عدلي صادق: عدلي صادق : في عين الحلوة: مأزق الحياة مع الرصاص بتاريخ الخميس 11 أغسطس 2011
الموضوع: قضايا وآراء
|
 في عين الحلوة: مأزق الحياة مع الرصاص عدلي صادق ربما تصلح المشاهد المثيرة، المتكررة في عين الحلوة، لأن تكون مادة عمل سينمائي مميز،
في عين الحلوة: مأزق الحياة مع الرصاص عدلي صادق ربما تصلح المشاهد المثيرة، المتكررة في عين الحلوة، لأن تكون مادة عمل سينمائي مميز، يشتهر من خلاله كلٌ من المؤلف والمُخرج. يقص الأول حكاية مخيم بائس، أرهقته الأيام، وأوقعت الحروب والمحن، في وجهه، ندوباً عميقة لا تُمحى، واختلطت في وقائع أيامه، مظاهر الخوف والقلق بأوهام الأمان والاستقرار، ثم احتشدت في أزقته وفي زواريبه المغلقة إلا من فتحاتها الوحيدة، تشكيلات المدججين بالسلاح، من آباء الجماجم والضباع والقعقاع، فانتعشت تهيؤاتهم لكي يروا في المخيم، عالمهم الشاسع الذي فيه الأتباع والمُريدين والمعجبين، وفيه المرأة مثنى وثلاث، والخصوبة، والرصاص الوفير، وسبطانات من كل عيار، وقاذفات معدّلة وأخرى نائمة على طرازاتها القديمة، وفيه الأفراح والمناسبات التي يتمنطق فيها "القبضايات" كأنهم امتلكوا نواصي التاريخ، أو كأن المؤرخ، ما زال يغمس قلمه في إناء وعودهم بتحرير فلسطين وسائر بلاد المسلمين، ويكتب! المخرج السينمائي بدوره، ربما يجد ضالته في اللقطات والمفارقات، التي ليس لها مثيل. لقد كانت هولويود نفسها، المفتوحة ـ عند الإضطرار ـ على تخوم جارتها الكبرى لوس أنغيلوس في ولاية كاليفورنيا؛ تهيىء مواقع التصوير في نحو 65 كم مربع، تُعينها على تصوير ميادين حرب عظمى، وتستوعب "ماكيتات" مدن هائلة الأحجام وجموع غفيرة من الجماهير. أما في عين الحلوة المكتظ بنحو ثمانين الف نسمة، فإن مساحته التي لا تتعدى ألف متر مربع، هي بطلة الحكاية: تفيض أوهام "المجاهدين" فيظنون أن امبراطوريتهم في حلوة العين، هي الملاذ الآمن للقتلة، وللخارجين على القانون، وللحالمين بأدوار إقليمية مبهرة، ولمن تضاءلت أهداف جوسستهم الى حجم بيضة، فظنوا أنهم سيوفرون مقومات النصر للقوى الإقليمية البعيدة، عن طريق المخيم! في تسمياتهم، امتشقوا تسمية الأجناد التي اخترعها الخليفة عمر في صدر الإسلام، عندما قسّم الخارطة الى أقاليم عسكرية، وفق خطوط عرضية، الواحد صعوداً بعد الآخر، الى ما بعد حدود تركيا الحالية، سمّاها أجناداً، آخذا بعين الاعتبار، أن الخطر البيزنطي يأتي من الشمال. كان الفاروق يأمر كل "جُند" بالدفاع عن المدن الساحلية التابعة له، على أن يستمد المقومات المادية لمهمته، من أهالي القطاع الجغرافي الذي يذود عنه. هنا ترتسم المفارقة في اللغة السينمائية: الناس قرفوا "الجُند" والمكان ضيّق والحمار رفّاص، وأفراح الصيف وبضائعه في انتظار المدعويين والزبائن والعرائس والفتيات اللاتي يتشوقن للحفل. أما الرهانات على السياسة والأجسام التحريرية، فقد تراجعت الى ما هو أدنى من خط وكالة الغوث. لذا إن فصاحة الجاهلي البديع، قس بن ساعدة، مخترع "أما بعد" كمصطلح خالد نفتتح به الكلام في رسائلنا؛ لم تعد تستميل غشيماً ولا حاذقاً. هنا يصطدم الراضون من أولئك الصابرين على ضيق المكان، بطرفي الاشتباك الذي يلد الاشتباك: جحفل التغيير الكوني انطلاقاً من عين الحلوة، وجحفل مقاومة "الجند" و"العُصبة" و"فتح الإسلام" ومعهم جحفل كل صرعة، لكي تدور عجلة الحياة على هواه فيبقى له شرف السقاية! في حكاية عين الحلوة، تتوافر كل عناصر الحركة (الأكشن) لإثراء الشريط السينمائي. الطرفان المشتبكان بالسلاح، في بالغ حماستهما، بل إن واحدهما يحس بأن شطب الآخر، هو المعادل الموضوعي، لإزالة العقبة الأخيرة قبل فتح القسطنطينية. في هذه الأثناء، يهجم الناس بالفؤوس والرفوش وأكياس الرمل، لإغلاق الطرق وتضييق هوامش الحركة، قاصدين وقف الاشتباك وكفّ أذى الرصاص الأعور. الناس تمتثل لناموس الحياة بل تأتمر بأمره. سرعان ما تتشكل الردميات والسواتر الحجرية، ويتفاقم غضب الأهلين. المشتبكون لخمس ساعات في جولة واحدة، لم يتعرضوا لأية إصابة، بينما رصاهم أصاب الأبرياء من غير ذوي العلاقة. فتية وأطفال، بعضهم ذهب الى حال الموت السريري! يعلو الضجيج، ولم يعد هناك من يكترث ببشارة التوصل الى وقف إطلاق النار في عين الحلوة، مثلما لا يؤخذ على محمل الجِد، أي حديث عن "المصالحة" أو أي وصف لجولاتها! * * * لو أن الصديقين، الروائي والمخرج، اقتنصا من حكاية عين الحلوة، فكرة عمل سينمائي جريىء، وقدما من خلاله معالجة ساخرة أو رصينة، لما يجري في التنظيمات والتشكيلات والتجمعات القلقة أو المأزومة، ولكل ما هو مسكون في أوقاتنا، بالعصاب والرهاب؛ لقيل عنهما إنهما مشبوهان ويخدمان العدو. بالطبع، يتفوهون كأنهم هم الذين فوق الشبهات، ولا يخدمون طرفاً سوى الأمة التي يدافعون عنها على الثغور. لكنهم ي الواقع يعلمون بأن العدو، هو الذي يريدنا أن نظل نتكتم على عوراتنا ومخازينا، وعلى عيوبنا كلها، وأن لا نناقش أمراً لتصحيح حال أو تصويب وُجهة، وأن لا نضع نقطة على حرف، لكي يظل الحابل يختلط بالنابل في كل شأن! ليس أدعى الآن، بخصوص عين الحلوة، من الانحياز لأهالي المخيم، الذين صنعوا الردميات والحواجز بالحجارة، وضيّقوا هوامش المناورة المتاحة لأبي حفض والقعقاع وأبي الجماجم، وأخذوا على أنفسهم عهداً أن لا يزيلوا حواجزهم وردمياتهم قبل الحصول على تعهد أخير وحاسم، ولمرة واحدة، أن لا يعود المشتبكون الى الاشتباك باية ذريعة. لقد راودت الناس فكرة الاستنجاد بجند الضبطيات القضائية الرسمية، حتى وإن عاد أبو أنطون، ذو الشوارب المبرومة، وصاحب الولاية السياسية والقانونية، لكي يأمر فيُطاع! www.adlisadek.net adlishaban@hotmail.com
|
|
| |
تقييم المقال |  | المعدل: 0 تصويتات: 0
|
|
|