عدلي صادق: عدلي صادق : في جامعة ( الاستقلال ) بتاريخ الأربعاء 22 يناير 2014
الموضوع: قضايا وآراء
|
 في جامعة "الاستقلال" بقم : عدلي صادق
زرت أمس موقع العمل لبناء أولى المكتبات الوطنية الكبرى في فلسطين، بمساحة
استيعاب للأرفف والقاعات تبلغ ثلاثة آلاف متر مربع. فقد رافقت المهندس
المشرف الذي تولى الشرح، وسرّني أن جامعة "الإستقلال" في أريحا، ستكون
صاحبة المبادرة في إ
في جامعة "الاستقلال"بقم : عدلي صادق
زرت أمس موقع العمل لبناء أولى المكتبات الوطنية الكبرى في فلسطين، بمساحة
استيعاب للأرفف والقاعات تبلغ ثلاثة آلاف متر مربع. فقد رافقت المهندس
المشرف الذي تولى الشرح، وسرّني أن جامعة "الإستقلال" في أريحا، ستكون
صاحبة المبادرة في إقامة هذا الصرح المعرفي، على الرغم من كونها بدأت
كأكاديمية للعلوم الأمنية. وكنت قبل التوجه الى أريحا، استمع الى حديث الأخ
أحمد عبد الرحمن، عن النقص المزمن في المؤسسات الثقافية، إن على صعيد
الكَم والحجم، أو على مستوى الفاعلية، إذ تكاد تخلو فلسطين من مكتبة ثريّة
تؤدي وظائف المكتبات العامة، كما في معظم بلدان العالم، التي تكون مكتباتها
العامة في متناول الباحثين، كأماكن مفتوحة للوصول الى المعلومة في
التخصصات المختلفة، ويتوافر على الخدمة فيها، مختصون يقدمون خدمات محترفة
في مجال البحث عن المعلومة والتحليل. فعلى مر التاريخ، كانت المكتبات
الوطنية هي الأمكنة المأمونة التي تُودع فيها الخرائط والوثائق فضلاً عن
الكتب والمخطوطات. وفي الوقت الذي استشعرنا فيه الحاجة الى المكتبة الوطنية
التقليدية، وأحسسنا ببؤس إنجازنا على هذا الصعيد، وجدنا أن مؤسسة المكتبة
في العالم، قد تطورت وظهرت مكتبات الإنترنت، أو المكتبات الإلكترونية أو
الرقمية، ذات الصفحات التي تُعرّف بها، وأبواب الدخول الى عالم المعرفة
الشاسع. بل إن المكتبات التقليدية ذاتها، قطعت شوطاً كبيراً في الاستفادة
من شبكة العنكبوت، التي تتواصل من خلالها مع الرواد من الدارسين والباحثين،
وترعى عملية تنمية مهارات الحصول على المعرفة وإغناء البحوث. وفي الحقيقة
كان وما يزال أمراً مؤسفاً، أن يفتقر الشعب الفلسطيني صاحب الملحمة
النضالية والتراث السياسي والفكري العظيم، الى مكتبة وطنية كبرى في زمن
السلطة. فقد كان لفلسطين بعد تأسيس منظكة التحرير الفلسطينية بعام واحد،
مجمع للذاكرة يمثله مركز الأبحاث الفلسطيني في بيروت. وكان القائم على
إنشاء المركز، الأكاديمي القومي الفلسطيني من أصل سوري المرحوم فايز عبد
صايغ، وهو أحد ألمع الأكاديميين في الجامعات الأمريكية. وسلّم فايز المركز
بعد عام واحد، الى المرحوم أنيس صايغ، وذلك كله في أيام المرحوم أحمد
الشقيري. وكان قسم التوثيق والمكتبة أهم أقسام المركز الذي وضع نصب عينيه
مهمة تغطية كل التفصيلات المتعلقة بالصراع العربي الصهيوني والقضية
الفلسطينية. وعمل "مركز الأبخاث" بمثابرة ومهنية عالية. لأن إحدى نقاط
الضعف في الجانب العربي، التي لاحظها الشقيري وآخرون، هو النقص الفادح
والفاضح في الدراسات الرصينة التي تعّرف أصحاب القرار العرب، على كل مستوى،
بجوانب الحياة السياسية والاقتصادية في إسرائيل، وهذا ما نوّه اليه جمال
عبد الناصر بعد حرب العام 1967. وبعد تلك الحرب، وسّع المركز اهتماماته
ليشهد انطلاقة كبرى، لكي يغطي بالدراسة أحوال الشعب الفلسطيني في الأراضي
المحتلة عام 48 وتطورات الأحوال في الأراضي المحتلة في العام 67 وأصدر مجلة
"شؤون فلسطينية" بدءاً من العام 1971. وكان قسم "اليوميات" منذ تأسيس
المركز يسجل الوقائع المتصلة بالقضية الفلسطينية حتى عام الاجتياح
الإسرائيلي للبنان وهجومه على المركز وسرقة محتوياته. وكان المركز، حتى ذلك
التاريخ، قد أصدر 340 كتاباً، منها نحو 90 بالإنجليزية، ونحو 25 بالفرنسية
وبعض اللغات الأخرى، في سلاسل مرقمة منها سلسلة "ابحاث فلسطينية" و"حقائق
وأرقام" وخرائط، هذا بخلاف 101 من أعداد مجلة "شؤون فلسطينية" البحثية!
.محتويات مركز الأبحاث، وفيها 20 ألف مجلد، شملتها اتفاقية تبادل الأسرى
بعد ذلك الاجتياح، فأعيدت لكي تستقر في صناديق كرتونية في الجزائر، لم تفتح
حتى للتهوية وتعرضت للرطوبة والتلف. ولم نتصرف بوحي من أهمية المركز الذي
استهدفه العدو مرة بمتفجرة ومرة بالاقتحام، باعتباره ذاكرة فلسطين. فكأننا
لم تعد في حاجة الى ذاكرة. فلا يوميات تُسجل، ولا مركز وطني تتبناه منظمة
التحرير الفلسطينية يرصد ويوثق، ولا حكومة تُعنى ولا منظمة غير حكومية
اهتمت بما يساوي جزءاً من اهتمامها ببرامج "التفاعل" الشبابي و"تطوير"
المرأة. في ضوء هذا البؤس على هذا الصعيد، بادرت جامعة "الاستقلال" الى
مشروعها الطموح. وعندما قال لي صديقي الطامح توفيق الطيراوي رئيس مجلس
الجامعة، أن القاعات الكبرى الثلاث، ستُسمى بأسماء الراحلين المناضلين خالد
الحسن وغسان كنفاني وتوفيق زياد؛ أحسست بالملمح الفلسطيني الجمعي لهذا
المشروع الذي جاوره مشروعان آخران واحد للقانون والعلوم الشرطية والآخر
مسجد. هنا، تتبدى عناصر مشجعة تدعو الى التفاؤل: مكتبة تقليدية وأخرى
الكترونية، وقاعات محاضرات واجتماعات، ومركز للدراسات الاستراتيجية. إن هذه
خطوات تسمح باستعادة ما افتقدناه في العام 1982 وتكرس الوظيفة السياسية
والتاريخية للمؤسسات الجامعية وللمكتبات الوطنية، وتعمق الثقافة التي هي
شرط أساس للقبض على الفكرة وصولاً الى الحرية والدولة! adlishaban@hotmail.com
|
|
| |
تقييم المقال |  | المعدل: 0 تصويتات: 0
|
|
|