نشرة دورية تعني بالترجمة عن الصحف والمجلات العالمية

نشرة مترجمة لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر التوجيه السياسي

تصدر عن هيئة التوجيه السياسي والوطني

مواجهة الشرق

واشنطن تواجه تحديات دبلوماسي من الوزن الثقيل في شرق آسيا

 

ايمانويل وولستين

الأهرام الاسبوعية

30مارس 2005

ترجمة نصير أبو حجلة

 

  اعتقد بعض المحللين الغربيين في الفترة من عام 1960  ان اليابان والصين، وربما كوريا بدرجة أقل، سوف يصبحون لاعبين أساسيين في الاقتصاد العالمي، واليوم لا أحد يخامره الشك أنهم كذلك تماماً. في عام 1980 ظهرت مقالات لا تحصى في الصحافة الغربية وأغلبها ذا طابع هستيري عن السيطرة الزاحفة من قبل اليابان.

ماتت هذه المعزوفة لتحل محلها في أعوام ما بعد الـ 2000 سلسلة من المقالات المشابهة لما مضى الحديث عنه، لكن هذه المرة عن احتمال السيطرة الصينية فما هي الحقيقة؟

يبدو ان هناك فهماَ ضئيلاً من ان شرق آسيا كله قد حقق تقدماً هائلاً كمركز تجمع لتراكم رأس المال والتكنولوجيا المتقدمة، وتصاعد الانتاجية، وأكثر من هذا ان الرسوم البيانية والمنحنيات تواصل الارتفاع بثبات.

ما هو مهم بالطبع أنها ليست أرقاماً مطلقة, بل أرقام قريبة لتلك التي تحظى بها المراكز الكبرى على الجانب الآخر، في مراكز رأس المال التي هي على وجه الخصوص الولايات المتحدة، وأوروبا الغربية.

يستطيع المرء ان يقول أنه منذ عام 1970 على الأقل بدأت القاعدة الاقتصادية للولايات المتحدة في الهبوط قياساً بأوروبا الغربية وشرق آسيا. وأنه حتى هذه اللحظة بقيت أوروبا وشرق آسيا في تكافؤ تجاه بعضهما. وأعني هنا القوة في مختلف أشكالها الاقتصادية وهي (الانتاج والتجارة ورأس المال) أما تفسير القبضة القوية المسيطرة اقتصادياً للولايات المتحدة ان الدولار بقي هو احتياط العالم النقدي، غير ان الهبوط المتواصل لقيمة هذا الدولار والناتج عن الخلل الهائل في ميزان المدفوعات الأمريكي (الديون ا لوطنية، والحسابات الجارية)، وهي الأعطاب التي تبدو في تزايد مستمر ودوّار قد وضعت هذه السيطرة الأمريكية في موضع الشك، وكما لاحظ كل المراقبين ان الاسلوب الوحيد الذي تستطيع من خلاله الولايات المتحدة ان تتكيف مع هذا الخلل الطاغي والمزدوج، (هو الاستدانة).

أما المقرضان الأساسيان فهما الصين واليابان، والأقل أهمية ومبالغ هي كوريا الجنوبية، لكن الجدل الصاخب في الصحافة العالمية هو ما إذا كانت دول شرق آسيا سوف تستمر في شراء الأوراق المالية الأمريكية أو أذونات الدفع بنفس المعدل الذي دأبت عليه في السنوات الأخيرة؟

فالدول الثلاث الكبرى في شرق آسيا قد أشارت في الأشهر الستة الماضية الى انها تنظر نحو التنويع المتعدد في مدخراتها، وذلك باتجاه اقتناء عملات مختلفة، لقد ثار الجدل بصورة اجماعية بأن دول شرق آسيا إذا ما أقدمت على هذه الخطوة فإن الدولار سيشهد المزيد من الهبوط، وربما بانحدار شديد قد تكون له نتائج كساد وبطالة، ليس بالولايات المتحدة وحدها بل وكذلك في اجزاء مختلفة من العالم.

ويبدو واضحاً أن إدارة الرئيس بوش ليست لديها أية نوايا وحتى قدرة سياسية لإصلاح زوجيّ الخلل الجسيمين القائمين في الاقتصاد الأمريكي. أما بالنسبة لأقطار شرق آسيا فعليها ان تختار في المستقبل القريب ما بين خَطرين:

فمن جهة إذا ما قللت استثمارها في اقتناء الدولار فسوف تقلل من قدرة الولايات المتحدة على شراء بضائعها كما ستواجه مخاطر البطالة الناتجة عن هذا الكساد وانخفاض العوائد لهذه الدول, ومن الجهة الأخرى إذا ما استمرت في شراء الدولار (الهابط) فسوف تظل طيلة الوقت تخسر من ثروتها الوطنية. والخطر الأول على المدى القصير أما الخطر الثاني على المدى المتوسط.

وعندئذٍ يزداد الخلل في الاقتصاد الأمريكي تضخماً، ويصبح الخطر على المستوى المتوسط خطراً أشد إلحاحاً. وفي واقع الأمر فان هذا ما يحدث دائماً وأنا أعتبر أن إقدام شرق آسيا على التنوع أمر ممكن، وعندها سوف يفقد الدولار مركزه كاحتياطي نقدي عالمي ووحيد بالنسبة للعالم.

وسوف تخسر الولايات المتحدة حسب اعتقادي المزيد على المستوى السياسي والاقتصادي من جراء هذا الخلل العظيم، وأكثر مما ستخسره دول شرق آسيا. وهذا الاعتبار سوف يكون مهمازاً لدفع دول شرق آسيا للإقدام على هذا العمل على المدى القريب لا البعيد، لكن ما الذي سيحدث عندئذٍ؟

ان نظامنا العالمي الذي هو بطبيعته مشوش بدرجة عالية سوف يزداد سوءاً، وقد ينتهي الى الفوضى التي ستترك أثرها على القوة العسكرية وصراعات الهيمنة.

ومن الصعب التنبؤ بما سيحدث لسببٍ واحد، وهو ان الولايات المتحدة قادرة على التحرك باختيار واحد من اتجاهين أو اختيارهما معاً، الأول هو تراجع الولايات المتحدة الى العزلة القائمة على تحصين القوة الأمريكية، أما الخيار الثاني فهو الإقدام على المزيد من المغامرة الأحادية الجانب، وهذا يشكل أهمية كبرى بالنسبة لدول شرق آسيا، إذ سيكون له تأثير سريع على التطورات في شبه الجزيرة الكورية، وعلى التوترات بين الصين وتايوان.

كما سيجعل مسألة إعادة التسلح الشامل لليابان قضية شديدة الإلحاح، وسيكون السؤال المطروح لكل من الدولتين (كوريا واليابان: هل تندفعا في تسلح نووي؟)، دول شرق آسيا ستجد نفسها في مواجهة سؤال مصيري، هل تمضي المنطقة أو تتوقف عن الوصول الى نوع من التكامل والتوحد والدمج العنصري كما فعلت أوروبا في نصف القرن الأخير؟

العقبات والصعوبات واضحة:

 كوريا والصين بلدان مقسمتان تسعيان لإعادة التوحد كما ان الدول الثلاث اليابان والصين وكوريا تكبت كل منها أحزاناً تاريخية وضغائن تجاه الأخرى، هذه الضغائن ليست من النوع الذي يمكن التغلب عليه كما هي القصة في أوروبا التي تتكشف أمامنا اليوم لكن يجب التعامل مع تلك الضغائن بجدية والإفصاح عنها بطريقة مباشرة.

إن القوة الاقتصادية والسياسية والعسكرية الموحدة لجنوب شرق آسيا سوف تصبح مرعبة في النصف القادم من هذا القرن، وبهذا التحول سوف يتخلى النظام العالمي عن بنيته التاريخية الحالية التي هي النظام الاقتصادي الرأسمالي لشيءٍ آخر، فهل سيكون للمركز الشرق آسيوي بعض من الدور  العالمي المركزي، أوالدور المركزي بالكامل؟

الجواب سلبي بكل وضوح ذلك لأن هذا الجهد سوف يواجه معارضة شرسة من الولايات المتحدة، وأقل شراسة من قبل أوروبا الغربية، كما سيواجه معارضة الهند، والأكثر أهمية انه سيفتح جدلاً واسعاً حول الدور النسبي لكل من الصين واليابان في أية ترتيبات يمكن ان تكون مطروحة أمام البحث، وكذلك الحال بالنسبة للرفض الكوري الذي لن يرضى بأن يعامل كشريك صغير ليس له كامل الحق في التعبير عن رأيه.

لقد قامت جهود كثيرة للاتحادات الاقليمية في القرن الماضي. لكن ما هو مهم فهمه أن مسألة الاتفاق السياسي لشرق آسيا ووحدتها متوقفة في الغالب على مقدرة شرق آسيا على حلها.

فبقية العالم لن يكون قادراً على فعل الكثير في هذا الصدد، سواء من حيث الدعم أو من حيث الاعتراض والرفض, والكرةُ كما نقول عادة: في ملعب شرق آسيا.