عدلي صادق: عدلي صادق : تأثيم الشعب وتبرئة قاتليه بتاريخ الأحد 15 أبريل 2012
الموضوع: قضايا وآراء
|
 تأثيم الشعب وتبرئة قاتليه عدلي صادق في لغة المناوئين للثورات العربية، تتكرر الإشارة الى أحوال ليبيا ومصر،
تأثيم الشعب وتبرئة قاتليه عدلي صادق في لغة المناوئين للثورات العربية، تتكرر الإشارة الى أحوال ليبيا ومصر، بعد ثورتيهما، في سياق محاولات البرهنة على أن الثورات العربية خاطئة، وأن الصحيح هو أن تظل الأوضاع المزرية على حالها، طالما أن البديل يتراوح بين الأوصوليه وشبهة الارتهان للغرب الاستعماري. وفي امتدادت الكلام، يُقال إن ليبيا الآن، على وشك التجزئة الى دويلات، وهذا غير صحيح، بل إن معناه أسخف منه، وهو أن سلطة القذافي وأولاده ومخابراته، هي الوصفة الوحيدة الضامنة لوحدة البلاد ورُشد الشعب والدولة! هذا المنحى من المحاججات سطحي وقاصر، ويجهل ألف باء سوسيوبوجيا الاستبداد. ففي المثال الليبي، كان المتوقع، بعد أربعين سنة من التصحر السياسي وغياب الحد الأدنى من سمات الدولة، وغياب تقاليد ممارسة الحكم بمسؤولية؛ أن يرسّخ الحكم الجديد استقرار ليبيا، وأن يكرس كل التقاليد المفتقدة، وأن يكون الاحتكام الى دستور عصري والى القانون، في دولة مدنية، خلال عشر سنين في أقل التقديرات. لكن الليبيين، من خلال سلطة انتقالية مؤقتة، وحكومة يرأسها رجل عالي التأهيل، عاقل، يقدم صورة حضارية محترمة عن شعب ليبيا؛ حققوا تقدماً أكثر من المتوقع بكثير، على طريق تحقيق هدف الاستقرار وتحقيق الديموقراطية. وما النزاعات التي تبدأ كشجارات عائلية ثم تتطور؛ إلا هزات ارتدادية بعد المعارك الطاحنة التي جرت، واستثيرت خلالها النزعات الجهوية والقبلية، الكامنة في كل مجتمع عربي، وهي من تداعيات ما جرى، ومن ذيول الحقبة التي تعمدت جعل الناس مادة للتباغض الداخلي الذي يقسو فيه بعضهم على بعض. أما ظهور الإسلاميين، فهو طبيعي طالما أنهم أصحاب المظلومية الأكبر. وفي سوريا، لا يقتصر أمر الإسلاميين على "الإخوان". فالحركة الإسلامية السورية رافقت الاستبداد منذ أن بدأ، وتنوعت. وقد غلبت على المنحى الإسلامي السوري، الوجهة الصوفية وهي الأقدر على احتمال الكرب والأقرب الى روح السوريين. أما المجتمع الريفي السوري بشكل عام، فهو أكثر ميلاً لإدماج ريفه في حالة مدينية ديموقرطية. وكانت تجربة الشيخ مروان حديد، إمام جامع السلطان في حماة، الذي قاد تمرداً على سلطة حزب البعث في العام 1964، مؤشراً على انصراف السوريين في حماة عن مشروعات العنف الديني، لأن السلطة أخمدت تمرد الشيخ مروان بسهولة. لكن فشل الدولة، في منح الحياة الديموقرطية للناس، الأمر الذي جعل حماة وريفها يتعاطفان مع تمرد "الإخوان" في الثمانينات رغم أن هؤلاء لم ينجحوا في توظيف التأييد الشعبي، في عملية تنظيم مقاومة سلمية، وحال استعصاء اجتماعي على النظام، يشمل كل أنحاء البلاد. فهم لم يقدموا مشروعاً متماسكاً، يجيب عن أسئلة تطرحها التغيرات الاجتماعية، بالتالي كان سهلاً الانفرد بهم في مدينة حماة وإبادتهم. الآن، بدا أن الشعب السوري استوعب الدرس بفطرته، لذا جعل خياره الثورة السلمية وشعاره "الشعب السوري واحد". لكن النظام، هو الذي جرّ شرائح من الناس الذين غضبوا من التصدي للمتظاهرين بالنيران؛ الى حمل السلاح، وكان الزج بالجيش في معركة مع الشعب الأعزل، قد ساعد على ذلك، من خلال الإفراز الطبيعي لعملية الفتك بالناس، وهو انشقاق عسكريين والتحاقهم بالطرف المقاوم للاستبداد. وبظهور مجموعات متطرفة نشأت بحكم أسباب موضوعية؛ وجد النظام ضالته، فالتقط الظاهرة وجعل منها كل مضمون الأزمة وكل صيع الحل! تداعيات ليبيا، هي مسؤولية النظام البائد، إن كان على مستوى المقدمات أم على مستوى النتائج. والأجدر بمن يعيّرون الليبيين بتدخل الناتو، أن يجعلوا من ذاك التدخل، حجة على المستبدين وليس حجة على الشعب، لأن الطغاة، هم الجلابون للغزاة. وبدل أن يقال للشعب السوري، إنه هو الذي يطلب التدخل الأجنبي، ينبغي أن يُقال للحكم المستبد الفاسد، لا تجعل تشبثك بحكم الأسرة، وجرائمك، ذرائع للغزاة الطامعين عندما يتدخلون. فهذه هي القراءة الصحيحة لدروس الثورات، وليست القراءة، أن يؤثم الشعب السوري ـ مثلاً ـ لأنه يرفض بتاتاً تسليم رقبته للشبيحة، وللظالمين الطائفيين الفاسدين، رفضاً للتدخل الأجنبي، علماً بأن الأجنبي لن يتدخل في سوريا لصالح الشعب. فالبلاد فقيرة ولا تنـز أرضها بترولاً يغطي أكلاف التدخل، ولا قدرة للبلاد على السداد. ثم إن كان هناك تدخلاً أجنبياً عسكرياً، فهو لصالح النظام الذي يستمرىء أعمال القصف والتدمير. الليبيون عندما أرادوا الانعتاق، لم يكونوا قادرين على خوض معركة عسكرية. انفجر غضبهم الشعبي فتظاهروا سلماً، ولما ووجهوا بالنيران، انشق عن الجيش كل من أبى أن يقتل أهله. وقبل انفجار الغضب الشعبي، في تونس ومصر وليبيا وسوريا واليمن، كان طبيعباً حيال قبضة الاستبداد متفاوت الدرجات، أن تفتش شرائح شبابية عن أيديولوجيا "جهادية" تشحن روحها قبل الدخول في معارك صعبة مع أنظمة لم تبن في بلادها شيئاً مستفيدة من التطور العالمي على كل صعيد؛ مثلما بنت أجهزة الأمن والقوة المسلحة. وكان القذافي الذي يمتلك نحو ثلاثمئة وخمسين طائرة، من كل الأنواع، مزودة بالنيران، كما يمتلك صواريخ باليستية من كل الأنواع؛ جاهزاً لكي يبيد مجاميع بشرية من شعبه. وقد تدخل "الناتو" عندما سنحت له الفرصة مع اقتراب القذافي من بنغازي لكي يحرقها، مستأنساً برشاوى وعقود، كان أداها لمن وصفهم بعد ذلك بالصليبيين والمستعمرين، وظن أنها تشفع له. فمن طبائع الأنظمة العربية المستبدة، ما يجعل الغرام مع المستعمرين والصليبيين حلال عليها حرام على شعبها الذي لا يمكن أن يكون طرفاً في غرام مع مستعمر. أما أن يأتي المستعمر، بذريعة رفع السكين عن رقاب كل الناس، حتى وإن قتل عدداً منهم بـ "نيران صديقة" فلن يقول له الشعب، نحن نعشق سكين الطاغية واتركونا نُذبح. فالأصل أن المستبد هو جلاب الغازي! * * * الطرح اللا أخلاقي، هو ذاك الذي يحمّل المسؤولية للشعب، عن شىء لم يفعله على امتداد عقود من الاستبداد والعذاب، ومن الصبر المرير. أما الحديث عن عصابات مسلحة متطرفة ومجرمة، فإنه يأخذ المسألة الى خارجها. والأنظمة المخابراتية المستبدة، قادرة بسهولة على اختلاق مجموعات تقتل الأبرياء في كل مكان، بأضعاف حجم المجموعات الحقيقية، لكي تبرر إحراق الناس بالجملة، وهذه ألاعيب قذرة، يتجاهل من يصدقها ويرددها، كل الأشرطة والوثائق والشهادات التي تؤكد على أن ما يجري في سوريا هو ثورة شعب. فحتى جنائز الشهداء من هذا الشعب، تُضرب بالنار. إن حديث المؤامرة، التي تفترض وجود المستعمر وراء الناس، يضاهي لغة النار المعتمدة، في التعاطي مع طلب الشعب للحرية. فبئس القراءات هذه، التي تنـزع الى تأثيم الشعب وتبرئة قاتليه! www.adlisadek.net
adlishaban@hotmail.com
|
|
| |
تقييم المقال |  | المعدل: 0 تصويتات: 0
|
|
|