعليم شاباً صغيراً. وكان طبيعياً أن ترفع لغته السياسية، من شأنه في وظيفة التعليم، وفي مجتمع مخنوق مكلوم، يفتش عن لغة مفيدة، تفسر له بشجاعة، سر نكبته، وترسم له ملامح الحُلم والغايات المُرتجاة. هكذا أصبح عبد الله الحوراني، مدير مدرسة، في سن الثالثة والعشرين، وكانت تلك سابقة لم تشهدها المنطقة وربما لم يشهدها تاريخ التعليم في جهات الدنيا الأربع. وليس أدل على جدارة الشاب، بالمكانة التي آلت اليه، من التصاق اسمه حتى الآن، بالمدرسة التي ما تزال قائمة في مخيم خان يونس بدلاً من تسميتها الأولى التي أطلقتها "وكالة الغوث". هنا، غلب الغوث بالفكرة وبالرؤية، على الغوث بدقيق وسمن "المؤن"! على قاعدة تلك التجربة، قام الدور السياسي لعبد الله الحوراني، في سورية التي تمكن "البعث" من الحكم فيها، ليبدأ الحزب محاولاته الأولى، لمأسسة توجهاته النظرية، قبل أن يختلف المسار الفعلي، لمشروع أمّة، بتداعيات حكم العسكر ومن ثم حكم الأسرة. كانت خصوصية التجربة الفلسطينية، هي التي هيأت عبد الله الحوراني، وحفّزته، لكي يعمل في الفضاء القومي. ظل الرجل، في علاقاته، يوائم بين صلته الحميمة بالوطنيين ذوي المشروع الفلسطيني حصراً، والقوميين ذوي المشروع القومي الشامل، سواء كانوا أصحاب مشروع من الكلام، أو مشروع من المحاولات الجادة والرؤية والمناقبية الحقيقيتين. لم يكن أبو منيف، يحس بالحاجة الى تعيين أية فوارق، بين الوطني والقومي. لذا، فاجأ الرجل الوطنيين جميعاً، بمدى جسارته ونبله، عندما بدأ يكتب في نشرة "صدى المعركة" التي صدرت في ذروة الاجتياح الإسرائيلي للبنان في العام 1982، فينتقد نظام الحكم في سورية، الذي تجاهل الحركة الوطنية الفلسطينية وهي تقاتل معركة الدفاع عن البلد وعن مواقعها فيه. كان جفاء السلطة حيال الثورة الفلسطينية واضحاً يكشف طبيعة موقفها من استقلالية الموقف الفلسطيني، ومن الشهيد ياسر عرفات. لم يفكر عبد الله الحوارني في نفسه ولا في الحظوة التي يتمتع بها لدى النظام الأسدي، إن انحاز للحركة الوطنية الفلسطينية. اختار الانتقال الى خيمة الخصوصية الوطنية، طالما أن أدعياء القومية، يجافون الثورة الفلسطينية بدل أن يؤازرونها. ورأى أن من فلسطين، يمكن له أن يتواصل مع ما تبقى من بؤر العمل السياسي القومي، في العالم العربي! على هذا الطريق، رافق عبد الله الحوراني الرئيس الشهيد ياسر عرفات، وكان وجوده الى جانبه، عنصر إفادة عظمى لرؤية "الختيار" وقراءاته للمشهد العربي. وكعضو راعٍ للثقافة، في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، جمع عبد الله الحوراني بين السياسة والعمل الفكري والثقافي، واحتضن المبدعين والكتّاب والأدباء وصادقهم، وعمل على تأسيس وتأهيل الفرق الفنية لإبراز الفلكلور الفلسطيني والمواريث الفنية، كفرقة "العاشقين" وسواها. وكان استثنائياً في حرصه على حضور المدركات الأولى الى جانب الخائضين في لجُة السياسة، حتى أصبح المؤنس، بآرائه، لكل من آلمته تداعيات الخط "الواقعي" وعز عليه حلمه! يطول الحديث عن أبي منيف، الرجل الوفي، الذي أسلم الروح واختتم الرحلة، قبل عام مضى، ليكون له وسام الشرف الرفيع في ذكراه الأولى! www.adlisadek.net adlishaban@hotmail.com
|
|
| |
تقييم المقال |  | المعدل: 0 تصويتات: 0
|
|
|