نشرة دورية تعني بالترجمة عن الصحف والمجلات العالمية

نشرة مترجمة لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر التوجيه السياسي

تصدر عن هيئة التوجيه السياسي والوطني

استنبط قانون الجاذبية

نصير أبو حجلة

 

لي في هذا الكتاب رحلة ذات شقين سبقتها الرحلة العمرية الكبرى التي جمعتنا في حضرة شموخه وثورته وتنظيمه ما يقرب من أربعة عقود، فقد كان اسمه رغيف الخبز الذي يقتات به الفلسطينيون في منافيهم وصحارى امتدادهم، يلتقون على دفء الحديث عن ثورته وأناشيدها وانجازاته وحروبه وصموده، وكلها ثورتهم ومستقبلهم ومصيرهم فكأنه الوالد الذي سيعود من سفره محملاً لهم بالهدايا الرائعة .

أما الرحلة الصغرى فهي الغنية بالفكر الجياشة بالمشاعر. وأنا أطوف بين أسطر هذه الأقلام التي حملت كل منها عصارة تجربة، وعبرة تاريخ ومساحة وفاء حميمية تعلقت بهذا القائد العظيم الراحل ياسر عرفات، ووردت في هذا الكتاب، وتكاد تلتقي جميع هذه الكلمات في مسحة اعتذارية، كأنها تتضاءل أمام ذكراه، وتقصر المعاني التي يمكن أن تستوعب مجده فتوفيه حقه ومحبته.

فهم إما رفقاء سلاح أو كوادر في النضال السياسي مع ياسر عرفات، وقد جاءت كلماتهم مفعمة بالصدق دافقة بالذكريات، بعيدة الغور في تحليلاتها وتجلياتها، سواء كتبت بالعربية او ترجمتها عن الانجليزية.

ومع جلال هذه الذكرى وعظمة القائد الرمز اندفعت في رحلة أخرى أطوف في دهاليز المكتبات، وبين أرفف الكتب أستكنه التراث الذي أودعه الكتاب والمفكرون، لأجد في احدى هذه المكتبات (مكتبة بلدية البيرة) أكثر من أربعين عنواناً حول نضال القائد وثورته وشخصيته الفذة باللغة العربية على حدة.

والى جانب ذلك عشرات المقالات والدراسات في الدوريات والمجلات، وقد اخترت منها اقتباسات لمواقف حاسمة أبدع فيها الرجل وهو في أتون البركان العنيف، وفوجئت خلال رحلة التنقيب هذه بكاتب سرى عبر موقع Amazon.com  ليجد أن ثمة 86 كتاباً باللغة الانجليزية وحدها عن ياسر عرفات حتى كتابة هذه السطور كما يقول (بمجلة الكرمل عدد 82).

ويضيف هذا الكاتب الناقد وهو صبحي الحديدي المقيم في باريس أنه "اذا استخدم المرء الرياضة نفسها وطلب مادة دفيد بن غوريون، وسار خطوة خطوة فان المحرك سوف يسفر عن 77 كتابا.

"الزعيم الاسرائيلي الذي وضع الدولة على الخارطة وكان هذا يقتضي إزالة فلسطين عن الخارطة ذاتها لم يكن مالىء الدنيا وشاغل الناس اكثر من الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات الذي أعاد فلسطين الى الخارطة. بل إن الأخير تفوق على الأول كما تقول الاحصائية السابقة، وهي مقارنة تساق على سبيل التذكير بأن القضية الفلسطينية وحدها لم تكن باعث هذه المنافسة ذات المغزى، بل الشخص بذاته وفي ذاته كان رافعة أو لعله كان الرافعة بالتعريف".

من هنا تأتي عظمة ياسر عرفات، فليس هول القضية الفلسطينية وانتظار البطل المخلِّص هو الذي كرس هذه العظمة، وانما  الرجل العملاق الذي اشرأبت ألمعيته لاحتضان الفكرة، وليس الفكرة وحدها وإنما الاضطلاع بمسؤولياتها، وهكذا يتميز ياسر عرفات بهذه الألمعية، وهذا الجبروت الذي تسخر لها.

كثيرون شاهدوا التفاحة تسقط عن الشجرة لكن ياسر عرفات وحده واضع قانون الجاذبية، وهكذا استحق أن يكون اسحق نيوتن الفلسطيني بكل مقاييس الفيزياء الثورية.

لقد شاهد جيله من الزعماء والقادة التفاحة تسقط فداسوا عليها وكسروا الغصن وأوشكوا على اقتلاع الشجرة لولا ياسر عرفات الذي رعاها بانطلاقته عام 65 وتؤكد ذلك مقولة جون فوستر دالاس وزير الخارجية الأمريكي في الخمسينات عندما سئل عن وضع الشعب الفلسطيني في ثنايا الحلول الشرق أوسطية فرد قائلاُ "بأنه مسكين لقد وقع تحت أقدام الفيلة". التي هي مصالح الدول الكبرى.

كان ياسر عرفات وحده الذي تطوع لانتشال شعبه من  تحت أقدام الفيلة، ومن بين أيدي تجار السلطة حتى أصبح القرار فلسطينياً وشعب فلسطين على قمة الأجندة الدولية.

ياسر عرفات عاش في قلب هذه الغابة المليئة بالأفاعي والوحوش والفيلة، وكلها كانت تطارده وتحاول النيل منه ومع ذلك استطاع أن يزرع قضية بلاده التي كانت منفية أرضاً وشعباً على الخريطة الكونية.

أفلا يحتاج هذا الى ألمعية في الخروج من بين أفخاخ الدول الكبرى والزعامات التي تضمر السؤ، ثم أليس مدهشاً تحويل  تلك الأزمات إلى نصر وصعود وتألق وقدرة على الحركة والتأثير بعد أن تزوغ الأبصار وتبلغ القلوب الحناجر؟

ثم أليس معجزة أن يجتاز كل هذه المعارك بطلاً مظفراً على امتداد أربعة عقود لم يسكن فيها لحظة واحدة ولم يتراجع الكيد من حوله؟

ما من كلمة ضمن هذه الصفحات إلا وتحدثت عن  فضيلة أو فروسية في شخصية ياسر عرفات ولا أظن أني سأضيف جديداً على ما تفضلت به   الأقلام المخلصة في هذه الباقة من الإثراءات .

لكني أقول إن القيادات النادرة لا بد أن تكون مُلهمة لتخطف اللحظة التاريخية، ولا بد أن تكون ذات بأس ومواهب من أجل تحويلها الى فعل في الإتجاه الصحيح لصالح الشعب والوطن، وهذا ما تَفَوقَ به ياسر عرفات رحمه الله.