الموقف
السياسي: استعصاء النطق الرشيد
عدلي
صادق
بعد اجتماع واشنطن، بين وفد
جامعة الدول العربية على مستوى وزراء الخارجية، وجون كيري وزير الخارجية
الأمريكي؛
الموقف
السياسي: استعصاء النطق الرشيد
عدلي
صادق
بعد اجتماع واشنطن، بين وفد
جامعة الدول العربية على مستوى وزراء الخارجية، وجون كيري وزير الخارجية الأمريكي؛
أكد رئيس وزراء قطر ووزير خارجيتها، بالأصالة عن نفسه، ونيابة عن المجموعة؛ على أن
العرب يتمسكون بمبادرتهم الماكثة منذ العام 2002 " كأساس لـ "حل الدولتين، مع
إمكانية تبادل طفيف، للأراضي، متفق عليه، ومتساوٍ بالقيمة والمثل".
هذا القول، وهو ليس جديداً،
بلسان المسؤول القَطَري، جعل "حماس" ترسل تعقيبها الى العنوان
الخطأ، وفي الوجهة التي لا تعرف طلاقة اللسان الحمساوية وجهة سواها. فمن جهته، صحح
الرئيس عباس صيغة ذلك التصريح، بالإشارة الى نقطتين، الأولى أن مجرد طرح موضوع
التبادل الطفيف لأراض، لا زال رهناً بتقدم العملية السلمية، وأن أمره يُمكن أن
يدرس، وهذه لغة سياسية، تتعاطى مع واقع الانسداد، وتُحيل كل الفرضيات الاستباقية،
الى شرطها الطبيعي، وهو أن نرى عملية سلمية متوازنة، إذ لسنا بصدد عملية تبادل
أراض، ولا حتى بصدد مفاوضات، بل إن صيغة التسوية وفق المبادرة العربية مع تبادلية
طفيفة لأراضٍ، ما تزال صعبة المنال جداً، بالنسبة لمريدها، فما بالنا بمعارضيها!
بعض الحمساويين، للأسف، لا
يتيحوا لواحدنا، أن يكف عن نقد عورات منطقهم ومسلكهم. فكأن القيادة الفلسطينية هي
التي قالت وليس حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني، فتتحول وجهة الاعتراض، الى دائرة
السجال الداخلي الفلسطيني، وتُستعاد بطلاقة، مفردات الخصومة والهجاء، في وقت يحدونا
فيه الأمل، بتشكيل حكومة توافقية، وصولاً الى وئام وطني على أسس دستورية
وقانونية!
نحن لا نريد من "حماس" أن
تنتقد القَطَريين، ولا أن تعود عن كلامها الفخيم وإطرائها البليغ لأمير قطر، وإنما
نريدها أن تمارس السياسة، انطلاقاً من تثبيت الفكرة ومن ثم تعيين الموقف والنطق
الرشيد، لا سيما وأنها تحدثت عن قبول دولة فلسطينية في الأراضي المحتلة في العام
1967 . فهذا هو موقفهم الموَّثق، كائنة ما كانت الملحقات اللفظية الموصولة بهذا
التأكيد على القبول. وحين يكون تصريح رئيس وزراء قطر ووزير
خارجيتها، واضحاً في تحديد الخط العام لمسعى التسوية بما يتضمنه من فرضية التبادل
الطفيف؛ يصبح من الخطأ ومن اللا معنى، أن يأتي الجواب الحمساوي، بمثابة استعادة
أيديولوجية للخطاب الإخواني عن "عدم التفريط بشبر واحد من أراضي فلسطين
التاريخية". فالأمر يتطلب قولاً سياسياً مسؤولاً، لكي لا يضيع الممكن الذي ما يزال
صعباً، بجريرة المستحيل الذي ما زال مستحيلاً، وفق معطيات أوقاتنا
وآفاقها!
اللافت أن "حماس" لا تزال
تريد الجمع بين مزايا الموقفين النقيضين: الأيديولوجي الذي يسهل اعتماده من موقع
المعارضة، والتمسك بالتحالف مع أطراف عربية إخوانية أو مساندة للإخوان، على الرغم
من تبني هذه الأطراف لمشروع التسوية وفق المبادرة العربية كأساس. وعندما يرتسم
الفارق بين موقف "حماس" الأيديولوجي وهذا الطرح، تتعمد الأخيرة شطب السياسة مع
تضييع العناوين، فترد بالأيديولوجيا، في الوجهة الداخلية، وتعود الى السجال مع
الطرف الآخر الفلسطيني!
ربما تكمن المعالجة، في
استبيان موقف "الإخوان" حيث يحكمون في مصر. فمن طبائع السياسة ألا تتلعثم، لأن لكل
موقف استحقاقات تتأسس عليه، سواء بالسلب حيال العملية السلمية أو بالإيجاب. ففي
الخيار الأول، يكون البديل جهاداً لا يتثاءب وجيوشاً تهدر ومجتمعات عربية معافاة
ومتحفزة وموحدة. فالمواقف الجهادية لا يعززها "طق الحنك". أما في الخيار الثاني،
فلا بد من النطق السياسي، لأن من لا يفصح عن طابع دوره وموقفه، ليس أطهر ولا أشرف
ولا كان أوفر على النضال الوطني، ممن ينطق. وليس مسموحاً، لمن يتنطح للحكم ويتوخى
مواقع المسؤولية، أن يتغاضى عن المعطيات الموضوعية. فللجغرافيا السياسية الفلسطينية
استحقاقها، حين يتعين عليها لزوماً، أن تكون جزءاً من الخارطة السياسية للإقليم
وللعالم. أما قصة التنازل، فهي جزافية وافتراضية، لأن فلسطين، التي هي كلها وطننا،
تتطلب عملية تاريخية وصيرورات، تتعلق بالأمة وبأوطانها وبموازين القوى وبالمقدرات
وبالتحالفات الدولية. نحن مرتكسون في قاع الوادي، وحسبنا أن نتسلق السفح،
والإحباطات في المجتمع لا يعالجها الطنين ولا الخطب المنبرية.
لا نظن
أن الحكم في مصر، يطالب بغير التسوية المتوازنة، التي تحقق بسط سيادة دولة فلسطين
على أرضها، وهذا منحى تتوافق عليه الرئاسة المصرية مع المعارضة في أرض الكنانة. ولا
اعتقاد لدينا، بأن الخطاب الإخواني في زمن المعارضة، سيكون هو نفسه في زمن الحكم،
وفي هذا الخضم، سيكون حرج السلفيين والوسطيين، من معسكر الإسلاميين، أقل من حرج
"الإخوان". لكن حسم المسائل ضروري بمنطق السياسة ولدواعي المسؤولية التاريخية. فلا
يتحملن طرف عربي، في موقع الحكم، أن يتبنى سياسة غير واقعية، لا سيما وأن من يحكم
يتعامل مع المعطيات ويرى المشهد من كل جوانبه وبكل أبعاده، بخلاف الذين يصيغون، من
موقع المعارضة، خطابهم في نقد سياسة من هم في الحكم؛ قياساً على الأيديولوجيا
وتوخياً للتحشيد.
بقي القول، إن "حماس" وبسبب
أنها باتت موصولة دون عائق، بالرئاسة في بلد هو منفذها الوحيد، ستجد نفسها في هذه
الآنية المستطرقة، هي والحكم في مصر، ومعهما القطريون، مطالبين بوضع النقاط
السياسية على حروفها، الأمر الذي من شأنه شطب التعليل الأيديولوجي للخصومة، وإعطاء
زخم لوحدة الكيانية الفلسطينية وورقتها السياسية!
ربما لسنا في حاجة الى
التعليق على كلام خارج عن السياق، فاه به الشخص الثاني في حكومة هنية، مدفوعاً
بمشاعر الرغبة في أن يهنأ بموقع الرجل الأول مكرر، في حكومة غزة، وتعرض فيه للرئيس
"أبو مازن" وشرعيته. فمن العجب أن يفتي في الشأن الدستوري ويتحدث عن ولاية الرئيس،
صوت من معكسر الانقلاب على الشرعية وتعطيل مؤسسات الكيانية الفلسطينية وإيقاف
مسارها الديموقراطي. إن كلاماً من هذا النمط، يخرج عن السياق الحمساوي نفسه إن
نظرنا اليه في مواضع أخرى، إذ كيف يتفق طرف على مصالحة، ويزعم أنه معنيٌ بتنفيذ ما
تم الاتفاق عليه، ثم يعلو صوت من هذا الطرف نفسه، بنكران تام وغير واقعي، لأهلية
الطرف الآخر، ما يعيدنا الى ما وراء نقطة الصفر، فيما هذا الصوت تحديداً، منتهي
الولاية، بمعايير الوثيقة الدستورية، فضلا عن لا أهليته بمعايير
أخرى!
adlishaban@hotmail.com