نشرة دورية تعني بالترجمة عن الصحف والمجلات العالمية

نشرة مترجمة لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر التوجيه السياسي

تصدر عن هيئة التوجيه السياسي والوطني

ياسر  عرفات هو ذاكرتي

ياسر عبد ربه *

 

على الطرف الآخر من عدم الحسم تقف الجرأة، كان ياسر عرفات جريئا إلى حد التهور أحيانا، وبدون جرأته تلك التي تصل أحيانا حدود اللامعقول الخرافي، وأحيانا أخرى حدود اللا مألوف المتطرف، ربما ما كنا وصلنا بالحركة الوطنية الفلسطينية إلى ما وصلت اليه. إن جرأته وحدها هي التي دفعت لاتخاذ قرار البقاء داخل قرية الكرامة خلافا لنصائح وتقديرات بعض العسكريين "العباقرة" .. ومنهم من ظل يتباهى على شاشة الجزيرة حتى قبل أشهر بأنه كان الأصح في موقفه عسكريا، لقد دفع قراره "المجنون" وفق حسابات أولئك العسكريين ـ الى سقوط عشرات الشهداء الذين أحاط بهم العدو الإسرائيلي من كل جانب، ولكنه القرار الذي اخرج الحركة الفلسطينية إلى الشارع الفلسطيني والعربي من أوسع مداخله، كان لديه حس مرهف يدفعه إلى انتهاز لحظة التهور والإقدام عليها وعدم تركها، وهو الحس الذي ظل يوجهه طوال حياته ولم يخنه إلا في لحظات محددة، خاصة في السنوات الأخيرة من حياته، ففيها اعتمد فقط على حسه الذي يغريه بأن يلجأ إلى الجرأة، بدون أن يرفقه بحسابات دقيقة وإعادة حسابات كانت تمليها أوضاع دولية، وإقليمية، وإسرائيلية أصبحت أكثر تعقيدا وخاصة بعد أحداث سبتمبر الأمريكية.

لقد أنقذت جرأته مسيرتنا من منزلقات كثيرة، لعل من بينها ورطة الانشقاق على فتح الذي وقع في سوريا عام 1983، كان ياسر عرفات يسعى جهده لإخراج اللاعب الرئيسي الذي يقف وراء الانشقاق إلى المسرح الأمامي بدلا من تستره وراء واجهة فلسطينية تدعو إلى الإصلاح ضد "فردية ياسر عرفات وخروجه على كثير من الثوابت وعلى وحدة الموقف القومي" فياسر عرفات لم تنطل عليه يوما دعوات "المصير  القومي الواحد"، ربما لأنه بدأ التعامل مع الواقع العربي من أعلى، وفي مرحلة مبكرة من توليه قيادة الحركة الفلسطينية بعد عام 1967، ولكن هذا موضوع آخر، المهم أنه وبعد إبعاده عن سوريا عاد بجرأة جنونية إلى طرابلس متحدياً ومستنفزاً حتى أرغم اللاعب الرئيسي على الخروج بدبابات ومدفعية إلى الخشبة الأمامية، وغاب "الاصطلاحيون " بعدها بلا رجعة.

ــــــــــــــ

* عضو اللجنة التنفيذية