عدلي صادق: عدلي صادق : حق العودة في ضمائرنا بتاريخ السبت 03 نوفمبر 2012
الموضوع: قضايا وآراء
|
حق العودة في ضمائرنا عدلي صادق أخطأ أبو مازن في إشارته الصادمة،
حق العودة في ضمائرنا عدلي صادق أخطأ أبو مازن في إشارته الصادمة، المتعلقة بما سمّاه "الحق" في العودة الى صفد. نعرف أن سياقات عملية التسوية، منذ أن بدأت، ليست ذات فحوى يُقر بحق العودة على إطلاقها، وإنما يتطرق الى وجوب معالجة مسألة اللاجئين. لكن تلك السياقات، التي تماشت معها القوى الفلسطينية بصيغ ومقاربات عدة؛ ظلت ـ بالمحصلة ـ تعكس أمراً واقعاً وفق موازين القوى الراهنة، وهو عدم إمكانية تحقيق عودة جماعية فلسطينية، ترى فيها الصهيونية التي انتهبت فلسطين، خطراً وجودياً، وجعلت رفضها لهذه العودة، إحدى البقرات المقدسة، التي لا يجوز ذبحها أو الأضحية بها. لكن الكلام عن اللا "حق" في صفد، يعاند منظومة الأفكار والوقائع والمُدركات نفسها، التي يتأسس عليها الحق الفلسطيني في أريحا ورفح. فهاتان المدينتان، على سبيل المثال، وبرغم وجودهما في الحيّز الجغرافي الفلسطيني الذي أقرته عملية التسوية؛ ما تزالان عصيّتان على عودة فلسطينيين من أبنائهما، بحيث يتمتعون بحق "الإقامة" والاستقرار وحمل بطاقة الهوية، على النحو الذي يكفله حقٌ مفترض سياسياً، لكنه ظل معلّقاً، بارتهانه الى الاتفاق على الوضع النهائي. أما العودة الى الأراضي المستلبة في العام 1948 فهي حق فردي، كنا رفضنا الصيغة التي جاء بها في القرار الأممي الصادر في الحادي عشر من كانون الثاني (ديسمبر) 1948 وكان الرفض العربي والإسلامي في حينه، لأن الإشارة الى هذا الحق الجوهري والكبير، ورد في فقرة برقم 11 من قرار يتطرق الى مسائل شتى فرعية، ولأنه يعترف بحق "اللاجئين الراغبين في العودة الى ديارهم، والعيش بسلام مع جيرانهم" والتعويض لمن لا يرغبون في العودة أو أصيبوا، وأن يكون التعويض من قبل من سماهم القرار "السلطات المسؤولة". وكان مقصد القرار من العيش "بسلام" مع "الجيران" هو العيش مع اليهود الذين استوطنوا في البلاد، والمقصود بـ "السلطات المسؤولة" التي تعوّض، هو إسرائيل. فلم يعترف القرار، بحق شعب فلسطين، بالعودة الجماعية الى بلاده لنيل الاستقلال السياسي فيها. غير أن الأمور التي تردت، بمفاعيل مساندة الغرب الاستعماري للمشروع الصهيوني، جعلت القرار بعد عقود من صدوره، سقفاً للمطالبات الفلسطينية والعربية بحق العودة، وكان تعليل قبولنا به، هو نفسه تعليل الصهوينة لرفضها له، وقوامه أن نصبح أغلبية، وأن نغيّر سلمياً طابع الدولة التي تأسست، من خلال مخرجات الديموقراطية التي تزعمها هذه الدولة لنفسها! وعندما يكون الحق فردياً، يصبح الأمر متعلقاً بالملْكية الشخصية، وهذه لا تملك أي سلطة أو حكومة أو دولة، مهما بلغت من سمو السيادة، أن تتنازل عنها. أي عندما يمتلك فلسطيني حتى في غير بلاده ـ وليكن في بريطانيا مثلاً ـ عقاراً أو حقلاً؛ لا تملك الدولة حق منح ملكية هذا الشخص، لشخص آخر. وهذه هي نقطة القلق الدائم عند القائمين على المشروع الصهيوني، مهما امتلكوا من أسباب القوة! * * * لقاء الرئيس محمود عباس مع القناة الإسرائيلية، كان باللغة الإنجليزية، وتناول نقاطاً لا يلائمها الاكتفاء بمجرد إيصال المعنى بأية صيغة. مثل هذه اللقاءات، تستوجب الدقة اللغوية، الكفيلة بتعيين الفارق بين الحق والإمكانية. لم يكن مطلوباً من الرئيس الفلسطيني أن يحسم أمر الحق ويقدم له توصيفاً. بمقدوره أن يتحدث عن عدم إمكانية العودة ونيل الحق، لأننا لا نمتلك مقومات انتزاعه أو الحصول عليه. وله في هذه الحال، أن يضع المقاربة التي يريدها لعلاقته بمسقط رأسه في ضوء واقع لا يستطيع تغييره. أما أن عندما يضع صيغة لوصف الحق نفسه، ببعده التاريخي المنصوص عليه حتى في أشد قرارات الأمم المتحدة جفاء له؛ فإنه يُخطيء! نأمل أن لا تكون الهجمة، على الرئيس محمود عباس، هي الدافع الى إرسال مثل هذه الإشارات التطمينية للجانب الباغي، إمعاناً في التأكيد على سلامة المقاصد وسلامها. لكن المحتلين العنصريين، لا يكتفون بهكذا إشارات تستبق مجاناً الاتفاق على الوضع النهائي وتحسمه لصالحهم. هم يريدوننا أن ننفض أيادينا من مساكننا في جنين ورام الله والخليل وسواها. بل إن منهم، من ينتظرون منا إشارات تشطب حقنا في الحياة في المنطقة العربية، وربما يوافقون على مضض، أن نستوطن في الربع الخالي من الجزيرة العربية. فهؤلاء لن يرضيهم شيء، ولا علاج لهم إلا تذكيرهم ببشاعتهم وبمآلاتهم في النهاية. وهؤلاء، على الرغم من صفاقتهم وعنادهم السافل للحقائق، وعلى الرغم من قوتهم العسكرية، لا يضاهون بمعايير التاريخ، سلطة أو قوة صغيرة، ظهرت وتمكنت في العصر المملوكي. هم مندحرون حتماً بمفاعيل أطماعهم ونكرانهم لسنن الحياة ووقائع التاريخ. نحن أمة عليلة لكنها ليست ميتة. العليل يشفي والأمم لا تموت. بالنسبة للهجمة، التي يقف الفلسطينيون مع الرئيس محمود عباس لكسرها وإحباطها، هي قدر القيادات الفلسطينية. المرحوم الحاج أمين الحسيني، بلغت الهجمة عليه، حد الاتهام الكاذب بأنه رافق النازي أدولف آيخمان، في جولة تفقدية لأفران الإبادة، واطّلع بالمعاينة، على طريقة النازيين في تطبيق ما يسمونه "حل المسألة اليهودية" وشجعهم على الطريقة وربما قرأ لها آيات من الذكر الحكيم لمباركتها. كان الرجل قد حط الرحال في برلين، مضطراً، في خريف العام 1941. وظلت هذه الاتهامات ترافق المفتي، طوال فترة انتهاب فلسطين، لكنهم عندما قبضوا على آيخمان وحاكموه في إسرائيل، نفى النازي أمام المحكمة، أن يكون ذلك قد حدث من الحاج أمين، بل إن آيخمان أفاد بأن المفتي المسلم، كان يرى في اليهود أهل كتاب، وأنه امتعض من قتل الناس ظلماً. والحاج أمين، عندما فاوض الإيطاليين في تشرين الأول (أكتوبر) من العام نفسه، كان يشترط لكي يقف مع دول المحور في الحرب، أن تعترف ألمانيا وإيطاليا، بوحدة واستقلال وسيادة الدولة العربية في أراضي فلسطين وسوريا والعراق والأردن، ووعدهم بمناقشة ترتيبات خاصة تتعلق بأماكن العبادة في القدس، وبالعقبة وطالب برفع اليد عن قناة السويس. أبو عمار، تعرض لضغوط تنوء بها الجبال. وطالته الاتهامات من كل حدب وصوب. لكنه لم يتلعثم ولم يُخطيء في الأيديولوجيا، وإن كان في السياسة، يسرح ويمرح. وحتى في عملية التسوية، كان أبو عمار يرى في الإسلاميين ورقة لصالحه، وكان يعرف أن رابين، تعمد إتاحة هوامش حركة كبيرة واستيطان للمتطرفين، ليتخذ منهم ورقة في المساومة. وفي النهاية، سقط أبو عمار فارساً شهيد القدس وشهيد حق العودة وشهيد كل مدركات القضية الفلسطينية. فعندما أسلم الروح، أعاد السياسة الى مربعها الأول، وترك الأيديولوجيا في عهدة القائمين على الأمر، وقد تمسك أبو مازن بثوابت الزعيم الوطني الراحل، بصيغتها المتعلقة بعملية التسوية، وظلت مسألة الحق قائمة، يزيدها قياماً كون الحق ملك للناس واحداً واحداً، إن لم تتكفل التسوية بسداده كله، يتكفل التحكيم واستمرار المطالبة بالحقوق، مثلما يتكفل التاريخ، وسيرورات الأمم. إن هذا هو مفهوم حق العودة في ضمائرنا! www.adlisadek.net adlishaban@hotmail.com
|
|
| |
تقييم المقال |  | المعدل: 0 تصويتات: 0
|
|
|