دفع الثمن
عدلي صادق
بتواطؤ حكومة نتنياهو، وفي مناخاتها؛ تتواصل الهجمات على المساجد الفلسطينية، وتُحاصِر الأفاعي البشرية المسجد الأقصى المبارك، وتدنسه بين الحين والآخر. ولعل ما فعلوه في مسجد أبي بكر في قرية عقربا،
دفع الثمن
عدلي صادق
بتواطؤ حكومة نتنياهو، وفي مناخاتها؛ تتواصل الهجمات على المساجد الفلسطينية، وتُحاصِر الأفاعي البشرية المسجد الأقصى المبارك، وتدنسه بين الحين والآخر. ولعل ما فعلوه في مسجد أبي بكر في قرية عقربا، هو مجرد فصل تدريبي لما يُراد تنفيذه على نحو أفظع في أولى القبلتين.
انفلات المتطرفين الموصولين ذهنياً وعاطفياً وايديولوجياً، بحكومة لم تألُ جهداً لخلق أسباب الحرب الدينية، يقرع طبول الحرب الدينية. فقد كانت هذه الحكومة بعنجهيتها وباستهتارها بالأمم وبالمشاعر والمصائر؛ تمثل أحد أهم أسباب نمو التطرف المضاد في المنطقة. وينم منطق حكومة نتنياهو ومعها رديفها من المستوطنين المهووسين، عن رغبة في جر المنطقة الى فصل آخر من فصول الحروب الدينية التي اشتعلت في العهود القديمة وفي القرون الوسطى. فلم يتبق لهم من السياسة، سوى النطق المتخلف الذي يحاكي نطق مشعلي تلك الحروب التي خاضها الأقدمون نيابة عن آلهة يتوهمونها. وواضح أن هؤلاء الذين يشعلون النار في المساجد ويحطمون أبوابها ونوافذها، يتمثلون شكل الحروب الدينية في موروثهم، وهي حروب يُستطاب فيها الاستحواذ عنوة، على كل ما في ساحات الآخرين وأوطانهم من كائنات حية بشرية ومن ذوات الأربع، وما لا يلزم يُصار الى إحراقه إن لم يكن ذهباً أو فضة أو نحاساً. والمصيبة أنهم عندما يفعلون ذلك باسم ربٍ يتوهمونه؛ يتوعدون من يتلكأ منهم بعقاب سماوي!
وإن كان ما يُسمى "العهد القديم" الذي يتداوله المهووسون، يزخر بتفصيلات وحكايات و"تكتيكات" إحراق، كإشعال النار في ذيل ابن آوى، لكي ينطلق متأثراً بلسعة النار الى الحقول، لإشعالها، فيقضي على المحصول إذ يُحيل سنابل القمح الى رماد، ويضيّع عرق الزراع ويؤلم من ينتظرون الخبز والسعادة في الحياة؛ فإن "العهد الجديد" خلا تماماً من مثل هذه القصص و"تكتيكات" الإحراق والإعدام والإيلام. ولكن عندما أدارت القوة رأس الإمبراطور "غراتيان" في القرن الرابع الميلادي، وجد وسط محبي السلام المسيحيين شيطاناً داهية، في إهاب قديس عميق التأثير، يُدعى "أمبروز" يحثه على شن الحرب الدينية على كل الذين لا يخضعون للإمبراطور ولم يروه، وأن يكون في الحرب إحراقهم والاستيلاء على أوطانهم وممتلكاتهم وسبي نسائهم وأطفالهم. وكانت القدس زهرة المدائن، التي لا ينقلب فيها حجر دون أن يكشف عن حكاية غازٍ مهزوم، معششة في رأس "أمبروز" الذي يريدها حصراً. شُنت الحرب وأُشعل الحريق. لكن شرر تلك الحروب، أصاب مؤمني المسيحية نفسها بعدئذٍ، فتطاحن الكاثوليك والبروتستانت، وتوالت المآسي فصولاً وتفرعت الكنائس. كان كل ذلك، وليد أفكار إمبريالية لا علاقة لها بالإيمان، مثلما هو حال المسلمين عندما تطاحنوا وتمايزت مذاهبهم وشروحاتهم!
اليوم، يكفي لنتنياهو ورديفة من جمهرة المهووسين المستوطنين، أن تنشأ ثلاث دواعش أو أربع أخرى في المنطقة. لنتخيل أن الفعل الصهيوني الهمجي، استحث الخصوبة الداعشية ووفر لها درجات الحرارة اللازمة لإنجاب الأصحاء من الدواعش صحيحي البوصلة، بدل الدواعش المشوهين منحرفي الوجهة والمقاصد؛ اين سيصبح نتنياهو ومن معه ومن صبر عليهم ومن سالمهم ومن لم يخاصمهم ومن ابتسم في وجوههم؟! هل يظن نتنياهو أن الطائرات القاذفة التي استقوت على غزة، ستؤمن له الغلبة والسكينة، بينما درس "كوباني" لا يزال ماثلاً؟!
لعل هذا هو الذي جعل رئيس الدولة في إسرائيل "ريوفين ريفلين" يصرح حانقاً بأن "إحراق دور العبادة عمل إرهابي، سواء كان على خلفية قومية أو دينية أو عنصرية" ويحذر قائلاً:"إن لم نعمل ضد هذه الظاهرة بشكل جدي، فسندفع الثمن جميعاً"!
كأن الرجل يستذكر الحروب الدينية التي استباحت القدس وتفاقمت، لكنها أوصلت المدينة الى حال الألق والعز الذي أصبحت عليه في عهد الفلسطينيين، ويتحسب من مصير مشابه، للغزوة الأخيرة الدينية، باسم اليهودية، التي ستُمنى بالمصير نفسه، إن عربدت واستطالت سفالاتها. ربما هو ينبه الى احتمال مفتوح لـ "دفع الثمن" وهذه هي العبارة نفسها التي يستخدمها المعتوهون ويخطونها على جدران المساجد والكنائس، وعلى حجارة أضرحة الراحلين الفلسطينيين!
adlishaban@hotmail.com