نشرة دورية تعني بالترجمة عن الصحف والمجلات العالمية

نشرة مترجمة لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر التوجيه السياسي

تصدر عن هيئة التوجيه السياسي والوطني

ياسر عرفات ومشاهد ثلاثة

بقلم: مصطفى نبيل *

 

معسكر تدريب جامعة فؤاد الأول

قابلت ياسر عرفات أول مرة في معسكر تدريب بجامعة فؤاد الأول "القاهرة حاليا" عندما كان يتولى تدريب الطلاب على ما يطلق عليه "التكتيك العنيف, وهو المعسكر الذي تدفق عليه المتطوعون من الشباب.

وكان عرفات يملأ المعسكر بصوته العالي وإيقاعه السريع الممتلىء  حماساً، يأمر ويحرض، وتدب الحيوية في المعسكر عند وصوله، وأيامها كان طالباً في كلية الهندسة، يقود الطابور الذي يتولى تدريبه، إلى أعمال خطيرة يحرضهم على القفز من أماكن عالية، وعلى اقتحام حلقة من النيران، ولا يقبل التردد من أحد.

وكان ضمن مجموعة من الشباب الذين سبق لهم الاشتراك في حرب فلسطين، تتولى تدريب كتائب الجامعة، ثم تصحبهم إلى الجبهة والاشتراك في معارك القتال.

وعلى الرغم من أهمية هذا المعسكر، إلا أنه لم يلق العناية الكافية من المؤرخين الذين سجلوا تاريخ هذه الفترة، وقد أقيم هذا المعسكر، بعد إلغاء الزعيم مصطفى النحاس معاهدة 1936، فأطلقت طاقات الأمة التي أمسكت بهذه اللحظة التاريخية، ويرجع الفضل في إقامة هذا المعسكر إلى مدير الجامعة الدكتور عبد الوهاب مورو، الذي اشترط ضرورة استقلاله عن كافة الأحزاب السياسية، وسرعان ما أقيم في فضاء كلية العلوم، مكان قسم النبات الحالي، وقاده حسن روح طالب كلية الحقوق الذي فقد إحدى رئتيه، عندما كان متطوعاً في حرب فلسطين.

وكان يساهم مع ياسر عرفات في التدريب عمر شاهين الطالب في كلية الآداب، وأحمد المنيسى، وحسن الشافعي، وعبد الرحمن البنان، ويوسف علي يوسف، وعلي صديق، وغيرهم.

يختفي المدربون، ويشتركون في القتال، ثم يعودون، ولم يعد عمر شاهين وأحمد المنيسى، بعد معركة التل الكبير في 13 يناير 1952، اللذان سقطا من أجل تحرير الوطن في ذات المكان الذي وقف فيه الزعيم أحمد عرابي يقاوم جيش الاحتلال البريطاني.

تدفق على قتال المحتل الشباب من كل الاتجاهات، وهي فترة قصيرة، غيرت تاريخ مصر، وتركت علامة بارزة في تاريخ فلسطين، وهي لا تتجاوز أربعة أشهر، فبدأت في 8 أكتوبر 1951 وانتهت بحريق القاهرة في 26 يناير 1952.

ارتفع خلالها الكفاح المسلح، وتلقت مصر كلها إلغاء المعاهدة بفرح بالغ وحماسة كبيرة، وأقيمت معسكرات التدريب، وتكونت كتائب الفدائيين، وتطوع عدد من الضباط الأحرار لتدريب الفدائيين منهم عزيز المصري وصالح حرب، والجيل اللاحق جمال عبد الناصر وكمال رفعت ووجيه أباظة وغيرهم.

من يومها لم تنقطع صلتي بياسر عرفات، الذي كثيراً ما التقيت به في أوساط الطلبة العرب، واشترك كضابط احتياط في مواجهة العدوان الثلاثي، وكان من أوائل الذين دخلوا بورسعيد عام 1956.

ورأس خلال هذه الفترة اتحاد طلبة فلسطين، أول كيان يقوم على أساس انتخابات حرة، واشترك معه في مجلس إدارة الاتحاد صلاح خلف "أبو إياد" وفاروق القدومي "أبو اللطف" وخليل الوزير "أبو جهاد" وهي الخميرة التي تكونت في أجواء الثورة في القاهرة، وقاد جيل جديد العمل الوطني الفلسطيني، وهي المجموعة التي شكلت حركة "فتح" في دول الخليج بعد ذلك.

وكان يحرص على استقلاله ويتجنب خلال عمله الانضمام إلى أي حزب سياسي ويردد: كل الثورات قامت في فلسطين وئدت في العواصم العربية, ويحرص على استقلال العمل الفلسطيني ومن أوراقي القديمة يروي لي صلاح خلف "أبو إياد" ذكرياته عن هذه الفترة قائلا: "اسرني ياسر عرفات خلال رئاسته لاتحاد طلبة فلسطين، بطاقة ونشاط وحماسة كبيرة، وتمتعه بطاقة روحية تبث الحماس في كل من حوله، كما جذبني إليه ذكاء ونشاط لا يتوقف، وقد احتفظ بمكانته رئيسا للاتحاد حتى نهاية دراسته الجامعية سنة 1965".

ـــــــــــــ

* رئيس تحرير الهلال سابقاً