عدلي صادق: عدلي صادق : السياسة والفساد: درس من الهند بتاريخ الجمعة 09 نوفمبر 2012
الموضوع: قضايا وآراء
|
 السياسة والفساد: درس من الهند عدلي صادق كنا صباح أمس، مع أحد ساسة الهند
السياسة والفساد: درس من الهند عدلي صادق كنا صباح أمس، مع أحد ساسة الهند ورجالاتها الكبار، وهو نتين غادكاري، رئيس حزب المعارضة المنافس "بهاراتيا جاناتا" BJP (أي حزب الشعب الهندي) اليميني القومي. ذهبنا الى منـزله، كمجموعة سفراء عرب، يدفعنا الإحساس بأن ثمة مؤشرات يراها هذا الحزب، مبشرة بفوزه في الانتخابات العامة المقبلة في آيار (مايو) 2014 وبالتالي من المفيد أن نستمع اليه ونتحادث معه، بخاصة وأن حزبه هو الذي افتتح المجرى الواسع للعلاقة الهندية الإسرائيلية، في أيام رئيس الوزراء السابق آتال بيهاري. وقد جاء بعد هذا الأخير، حزب المؤتمر واليساريون المتحالفون معه، فأبقوا على مستوى العلاقة مع إسرائيل في حقليْ الصناعات العسكرية والتجارة والاستثمارات الإسرائيلية الزراعية والانتاج الحربي، لكنهم استعادوا لغة إنديرا وراجيف، في اللغة السياسية حيال القضية الفلسطينية، وأبقوا على مستوى التعاون الذي لم يبادر الحزب الصديق الى تخفيضه! كان غادكاري في لحظة تستوجب ترحيبه الكبير بزيارتنا. فعلى الرغم من تفاؤله ويقينه، بأن 70% من الناخبين مضمونون للتصويت لحزبه في الانتخابات المقبلة؛ إلا أنه يواجه لحظة عسيرة في داخل الحزب، تتهدد زعامته. لذا كان طبيعياً أن يدعو وسائل الإعلام لتصوير المناسبة. ففي اليوم السابق على اللقاء، كانت افتتاحيات ست صحف رئيسة، تتحدث عن غيمة ماطرة ورياح قد تعصف بزعامة الرجل، بسبب اتهامات بالفساد، وقالت إن رفاقه من عتاولة "بهاراتيا جاناتا" يكيدون له. ولعل هذا هو ـ تحديداً ـ مقصد هذه السطور، وسيكون حاضراً في فقرتها الختامية! * * * لم أكن راغباً في الحديث في الجلسة، عملاً بالمقولة التي تنصح بالتسكين توخياً للسلامة من الوقوع في خطأ التشكيل النحوي:"سَكِّن تَسْلَم". واللغة، بطبعها، إما أن تذهب بك الى المبالغة في المجاملة أو الإنزلاق الى نقد حاد لا يليق بالمناسبة. ونحن أصدقاء تقليديون، لحزب المؤتمر الحاكم. لكن زميلي السوداني، طرح بأدب جَمْ، استفساراً عن الموقف المفترض لحزب المعارضة من العدوان الإسرائيلي الجوي على مصنع السلاح في السودان. أجاب غادكاري باقتضاب: "نحن نتابع، ونتمسك بموقفنا المؤيد للسلام". وعندئذٍ لم استطع التزام الصمت، فطلبت الكلام، وقلت له يا سيّد غادكاري، أحب أن أبلغك أولاً أن جوابك لزميلنا غير كافٍ، فأخواننا السواديين الذين هوجموا في منشأة صناعية لهم، يحبون السلام ويدعمونه مثلكم، بل إنهم من أجل السلام قدموا ثلث أراضي بلادهم مع أكثر من نصف ثرواتها، لكي يعم السلام وتنشأ دولة أخرى غير صديقة لهم، أرادتها مجموعة من السكان، وساعدها الاستكبار العالمي وبعض حكامنا "الميامين". وجوابكم المقتضب يصلح للحديث الوعظي في دار عبادة، وحيثما يكتفي المرء بالحكمة والأيدويوجيا. فحينما تقطع طائرات حربية، مسافة نحو ألف ميل، لكي تقصف مصنعاً للسلاح الخفيف في بلد ذي سيادة، نكون بصدد عدوان يتطلب موقفاً وإدانة في الحقل السياسي. نحن لسنا ضد الحرص على التوازن في السياسة، لكن التوازن بلا مواقف حيال التطورات، لا يؤسس لدور يليق ببلدكم الكبير. فما زلنا نتطلع الى دور هندي أقوى على الحلبة الدولية عموماً. أما في موضوع النزاع مع إسرائيل، فإن طموحنا هو أن يكون للهند التأثير الذي يتناسب مع حجم التبادل التجاري والشراكة في التصنيع العسكري، وهي لا تقل عن عشرة مليارات دولار، تستفيد منها إسرائيل! أجاب الرجل باقتضاب مع تعديل، بأنه يشجب هكذا عدوان، ولا يقبل به "لأننا مع السلم والأمن الدولييْن"! * * * وفي الحقيقة، كانت لغادكاري، مأثرته الكبيرة في العمل العام كوزير للأشغال العامة في حكومة ولاية "مهاراشتا" ثالث أكبر ولايات الهند وثانيتها في عدد السكان. هو رجل أعمال، مسكون بحماسة شديدة للخصخصة. نجح في فترة عمله كوزير محلي، في بناء شبكة كبيرة من الطرق السريعة والجسور، وقد أشرك القطاع الخاص في مشروعاتها. والطريق في الهند، عندما تكون فعالة وإنقاذية، يسمونها طريقاً لكل الفصول، أي إنها تظل سالكة في أحوال الفيضانات والأمطار. وبنجاحه في إقناع المستثمرين ودفع عجلة التنمية في ولايته، فك الحصار الطبيعي عن نحو أربعة عشر ألف قرية وبلدة، كان تُعد نائية ومحرومة من وصول الإغاثة الطبية ومن مرافق التعليم والمشروعات الزراعية القائمة على أسس علمية. وقد أقنعت هذه الإنجازات، الحكومة الاتحادية، بتعيينه رئيساً للجنة الوطنية للتنمية الريفية، فتقدم بمشروع تنموي وطني شامل وطموح، وافقت عليه الحكومة، وكان ذلك قبل أن يُنتخب رئيساً للحزب المعارض! اليوم، ولكون موضوع الفساد مطروحاً بقوة، على الرأي العام، ويلعب حزب غادكاري بورقته، فإن المنطق أن لا ينهى المرء عن شيء ويأتي بمثله. لذا قام الحزب ولم يقعد، بعد أن تقدمت سيدة ببلاغ تقول فيه، إنها في أيلول (سبتمبر) الماضي، التقت بغادكاري شخصياً، وطلبت منه المساعدة للحصول على مشروع للري، لكنه أجابها بأنه لا يستطيع أن يخدمها، بحكم أن له مصالح أعمال مشتركة، مع فلان، الذي سينفذ المشروع بعد أن ترسو عليه المناقصة. هو، من جانبه، هدد بملاحقة السيدة قضائياً إن لم تعتذر له، وطالب بنفسه أن يخضع لتحقيق قضائي. لكن حزب "الهند ضد الفساد" وقف مع السيدة، ولم يحسب لغادكاري مأثرته، منوّهاً الى أن الرجل أستهان على الأرجح، ببعض القوانين، لكي يخدم أعماله "بدلاً من مساعدة مزارعي ولايته"! في هذه اللُجة، كان صعباً وضع الخيط الرفيع الذي يفصل بين الخاص المتعلق برجل أعمال، والعام الذي يخص الناس. في النقطة الفاصلة بين الخطين، هوجم غادكاري، وقد يُطاح به وبمأثرته. وبالطبع هو مثل رجال الأعمال المشتغلين في السياسة في بلادنا العربية وفي حركاتنا الإسلامية وغيرها؛ لم يقرأ نصيحة ابن خلدون:"إذا اشتغل السلطان بالتجارة، فسد السلطان وفسدت التجارة". و"الفساد مؤذنٌ بخراب الدولة". ففي الفضاء الهندي، لا يُطاق الفساد، بل إن فساداً محدوداً يبالغون في تقديرات حجمه، يجعل الحكومات القوية تترنح، ويطيح بذوي المآثر الكبرى! www.adlisadek.net adlishaban@hotmail.com
|
|
| |
تقييم المقال |  | المعدل: 0 تصويتات: 0
|
|
|