نشرة دورية تعني بالترجمة عن الصحف والمجلات العالمية

نشرة مترجمة لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر التوجيه السياسي

تصدر عن هيئة التوجيه السياسي والوطني

مفاهيم القائد وقناعاته

بقلم: عبد المنعم حمدان  *

 

ثورة حتى النصر شعار فتح الذي عرفت به وتعودت أن تتوج به دائما مراسلاتها . إنه خلاصة إحساس هذا الثائر الذي لم يعرف للثورة من نهاية غير النصر.وليست حدود هذا النصر على أرض فلسطين وحدها، فحركة التحرير الوطني الفلسطيني فتح حركة تحرر وطني وإلى الأبد. هكذا فهم القائد الشهيد ياسر عرفات الحركة والدور المطلوب منها، فلقد قدر لها أن تظل حركة تحرر وطني حتى بعد تحرير فلسطين، لأن هذه الأرض بموقعها الاستراتيجي في قلب العالم وكونها مهبط الأديان، وقبله الأنظار والشريان بين آسيا وأفريقيا مهددة بالطامعين والغزاة.

هذا قدر الشعب الفلسطيني شعب الرباط إلى يوم الدين وهذا ما يؤكده الحديث النبوي الشريف الذي دأب الرئيس القائد على ترديده وتذكير الناس به. وبهذا شعر ياسر عرفات بإحساسه الصادق أن القضية الفلسطينية صعبة ومعقدة ومتطلباتها كثيرة ومتشعبة ومسؤولياتها خطيرة ولكنه كان يردد سراً وعلانية قوله الرائع "نحن لها" إنه الدم مهر النضال، وبهذا كان يشعر المناضل ابن الشعب أن الثورة نبيلة وشامخة بهذه الأهداف السامية وتلك التحديات التي تهز الجبال ولا تهز ياسر عرفات وبمقولته التي اشتهرت به "يا جبل ما يهزك ريح" فلا خنوع ولا استسلام ولا تمسح بقوى أو قادة أو أفكار غريبة، ولهذا كان شديد الإيمان بالقرار الفلسطيني المستقل الذي يضع القضية في أيدي أبنائها الأشد إحساسا بالجرح والأكثر التصاقا بالأرض والشعب، والأكثر فهما لمكر العدو والتصدي له.

كان القائد الرمز يؤمن بأن مجموعات حرب العصابات التي كانت تقاتل على حدود فلسطين ستتطور إلى جيش الشعب بالتفاف الشعب الفلسطيني والعربي حولها، وسيقوم هذا الجيش بمواصلة الصراع لصالح الأمة كلها، وكان يشعر بالحاجة لكل الشعب الفلسطيني ويعمل لكل الشعب الفلسطيني تحت الاحتلال وفي المنافي ولهذا أخرجهم جميعا موحدين تحت راية الثورة لأن فكره كان ثوريا موحدا متطلعا إلى الشعب العربي وكل الأحرار في العالم. وبدون هذه الحلقات الثلاث التي تجمع الأحرار والثوار في العالم يستحيل تحقيق النصر ومع كل هذا كان يؤمن بأن القرار الفلسطيني يجب أن يبقى فلسطينيا وطنيا لمنع التغييب والتغريب والمتاجرة بالقضية وتأجيل المعركة لصالح هذا الزعيم أو ذاك. فالقرار فلسطيني والثورة فلسطينية والشعب الذي جرى تغييبه وعزله وإسقاطه من الحساب حاضر والسلاح في يده والقرار في يديه ومن هنا الإصرار أن من أراد الحلول عليه أن يتوجه إليه وهو لب المشكلة ومنطلق عربة السلام والاستقرار في الشرق الأوسط، فليست فلسطين أرضا بلا من شعب بل إن لها شعبا وله حقوق، بل أبعد من ذلك هو شعب الجبارين القادر على تحمل المسؤولية بنفسه دون حاجة إلى وصاية.

وإلى جانب ذلك، امتلك القائد الرمز القدرة والحنكة على السير بشعبه وتجاوز العقبات وتحويل الإحباط إلى نصر أو صمود وأمل وبقدرة خارقة لا يمكن تصورها. فكم من مرة قيل أنه الموت الأخير وإذا به بروحه العالية وهمته المتجددة يخرج من قلب اليأس والدمار أقوى وأعز مما مضى ولذلك فإن مقولة طائر الفينيق وتشبيه أوضاعنا بذلك الطائر الأسطوري ليست غربية أو مبالغا فيها وكم كنا نوضع في ظروف تضيق علينا وكأنها لن تفرج ولكننا كنا نفاجأ بياسر عرفات يشعرنا بقرب النصر وبالإرادة التي لا تلين ولا تهزم وليس أشد وطأة مما وقع في كامب ديفيد عندما حاصرته الإدارة الأمريكية ورئيسها كلينتون وقطعت عنه الاتصالات ووضعته تحت رحى الضغوط عشرة أيام، ليرضى بأن يكون أسفل ساحة الأقصى لليهود وأعلاها للمسلمين وتحت المسؤولية الفلسطينية. وهو مطلب يبدو بسيطا ومغريا وكان من الممكن أن يتم ذلك التنازل تحت  وطأة الضغوط الأمريكية الهائلة والاتصالات العربية. وقد كانت مفاتيح المال والدولة الفلسطينية معروضة أمامه، لكن ياسر عرفات رفض ذلك، لأن هذا الاعتراف كان سيعطي الإسرائيليين الحق في أي وقت يرونه مناسبا، مستغليين موقفا سياسيا أو أمنيا يمكن أن يفتعلوه بأنفسهم بشكل أو بآخر لهدم المسجد الأقصى وبناء هيكلهم المزعوم، ويحملون المسؤولية للرئيس عرفات الذي خضع واعترف لهم بذلك، وعندما نصحو وندرك المنزلق يكون الأوان قد فات.

وكان عرفات من الحكمة وبعد النظر والقيادة الملهمة والرأي السديد الرشيد أضعاف أضعاف أولئك الذين حاولوا التأثير عليه، فوت الفرصة على كلينتون وباراك والعناصر الهزيلة العربية والفلسطينية، فلم يتنازل عن أرض الأقصى، وهي سر كينونة ثورته وعٍظمة ارتباطه الجسدي والروحي. وإذا كان اليهود لا يريدون التنازل عن أسطورة ما قبل ثلاثة آلاف عام عن هيكل كان قائما كما يزعمون. فكيف نتنازل عن الأقصى القائم والمقدس والملموس الذي تشهده العين ويهفو له القلب، والذي يشكل النبض والحياة للعرب الفلسطينيين المسلمين ويشهد على حضارتهم وتراثهم وحقوقهم الأبدية في هذه الأرض.

هذا هو ياسر عرفات الذي شكلت القدس بالنسبة له كل معاني الإيمان والتحرر والوحدة وتاج التاريخ العربي وشعار الدولة الفلسطينية ومعناها، فلا معنى لدولة بدون القدس كما لا معنى لثورة بدون تحرير القدس. هذا ما ينبغي أن يبقى راسخا في عقولنا وقلوبنا وضمائرنا حتى لا نفقد البوصلة وحتى لا نفقد وحدتنا ومعنى وجودنا ولا نخرج من النفق المظلم.

كلمة أخيرة ينبغي أن تبقى حاضرة لا سيما في الغيوم والملابسات التي نعبر تحتها وهي أن الدم الفلسطيني على الفلسطيني حرام وهو من صميم مفاهيم وقناعات الرئيس الشهيد الذي حاولت أمريكا واسرائيل دفعه نحو الحرب الأهلية وانتهاك حرمة الدم، فأبى بكل وعي وطهارة فهو الذي طرح الوحدة على أرض المعركة والبنادق كل البنادق نحو العدو والباب مفتوح لكل من يؤمن بالكفاح ضد العدو بعيدا عن سفك دماء فلسطينية هنا أو تهمة هناك، فكان الحرص على زج جميع القوى بالمعركة الطويلة القاسية وما أشبه اليوم بالبارحة، فتكاد نذر الخلاف تلوح وتسمم الأجواء الفلسطينية وما أحرانا أن نعود إلى مرجعيتنا، أفكار فتح التي زرعها ياسر عرفات ، فتبقى البنادق كل البنادق صوب العدو ويبقى الدم الفلسطيني على الفلسطيني حرام في هذه الأجواء الملبدة وفي هذا البلد الأمين.

ــــــــــــــ

* أمين سر المكتب الحركي المركزي