نشرة دورية تعني بالترجمة عن الصحف والمجلات العالمية

نشرة مترجمة لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر التوجيه السياسي

تصدر عن هيئة التوجيه السياسي والوطني

في عالم متغير

 وادي الأردن منطقة أمنية حيوية لإسرائيل

أفرايم كام

ترجمة: نصير أبو حجلة

مركز جافي للدراسات الاستراتيجية

 

ما من شك أن الحاجة تقتضي مراجعة الافتراضات الأساسية التي تتحدث عن الأهمية الأمنية لوادي الأردن بالنسبة لإسرائيل، فعبر السنوات الطويلة التي مرت على صياغة آلون للمبادىء الأساسية لأفكاره الأمنية تغيرت الظروف الاستراتيجية لإسرائيل بشكل هائل.

هذه التغيرات بالإضافة للحقائق الدولية المحتملة تتطلب فحصاً جديداً لتلك الأفكار من أجل الجزم فقط بمدى الحيوية التي يشكلها وادي الأردن بالنسبة لأمن إسرائيل.

يحاول هذا المقال أن يختبر إلى أي مدى تستوجب الظروف المستقبلية من إسرائيل السيطرة على وادي الأردن لكي تضمن أمنها، لكن هذا النقاش لن يتناول كل عناصر أهمية هذه المنطقة لدولة إسرائيل .

كمقدمة يجب التذكير بأن السيطرة على وادي الأردن تتضمن عنصرين يتمتعان بأهمية متعددة الجوانب هما:

·          السيطرة العسكرية على وادي الأردن ــ أو لزيادة في الدقةــ الشريط الذي يشرف عليه من الغرب كخط دفاعي ضد القوى المعادية التي قد تحتشد شرق نهر الأردن.

·          السيطرة على معابر نهر الأردن ضرورة ماسة لضمان أن القيود على امتلاك الأسلحة ــ التي لا تنص عليها الاتفاقية الدائمة والمفروضة على الدولة الفلسطينيةــ يجري التقيد بها، وكذلك لمنع تسلل الهجمات الإرهابية ودخول المواد اللازمة للعمليات الإرهابية للدولة الفلسطينية.

لقد دفعت معاودة معاينة القواعد الأساسية لخطة آلون بالباحث "شلومو بروم" إلى التوصل للنتيجة التي مفادها:

·            إن إسرائيل تحسن صنعاً إذا تخلت عن التحكم في وادي الأردن أو تخلت عن ضمه لصالح إبرام اتفاقية مع الفلسطينيين، وينتهي بروم إلى القول بأن مثل هذه السيطرة ستترتب عليها في الواقع نتائج معاكسة لأمن إسرائيل على المدى البعيد, ويسوق لتدعيم وجهة نظره عدداً من التصورات البعيدة في معظمها عن الوضع الأمني المستعصي الذي تعيشه إسرائيل. وأما تصورات بروم فهي:

أولا: ما يسمى بالحدود الآمنة لا يمكن أن يمنع الحرب، فحدود عام 67 لم تمنع حرب عام 73 والتي اضطر فيها الجيش الإسرائيلي أن ينسحب من سيناء في سياق معاهدة سلام مع مصر ضمنت الهدوء على الحدود الحالية بعد الانسحاب.

ثانيا: التغيرات في الوضع الإقليمي والدولي معاً قللت بصورة واضحة من التهديد بوقوع هجوم بري عربي من الجبهة الشرقية، فالأقطار العربية ما تزال منهمكة في تطوير قواتها العسكرية, وذلك بالتركيز على الصواريخ البالستية وأسلحة الدمار الشامل وهو (والمقصود هنا العراق في وقت سابق على الغزو الأمريكي).

ثالثا: تغيرات في الأوضاع الاستراتيجية وأساليب الحرب الحديثة ضاعفت من أهمية امتلاك القدرات القتالية من مسافة بعيدة، حيث أمكن بهذه القدرات الجديدة إيقاع دمار هائل في قوات الخصم قبل وقت طويل من لحظة الاشتباك مع القوات الإسرائيلية.

رابعا: التزام الأردن ــ بموجب معاهدة السلام بينه وبين إسرائيل ــ بمنع استخدام أراضيه من قبل قوات معادية للهجوم على إسرائيل ، الأمر الذي جعل الأردن كله منطقة حامية لأمن إسرائيل  من جهة الشرق.

وحتى في حال دخول هذه القوات المعادية للأراضي الأردنية، يكون لإسرائيل الحق في اتخاذ عمل عسكري ضد هذه القوات وليس بالضرورة في وادي الأردن.

خامسا: عندما يتطلب الأمر من إسرائيل الدفاع عن نفسها ضد هجوم من الشرق فهي قادرة على حشد قوات على الحاجز الجبلي الواقع غرب الوادي دون أن يستطيع الفلسطينيون منعها.

ولكي نكون في الجانب الآمن يمكن أن تتمركز قوات محدودة لفترة تكون معروفة سلفاً وقريبة من لحظة توقيع اتفاقية دائمة مع الفلسطينيين.

سادساً: إن التعامل مع الإرهاب الفلسطيني سوف يعتمد بصورة أساسية على علاقات إسرائيل  بالدولة الفلسطينية, وليس على أي دعم يأتي من عناصر من خارج المناطق الفلسطينية, وبالتالي فان السيطرة  على وادي الأردن ــ والأخطر من ذلك ضمه ــ سوف تزعزع استقرار الدولة الفلسطينية وتشل قدرتها على النمو، ومثل هذا التحكم سوف يوجج الشعور بالحصار، كما سيحول دون تمكنها من توطين اللاجئين على الأرض الاحتياطية المتبقية لها, وبالتالي التخلي عن استعدادها لمحاربة الإرهاب.

 ويرد عليه صاحب هذا المقال (أفرايم كيم) بأن فكرة الانطلاق لمعاينة طبيعة هذه الأهمية التي يتمتع بها وادي الأردن كمنطقة أمنية لإسرائيل والتخلي عنها لصالح اتفاقية شاملة مع الفلسطينيين هي افتراض بأن التغيرات الجارفة التي وقعت كانت ذات اثر ايجابي على البيئة الاستراتيجية الإسرائيلية في العقد الأخير هذا ما يراه بروم.

وهذه التغيرات تشمل معاهدات السلام مع مصر والأردن, واعتراف معظم العالم العربي بضرورة البحث عن حل سياسي للنزاع العربي الإسرائيلي وليس بالوسائل العسكرية, وانهيار الاتحاد السوفيتي الذي حرم سوريا من دعم استراتيجي لقوة عظمى، وضعف العراق والأزمة الاقتصادية التي ألمت بالعالم العربي منذ الثمانينات من القرن الماضي وأثرت على قدرة الدول العربية على المضي في بناء قدراتها العسكرية.

 لقد أزاحت هذه التغيرات فعلاً مخاطر اندلاع حرب عربية إسرائيلية، كذلك افتراض أن هذه الأوضاع لن تتغير بصورة مؤثرة خلال السنوات القريبة القادمة, وبالتالي فان احتمالية الحرب قد أصبحت بعيدة في هذه المرحلة.

وحسب رأي "كيم" أن هذه الظروف الايجابية لصالح الاستراتيجية الإسرائيلية لن تضمن بأي حال ما يمكن أن يحدث على المدى البعيد,فمن وجهة نظره:

·            إن الحقيقة الحاضرة دائماً تحمل معها بذور التغيرات المادية القادمة، والصورة المشابهة قد تأتي لتترك أثراً سلبياً على إسرائيل في عشر سنوات قادمة أو ما يزيد.

وهذه الصورة المشابهة كما يراها الكاتب أفرايم كيم تتمثل في امتلاك إيران لقوة عسكرية هائلة, وحيازتها لصواريخ بعيدة المدى, وربما السلاح الذري كذلك، وفي الوقت نفسه فان الإشارات الواردة عن التغيرات الداخلية الحالية في ذلك البلد, وتأثيراتها المحتملة على تهديد إسرائيل  غير واضحة.

·                       كما لا وجود لاتفاقية سلام مع سوريا وأية إشارات على حدوث ذلك في المستقبل المنظور غير واضحة.

·                       وربما تعود الأقطار العربية إلى التسارع في بناء قواتها العسكرية، إذا ما تواصلت الزيادة في أسعار النفط.

·            كذلك سواء باتفاقية أو بدون اتفاقية فان دولة فلسطينية ستقوم في السنوات القادمة، وإبعاد ذلك على إسرائيل والمنطقة غير واضحة حتى الآن.

·            من زاوية أخرى فان حدود إسرائيل الشرقية مشتركة مع أربع دول ليس من بينها غير الأردن الذي تربطه معاهدة سلام مع إسرائيل ، وما عداه تقوم ثلاث دول معادية لإسرائيل  ذات قوة عسكرية لا يستهان بها ومن بينها سوريا (والعراق) الأشد عداوة لإسرائيل ، وربما في جانب آخر معاديتان للأردن.

 

 ولن تكون هذه الدول معنية بمعاهدات السلام التي تبرمها الأردن أو الدولة الفلسطينية. وفي غياب أي تغير ملموس في علاقاتها مع إسرائيل يجب أن يؤخذ في الحسبان احتمال حدوث مواجهة عسكرية مع بعضها أو معها كلها.

·          وثمة اختلاف مهم بين الجبهتين الشرقية والغربية فالاستقرار الذي حدث على الجبهة الغربية تم إنجازه بمعطيات منطقة واسعة عازلة في سيناء, والبعد الجغرافي لمصر عن مراكز التجمعات السكانية الإسرائيلية.

أما الجبهة الشرقية بالمقابل فليس لها مثل هذا الفراغ العازل إذ هي ملاصقة تماماً لمراكز التجمعات السكانية الإسرائيلية والبنية الصناعية فيها, كما إن إسرائيل والأردن تفصلهما الدولة الفلسطينية بكل ما يحمله ذلك من مشاكل أمنية. وصحيح إن الدول المعادية لإسرائيل ستركز في الحاضر والمستقبل على تطوير صواريخها البالسية وقدراتها العسكرية غير التقليدية، لكن هذا لا يعني تخليها عن خيار الهجوم البري، ولا توجد أراض كي نفترض أن العراق والى حد بعيد سوريا قد تخليا عن الفكرة الأصلية التي ترى في الأراضي الأردنية منطلقاً لأي هجوم بري ضد إسرائيل .

ويجب أن يؤخذ في الاعتبار أن تطوير أسلحة الدمار الشامل ـ والتي يفترض أن يتم اللجوء إليها كخيار في حالات الحصار الشديد ــ سوف تشكل إضافة إلى الهجمات التقليدية البرية، ولكن لن تكون بديلاً عنها.

وهذا الخيار يتصدر ضرورات مواصلة السيطرة على المواقع الاستراتيجية أطول مدة ممكنة إلى أن تتضح الصورة الإقليمية.

إن التغيرات في وسائل الحرب الحديثة قد منحت إسرائيل في واقع الأمر القدرة على إيقاع اكبر قدر من الدمار في القوات المعادية المتجه إلى وادي الأردن.

كما أن التزام الأردن بمنع أية قوات معادية من دخول أراضيه قد وفر لإسرائيل معامل أمن إضافي ولكن سيكون من الخطأ اعتبار الأردن منطقة أمنية حاجزة تحمي إسرائيل من جهة الشرق لسببين أساسيين هما :

·     لقد حقق النظام الهاشمي استقراراً داخلياً معقولاً خلال العقود الأخيرة ولا يواجه أي تهديد خطير لوجوده, لكن هذا النظام سيكون مطالباً عن قريب بالتعامل مع التحديات الشديدة الخطورة على مستقبله. بما فيها تأسيس دولة فلسطينية مستقلة، وهذه الدولة ميالة على ما يبدو لخلق هوية وطنية تسلط الضوء على السكان الفلسطينيين في الأردن, وهنا لا الأردن ولا إسرائيل على دراية بما ستكون عليه مخرجات مثل هذا التطور, أو كيف سيؤثر على استقرار النظام الهاشمي، كما لن يكون هناك خلاف على أهمية مخرجاته للأمن الإسرائيلي.

وهذا  القلق يطرح كذلك التساؤل حول إمكانية اعتماد إسرائيل  على الأردن كعامل سوف يتمكن خلال الوقت من منع القوات المعادية من وضع قدم لها على أرضه.

وكلما وجد الأردن نفسه في وضع مزعزع كلما زادت حاجة إسرائيل ــ طردياً ــ للسيطرة على وادي  الأردن.

·          بالرغم من التزام الأردن بمنع دخول قوات معادية إلى أراضيه، ما من ضمان على أنه سوف يلتزم بذلك فعلاً, أو أن يكون قادراً على فعل ذلك في كل موقف يستجد.

·          ربما تطرأ أوضاع لا تجد فيها إسرائيل القدرة على اتخاذ إجراءات لمنع دخول قوات كهذه إلى الأراضي الأردنية بالرغم من الشرعية المسبقة التي تمتلكها لإتخاذ تلك الإجراءات، وعلى سبيل المثال عندما تجد إسرائيل نفسها غارقة في أزمات مختلفة تشل مواردها، فلن تجد الرغبة في جلب وخلق المزيد من التعقيدات لنفسها بالإقدام على مواجهة قوات عربية تدخل الأردن.

وقد كانت مدعوة لذلك طيلة ثلاثة أعوام ما بين 1967 ـ 1970 حين كان فيلق عراقي يتمركز في شمال غرب الأردن بمدفعية ذات مدى يصل الأراضي الإسرائيلية ودون أية محاولة إسرائيلية لإزاحته عن الأراضي الأردنية.

ستظل إسرائيل في حاجة دائمة لاتخاذ أي موقف يتفق مع مصالحها دون الاستجابة بحركة انعكاسية تحمل في طياتها المخاطرة بكل ما تحمله من تدهور، على الرغم من أنها تمتلك الشرعية الممنوحة لها بموجب الاتفاقيات مع الأردن ومع الدولة الفلسطينية.

·          إن احتمالية أن تتطور الأوضاع بحيث لا تستطيع إسرائيل ولا الأردن منع دخول قوات عربية تستوجب من إسرائيل السيطرة على وادي الأردن, وإذا ما تخلت عن هذه السيطرة ستصبح في حاجة لأن تفكر مرتين في أية أزمة قبل أن ترسل قواتها إلى وادي الأردن عبر الدولة الفلسطينية، وانتهاكها لسيادة راسخة، وحتى عندما تعتبر تحركها له ما يبرره، فدائماً ما يكون التحرك العسكري الإسرائيلي نحو أراضي دولة ذات سيادة مقيداً إلى حد بعيد بغض النظر عن كونه واقعاً على الأردن أو على الأراضي الفلسطينية          ومثل هذا التحرك لا يمكن أن يكون مقبولاً إلا في الظروف الشديدة الخصوصية فقط.

·          إن تواجداً إسرائيلياً في وادي الأردن له أثره الرادع على إيران وسوريا، إذ أن مجرد السيطرة الإسرائيلة على وادي الأردن سوف يُجبر هاتين الدولتين على التفكير أكثر من مرة قبل تحريك قواتهما نحو الأردن, بينما سيكون قرارهما أكثر سهولة في الوضع الذي تنسحب فيه إسرائيل إلى حدود 67 بدون تواجد في الوادي.

وبينما لا يوفر التحكم في وادي الأردن أي ضمان لردع العدوان في المستقبل، فإننا نفترض أن الموقف الذي تملك فيه إسرائيل  السيطرة على الشريط الغربي المشرف على الوادي يوفر رزمة مختلفة من الإمتيازات، ومن ثم في حال أي طارىء، يمكن للقوات البرية الإسرائيلية أن تعبر الأراضي الفلسطينية لكي تصد هجوماً من الشرق.

·          وثمة ميزة أخرى مرغوبة في سيطرة إسرائيل على وادي الأردن، ففي الوقت الذي قد لا تسمح فيه المملكة الهاشمية كثيراً بهذه السيطرة فان لها مصالحها ـ كما يفترض ـ في استمرار سيطرة إسرائيل على معابر نهر الأردن التي تربط الضفتين، وذلك من اجل الحد من الاحتكاكات المباشرة والتأثيرات التي ينجم عنها الضرر للنظام، وبالتالي فان سيطرة إسرائيل على وادي الأردن تستجيب للمصالح الإسرائيلية والأردنية معاً.

 

الحالة الفلسطينية

سيطرة إسرائيل على وادي الأردن ستكون لها انعكاسات هائلة على وضع الدولة الفلسطينية المستقبلية، وعلى العلاقات الإسرائيلية معها، حيث ستفصل الدولة الفلسطينية عن الأردن, وتكمل الحصار الإسرائيلي التام للضفة الغربية.

يرى البعض أن إسرائيل تحسن صنعاً لو تخلت (شلومو بروم) عن السيطرة على وادي الأردن، فبهذا تزيح عقبة كأداء من طريق العلاقات المثمرة مع الدولة الفلسطينية وتكرس الجهد الأكبر لمحاربة الإرهاب.

ولكن الأزمة الحاضرة التي تلقي بظلالها على العلاقات الفلسطينية الإسرائيلية تشير إلى أن إسرائيل ليست على مقربة من نهاية الصراع مع الفلسطينيين، وحتى لو تم التوصل إلى اتفاقية معهم، وحتى لو تمت إقامة الدولة الفلسطينية بموجب اتفاقية فان علاقاتها مع إسرائيل سوف تسوء وتتلاشى بفعل الأزمات والمواجهات, وليس بالضرورة أن تكون قائمة على التعاون والبناء.

إن ازدياد قوة التنظيم والمليشيات الفلسطينية المحلية خلال الأزمة الحالية ربما هو نذير على صراع القوى المحلية داخل الدولة الفلسطينية, هذا إذا قامت أو تم الإعلان عنها وربما لن تمضي في المسار نحو الاستقرار والازدهار.

وإذا ما برهنت هذه المفاهيم على صلابتها في المستقبل القريب، فسوف تشكل تبريراً إضافيا لسيطرة إسرائيل على معابر نهر الأردن، لقد أدخلت الأزمة الحالية كمية الأسلحة الموجودة في المناطق الفلسطينية بأنواعها المختلفة، وإذا ما تسلمت السلطة الوطنية السيطرة على معابر نهر الأردن فسوف يكون في مقدورها استيراد أي نوع من نظم الأسلحة التي ترغب الحصول عليها بما فيها تلك التي ليست بحوزتها في الوقت الراهن.

كما ستحرم إسرائيل من القدرة على مراقبة أو تحري هذه المكتسبات. وما من شك أن الدولة الفلسطينية سوف تسعى لخلق قوة عسكرية مسلحة في اللحظة التي تحصل فيها على استقلالها.

وحتى لو أقرت السلطة الفلسطينية بتحديد كميات ونوعية الأسلحة التي ستحملها عناصرها التي يسمح لها فإننا لا يمكن أن نصدق بأنها ستلتزم بالاتفاقية في هذه المسألة.

إن سيطرة فلسطينية على معابر نهر الأردن سوف تهيء لها ذلك التدفق للأسلحة غير الخاضعة للرقابة, بالإضافة للعناصر البشرية التي ستتسرب إلى المنظمات التي تواصل الإرهاب.

وحتى لو استطاعت إسرائيل بمقتضى الشرعية الممنوحة لها اتخاذ إجراء ضد الدولة الفلسطينية، فقد علمتنا التجارب أن إسرائيل لا تسارع إلى ذلك.

فمن وجهة النظر الفلسطينية أن انتقال وادي الأردن إلى الأيادي الفلسطينية أمر بالغ الأهمية لكونه يعني أن الضفة الغربية لن تظل محاصرة إلى الأبد.

إن المطالبة بإصرار بالسيطرة على وادي الأردن من قبل الفلسطينيين سيكلف إسرائيل اتفاقية معهم، كما أن سيطرة إسرائيل على الوادي ـ هذا إذا ما تمت الموافقة عليها ـ سوف تتقاطع مع النسبة التي ستحصل عليها في أجزاء أخرى من الضفة الغربية، وعليه فان الملاحظات السالفة يجب أن لا تفهم على أنها توصية لضم وادي الأردن, كما لا يدعو هذا المقال إلى شكل من أشكال التسوية تتم بموجبه سيطرة إسرائيل على وادي الأردن ومعابر النهر لفترة معقولة من الوقت ثم التخلي عنه بعد ذلك للفلسطينيين, لأن مثل هذه التسوية ستجعل من الممكن التوصل إلى اتفاق مع الفلسطينيين وتوفر استجابة منطقية بعد عدد من السنين لمشاكل إسرائيل الأمنية، كما ستقلل من مخاطرها الملازمة.

وصحيح أن سيطرة إسرائيلية دائمة على وادي الأردن سوف تشيع الإحساس الفلسطيني بالحصار, وذلك لن يهيئ مناخاً للنوايا الحسنة في العلاقة مع إسرائيل، ولكن إذا بقيت علاقة الدولة الفلسطينية مع إسرائيل مقرونة بالأزمات، فان مكاسب إسرائيل من سيطرتها على وادي الأردن واضحة لا لبس فيها, حيث ستكون رافعة للمزيد من الضغط على الفلسطينيين.

ودائماً فان نمو العلاقات المنتظمة بين الطرفين يمكن أن يقنع إسرائيل بالتخلي عن السيطرة على الوادي في الوقت المناسب، موفرة للجيران من حولها في المنطقة نمواً عن طيب خاطر.

الخلاصة:

فحص أهمية وادي الأردن كمنطقة أمنية لإسرائيل يقوم على القلق بالقياس إلى الوضع الأمني والبيئة الاستراتيجية التي ستحيط بإسرائيل في السنوات القادمة، ففي العقدين الأخيرين نعمت إسرائيل ببيئة استراتيجية مريحة نسبياً انعكست في تدني إمكانية حدوث حرب عربية إسرائيلية، وهي إمكانية سوف تبقى ضعيفة في السنوات القادمة، لكن ليس هناك ضمان بأن يستمر هذا الوضع لفترة طويلة, أو إن مخاطر الحرب سوف تبقى هابطة.

وعلامات الاستفهام الرئيسية ستنصب على عدة قضايا:

·                    إلى أي مدى ستبقى الدولة الفلسطينية مستقرة، وما نوع العلاقات التي ستقيمها مع إسرائيل ؟

·                    إلى أي مدى ستثير الدولة الفلسطينية القلاقل للمملكة الأردنية

·                    هل سيتم التوصل إلى اتفاقية سلام بين سوريا إسرائيل.

·                    إلى أي مدى سيكون أمن إسرائيل معرضاً للخطر من قبل إيران وبعض الدول العربية؟

إن التطورات المتعلقة بهذه الأسئلة الأربعة سيكون لها الأثر المهم على قيمة وادي الأردن للأمن الإسرائيلي، فإذا ما اتجهت سوريا على سبيل المثال نحو سلام حقيقي مع إسرائيل فسوف يعني هذا تخلي إسرائيل بكل أريحية عن سيطرتها على وادي الأردن، والعكس بالعكس إذا ما اختلت علاقات الدولة الفلسطينية مع إسرائيل, وفشل الفلسطينيون في اتخاذ إجراءات فعالة لمنع الإرهاب الموجه لإسرائيل, أو تسببوا في زعزعة الاستقرار في الأردن, فسوف تعلو أهمية وادي الأردن للأمن الإسرائيلي.

وبما أننا لا نملك الآن الإجابات على هذه الأسئلة فمن الحيوي أن تواصل إسرائيل سيطرتها على وادي الأردن ــ سيطرة عسكرية على الأرض وسيطرة على معابر النهر.

وهذا لا يقتصر على المرحلة المتعلقة بتوقيع اتفاق مع الفلسطينيين، حيث إن المشكلة تستلزم عقداً أو عقدين من الزمن لاستجلاء العناصر المؤثرة في الوضع الاستراتيجي, فإذا كانت إسرائيل ستتعرض لمواجهة شاملة على حدودها الشرقية, ما من ضمان أنها تستطيع الاعتماد على الأردن ـ كدولة حاجزة ـ  في حماية حدودها، أو على قدرة جيش الدفاع في استخدام أنظمة متطورة للأسلحة من مسافة بعيدة لوقف قوات معادية تتحرك نحو وادي الأردن, وسوف تتزايد الشكوك في هذا الموقف إذا ما فرضت حالة من عدم الاستقرار نفسها على المملكة الأردنية لفترة طويلة من الزمن، وانعدام الثقة هذا يتطلب سيطرة إسرائيلية على وادي الأردن أطول فترة ممكنة.

وقد تبرهن السيطرة أنها ثمن مكلف تدفعه إسرائيل في علاقاتها مع الفلسطينيين، والإصرار على تحقيقه يمكن أن يجعل أي اتفاقية بين الطرفين صعبة المنال.

لكن هذه الصعوبة يمكن التغلب عليها من خلال منح السيطرة الإسرائيلية بعداً زمنياً مؤقتاً إذ تستطيع إسرائيل على سبيل المثال التراجع عن ضم الوادي مع إطالة سيطرتها عليه, وتتعهد بالتخلي عن هذه السيطرة خلال فترة تتراوح ما بين عشرٍ إلى عشرين سنة.