نشرة دورية تعني بالترجمة عن الصحف والمجلات العالمية

نشرة مترجمة لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر التوجيه السياسي

تصدر عن هيئة التوجيه السياسي والوطني

لنتذكر غصن الزيتون في يده

بقلم: ريتشارد بوردو *

ترجمة: نصير أبو حجله

 

ياسر عرفات كان سيد فلسطين لما يقرب من اربعين عاما وكان هو والمقاتلون من منظمة فتح في الخمسينات والستينات أول من أكد على ضرورة تحمل المسؤولية بأنفسهم للحفاظ على حقوقهم كشعب مستقل بدلا من اعتمادهم على الدول العربية الموجودة لمواجهة إسرائيل فيما يكابدونه بشأن حقوقهم المسلوبة.

            وقد تضمنت حرب العصابات التي قاموا بشنها في الستينات والسبعينات عمليات كانت في بعض الاحيان دعائية وفي احيان أخرى وحشية لكنهم اجبروا العالم على الاعتراف بان حق الشعب الفلسطيني في وطنه ليس مسألة ثانوية في صراع الشرق الأوسط بل هو جوهر هذا الصراع.

تبوأ ياسر عرفات موقع الصدارة كزعيم عسكري لكن صورته كارهابي يسعى لتدمير إسرائيل - والتي حرصت إسرائيل على رسمها بشغف - كانت ساذجة وخاطئة.

وكرئيس لمنظمة التحرير الفلسطينية خلال أعوام السبعينات كان واحداً من أولئك الذين كانوا رأس حربة التسوية التي يتنازل فيها الفلسطينيون عن مطالبتهم بفلسطين التاريخية مقابل دولة فلسطينية مستقلة إلى جانب إسرائيل. قاد الفلسطينيين في الاعوام التي تلت إلى اعتراف صريح بدولة إسرائيل في محادثات مدريد في اوائل عام 1990 وفي عملية اوسلو مع اسحق رابين رئيس وزراء إسرائيل في منتصف عام 1990.

ثمة خرافة بأن انهيار عملية اوسلو كان مرده رفض ياسر عرفات لعرض سخي من جانب رئيس الوزراء الإسرائيلي ايهود باراك في محادثات كامب ديفيد في صيف عام 2000م.

واقع الأمر أن ليس هناك عرض اسرائيلي بامكانية قيام دولة مستقلة في كامب ديفيد. وفي الوقت الذي كان فيه عرفات وباراك يتفاوضان كانت مصادرة الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية وغزة تتم على قدم وساق والمستوطنات غير الشرعية يجري بناؤها.

لقد كنت هناك في ذلك الصيف وشهدت هذه الأمور بنفسي.

سنوات الاحباط بين عامة الفلسطينيين بسبب فشل عملية اوسلو في تغيير واقع حياتهم تحت الاحتلال كانت كافية لتفجير الوضع عاجلاً أو آجلاً وهو ما أشعل الانتفاضة في شهر سبتمبر من ذلك العام وليس التصلب من جانب ياسر عرفات.

لم يكن ياسر عرفات قديسا، وقد أمضى معظم سنوات شبابه تحت تهديد الاغتيال احياناً من قبل إسرائيل، وأحياناً أخرى من قبل المتطرفين العرب.

ما من شك أنه أصبح مرتبكاً ومستبداً وغير راغب في التفاوض.

لكن تحكم إسرائيل في تحرك عرفات ومحاولات شارون المزدوجة لعزله جسدياً وسياسياً كانت قصيرة النظر بكل ما في هذه الكلمة من معنى، فقد انتهت إلى تعزيز قوة الجماعات الإسلامية مثل حماس وعلى حساب منظمة التحرير العلمانية. وبلغت الإجراءات الإسرائيلية – في الحقيقة – حد اتاحة المجال لنشوء جيل جديد يقتفي اثر القادة الفلسطينيين، فما من فلسطيني يحترم نفسه يرضى ان يتحول إلى اداة لقهر الرئيس الفلسطيني الذي اراده شعبه بالانتخابات.

ولقد خاطب ياسر عرفات الأمم المتحدة ذات مرة أنه يحمل غصن الزيتون في يد وبندقية المقاتل من اجل الحرية في اليد الأخرى.

أما شارون فلم يكن مستعداً إلا لرؤية البندقية وحدها فقط، ومما ضاعف من سخافة هذه الفكرة مباركة بوش لوجهة النظر الضيقة هذه عن الرئيس ياسر عرفات.

والآن بعد أن رحل الرئيس ياسر عرفات فان على المجموعة الدولية، والولايات المتحدة على وجه الخصوص تحمل مسؤولياتها، وينبغي أن توفر المساعدات العملية للسلطة الفلسطينية في هذه المرحلة الصعبة التي تلقى بثقلها في الضفة وغزة، وعليها أن توفر الضمان بأن تحترم إسرائيل الحقوق الفلسطينية في اجراء انتخابات جديدة طالما تطلع اليها الفلسطينيون، غير أن الاحتلال جعلها والى حد بعيد شبه مستحيلة. وعليها أن تفرض على إسرائيل الوفاء بتعهداتها بشأن خارطة الطريق من خلال الدخول في مفاوضات جادة مع القيادة الفلسطينية الجديدة لضمان السلام العادل الذي يستحقه الشعب الفلسطيني والاسرائيلي.

ومن جانبنا نحن كلاعبين فان بامكان بريطانيا والاتحاد الاوروبي أن يفعلوا الكثير للمساعدة على تحقيق هذه الأمور. وينبغي لتوني بلير كذلك بوصفه حليفاً مقرباً من الولايات المتحدة أن يفصح للرئيس بوش أن مجرد الحديث عن خارطة الطريق ليس بكافٍ وإنما تحتاج إلى التنفيذ.

إنه ليوم حزين وبالاصالة عن جماعة الصداقة البريطانية الفلسطينية.

أبعث أعمق تعازينا لأسرة الرئيس عرفات، وللشعب الفلسطيني على هذا المصاب.

ــــــــــــــ

* ريتشارد بورد العضو البرلماني ورئيس جمعية الصداقة البريطانية الفلسطينية في البرلمان البريطاني الذي عبر عن أسفه لوفاة الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات كان دائم الزيارة لمنطقة الشرق الاوسط والمناصر الفعال للاعتراف الكامل بالحقوق الفلسطينية وقد التقى الرئيس عرفات في مناسبات عديدة خلال الاعوام الاخيرة.