للأسف، أضاع الشيخ حسن نصر الله رصيده الشعبي الكبير بنفسه، واتضح أنه لم يُحسن قراءة الصعود الصاروخي لذلك الرصيد، لكي يفهم أن الذين احترموا دوره المقاوم، وأعجبوا به؛ لم يتوقفوا عند الهوية الطائفية لمقاتلي «حزب الله» وزعيمهم. بل إن التمايز الطائفي لم يخطر على أذهانهم، أو لم يرونه عائقاً في طريق صعود أسهم نصر الله ورصيده في الوجدان الجمعي للأمة. ومثلما يقولون في الأدبيات الثورية، إن الشعب هو المُعلّم، فقد علّمته الأمة، عندما جعلته رمزاً لمقاومة راهنة؛ أن المذهب هو مجرد تفصيل في الدين، وليس عنصر الحسم في المواقف والمصائر والوطنيات. لكنه، وهو طليق العقل واللسان، بليغ البيان؛ لم يتعلم. ذهب في حسبته الطائفية، الى الطريق الخطأ، فانحاز ضد الشعب الذي رفع من شأنه، ولصالح نظام عفن وفاسد، ومضاد للمقاومة الفعلية. فالنظام السوري نقيض فعلاً لمنطق المقاومة، في تركيبته وفي كل سياقاته الاجتماعية والاقتصادية والعسكرية. هو يكتفي بالنُصرة اللفظية لمقاومة نظرية، يتخد منها ورقة للمناورة، وصولاً الى تسوية، والى وداد كامل يتوخاه، مع إسرائيل. ثم إن «السّيد» العقائدي نصر الله يعرف أكثر من غيره، أن نظام الأسرة الأسدية أبعد ما يكون عن تقوى الله بأي مذهب، وأنه نظام يقتل كما يتنفس، حتى أن «حزب الله» نفسه في بداية صعوده، نال نصيبه من الضحايا عندما أعدم الأسديون أكثر من خمسين مقاتلاً من الحزب، ووصفوهم بأنهم «عصابات إرهابية»!
إن الأسديين الذين يراهن عليهم «السيّد» لا يحُمدون في شيء، لكي يخترع لهم نصر الله، مآثر بطولية وخصالاً حميدة!
* * *
بالتجاوز عن التفصيل الطائفي صعد نصر الله الى ذروة التقدير لدى جماهير الأمة من كل أطيافها. لكنه الآن، وباعتماده قاعدة هذا التفصيل الطائفي دون سواه في موقفه من النظام السوري؛ خسر «السيّد» رصيده، على النحو الذي لا يُغني معه التبرير الخطابي مثلما لا يغني إرجاع الفضل للأسديين في تحقيق نصر موضعي، في القتال البري على أرض الجنوب. فالنظام الذي يراهن عليه نصر الله، لا يجرؤ حتى على أن ينسب هذا الفضل لنفسه، ولا على الاقتراب من فكرة المقاومة بنفسه. فعلى أي حصان يراهن «السيد» الذي اختطف من الأمة سمعته الطيبة ومكانته المقدرة، فيما هو يزداد إصراراً على دعم الغارقين في دم شعبهم. فإن كان الأسديون افتراضاً قد ساندوه ضد إسرائيل؛ لا صح أن يكون رد الجميل، بمساندته ضد شعبه الثائر المتظاهر في مئات الميادين!
للأسف، بموقف نصر الله، بدت تعليقات بعض ذوي الاجتهادات الدينية في العالم العربي، وكأنها محقة، لا سيما عندما أظهروا فتوراً حيال مواجهة مقاتلي «حزب الله» البطولية لإسرائيل في العام 2006. فــ «السيّد» ينحاز لنظام يذبح الناس بالسلاح الثقيل الذي ابتاعته سوريا بثمن خبزهم ورفاهيتهم. وهو بهذا المنحى، لا يخسر رصيده وحسب، وإنما يقامر بمكانته في وطنه وفي المحيط، واهماً ومتطلعاً الى قوس شيعي يبدأ قي قُم وينتهي في النبطية، تحرسه أنظمة بطش وأنساق استبدادية، لم يعد لها مستقبل في عصر الشعوب الثائرة!
إن الثورة السورية ذاهبة الى انتصارها المؤزر. وسيرى نصر الله أن أبناء الأمة الذين تجاوزوا عن التفصيل المذهبي عندما منحوه التأييد، سيكون موقفهم ضد أي استبداد أو انتقام يتعرض له إخوتهم من طائفة النصيريين العلوية في البلاد، وسيدافعون عن حقوق المواطنة الكاملة لكل أبناء شعبهم وسيقاومون أي ظلم يحاول طائفيون إلحاقه بأية مجموعة من الشعب، على سبيل الثأر. فالمواطنون السوريون إخوة، وهم الذين جعلوا شعار ثورتهم «الشعب السوري واحد». كنا نتمنى لـ «سماحة السيّد» البقاء في مربع نصر الله، لا الانتقال المعيب، الى دائرة نصر الشيطان. لكنه اختار الطريق الخطأ ولن يفلح. فمثلما إن المقاومة مبجلة؛ فإن أرواح الناس وكرامات الشعوب، ومصائر الأمم الرازحة تحت نير الاستبداد، أهم من كل اعتبار!