عدلي صادق: عدلي صادق : أبو عِناد بتاريخ الخميس 09 أكتوبر 2014
الموضوع: قضايا وآراء
|
أبو عِناد
عدلي صادق قبل أن يلفظ "أبو عناد" أنفاسه الأخيرة في
القدس، كان الكولونيل توماس إدوارد لورانس، يروّج لمقولة أرادها أن تصبح
نبوءة، وهي تنم عن ضغينة يكنها للرجل، الذي كان قُطب الرحى الأهم، لغَلبة
"ثورة
أبو عِناد الخميس 9/102014 قبل أن يلفظ "أبو
عناد" أنفاسه الأخيرة في القدس، كان الكولونيل توماس إدوارد لورانس، يروّج
لمقولة أرادها أن تصبح نبوءة، وهي تنم عن ضغينة يكنها للرجل، الذي كان قُطب
الرحى الأهم، لغَلبة "ثورة" الشريف حسين العربية على الأتراك، وفي رجحان
كفّتها في ميادين الصحراء، عندما أبلى في القتال بلاء حسناً. كانت المقولة:
"عندما يموت عودة أبو تاية الحويطات (أبو عناد) ستكون العصور الوسطى قد
طُويت فصولاً وبلغت نهايتها". ذلك على الرغم من أن لورانس ذاك، لم يكن ــ
كما هو معلوم ــ إلا ضابط مخابرات بريطانياً، ابتعثته بلاده لمساندة تلك
الثورة نفسها. لكن ضابط المخابرات الذي ابتعثته بريطانيا الاستعمارية، لم
يكن يتمنى لبلادنا العربية، وجهاءً أو حكاماً أو فرساناً، رجالاً من النمط
الشبيه بــ "أبي عناد". كان يريد للمشرق العربي دخولاً الى عصر من التمدن
على نمط الغرب، وكأن هذا التمدن، لم ينشأ عن تطور اقتصادي وعن حراك تجاري
وانفتاح إنساني عبر خطوط المواصلات. ربما كان لورانس يخشى بعد موت "أبي
عناد" من تكرار الأنموذج الذي يمثله، أو كان يرتعد من قيام آباء عناد آخرين
في الصحراء، يتسمون بالمروءة والحشمة، ويطبقون وصية الرسول عليه السلام،
بأن من عَمِلَ عَمَلَ قوم لوط، فليُلقى به من فوق شاهق. ذلك لأن توماس
لورانس، جعل من نفسه، في الصحراء، مطيّة لبدوي يُدعى سليم أحمد، الذي أجمع
محققو التاريخ على أنه هو الذي كان يعنيه عندما أهدى كتابه الشهير "أعمدة
الحكمة السبعة" الى S.A! كان "أبو عناد" كريماً شهماً، لا يميز بين
إخوته العرب. أفقره سخاؤه، إذ دأب على استقبال العابرين من ضيوفه في بيت ذي
سبعة أعمدة يسمونه في الصحراء "بيت مسوبع" فاستوحى لورانس من عدد الأعمدة
عنوان كتابه مع تغيير يؤشّر الى رغبته في أن تكون أعمدة حكمة لا أعمدة
تهوّر! مات "أبو عناد" وتماشى المشرق العربي مع فكرة التمدن ولاحقها
الى باب الدار. انتُهبت فلسطين، وأعطيت الاستقلالات الصورية للأوعية
الكيانية التي رسم الاستعماريون الحدود بينها. وفي واقع السياسة والاقتصاد،
حلّت التبعية في حياتنا، وانتظم الاستجداء وتفشى القهر، وتبدى الاستعلاء
الاستعماري غليظاً مهيناً. فما العمل وقد مات "أبو عناد"؟! في حال
التصحر السياسي الذي حلّ بديلاً للصحراء الجغرافية؛ لم تكن ثمة مشروعية إلا
للدين، وللشروحات حمّالة الأوجه، وذات المسارب والمذاهب في بطون مذاهب.
أبيد كل شىء يجمع الناس على وحدة الوجدان والأمنيات، فانسلّت من بين
الثقوب، جرثومة التطرف الأعمى. كان طبيعياً أن تتكاثر وأن تتناسل. دقت
أجراس خطرها مبكراً، وصمَّ السامعون الحاكمون آذانهم عن صوت الأجراس عجزاً
أو ضجراً أو استئناساً بجحافل الأمن. لم تطرأ على أذهانهم فكرة الإصلاح
السياسي والإداري توخياً للعدالة، بينما جرثومة الأوغاد تتلقى موجات من
المأزومين الحائرين، يقصدون مواضعها المعتمة، بطاقاتهم الشبابية البدنية
وبجموحهم وغضبهم. باتت أكلاف التعليم الراقي المدني، الإنساني والعلمي
البحت، أعلى بكثير من قدرات أسرهم. ولأسباب مختلفة، قام على استيعابهم، على
مستوى القيادات الوسطى، متعلمون ذوو شكايات، وضباط سابقون متدربون قُهرت
جيوشهم وذُلت أوطانهم، وهؤلاء يرتهنون لمتفقهين مشوهين، يطمحون الى إمارة
أو الى دور، وهم على قناعة بأن الدول باتت هشة لأن استقلالاتها بدأت صورية
وهشة أصلاً. هؤلاء عادوا الى ما قبل العصور الوسطى، التي لم تُطو
فصولها بالمعيار السياسي. ظل كل منهم، يفتش لنفسه عن تجربة مقلدة، شوهتها
ضآلة الثقافة وضحالة العلم بالتاريخ، تحاكي تجربة مرت في صدر الإسلام أو في
صدر الصحراء. مات "أبو عناد" فعلاً في العام 1924 لكن الصحراء ظلت
مفتوحة على كل الخيارات، وإن لم يعد بمقدورها أن تنتج أنموذجاً يحاكي عودة
بن حرب بن تايه الحويطات. أما الاستعماريون دعاة التمدن، فقد أغرقوا الأمة
في الهوان، حتى أصبح بلطجي البار افيغدور ليبرمان لا يستحي من توجيه
الإهانة تلو الأخرى، لأمة كبيرة. هؤلاء الإستعماريون، هم الذين فتحوا الثقب
لطلوع الجرثومة، وتعمدوا إلحاق الإهانة بالفضيحة. اليوم، شتان بين هجوم
"أبي عناد" على التركي لكي يرفع ظلماً، وهجوم الدواعش على الأبرياء لكي
يؤسس للظلم وللفضيحة، أم جلاجل وللنزف الغزير! adlishaban@hotmail.com
|
|
| |
تقييم المقال |  | المعدل: 0 تصويتات: 0
|
|
|