عدلي صادق: عدلي صادق : من وحي البيكيني بتاريخ السبت 16 يوليو 2011
الموضوع: قضايا وآراء
|
 من وحي "البيكيني" عدلي صادق نعلم أن الشيخ راشد الغنوشي، زعيم الحلقة التونسية،
من وحي "البيكيني" عدلي صادق نعلم أن الشيخ راشد الغنوشي، زعيم الحلقة التونسية، من عنقود "الإخوان المسلمين" في العالم العربي، وعضو "مكتب الإرشاد العالمي" لهذه الجماعة؛ رجل ذكي، اجتهد على نفسه، فأصبح متفقهاً في الدين، وكاتباً حصيفاً في قضايا المسلمين. خانته حساباته في العديد من المناسبات، لكنه بعد كل مرة، يصبح أصلب عوداً وأصفى رؤية. وللإنصاف، ظل الرجل جديراً باحترامنا، لأنه صاحب مظلومية مديدة، وبسبب نشاطه المبكر واللافت، في فرنسا وتونس وغيرهما، على صعيد مساندة القضية الفلسطينية والتعريف بها! غير أن حسبته الأخيرة، التي أوصلته الى القناعة اللفظية، بوجوب أن يُتاح للمرأة، في الدولة التي يحكمها الإسلاميون، أن تتجرد من ملابسها عند الاصطياف على الشواطىء، إلا من لباس البحر من قطعتين، الذي يسمونه "البيكيني"؛ بدت خاطئة تماماً، ليس من الوجهة الشرعية وحسب، وإنما من الوجهة السياسية أيضاً. وقبل أن يظن متفقهون في الدين، بأنني أنصّب نفسي قاضياً بشرع الله، أو يتوهم مصطافون متحررون، بأنني أطرح نفسي حارساً للفضيلة، كما يرسم معالمها الأصوليون، أو أنني أدعو الى شطب ما يستأنسون به من جماليات الشواطىء؛ فلا بد من التعجيل بالإشارة الى القصد البريء، وهو أن الشيخ الغنوشي، لم يكن مضطراً لتطمين المصطافات. فالتونسيين جُبلوا على حب الدولة المدنية، ولا يفكرون في استبدال دكتاتورية باسم لا شيء، سوى جشع ونرجسية الحاكم وسعر زوجته وأقاربها، وضآلة ثقافة الأول، وسوء منشأ الثانية؛ بدولة يحكمها متحزبون على أساس الدين، تعرف النخبة التونسية المثقفة، من معظم الأطياف، أن "الوقعة" معها، ستكون أقسى من وقعتها مع شفيقة ومتولي. أخونا الغنوشي، حين يسترضي الشارع، بالإعلان عن حرية التجرد إلا من "البيكيني"؛ يقر ضمناً بأن هذا هو الذي يُطمئن التونسيين، ليس لأنهم يؤيدون لباس البحر هذا، ولكن لأنهم يعارضون تقييد خيارات الناس، ولأنهم يتطيرون من تراجع الدخل الوطني العام، الذي تعتبر السياحة بالنسبة له، مصدر الثروة الأول، أو نفط البلاد. فالشيخ "الإخواني" اليوم في تونس، والشيخ "الإخواني" اليوم في مصر؛ باتا على قناعة، بأن استحقاقات الدولة ونواهيها، تختلف عن استحقاقات ونواهي "الجماعة". لذا كنت اتمنى أن يُعلن الشيخ عن التحول الى منهج الدولة المدنية، وأن يؤكد بشجاعة على أمر مهم، وهو أنه متمسك بأوامر الله عز وجل في خياراته الشخصية، وفي منطق الدعوة وفي لغة النشاط الفكري. فليس مطلوباً منه الإطاحة بثوابت الشرع. فموضوع التعري، محسوم قرآنياً في سورة الأعراف: "يا بني آدم، لا يفتننكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة، ينزع عنهما لباسهما ليريهما سوآتهما.." فالإباحة التي أعلن عنها في شكل التأكيد على قبول الحفاظ على زخم السياحة؛ هي إباحة مدنية، تقوم على قاعدة مصالح المجتمع وترتكز الى حقائق التعددية والتسامح وتقبل الآخر! ربما يتسبب تصريح الشيخ الغنوشي، في فوعة المشايخ الكُثر ورجال الفتوى في بيئات متغايرة. أما "الإخوان" فربما يفضلون معالجة الأمر بالتهامس. لكن حجم الموضوع، على صعيد السجالات في داخل وخارج أطر المتفقهين في الدين واحزابهم؛ يوازي قنبلة هائلة الانفجار. وبالمناسبة، كنت من قديم، ومن باب الفضول، تقصيت في الموسوعة البريطانية، عن أصل كلمة Bikini التي أطلقت على لباس البحر الخفيف. وجدت أن للأمر علاقة بالقنبلة الذرية. فالولد الفرنسي (وهو ميكانيكي سيارات) الذي اخترع "البيكيني" وساعده صديق له يطرح نفسه كمصمم أزياء مبتدىء؛ أعلن عن أكتشاف أخف لباس بحر في العالم. وكان الشاب بعد أن وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها، ما زال متأثراً بتفجير القنبلة الذرية. في كل يوم، كان يُقال إن التجارب على هذه القنبلة اللعينة ومكوناتها، كانت تجري في واحدة من سلسلة جزر في جنوبي الباسيفيك، اسمها بيكيني أتول. فأطلق الولد وصاحبه اسم الجزيرة على لباس البحر، قائلاً بالفم الملآن، إن لباساً للبحر أصغر من أصغر لباس؛ ستكون له عند الناس، ردود أفعال شبيهة بما أحدثته في الصيف الماضي، القنبلة الذرية الأمريكية في اليابان! وربما تكون قنبلة الشيخ في تونس، ذات ردود أفعال على مستوى آخر. فطموحات الحكم عند الشيوخ في مراحل ما بعد الاستبداد، تحسب حساباً لأصغر وأخف وأتفه مستلزمات الدولة، لأن لله في خلقه شؤون! www.adlisadek.net adlishaban@hotmail.com
|
|
| |
تقييم المقال |  | المعدل: 0 تصويتات: 0
|
|
|