عدلي صادق: عدلي صادق : أناشيد سلام وطني بتاريخ الثلاثاء 28 أغسطس 2012
الموضوع: قضايا وآراء
|
 أناشيد سلام وطني عدلي صادق
دعونا من نشرات الأخبار، فلا حاجة للتعليق على أي من الأنباء الطافحة.
أناشيد سلام وطني عدلي صادق دعونا من نشرات الأخبار، فلا حاجة للتعليق على أي من الأنباء الطافحة. نلوذ الى الرموز الذبيحة، على كل صعيد، فنرى بعضها يئن مترنحاً، وأوشك بعضها الآخر، على الانتحار. يمكن أن نتحدث اليوم، عن الأناشيد الوطنية المُلَحَنة، التي باتت موسيقى سلامات وطنية، يتبرم من دلالاتها القيمية، الحاكمون والطائفيون والخونة وذوو الفتن. ففي مطلع السلام الوطني السوري، الذي كتبه الشاعر الدمشقي جميل مردم بيك، وُضعت القاعدة الأولى، وهي أن "عرين" العروبة بيتٌ حرام. ولم يكن عنوان النشيد "حارقو الديار" أو "قاتلو أهل الديار" بل كان "حُماة الديار". أما ربوع "الشآم" فهي بروج العُلا تحاكي السماء بعالي السما، وليست مطارح الذبح التي تحاكي السما، بعالي الدُخان. أما عَلم الاستقلال الوطني، الذي طواه شكري القوتلي أمام جمال عبد الناصر بشفاعة حلم الوحدة، وهو الذي شملته قائمة التشنيعات الأولى التي قيلت في الثورة السورية، ووصفوه بأنه علم الانتداب الاستعماري؛ فقد قيل عنه في النشيد، ما معناه إنه يكثف أرق الأماني وأخصبها، مثلما يكثف خفقات القلوب ويرمز الى الشمل الواحد: رفيف الأماني، وخَفق الفؤاد، على عَلَمٍ ضم شمل البلاد! * * * في العراق، الذي ما زال الفلسطيني يعيش فيه متحسّباً من طعنة طائفية، تُعزف موسيقى نشيد "موطني" الذي كتبه الشاعر الفلسطيني إبراهيم طوقان. ويستحوذ معنى الإعلاء من شأن الوطن الجامع، على معظم كلمات النشيد، ليصبح هوى الوطن، هو مصدر كل قيمة بديعة ورفيعة: "الجَمال والسناء والبهاء، في رُباك. والحياة والنجاة والهناء والرجاء في هواك". ثم: "نستقي من الردى، ولن نكون للعدا كالعبيد. لا نريد لا نريد. ذُلُّنا المؤكدا وعيشنا المنكَّدا لا نريد. بل نُعيد مجدنا التليد. الحسام واليـراع، لا الكلام والنـزاع، رمزنا. مجدنا وعهدنا، وواجبٌ من الوفا؛ يهُزّنا. . يهُزنا! الحياة والنجاة والرجاء، في هوى الوطن، لا في هوى الملالي الطائفيين. هكذا كتب الفلسطيني للعراقيين سلامهم الوطني، وعلى أيقاع القصيدة، صاغ اللبناني البسيط الهاوي، محمد فليفل، اللحن، لتكون الأنشودة، وليُعزف السلام الوطني العراقي، الذي بات في هذا الزمن، يفتقد دلالاته! * * * في لبنان، توافق ممثلو الطوائف، على أن تُجرى مسابقة لاختيار أنشودة السلام الوطني. كتب الكثيرون، لكن الوجهاء المطربشة رؤوسهم بالطرابيش الحُمر، كأنها أعرف الديوك؛ كانوا تعلموا فن الكلام التصالحي الذي يداري البغضاء وبرعوا فيه. لم يجدوا في القصائد التي تقدم بها شعراء ومتشاعرون، ما يلبي المقاصد المترجاة من أنشودة السلام الوطني. قال واحد منهم، في حضور لجنة التحكيم، وهي تشكلت من أعلام السياسة والثقافة من كل الطوائف: "نريد قصيدة تقول باختصار: كلنا للوطن". فأجاب واحد من الحاضرين، إن هذه العبارة القصيرة، تصلح استهلالاً للنشيد، وتوجه الى شاب من المتنافسين، واسمه رشيد نخلة، بالتشجيع على أن يبدأ بها القصيدة. وفعلاً بدأ بها نخلة، ولما كان فيها بيتٌ يقول: "ما عرانا انفصال، في الملم العسير، الصليب والهلال، الهلال والصليب" فقد طالبته اللجنة، بشطب هذا البيت الذي يُذكّر بالتمايز الديني (وكأن اللبنانيين ينسون تمايزهم) وهكذا كان في العام 1944. ولو كانت اللجنة، ومعها الشاعر، يعلمون كيف ستمضي الأيام والمقادير؛ لأبقوا على البيت المشطوب، وزادوا عليه: السُنة والشيعة، الشيعة والسُنة، وربما جبل محسن وباب التبانة، أو الشرقية والغربية! * * * في الزمن الأغبر، تنتحر المعاني وتترنح الأناشيد على وجه العموم. وفي بعض الحالات، يكون اغتيالها مروّعاً، لا سيما حينما تُقصف معانيها بالمروحيات وطائرات الميغ. لقد كان موفقاً ذلك الشاب السوري، الذي بادر في بدايات الثورة، الى استبدال كلمات النشيد الوطني لبلاده، بأخرى يقترحها لمرحلة مؤقتة، وقال: حُماة الديار عليكم سلام، الشعب يريد إسقاط النظام/ دم الشرفاء عليكم حرام، فهبوا لنُصرة شعب يُضام/ ربوع الشآم تعاني الأسى، وتشكو الى الله ظلماً قسا/ فظلم الحرائر لا يُنتسى، وطُهر الشآم قد دُنّسا/ بعزم اليقين وصدق الفؤاد، وسلميّةٍ تتحدى العتاد/ سنقتلع الظلم من كل واد، ونجعل من صبرنا خير زاد/ فشعب وفيٌّ لماضٍ مجيد، وفي النائبات قويٌّ عنيد/ سيبقى على العهد يا ابن الوليد، وللأمة المجدَ سوف يُعيد! كان الشاب السوري، يأمل في أن يلبي نداءه كل الجيش، ولم يكن يدري، أن من تربصوا لمعاني النشيد، قد توغلوا مبكراً في بُنية جيش الوطن، ليجعلوه جيش الأسرة، الذي يكون جاهزاً لأم المعارك ضد الأنشودة. لعله لم يقرأ واقعاً، ينم عن ترنح المعاني المضروبة على رؤوسها! www.adlisadek.net adlishaban@hotmail.com
|
|
| |
تقييم المقال |  | المعدل: 0 تصويتات: 0
|
|
|