عدلي صادق: عدلي صادق : روجيه غارودي مع خالدي الذِكْر بتاريخ السبت 16 يونيو 2012
الموضوع: قضايا وآراء
|
 روجيه غارودي مع خالدي الذِكْر عدلي صادق بـألمعية وأصالة، في رحلته المثيرة،
روجيه غارودي مع خالدي الذِكْر عدلي صادق بـألمعية وأصالة، في رحلته المثيرة، بحثاً عن العدالة في عالم الفكر والحقيقة؛ لم يَرَ ذاك النبيل الراحل، أعز ولا أقوى حجة من دمنا الفلسطيني؛ لكي ينتقل من فضاء عقائدي شاسع ومعقد، الى فضاء آخر، إيماني رحب، يحقق له سلاماً مع النفس، وإن كان لا يطرح عن كاهله، أعباء السجالات المريرة، التي بدأ سياقها منذ نعومة أظفاره! في الفضائين الشاسعين، كان روجيه غارودي عاشقاً للحق والعدل، مقاوماً لواقعه وحتى لبيئته المنزلية. ولد لأب مُلحد وأم كاثوليكية. لكن الفتى اليافع الذي كانه، ذهب الى البروتستانتية على صعوبه التحولات الدينية في عصره، لا سيما بالنسبة لفتى في الرابعة عشر من العمر. كرّس منذ سني حياته الثقافية الأولى، حقه الكامل في الاختيار والاختلاف. أخذه العشق للعدالة الاجتماعية، الى الحزب الشيوعي، ثم دفعته وطنيته الفرنسية، الى القتال دفاعاً عن بلاده، في الحرب العظمى الثانية. وقع في أسر الموالين للنازية، فذاق مرارة السجن في الجزائر. وبعد انتصار الحلفاء, كان عامان من السجن، قد عمّقا نزوعه الى التأمل الفكري، وتزامن انتخابه لبرلمان فرنسا الحرة، مع أطروحة دكتوراه عن علاقة الدياليكتيك (المادية الجدلية) بالمعرفة. غير أن منحاه النقدي، كشيوعي أوروبي، جعله ثالث اثنين من ماركسيي أوروبا العظام، الذين لم يرُق لهم الاستبداد الستاليني باسم الطبقة العاملة في الاتحاد السوفياتي: الإيطالي أنطونيو غرامشي، والمجري جورج لوكاش. كان الاثنان، وغارودي ثالثهما لاحقاً، يؤسسان لماركسية إنسانية. اتجه الثلاثة الى اكتشاف مساحات بِكر، لا في التفسير العلمي للنظرية وحسب، وإنما كذلك للنقد وإن طال رموزاً وأيقونات، يُمنع المساس بها في عالم الشيوعية. وتجرأ غرامشي ولوكاش، وبعدهما غارودي، على تطوير النظرية على النحو الذي يلائم التغيرات الفكرية والمادية في القارة الأوروبية. وعلى الرغم من إطراء لينين، لكتابات غرامشي، إلا أن الأخير لم يرَ في الأول أحق منه في تطوير الماركسية، بل واستزاد من حقه في النقد، لكي يجعل ماركس نفسه، في موضع التمحيص، قائلاً إن الفرضية الوحيدة، غير العرضة للأخذ والرد، في كل ما كتبه ماركس، هي شعار :"يا عمال العالم اتحدوا". وعلى هذا الطريق سار غارودي في ربيع شبابه! * * * بحرٌ متلاطم الموج، خاضه غارودي في حياته الفكرية. كان ذلك في زمن صعود الأيديولوجيات واحتدام السجال الفكري وفي لُجة الصراع بين الرأسمالية الإمبريالية والاشتراكية النقيضة. ولا يتسع المقام هنا، لكي نروي كيف أنزلت مشقة الصراع، على قلب غارودي حنيناً الى بطن أمه والى دفء إيمانها الكاثوليكي. فبعد بلوغه الستين، اعتصر فكره لكي يوفق بين مبادىء هذه الكنيسة والفكر الاشتراكي. ظل يكتب ويرمي في سوق الكتاب بمؤلفاته، وأخذته الدراسات المقارنة للأديان، الى التعرف على الإسلام ومن ثم الى التعمق فيه، فأحس بارتياح وظل يتحيّن الفرصة، للإفصاح عن عناده الأخير لبيئته الثقافية والفكرية، ولمجتمعه الأوروبي. وكان الدم الفلسطيني في لحظة تدفقه في صبرا وشاتيلا، بأيدي منتحلي الكاثوليكية، وبتواطؤ ومساعدة الصهاينة، المتلطّين بالديموقراطية الغربية؛ هو الفرصة ونقطة الانعطاف. ذهب الى المركز الإسلامي في جنيف، ونطق بالشهادتين! بعد ذاك الانعطاف، كرّس روجيه غارودي حياته للمنافحة عن الحق الفلسطيني، ولكشف مفاصل وأسرار التدليس الصهيوني والخديعة والأساطير الملفقة، التي ضللت أوساط ثقافية واسعة في الغرب. ذهب في هذا الاتجاه الى بعيد، وبعض ما ذهب اليه حمل مفارقات غريبة، كأن يكتب وهو الذي تعذب من جراء النازية، وذاق مرارة السجن في "الجلفة" في الجزائر؛ ما ينتقص من حجم جرائم هذه النازية بحق اليهود. لم يكن ذلك المنحى صائباً أو ضرورياً بالنسبة له ولا بالنسبة للمسلمين أو غيرهم، طالما أننا لم نكن أصحاب أفران الإبادة، ولا القتلة، لكي نقلل من حجم جرائم لا تُقرها الفطرة البشرية. حوكم غارودي على ما كتب، ولعله توارى عن الأنظار بعد المحاكمة، لكن الرجل ظل على دأبه السجالي، منافحاً عن الحق الفلسطيني وعن أمة المسلمين. ربما يكون تواريه عن الأنظار، هو أحد تداعيات صعود التيارات المتطرفة التي مارست إرهاباً أعمى، ففتحت على أمة الإسلام أبواب جهنم الفكرية، وصعد بالمقابل، نجم رموز العداء للإسلام كدين، خلطاً بينه وبين التكفيريين الذين يمارسون الإرهاب ويقتلون الأبرياء! رحم الله روجيه غارودي، الذي غيبه الموت بعد حياة مديدة، لم يعش منها يوماً إلا سابحاً ضد التيار في داخل بيئته ومجتمعه، وفي خضم عالم مُضَلل. فقد غدا الرجل في التاريخ، واحداً من خالدي الذِكر! www.adlisadek.net adlishaban@hotmail.com
|
|
| |
تقييم المقال |  | المعدل: 0 تصويتات: 0
|
|
|