أم صبري
عدلي صادق
رحم الله أختنا جميلة صيدم (أم صبري) التي غيّبها الموت الحق، مختتماً مشوار حياة استثنائية، ارتضتها منذ أن كانت عروساً فلسطينية شابة، ساندت خيارات رجلها الثائر، فأذابت كل أحلامها الصغيرة، في بوتقة أحلامه الكبيرة، فلمّا عاجله الموت، وهي لا تزال في ريعان الصبا، حافظت على العهد. توافرت على الأسرتين اللتين تداخلتا في حياتها، منذ اللحظة الأولى: أسرة كبيرة حاضنة للأحلام والنضالات من أجل وطن حُر ومحرر، كان زوجها يتحمل فيها مسؤولية مركزية. ثم أسرة صغيرة، بدا فيها الطفل الذي كانَهُ صبري، رمزاً للتواصل، ولبقاء أبيه الذي قضى في ذروة عطائه، كأنما هو ينوب عن طيفه وأحلامه!
* * *
في البدء، سجلت المرحومة أم صبري مأثرتها الأولى، عندما كان قرار الانخراط في «ثورة المستحيل» خياراً اجتماعياً مخالفا للطبيعي الذي جرى عليه مألوف حياة الأسرة الفلسطينية في الشتات. فحين يُنهي الشاب لعائلة لاجئة من قريتها؛ تعليماً جامعياً يُراد به، ابتداءً، تحسين مستوى الحياة وإعانة الأسرة؛ تكون الوظيفة في سلك التعليم هي المبتغى. ويصبح الاستقرار في المنزل اللائق، هو دُرة الأحلام الخاصة للعروس الفلسطينية. غير أن مسار حياة أبي صبري، ذهب بعد التخرج من جامعة الاسكندرية، الى سلك التعليم في الجزائر كمحطة أو منصة، قبل أن ينتقل الى ما يوائم خياراته، إذ التحق بكلية شرشال الجزائرية، لكي يتلقى دراسة عسكرية أكاديمية، في سياق التهيؤ والتأهل لانطلاقة الثورة. وما أن وضعت حرب 67 أوزارها وباتت ثورة شعبنا هي أمل الأمة وعنوان استرداد ثقتها بنفسها، حتى بات أبو صبري ومعه السيدة المرحومة جميلة، في قلب المعترك. كان البحر عالي الموج. انعطفت الحياة الى عين «العاصفة» التي كان ممدوح صيدم القائد الميداني لفعالياتها في ساحها الرئيسة، وواحداً من كوكبة القامات الرموز المفعمين نُبلاً وإيثاراً وشجاعة ونكراناً للذات. وفي ظلال قامة أبي صبري، وقفت جميلة صيدم تحاكي مناقبية زوجها ومثابرته وعشقه لفلسطين، فامتزجت بروحه ودوره في عين العاصفة، واستمدت منه زاداً معنوياً كأنها منذ أن استبد به السُقام، تهيأت لغياب طويل، بعد الغيبات الكثيرة في المُغر وفي المواقع وفي فترة الاستزادة من التأهل العسكري في الصين!
برحيل أم صبري تكتمل حكاية زوجين مناضلين، اختار فيها الرجل الدرب الصعب وغير المُعبد، فرافقته المرأة الفلسطينية الشابة، ولمّا وافاه الأجل، ظلت وفية له ولأسرتيه، الكبيرة والصغيرة، تنهل من نبع الذاكرة وتمضي على ذات الدرب. يسعدها طيف أبي صبري، راضية بالمقدّر مثلما يرضى المناضلون والمناضلات، بما تقرره لهم مقادير الرحمن!
رحم الله أختنا أم صبري وأسكنها فسيح الجنان. العزاء للأسرتين الكبيرة والصغيرة، ولصبري عضو المجلس الثوري لحركة فتح، على طريق أبيه وأمه!
www.adlisadek.net