نشرة دورية تعني بالترجمة عن الصحف والمجلات العالمية

نشرة مترجمة لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر التوجيه السياسي

تصدر عن هيئة التوجيه السياسي والوطني

ياسر عرفات حين يلقى عصاه!

 بكر أبو بكر

 

قبل العشرين من عمره شهد النكبة فأحدثت في قلبه جرحاً نازفاً وألماً طالما استعاده في سني عمره ومراحل حياته المتقدمة، انطلق للدراسة الجامعية ليعوض جزءاً من الإحساس بالفقد والحزن فكانت  كلية الهندسة حاضنة لفكر متقد، لثوري لا يهدأ، كثير النشاط غير قليل الحركة. لقد أحدثت  نكبة 1948 تطورا في شخصيته فجعلت من الرجل الذي فكر لبرهة أن يهاجر  للولايات المتحدة الأمريكية- كما تذكر  بعض المصادر- يسخّر قدرته غير المحدودة على الحركة الدؤوبة لصالح  قضية لبسها  في عنقه أعواماً فاقت  الخمسين.

لا يستطيعون إدارة الظهر له

        عندما يصفه معاصروه أو أترابه لا يستطيعون  أن يدروا ظهرهم له، ولا يستطيعون إلا أن ينصتوا له، وينبهرون بقدرته الفائقة على الحركة والتنقل والفعل ، وينبهرون بشخصيته القيادية الجاذبة، واستقلاليته حتى كان التنظيم الذي ساهم في تأسيسه لا يشكل حزباً أو جبهة أو تجمعاً بل حركة  تتماشى  مع ما وصف به، فهو حركة، والتنظيم الذي أنطقه وأخرجه من الظلمات إلى النور أصبح حركة مشمسة تلقى بأشعتها على الشعب اللاجئ، وعلى الحركة الثورية العربية وعلى الثورة العالمية.

      قبل أن يصل الثلاثين من العمر كان قد برز قائداً مهاباً، يحسب له كل حساب فلم تكن تجربته في حرب القنال كمقاتل و كضابط إلا ادخاراً في محصلة قدراته القابلة للتطور، ولم تكن تجربته السياسية النقابية في جامعة القاهرة إلا "بروفة" لقيادة أعمق وأشمل واكبر سرعان ما يصلها قبل الأربعين من عمره.

لقد صنع التشرد من ياسر عرفات شخصية صلبة لا تعرف التراجع أو التردد بل تصنع الحدث، وتقبل  التحدي. يضع الولولة والدموع والبكاء والندب خلف ظهره ويرسم البسمة والأمل والطموح مقترناً بآليات  النضال، والفعل المتراكم في نطاق السير على الشوك وبين الألغام وبشكل متعرج ما دام الهدف واضحاً، والوصول إليه لا يتم إلا في عمليات عبور متتالية لحقول متفجرة.

صلابة الوطني النهضوي

         كان ذا صلابة استمدت من رحم النكبة، وكرست بالفعل الثوري والعسكري عبر سيناء وفي حرب  القنال،واقترنت بفهم العلاقة التكاملية بين الصلابة المطلوبة والمرونة  المرغوبة وفق الشخوص والأدوار والزمن والمؤثرات المختلفة، حيث كان لترؤسه رابطة الطلبة الفلسطينيين في جامعة القاهرة أن جمع شتات  الفلسطينيين المتوزعين بين التيارات القومية والإسلامية حينها بمرونة التفهم  لتعددية الأفكار، ورغبات  التعبير عن حب الوطن والسعي لتحريره بالارتباط  المباشر بالقومي أو الإسلامي. فكان مايحسب له أنه  بلور الوعي الوطني المستقل، وإن كان عمقه عربي إسلامي وبعده عالمي ما شكل  بداية في فكر الرجل الوطني النهضوي مع زملائه من مؤسسي الحركة الوطنية الفلسطينية، وأصحاب تميز الشخصية الفلسطينية أو الهوية التي رغبت زعامات عربية كثيرة في إذابتها وإنهائها سعياً لاستيعاب الوجود الإسرائيلي في المنطقة على حساب الفلسطينيين.

        ياسر عرفات ذا القدرات والإمكانيات المتفوقة خاض الحروب على جبهات القتال، كما خاضها على جبهات السلام فكان يحمل البندقية بيد وغصن الزيتون بيد كما قال بنفسه في خطابة الشهير في الأمم  المتحدة عام 1974. و ماكان بذلك متناقضاً بقدر ما كان يحاول ان يتفهم المرحلة أو اللحظة ويضع لها مقاييس ورؤى تتفق ومعادلات القوة ومعسكرات الأعداء والأصدقاء ومساحات الحركة المتاحة وموازين القوى في منطقة تفجر عالمية هي فلسطين، وما أطلق عليها لا حقاً الشرق الأوسط.

 اوراق وغبار

        في سن  العقل  كان ياسر عرفات يعقد التحالفات ويمد جسور التعاون مع الأصدقاء والأشقاء. يستخدم ما يمتلك من أوراق قابلة للكشف أو المساومة أو الحرق وفقاً لرؤية ما حاد عنها انطلقت من رغبته برؤية دولة فلسطينية مستقلة بالقدس عاصمتها وعودة اللاجئين ، ما رفض عكسه حينما ضغط عليه أمريكيا وعالمياً عام 2000 في كامب ديفد الثانية فحاصروه إلى حد القتل في المقاطعة في رام الله.

       شخصية متميزة، عالمية، مثيرة للجدل، مثيرة للحركة، مثيرة للغبار من حول  مجمل تحركاتها، يستخدم بالونات  الاختبار في طروحاته السياسية، ويستشف مدى التقبل في عقل زملائه وفي وعي الشعب الذي انتخبه منذ أصبح  ناطقا باسم  فتح، ثم رئيساً لمنظمة التحرير الفلسطينية عام 1969 ثم رئيساً للسلطة الوطنية الفلسطينية عام 1994 بانتخابات حرة وديمقراطية وبرقابة عالمية.

      يستخدم نظرته الثاقبة وقدرته السياسية الفذة ،صلابة ومرونة، استراتيجية وتكتيكا بأساليب التمرير للفكرة أو الآراء عبر الآخرين، كما يستخدم الضغط . بنفس الوقت الذي اتخذ في كثير من الأحيان من العاطفة أو العقل أو المال أو التبرير أو التطويع أو التضخيم أو التهوين أو المناخ طرقا تجعل من رؤيته بضرورة الحصول على القرار الذي يراه صحيحا مقدمة لاستخدام أي من الوسائل و الأطر تلك التي أجاد استخدامها متقابلة في حركة فتح وفي منظمة التحرير الفلسطينية، وفي القيادة الفلسطينية وفي المجلس الوطني الفلسطيني ثم لاحقاً في المجلس التشريعي الفلسطيني.

مرجعية القلم الأحمر

       لقد شكل  ياسر عرفات المرجعية الواحدة، واللاعب الأول، والرمز، والأب الروحي، والضابط  للإيقاع الفلسطيني فلم يسمح لخيط من الخيوط أن يفلت من بين يديه، فكان منهم من رأى بذلك ضرورة في ظل ديمقراطية غابة البنادق، ومنهم من رأى ذلك مركزية شديدة أو دكتاتورية ضارة أو استبدادا خاصة على الصعيد الداخلي. إن الرئيس ياسرعرفات القائد العام لقوات الثورة الفلسطينية لم يرضَ أن يترك القلم الأحمر من بين اصبعيه فالقرار يمر عبر اللون، والتوجه والتحكم والضبط لمنظمات متعددة وآراء متباينة في قضية معقدة يجب أن يمر عبر  توقيع ممهور على جميع أنواع الورق.

      أحبه الكثيرون في العالم، فلقد برز كالطود الشامخ بعد معركة الكرامة وظهر بالعنفوان كطائر الفينيق في حصار بيروت، وكان بطل فلسطين ورمزها في مقاومة الغزو الصهيوني للبنان، واعترف  به العالم كرجل سلام حينما تسلم  جائزة نوبل بعد أن أقدم على خطوة مثيرة للجدل فلسطينياً، ولكنها شجاعة بتوقيعه على اتفاقات اوسلو وذلك في واشنطن عام 1994، لقد كان يغرس بيديه لواء فلسطين على سماء العالم ويصنع الغد القادم، غدا أفضل.

أحبه الفلسطينيون

       أحبه الشعب  الفلسطيني، حيث قاوم الاحتلال بشخصه اثر احتلال الضفة وغزة عام 1967، وحينما  قاوم محاولات شطب الشعب الفلسطيني والكيانية الوطنية، والاستقلالية للقرار الوطني الفلسطيني المستقل في الأعوام 1971و1983، وما بعد الانتفاضة الأولى وثم الثانية. لقد شكل الرجل ضمانة واعية للأهداف  الوطنية الفلسطينية، وكما ظهر جلياً في مواقع القتال السياسي، صلابة دون مرونة، وتمسك دون تهاون، وهيجان للتاريخ مقابل مستقبل أريد له منه أن يكون مدمراً فلم يقبله، فتحدى القوة العظمى الأولى في العالم لصالح شعبه فكسب شعبه، وكسب نفسه، وخسر الإسرائيليين والأعداء الآخرين.

       لقد نظر إليه الشعب الفلسطيني كما نظر الفرنسيون إلى ديغول، والهنود إلى المهاتما غاندي ومواطنو جنوب إفريقيا إلى مانديلا قائدا ورمزا حيا وزعيما تاريخيا لا يمكن تعويضه.

حيث ألقى الزعماء عصيهم

        كرهه البعض الذين كان منهم قيادات العدو الصهيوني فقالوا فيه الكثير انه الإرهابي الأول والقاتل المأجور والمخرب وهو ضد السلام وليس ذو صلة. وهو المرفوض التعامل معه حتى بعد عودته للوطن، وهو المحرض للمقاومة( الإرهاب بمصطلحهم) والداعم  لكتائب شهداء الأقصى استكمالاً لدروه في إنشاء قوات العاصفة منذ العام 1959 ثم 1965، ثم في دعمه للإرهاب الدولي عبر " أيلول الأسود" والعمليات الخارجية ما رفضه وأدانه  شخصياً  وتنظيمياً ومؤسساتيا.

       لقد قال الإسرائيليون في ياسر عرفات -وخاصة اليمين المتطرف مؤخرا- الكثير مما جعله والشيطان واحدا، وهذا  متوقع من عدو، رغم أن الكثير من الإسرائيليين في الاتجاه الآخر فهموه رجلاً يمد يده للسلام. ولكن ليس أي سلام وإنما سلام الشجعان، السلام العادل المحقق للأهداف. كرهه عدد من الزعماء العرب لأنه كشفهم بعطائه وعمله وحركته وثوريته وقدرته على التنقل بين المراحل والمساحات والمواقف ما يتيح للقضية أن تراكم الانتصارات الجزئية وصولا لأن يبصر عرفات القدس عاصمة لفلسطين ليصلي فيها أو يدفن فيها وليرفع طفل علم فلسطين فوق أسوار ومآذن وكنائس القدس..

      كرهه الزعماء العرب-عدد منهم- لأنهم القوا بعصيّهم لتلتقفها عصا عرفات فيخرّ السحرة ساجدين لفرعون  مكذبين بموسى  فلسطين. فيحاربونه محملينه سبب حروبهم أو الاقتتال أو العمالة في الأردن أو لبنان أو سورية أو العراق أو الكويت أو ليبيا أو غيرها، فيكون هو اليهودي والمتآمر ومجهول النسب وغيرها من الاتهامات المضحكة والفاقعة.

الوسط حيث ملعب الرئيس

       كرهه العربان قيادات منعزلة عن شعوبها ، أو (راشية) لهم بالمال أو بالتهديد بالسجن والعصا أو بالضغط الجسدي والنفسي ، حيث أمن البلد قبل الجميع، والسلطان أولا، وابن الرئيس يخلف أباه في جمهوريات أو ممالك أو إمارات دون ديمقراطية ، هي قائمة في فلسطين وأزعجت الكثيرحتى يوم وصوله  إلى مستشفى بيرسي قرب باريس في فرنسا عام 2004 . وانضم لعربة الكارهين مجموعة من المنزعجين من توقف الموازنات عنهم، أو من استخدموا مرحلة ثم انتهى دورهم، أو ممن لم يفهموه جيداً، أو ممن انتقدوه فلم يستمع لهم، أو ممن كانوا بالدعم الخارجي يسيرون. وما كرهه الناقدون أو المعارضون أو المخالفون ولكنهم تمسكوا بنقدهم له ومعارضتهم لكثير من قراراته وأوامره وتوجهاته أو آرائه، وخالفوه في طريقتة الأبوية في إدارته للثورة ثم للمنظمة ثم للسلطة، فقرب عددا من الفاسدين، وغطى على عدد  من المسيئين، وسكت عن بعض العصاة والجبابرة..... هؤلاء من الناقدين والمعارضين  والمخالفين  شكلوا النصف الثاني الهام  للديمقراطية الفلسطينية التي لا يمكن أن تكتمل إلا بالرأي والرأي الآخر  وهؤلاء كانوا مع ياسرعرفات في مواقف كثيرة تشهد لهم وتشهد له، وفي آخرها حينما رفض كامب ديفد  فحوصر ،وحينما  تقرر القضاء عليه  فوقف جميع المعارضين والناقدين والمخالفين من اليسار واليمين، وقفوا في الوسط حيث ملعب الرئيس ياسر عرفات.

عصارة فكره وعمله

      أحبار كثيرة سألت تكتب عن ياسر عرفات، وأحبار كثيرة ستسيل كتابة عنه مدحا أو شتماً، انبهارا أو مخالفة، إنصافا أو تجنيا... وفي بعض ذلك قد يكون بعض الحق فالرجل ليس ملاكاً ولا نبيا، وإنما يظل إنسانا يصيب ويخطيء تتجاذبه الأفكار والتيارات والأهواء، ويظل قائداً متميزاً وكاريزمياً يسعى جهد فكره وعمله للتأسي بصلاح الدين  فيحرر القدس أو يرسم مسارا -في ظل فهم المتغيرات-  تؤسس لذلك بعد الرحيل.

       لقاءاته الأخيرة قبل باريس كان يحاول فيها أن يضع عصارة فكره وحكمته وآرائه وطرق عمله وسياساته في ذهن من قابلوه من الأطر ومن الطلاب ومن الشبيبة ومن النساء ومن أبناء الوطن عامة أو العرب أو الأجانب. لقد كانت الإشارات منه دلالات، وتكرار المواقف منه مسارات رغب بمن سيلحقه أن يتبعها فكان مع ملايين العرب( على القدس رايحين شهداء بالملايين) فلم تظهر الملايين وألغيت الرحلة،

      وكان يعدد من سرقوا أموال الفلسطينيين من زعماء العرب –ولم يرجعوها حتى الآن_ ويسميهم بالاسم والحدث، وكان لا يتهيب من ذكر مواقفهم المتواطئة والمذلة تجاه شعوبهم والأمة. وألمح وأشار لأساليب قيادته في الاستبعاد والاكتساب وتفريق المعسكرات وتشكيل التحالفات وبعث المخبؤ في النفوس، والتعامل مع المكشوف والمخفي، والربط الواضح في عقله بين استخدام الأدوات والزمن والمرحلة، ولكل زمن فهم مرتبط بعوامل التغيير في الواقع.

      هل نكون قد فهمنا شخصية قيادية فذة ومربكة في آن معاً كشخصية ياسر عرفات، أم يكون  للمستقبل أن يتعامل معها باستعادة للماضي فيراها في سياق المستقبل.

 

ياسر عرفات وأسس المواجهة

 

حاولت أن استرجع مجموعة من الأفكار والإرشادات التي قدمها الرئيس الشهيد الرمز ياسر عرفات في مناسبات عدة، وذلك لغرض الإطلالة على المستقبل من نبع رجل الدولة الأول، والثائر الأول، ورجل السياسة المخضرم الذي مثله ياسر عرفات، فوجدت بين اوراقي الكثير مما يمكن الاستدلال به.

ففي إجتماع لمكتب التعبئة مع الراحل الكبير في 2.9.2004 دخل الرئيس مقطب الجبين على غير العادة وبدأ يقرأ في بيان وزعه الإسرائيليون في مدينة بيت لحم أثناء اجتياحهم لها، يقولون فيه الكثير، ويؤكدون توراتيا وتاريخيا ـ على حد زعمهم على ان فلسطين التي يسمونها في البيان أرض اسرائيل ـ هي لهم وعليه يطالبون الفلسطينيين بمغادرة هذه الأرض لأن التوراة تقول لهم (وان لم تطردوا سكان الأرض يكون الذين يستبقون أشواك في عيونكم) ويختمون البيان ـ وما زال الرئيس يقرأ ويعلق ـ بأن (تتعاونوا مع دولة اسرائيل على أن تحصلوا على مساعدة اقتصادية للسكن في مكان آخر)؟!

استذكرت هذه الحادثة البيان لأن الرئيس الراحل أولاها اهمية وربطها بضرورة المواجهة، ولأنه بعد الإنسحاب الاسرائيلي من قطاع غزة ـ هذه الأيام ـ توزع المستوطنون على مستوطنات الضفة (وهي أرض اسرائيل ملك الشعب اليهودي فقط والتي ممنوع السكن فيها لغيرهم بصفة دائمة) حسب ذاك البيان، فلم تتوقف المواجهة بل انتقلت ثقلاً من مكان لآخر، كان أبو عمار يتحّسب لها ويعد العدة، وحينها أشار الرئيس (لأهمية اعداد خطة لمواجهة الاسرائيليين حتى بعد الإنسحاب القادم من غزة) والذي ذكر فيها معلومة في منتهى الأهمية هي أنه كان قد اتفق مع رابين على اخلاء كل قطاع غزة من المستوطنات والتفاهم في الضفة على عكس ما تعلو به الأصوات هذه الأيام والتي في كل صراخها لا تشير من قريب أو بعيد للدور الأصيل والكبير الذي كان للرئيس الخالد.

قال عرفات انه في كل خطة مواجهة يحصل تحريك لمشاكل داخلية مشيرا حينها للمشاكل في غزة، والتي تعطينا الإشارة إلى أن الأصابع الإسرائيلية ليست ببعيدة عن أي حالة توتر أو تصعيد تحصل، وخاصة متى ما كانت الإتفاقات الفلسطينية قيد التنفيذ، ان المواجهة للمخططات الإسرائيلية ـ استطرد الرئيس حينها قائلاً ـ  لا تأخذ مداها إلا بشرطين: الأول هو تماسك الجبهة الداخلية، والثاني هو تقوية التنظيم، وأضاف انه من المتوجب علينا (ان نرص صفوفنا رصّا قوياً ومتينا وبدون ثغرات، وخاصة في فتح التي تحملت هذا العبء التاريخي والوطني والقومي والحضاري والديني والأخلاقي في أطول ثورة في العالم).

وفي ذات اللقاء الذي توزعت فيه قطرات الحكمة من فم الرجل كان للتاريخ ـ ومنه الحكمة والإشارة والفكرة ـ نصيب حيث الإشارات للعنفوان الوطني حين ضغط السوريون على الثورة فتحصنت في جبل الشيخ لمدة عام ونصف .. واشارات للمنجزات الفلسطينية حيث (نحن من حرر القنيطرة عام 1973 بجهد اخوكم البطل سعد صايل حيث كسر الجيش الإسرائيلي في سعسع) مضيفاً (اننا سلمنا مناطق حررناها) على الجبهة السورية اللبنانية إلى أبو جمال عبد الحليم خدام في اجتماع رسمي علني للجامعة العربية معنا.

لم يكن لاستذكاره التاريخ تغنيّاً بالماضي وإنما اشارات لما يجب ان يكون عليه المستقبل من عنفوان وصمود وتواصل المجابهة للمخططات الإسرائيلية ضمن شعاره في بيروت الصمود عام 1982 (هبت رياح الجنة).

قال في ذات الاجتماع (ان عندي ما يؤكد من أدلة واعترافات ان الايادي الإسرائيلية واضحة في كثير من الحوادث) في غزة حيث تواصل المشاكل، وأضاف قائلا (ان نتيجة لما يحدث داخليا) (لأن ما يحدث ليس صدفة) وعاد مكررا ان أسس المجابهة تكون (بتمتين الجسد الفتحاوي الذي كل المسؤولية واقعة على اكتافه، ولأن التنظيم أساس لكل شيء وإنا لها إن شاء الله).

كان من الممكن أن أقرأ أكثر في أوراق كتبناها في حضرة الرئيس، ولكن لسان الحكمة وشذرات الأفكار المستمدة من تجربة هذا القائد التاريخي الكبير تستدعي التأمل الوافر في القليل المعجز مما يقول، ومما نستدل في الأيام القليلة بعد رحيله وفي ذكراه

الأولى على أهمية الإستفادة مما قال، والإستعادة لما قال فــي

 تصليب الجبهة الداخلية والتحصين والتجهيز الدائم للمجابهة، وان تنوعت الوسائل أو اختلفت الأساليب.