نشرة دورية تعني بالترجمة عن الصحف والمجلات العالمية

نشرة مترجمة لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر التوجيه السياسي

تصدر عن هيئة التوجيه السياسي والوطني

الالتهام الكلي

مقدمة : بقلم نصير أبو حجلة

 

بعد سقوط  الضفة الغربية عام 67 بدأت عمليتان هما الالتهام الكلي لأجزاء، والالتهام الجزئي في مناطق أخرى.

كان ضم القدس والدعاء بأنها العاصمة الأبدية هو الالتهام الكلي لأجزاء من الضفة الغربية وكان الادعاء بأن وادي الأردن هو الحدود الآمنة المثل الآخر على الالتهام الكلي لأجزاء أخرى.

لم تكن اسرائيل بحاجة إلى مشروع آلون الذي اعتبر نهر الأردن هو حدود اسرائيل الشرقية، وطالب بالشريط الذي يحاذيه والجبال التي تشرف عليه ليذكرها باحلامها التوسعية الاستيطانية، فشرعت من أول يوم في ترسيخ قواعدها العسكرية، وحفر الطرق الالتفافية واقامة المستوطنات، وعزل السكان، ومصادرة الاراضي، ومنع حركة السيارات الفلسطينية على خط 90 الذي يربط شمال الضفة بجنوبها هذا بالاضافة لحفر الخنادق الطويلة العميقة، واغلاق مناطق أخرى للتدريب والمناورات العسكرية، أو المحميات الطبيعية إلى غير ذلك، وبلغ الأمر حد منع اعطاء تصاريح زيارة لاصحاب الأراضي النازحين من وادي الاردن.

ورغم سقوط سيناريو الجبهة الشرقية بتوقيع معاهدة السلام مع الأردن، واحتلال العراق، ومحاصرة سوريا، ورغم سقوط فكرة الحدود الآمنة بالموانع المائية والجبلية والخطوط الحصينة مثل خط بارليف، واندلاع الحرب التي لم تعقها الحدود الآمنة، ورغم سقوط كل النظريات العسكرية القديمة بظهور الصواريخ البعيدة المدى دون الحاجة نسبياً للقوات البرية، واعتماد نظرية القدرات القتالية من مسافات بعيدة والتي تجهز على قوات الخصم قبل  الوصول إلى اشتباك بري.

رغم كل ما ذكر واعترف به الباحثون الاسرائيليون إلا أن اسرائيل ماضية في تهويد وادي الأردن، ورسم سيناريوهات جديدة قائمة على احتمالات أقرب إلى الخيال، مثل احتمال دخول قوات مستقبلية إلى الأردن، من العراق يوماً ما أو من ايران، رغم ان الأردن في شبه تحالف معها ويحظر دخول قوات غريبة، واسرائيل بنفسها تتولى حماية ذلك  المنع إلا أنها مصرة على تهويد وادي الأردن باعتباره حدوداً آمنة وما هو بذلك، فكلما سقط حائط، خرجت اسرائيل لتصور لنا حائطاً آخر تبرر التمسك بوادي الأردن نهراً وأرضاً وجبالاً، لأنها ترفض السلام أو لا تعيش إلا بالحرب والتوسع، وهذا جوهر النظرية الصهيونية، ما زالت تطبقها بحذافيرها.

همدت الجبهة الشرقية في الوقت الحاضر، وتم ابرام اتفاق سلام مع مصر، والاردن بطوله وعرضه اصبح ساحة آمنة ومؤمنة لاسرائيل ومع ذلك تمارس عمليات الاجلاء العرقي الذي يشرد السكان، ويقوض مصادر الرزق، ويهلك موارد الحياة، ويبتلع الأرض لحساب المستوطنين.

ومع بداية محاولات التهدئة منذ عام مضى بذل المفاوض الفلسطيني جهوداً مستميتة لتحريك مكعبات اسمنتية في جهة من اريحا، وكان حواراً مع الطرشان، ثمة مخطط واستراتيجية مرسومة لا يتنازل عنها المحتل، وادي الأردن في نظره منطقة اسرائيلية وليست محتلة وحدود آمنة ولا معنى لحقوق فلسطينية من وجهة نظرهم.

عكيفا الدار في تعليق له بصحيفة هآرتس اوردته الايام مترجماً في 5/3 يقول فيه "من الممكن الاطلاع على خطط اسرائيل بصدد غور الأردن من تحقيق مفصل أجرته منظمة "بتسيليم" وحسب هذا التحقيق تبين أن خطة "الإنطواء" التي تطرحها "كديما" تعرج على شريط طوله 120 كم، وعرضه 15 كم.

الغور منطقة "ج" باستثناء جيب اريحا، ومنطقة "ج" تعني سيطرة اسرائيلية بالكامل، وليس هناك أي مؤشر على أن اسرائيل تنوي التنازل عن ذلك"

ومن وادي الأردن اصبح الخطر يمتد إلى ما وراء النهر، وكما تقول سحر بعاصري في جريدة النهار اللبنانية تعليقاً على ما وقع في سجن أريحا " من لم يقرأ من المسؤولين العرب في الاقتحام الاسرائيلي لسجن اريحا تحولاً مفصلياً لمسار الصراع العربي الاسرائيلي، بل للوضع في المنطقة كلها، فالوقت لم يفت كلياً بعد لاعادة النظر اذا شاؤوا، لا نفترض سلفاً انهم استهلوا ما حدث، أو ان صمتهم هو ذلك التعبير المزمن عن العجز المزمن، لكن رد الفعل العربي الرسمي لم يكن بحجم العملية وأبعادها...

ما حصل مرة جديدة هو عملية اسرائيلية امريكية بريطانية للقضاء على السلطة وافضل الحجج للاطراف الثلاثة ان حماس ستتولاها، وهذا ليس انذاراً مدوياً، بما ينتظر الفلسطينيين، وما يشعر به الأردن بخطورة فحسب، بل إنه يكفي بما يحمل من مخاطر على المنطقة كلها لايقاظ أهل الكهف من نومهم العميق".

اسرائيل ماضية في مخططها، ولا تقيم وزناً لسلامها مع الأردن ولا كون الساحة الأردنية آمنة ومسالمة ومفتوحة أمام القوات الإسرائيلية لصد أية قوات غريبة، اذ تعتبر الأردن هو ذلك الجزء من فلسطين الذي لم يكن مسوحاً باستيطانه أيام الانتداب وبالتالي هو الدولة الفلسطينية، ولم يكن شارون يخفي ذلك قبل فترة قريبة فالاردن في نظره هو الدولة الفلسطينية.

وليس عجيباً ان نسمع في الأيام الأخيرة ما ورد على لسان الجنرال الاسرائيلي مئير نافيه " من أن الملك عبد الله هو آخر الملوك الهاشميين".

ليس عجيباً ان نسمع ذلك في الوقت الذي تتباهى فيه اسرائيل بأنها في أحصن وضع استراتيجي الآن، فمثة سلم مع مصر والاردن ومعظم الدول العربية تقر بالحل السياسي كخيار لحل القضية الفلسطينية، والجيوش عاجزة عن متابعة التسلح، وأمريكا إلى جانبها في العراق، وفي كل مكان تبرر لها ما تفعله على حساب القانون الدولي وحقوق الإنسان، بل وتدافع عن ترسانتها النووية، وتعتبر أنها في حالة دفاع عن النفس.

هذا هو الوضع الاستراتيجي الذي تسرح وتمرح  فيه اسرائيل، ولا تقيم في وزناً لحقوق الشعب الفلسطيني أو لمرونة الحكومات العربية، أو للمجتمع الدولي.

 

كامب ديفيد والعودة من الشباك

في يناير عام 2001 نشر مقال لـ أوري هورويتنر يعرض فيه ما ورد في مؤتمر كامب ديفيد بشهر ديسمبر عام 2000 من وجهة نظر فلسطينية وإسرائيلية بشأن قضايا الوضع النهائي ومقترحات الرئيس كلينتون في ذلك الحين لجسر الهوة بين الطرفين, وما تم اعتباره في إسرائيل والولايات المتحدة خطوة غير مسبوقة تستجيب للمطالب الفلسطينية, بينما اعتبره الفلسطينيون ليس مجرد طرح غير عادل فحسب, بل ومؤامرة لاستمرار الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية ولكن بوسائل جديدة.

وسوف يقتصر عرضنا هنا على مسألتي الأمن والحدود، وهما صلب ملفنا هذا الذي نخصصه لوادي الأردن.

 

الأمن والموقف الإسرائيلي في كامب ديفيد

تنص بنود هذا الموقف:

1. أن تحتفظ إسرائيل بسيطرتها على أجزاء من وادي الأردن بما فيها المستوطنات والقواعد العسكرية لفترة لا تتجاوز 12 سنة وطبقاً للتوضيحات التي قدمت من الطرف الإسرائيلي عقب المؤتمر،  فان المنطقة التي يراد الاحتفاظ بها تعادل 8% من الوادي ولفترة تتراوح بين 12 ـ 15 سنة.

2. سيطرة دائمة على 15% ـ 20% من الأراضي المشرفة على نهر الأردن والبحر الميت، وكما أوضحت إسرائيل في ملاحق إضافية سبقت انعقاد مؤتمر كامب ديفيد عن قصدها بضم شريط من الأرض يمتد على نحو 15% من نهر الأردن و 15% على البحر الميت، وأضاف مسئولون فلسطينيون أن إسرائيل طلبت تسيير دوريات عسكرية على طول الحدود مع الأردن.

3. الحصول على عدد من القواعد العسكرية في الضفة الغربية (ستة قواعد) ومحطات ارتكاز أو تجمع للقوات التي يتم حشدها في حالات الطوارىء.

كما أشارت التوضيحات الإسرائيلية إلى المطالبة بخمس مناطق بالإضافة لثلاث طرق توصل إلى هذه المناطق من اجل تعبئة هذه القوات عند الطوارىء.

4. طلب الحصول على ثلاث محطات للإنذار المبكر الالتكروني والإستخباري في الضفة الغربية وأشارت إسرائيل في شروحها  الى أن هذه المحطات سوف تدار من قبل طواقمها الإسرائيلية مع تواجد ضابط ارتباط فلسطيني في كل محطة.

5. تواجد إسرائيلي على المعابر الحدودية لمراقبة الأشخاص الداخلين إلى الدولة الفلسطينية والخارجين منها ومراقبة البضائع كذلك.

6. تكون السيادة للفلسطينيين على الميناء الجوي على أن تتحكم إسرائيل بالرحلات الهابطة والمقلعة كما تتحكم في عرض الحزام الكهرومغناطيسي داخل الأراضي الفلسطينية.

7. تكون الدولة الفلسطينية منزوعة السلاح.

 

الموقف الفلسطيني من قضية الأمن

1. رفض الجانب الفلسطيني أي تواجد عسكري إسرائيلي على أراضي الدولة الفلسطينية، وعلى امتداد حدودها التي تبدأ من خطوط الرابع من حزيران عام 67 مع تعديلات ضئيلة ذكرت أدناه ضمن الشروط الفلسطينية في مسألة الحدود فيما يتعلق بوادي الأردن والمعابر الدولية.

2. تواجد متفق عليه لقوات دولية على طول حدود الدولة الفلسطينية.

3. رفض للقيود على الأسلحة التي تحاول إسرائيل فرضه على جيش الدولة الفلسطينية في سياق نزع السلاح لهذا الجيش.

 

مسألة الحدود

الموقف الإسرائيلي

1. سيطرة دائمة ـ حسب ما أشير إليه مسبقاً ـ على 15% ـ 20% من شريط الأرض المشرف على نهر الأردن والبحر الميت.

2. ضم 9% ـ 5ر13% من أراضي الضفة الغربية بما فيها ثلاث كتل استيطانية في شمال البلاد ووسطها وجنوبها وقد غير الإسرائيليون موقفهم خلال المؤتمر من اتساع الأراضي التي يرغبون في ضمها، وقبل انعقاد المؤتمر أوضح الإسرائيليون أنهم سيضمون 5ر10% من أراضي الضفة الغربية.

3. ذكر عدد من المسئولين الفلسطينيين أنه في لحظة بالمؤتمر  أبدت إسرائيل  استعدادها لتبادل الأراضي حيث وافقت على ضم أراض إلى قطاع غزة مما وراء حدود الخط الأخضر تعادل 10% من الأراضي التي سيتم اقتطاعها من الضفة الغربية ثم عادت فتراجعت عن استعدادها لمثل هذه المبادلات.

4. تتخلى إسرائيل عن جميع أراضي قطاع غزة.

 

مسألة الحدود

الموقف الفلسطيني

يجري التباحث على أي نوع من السيطرة الإسرائيلية على مناطق الحدود على امتداد نهر الأردن ويكون أي تعديل في الحدود بسيطاً ومتبادلاً ومتساوياً ويتم الاتفاق عليه، على أن لا يتجاوز 2% من مناطق الرابع من حزيران 67 وبالنتيجة اقترح الفلسطينيون ضم أراض من داخل الخط الأخضر إلى قطاع غزة تساوي مساحة الأرض التي يتم اقتطاعها من الضفة الغربية بما فيها أراض تابعة لبلدية القدس.

وردت إسرائيل بالموقف الوارد في هذا المقال.

 

ما بين دراستين

تشكل مسألة الحدود إحدى القضايا المركزية التي تثير الجدل داخل الساحة الإسرائيلية، وما بين الفلسطينيين والاسرائيليين.

وتشتمل على مكونات احدها مستقبل وادي الأردن، وثانيها السيطرة على المعابر الحدودية بين المملكة الاردنية والدولة الفلسطينية المستقبلية.

لقد وضع وزير الدفاع الاسرائيلي ايجال آلون عام 67 مجموعة من المبادىء التي جاءت  لتشكل الاتجاه العام للتفكير الاسرائيلي حول أهمية وادي الأردن الحيوية بالنسبة لأمن اسرائيل.

وصدرت دراستان في عام 2001 حول هذه الأهمية: الأولى لـ " شلومو بروم " والثانية "لافرايم كام" وثمة عرض موجز لهاتين الدراستين اللتين تصفان المرحلة التي تمت فيها صياغة خطة آلون، وهما تختلفان على الأهمية الاستراتيجية لوادي الأردن بالنسبة للامن الاسرائيلي .

شلومو بروم يحلل الأسباب والدواعي التي تشجع اسرائيل على التخلي عن وادي الأردن مقابل توقيع اتفاقية دائمة مع الفلسطينيين.

اما فرايم كام فيدعو إلى تواجد عسكري اسرائيلي لفترة طويلة حتى تسمح الظروف بانسحاب اسرائيلي من هناك ويلغي كل  مبررات شلومو بروم.

 

هل صحيح أن وادي الأردن مجال امني لاسرائيل؟

هذا هو عنوان دراسة شلومو بروم  الذي يقول :

في السادس والعشرين من يوليو عام 67  تقدم ييجال آلون وكان وزيراً للدفاع في حكومة ليفي اشكول رئيس الوزراء في ذلك الحين، بخطة للتسوية مع الفلسطينيين هي ما عرف فيما بعد "بخطة آلون"، ومنذ ذلك الحين انطبعت أهمية وادي الأردن في الشعور الجمعي الاسرائيلي للحكومات الإسرائيلية اللاحقة.

اليوم والحكومة الإسرائيلية تبحث في موضوع التسوية مع الفلسطينيين فان آثار هذا المنطق باقية وواضحة للعيان، حيث يسود الإعتقاد بان وادي الأردن امر حيوي للأمن الاسرائيلي، وان اية تسوية دائمة يجب ان تتضمن معاً السيطرة على وادي الأردن وتمركز قوات عسكرية دائمة هناك.

وهناك من ذهبوا إلى ابعد من ذلك قائلين إن على اسرائيل ضم تلك المنطقة بدون تردد.

ويستعرض شلومو بروم في دراسته  هذه  الافتراضات الأساسية التي تقوم عليهــا خطة آلون وهي :ـ .

1)                    بأن السلام مع العرب ضروري وممكن.

2)                    وان وحدة اسرائيل الجغرافية الاستراتيجية تجب المحافظة عليها.

3)                    وهذه الوحدة  أو التكامل  يعتمد على حدود يمكن الدفاع عنها (آمنة) تحول دون قيام حروب مستقبلية.

4)                    وان القضية الديموغرافية يجب ان تكون مسألة مركزية، وأن الأغلبية المطلقة داخل اسرائيل يجب تحقيقها لصالح دولة يهودية.

5)          وتسوية يجب ان تمكن الفلسطينيين من نيل طموحاتهم الوطنية دون الإضرار بالأمن الاسرائيلي، والامر  متروك للفلسطينيين ليقروا إقامة علاقات مع اسرائيل أو مع المملكة الأردنية.

         وعلى أساس هذه الإفتراضات اقترح آلون البنود الآتية لتسوية اسرائيلية فلسطينية دائمة .

·                    حدود اسرائيل الشرقية يجب أن تكون نهر الأردن ومع امتداد خط النهر الذي يقسم البحر الميت على امتداده .

·                    ضم شريط من الأرض بعرض 15 كم يمتد إلى الغرب من نهر الأردن إلى اسرائيل ليصبح جزءاً مكملاً للدولة.

·                    وفي منطقة صحراء الخليل يكون عرض هذا الشريط 25 كم وصولاً إلى منطقة الخليل.

·                    اقامة معبر في منطقة اريحا كممر من الضفة الغربية لنهر الأردن باتجاه الضفة الشرقية

         يكون جسراً للفلسطينيين نحو الأردن                                                                                                        

·                    يمكن إقامة معبر من الضفة الغربية (يهودا والسامرة) إلى قطاع غزة.

·                    جميع منطقة القدس يجب أن تضم بكاملها إلى اسرائيل.

·                    يتم إجراء التعديلات الضرورية فقط على الحدود الباقية .

·          يجب ان تجري مفاوضات بين السكان الفلسطينيين والحكومة الإسرائيلية والدول العربية حول المناطق الآهلة بالسكان العرب في يهودا والسامرة وقطاع غزة بغرض اقامة حكومة تحظى بموافقة الجميع.

وهنا يأتي شلومو بروم لإعادة تقييم الأسس التي بنى عليها آلون خطته، فيقول: إنه في عام 2001 سقط اثنان من افتراضات آلون وقد أصبحا إشكالية، فحيازة ما يسمى التكامل الجغرافي الاستراتيجي بالوقوف على حدود آمنة يمكن الدفاع عنها قد انقلبت رأساً  على عقب بفعل التطورات التي تلاحقت فيما تلى حرب الأيام الستة عام 67 .

فالخطوط الآمنة التي كانت على قناة السويس لم تمنع اندلاع حرب اكتوبر عام 1973 التي اجبرت اسرائيل على الانسحاب والتخلي عن سيناء .

والحقيقة التي تبدت كانت على النقيض مما دعا  اليه  آلون  فمحاولة  السيطرة على الحدود الآمنة كانت هي الدافع إلى الحرب وليس المانع لها، كذلك كان الانسحاب من جنوب لبنان.

كما أن اعتقاد آلون بأن تحقيق تطلعات الفلسطينيين الوطنية دون المس بأمن اسرائيل قد عفى عليها الزمن، والحل لن يكون إلا بالسماح لهم بحق تقرير المصير وقيام دولة فلسطينية إلى جانب اسرائيل.

إن السؤال الذي تجري مناقشته هنا ذو شقين أولهما  ما  اذا كان تحكم اسرائيل في وادي الأردن من اجل ضمان أن الحالة التي تعقب ابرام اتفاقية فلسطينية اسرائيلية دائمة كي لا يتعكر الأمن الاسرائيلي، والثاني وهو مرتبط بالأول وهو التساؤل ما اذا كان الحل المعاكس صحيحاً.

وهو أن إصرار إسرائيل على السيطرة على نهر الأردن هو الذي يغامر بأمنها على المدى البعيد فالمصالح الإسرائيلية باتجاه الأردن وبالعكس متوقفة على عوامل داخلية وخارجية معاً.

الاعتبارات الأمنية الخارجية تطرح السؤال : ما هو رد الفعل الأكثر صواباً في حال شن هجوم بري واسع النطاق من الأراضي الأردنية، فلقد اعتادت العسكرية الإسرائيلية على الإفتراض بإن هذا الهجوم سيكون قائماً على تحالف عربي من دول المنطقة الشرقية (وهنا يعني الجيش العراقي) .

اما العوامل الأمنية الداخلية فتجيب على كيفية ضمان ان لا تكون الدولة الفلسطينية قاعدة للإرهاب وحرب العصابات ضد اسرائيل، أما  قضية الأمن الداخلي فانها تمضي الآن عبر خطين :

ـ الأول توسيع السيطرة الإسرائيلية على وادي الأردن ليشمل كل خطوط الجبهة الشرقية.

إن التغيرات العالمية والإقليمية التي فرضت نفسها خلال العقد الماضي قد خفضت بدرجة هائلة من التشابه مع الماضي ووقوع هجوم عربي واسع النطاق من جهة الشرق ضد اسرائيل من خلال تحالف بين دول الجبهة الشرقية العربية،  وجعلت هذا التهديد أمراً بعيداً الاحتمال الآن، فلقد فشلت سوريا والاردن في رصد أموال لإعادة تسليح  جيوشهما.

وستبقى سوريا والأردن تعانيان من الاقتصاديات الضعيفة مما يمنعهما من زيادة القوة العسكرية اعتماداً على مصادرهما.

واما عن اختفاء التمويل الخارجي واختفاء الاتحاد السوفيتي فقد ترك بعض الأقطار العربية محرومة من أي قوة عظمى معنية بنموهما العسكري.

كما أن الأردن يفضل الدعم العسكري الأمريكي.

واتجاهات  دول النفط لدعم أهداف دول الجبهة الشرقية قد تدهورت في السنوات الأخيرة نتيجة معاناة دول النفط من أزمات اقتصادية في بعض المراحل، عندما تدنت أسعار النفط وقد ترافقت تلك المعاناة بوعي تلك الأقطار للإهتمام بتنمية مصالحها الوطنية.

 

السيطرة على وادي الأردن

اولئك الذي يؤمنون بضرورة وجود سيطرة اسرائيلية على وادي الأردن ـ يزعمون ان ثمة حاجة للسيطرة على نهر الأردن كخط فاصل بين الأردن والدولة الفلسطينية المستقبلية، فمن وجهة نظرهم هناك هدفان لهذه السيطرة.

ـ أولهما : تحقيق فصل بين الأردن والدولة الفلسطينية بغرض منع الفلسطينيين من زعزعة استقرار الأردن وكذلك لمنع أية علاقات (غير مرض عنها في اسرائيل) بين الشعبين.

ـ والثاني :  للحيلولة دون دخول اسلحة غير مرغوب فيها وأشخاص إلى الأراضي الفلسطينية، ذلك ان افتقاد سيطرة اسرائيلية على المعابر الحدودية سوف يمكن الفلسطينيين من خرق القيود الواردة في اية معاهدة مع اسرائيل.

كما سيسهل على الارهابيين شن هجمات ضد اسرائيل، والتعليق هنا من وجهة نظر الكاتب إن اسرائيل كانت شريكاً في الاتفاقيات مع كل من مصر وسوريا والتي أقرت بوجود آليات للمراقبة من خلال قوات دولية، وفي اتفاقية مع الفلسطينيين يمكن أن يتم الاتفاق على رقابة دولية "ونظام تحقق" يرد على الشكوى من أي طرف.

وعن العلاقات الفلسطينية الإسرائيلية  لن يكون إلا أثر هامشي لمن يتحكم في المعابر والحدود، لأن العلاقات الاردنية الفلسطينية محكومة بالصلات العائلية والتركيبة السكانية والمصالح التجارية والسياحية.

واما التعامل مع الإرهاب الكامن في هذه المناطق فسوف يتوقف على العلاقات ما بين القيادة الفلسطينية واسرائيل، فالارهاب يعمل كأداة في يد الحركات المتجذرة في المجتمع الفلسطيني لا سيما  حماس (كما يرى صاحب الدراسة) ولا يعتمد على المؤثرات الخارجية، فالأسلحة التي يحتاجونها يمكن ان تكون موجودة داخل هذه الأراضي سواء الخفيفة منها أو المتفجرة.

والعوامل الخارجية تمارس تأثيرها من خلال الإرشاد والتوجيه فقط والذي في عصر أجهزة  الفاكس والهواتف المحمولة والانترنت لا يمكن منعه من خلال السيطرة على الحدود.

لن يكون التعامل مع الإرهاب بصورة فعالة إلا من خلال وجود مصلحة للطرف الفلسطيني في منع الإرهاب، ولن توجد هذه المصلحة إلا بقيام دولة فلسطينية.

إن سيطرة اسرائيل على وادي الأردن في حد ذاتها  وبعيداً عن فكرة الضم سوف تعرقل قيام دولة كهذه للأسباب التالية:

* ان وادي الأردن وصحراء الخليل هما الاحتياطي الواسع المتبقي من الأرض التي تمنح الحياة للدولة الفلسطينية والتي ستساعد على التطور والإستقرار.

* ان أي حل معقول لمشكلة اللاجئين يتطلب عودة اعداد منهم ولن يكون لهم مكان بدون هذه الأراضي المشار اليها ، وباعتبار الفوائد التي ستجنيها اسرائيل بالتخلي عن وادي الأردن فان من الأفضل لاسرائيل أن تأخذ بهذا الخيار دون تطلع لأية افكار بالضم.

إن الأمن  الهامشي  العائد لاسرائيل من خلال السيطرة على وادي الأردن لن يعلو إلى مستوى القيمة الاستراتيجية التي ستفرض نفسها نتيجة لتوقيع اتفاقية عادلة مع الفلسطينيين تتضمن ترتيبات مراقبة وتعاوناً مشتركاً في هذا الإطار

 * ستكون هناك حاجة لترتيبات أخرى تسمح لاسرائيل باستخدام مناطق غرب وادي الأردن في حالة ظهور تهديد على طول الجبهة الشرقية.

كما ان غياب حل لمشكلة اللاجئين معناه زعزعة استمرار الاتفاقية وقيام علاقات بين الطرفين .

* ان تواجد جيش الدفاع وتحرك قواته في هذه المنطقة سوف يعطي الفرصة لحدوث المواجهات مع الجمهور الفلسطيني واتلاف العلاقات بين الطرفين .

* ان احاطة الدولة الفلسطينية بطوق اسرائيلي كالخاتم من جميع الجهات سوف يخلق احساساً بالحصار لن يساعد على تحقيق علاقات طبيعية بين الطرفين.

 

الملخص:

الاعتبارات التي تم عرضها في مجملها تقود إلى الإستنتاج بأن الفكرة الواردة  في خطة آلون تنطوي على مفارقة تاريخية أي أنها في غير أوانها.