نشرة دورية تعني بالترجمة عن الصحف والمجلات العالمية

نشرة مترجمة لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر التوجيه السياسي

تصدر عن هيئة التوجيه السياسي والوطني

 

حين تخلق الأجهزة الأمنية ظروفاً إقليمية صعبة

 

لومند الدبلوماسي

لوران بونيلي

نيسان 2005

ترجمة هالة شريف

 

 حُرمت الاجهزة الأمنية الاوروبية والامريكية بعد زوال الخطر الشيوعي "وامبراطورية الشر" من عدو كان يبرر وجودهما ويوفر لها ميزانية هائلة. وبعد تلك المرحلة استندت تلك الاجهزة على نشاطات خليط من المجموعات الارهابية والمتنافرة، وصنعت أيضاً منذ الحادي عشر من سبتمبر عدواً استراتيجياً جديداً وبذلك توفرت لديها رؤية شاملة، قد تعرض للخطر القيم الأساسية للحرية.

"لقد دخلنا في مرحلة جديدة من تاريخ الارهاب. تتسم هذه المرة بدرجة أقل من الاقليمية والقومية. ومن خصائصها بروز ارهاب انتحاري، وعمليات يقودها إرهابيون يسعون بشكل متعمد إلى الحاق الضرر بأعداد كبيرة من المدنيين الذين ينتمون إلى مجموعات لا مصلحة لديها في التفاوض" وعلى اثر احداث سبتمبر لخصت السيدة"بولير" المدير العام للاستخبارات البريطانية M15 بصدق المصاعب السياسية التي تسببها مجموعات من نموذج القاعدة لأجهزة الاستخبارات الغربية.

فمقاومة "الارهاب" ليست متواطئة بالدرجة التي يمكن ان نفهمها من التصريحات الحازمة التي للعديد من وزراء الداخلية (نخص هنا بالذكر عبارة وزير الداخلية الفرنسي "باسكو" ) الذي قال "يجب" "ترويع الارهابيين".

بالعكس فإن مقاومة الإرهاب انما هي ناتجة عن عقد العديد من الصفقات بين الحكومات، ووكالات الاستخبارات والمجموعات السرية، حيث يلعب كل واحد من هؤلاء لمصلحته السياسة أو التنظيمية ويحاول فرض "الحقيقة" من وجهة نظره.

اذاًُ لا يصف الإرهاب الحقيقة بشكل موضوعي التي قد قد تفرض على الجميع. فالجيش الالماني كان يستخدم هذه العبارة حين تحدّث عن المقاومين الفرنسيين، وأيضاً روسيا عن المقاتلين الشيشان، ولا تدعي أية مجموعة سرية أنها كذلك (أي ارهابية) مُفضلة حسب الحالات عبارة "مقاتلون من أجل الحرية" أو "قوميون"، أو "طلائع البروليتاريا" أو "جنود الاسلام".. الخ.

إن الصاق الارهاب كماركة مسجلة وبهذه الطريقة ليس إلا اداة سحب شرعية بعض الحركات ومطالبها.

ناقل عنف الدولة

مما يُفسر في الوقت ذاته استحالة الاتفاق على تعريف مجمع عليه في الزمان والمكان، واختلاف الاستراتيجيات المستخدمة من قبل الدول لمواجهة (الارهاب) مثل:عدم التدخل، الضغوط، المفاوضات، القمع البوليسي، ويصل الأمر أحياناً إلى العمل العسكري, تخضع هذه الاجوبة لعلاقات القوى السياسية مع الأطراف المتواجدة، وبين تطورها كأهداف للمجموعات السرية ونُظم عملها.

تحتل الأجهزة الأمنية "في إطار ضبط العنف" مكاناً رئيسياً، حيث توفر اجراءات التقصي والتعرف والمراقبة من قبل السلطات معلومات تمكنها من استباق ظهور وتطور الأزمات،أو انتقاء وسطاء لايجاد الحلول الممكنة لتفادي أي عمل، وتضعها في صورة استراتيجيات أعدائها.

لكن دور تلك الأجهزة لا يقتصر فقط على كونها مجرد أدوات لخدمة القرار السياسي، وعديدة هي الاستراتيجيات التي تستخدمها الأجهزة، فمن الابعاد العلني لبعض المجموعات إلى تخريب أعمالها أو النيل من زعمائها - معنوياً وجسدياً- في العديد من الحالات – مروراً بإحباط الروح المعنوية للمناضلين أو العمل على تفاقم التوترات الداخلية.

وفي حالة المخابرات العامة الفرنسية (RG)، فقد كان ضبط العنف هو الهدف الخاص لبعضها وهي تستخدم لتحقيقه أساليب غير قانونية ومحظورة أحياناً مثل ما يقوم به قسم المعالجة بالوسائل المادية وهي مجموعة تتكون من اشخاص تنفيذيين وأكثر تشدداًّ.

وفي اسبانيا ساند جهاز المخابرات ال CESID المجموعات التي تعمل ضد الإرهاب "GAL " التي قامت باغتيال المهاجرين الباسك في فرنسا في اواخر الثمانينات، وفي بريطانيا ساهمت الاجهزة الأمنية في اعداد وتكوين فرق يطلق عليها اسم إطلاق النار للقتل"SHOOT TO KILL" مهمتها اغتيال مقاومين يدعون أنهم ينتمون إلى الجيش الجمهوري الايرلندي IRA, وهم بذلك يشكلون ناقلاً – مستقل جزئياً – لممارسة عنف الدولة، الذي يؤثر عمله على استرتيجيات المجموعات السرية وأيضاً على السلطات.

اكثر من ذلك يساهم عملهم الروتيني في انتقاء المعلومات وتحليلها، ودراسة الوسائل الملائمة للمواجهة في وضع حدود لحصر اللعبة السياسية. وسواء قاموا بتأهيل أو بإقصاء بعض الوسطاء على قاعدة احكامهم فان الأجهزة الأمنية هي التي تسمح بالمشاركة في الحياة السياسية أو لا, وبهذا تظهر بمثابة الحارس – غالباً ما يكون غير راضٍ – عن النظام السياسي، حيث تثقل أنظمة استشعارهم وفكرهم على مضمونه وآلية عمله.

وبغض النظر عن تعددها وتنوعها، تخصص تلك الأجهزة موضعاً مركزياً لعلاقات القوى، وتتعارض مبادئ  (عملها) مع مبادئ القضاء الذي يعتبر العلاقة بالقانون أساسية، حتى في حالة كان العملاء من المخابرات و متهمون في قضية ما مما يباعد بينهم وبين زملائهم من دوائر الشرطة القضائية او الشرطة العاملة في المدن، حيث تشكل فروقاً عديدة في المهمة, وبتحقيقهم الجزء المهم من الأهداف في حياتهم المهنية داخل تلك الأجهزة فهم يقومون بترسيخ تلك الممارسات السلبية، والروتين الإداري ورؤى العالم التي ورثوها منذ زمن بعيد عن أسلافهم ومؤسساتهم الأمنية , مما يوفر لديهم استعدادات خاصة، كالاهتمام والتدخل في اللعبة السياسية والقدرة العملية على مواجهة مخاطرها، والارتباط بالنظام الشرعي والحفاظ عليه, وتلك الاستعدادات هي عبارة عن استيراد لمنطق الشك والريبة الخاصين بالاستخبارات اللذين يمارسان عادة في النشاط السياسي. ومن هنا يأتي التفسير المبرر بعبارات مثل "المؤامرة" و "الضغط والتهديد".

واكثر الظواهر وضوحاً لتلك الاستعدادات هي درجة الاهتمام التي تعيرها الأجهزة الأمنية لخصومها في تقاريرها وتحليلاتها. وهي ميالة إلى تفسير أية مبادرة أو نشاط محلي على أنه عنصر من عناصر إستراتيجية سياسية شاملة، كما تعتبر بأن الجماعات او الأشخاص المستقلين هم عناصر لمنظمات خفية لها بنيتها الخاصة.

ويعلق مدير المخابرات الفرنسية بعد مراقبة محتوى خطب المساجد بين سنتي 1992 و 2004، قائلاً: منذ اعتداءات 11 سبتمبر أصبحنا أكثر حذراً  .

و توقع العديد من الملاحظين انزلاقات كبيرة (....) لكن من الملفت للإنتباه أن المشرفين على المساجد والجمعيات سيطروا بشكل جيد على جماعاتهم، وذلك طبعاًً ليس لطمأنتنا. وانما ذلك يعني (...) بأن الجمعيات تسيطر جيدا على (مجتمعها)".  واعتبر المسؤول ذاته بأن حالة الهدوء هذه هي أسواً من العاصفة، لانها تخفي أموراً أكثر غموضا, وفي مشهد الرؤية المخيفة للعالم والهيمنة التي تمنح للخفي على حساب المرئي، يصبح الرفض والاستنكار بالإجماع لتلك الاعمال الدموية، نوعاً من الانشغال الإضافي، وهو يشكل اثباتاً جدياً لتبرير أعمال أجهزة المخابرات.

واذا لم يكن بالضرورة -ذلك الاستعداد لتمويل  " قضية التهديد "- فيه نوع من الحقارة إلا أنه يضمن لعناصر المخابرات مصالح كبرى، سواء على الصعيد المادي (امكانيات، موازنات) أو الرمزي (أهمية الخدمات، الاعتراف الشخصي).

وفيما يتعلق بالاسلام فإن مراقبة الطوائف الاسلامية، وبالتالي أماكن العبادة، بما في ذلك القادة والجمعيات ذات الطابع الديني لا يرجع تاريخها إلى ما بعد هجمات 11 سبتمبر. وانما كانت بالأساس روتيناً للتجسس المضاد، لذا فإن دوائر الهجرة لبعض البلدان (بما في ذلك القادمون من المغرب العربي) تستخدم منذ زمن بعيد البنية التحتية الدينية للمراقبة والسيطرة على المنفيين، لكن اهتمام وكالات الاستخبارات الغربية بالمسلمين أخذ منحى مختلفاً بعد العديد من الأحداث الدولية التي ارتبطت بالاسلام السياسي. مثلا في فرنسا، اعتُبرت الثورة الايرانية سنة 1973 هي المرحلة الرئيسية لتطوير الدوائر الأمنية المتخصصة، بالاضافة إلى الوضع في الشرق الاوسط والاعتداءات التي قامت بها شبكة "فؤاد علي صالح"  من سنة 1985إلى 1986 وخاصة حرب الاسلاميين في الجزائر بعد حزيران 1991، والتي أفضت إلى موجة جديدة من الاعتداءات التي وقعت سنة 1995.

وعندها ركزت أجهزة المخابرات اهتمامها على أنشطة الجماعات الاسلامية المسلحة (الجزائرية بشكل خاص)، سواء كان ذلك لتحدي "وفرملة" وتيرة أعمال العنف في البلاد أو للتشويش على نشاطها اللوجستي (كالدعاية، والاستيعاب، وقنوات التمويل... الخ).

أما في بريطانيا فيتركز اهتمام الأجهزة على المسلمين المهاجرين كالقادمين من باكستان أو الاخوان المسلمين المطاردين من المستعمرات البريطانية السابقة. إلا أن ذلك الاهتمام بقي لفترة طويلة ضعيفاً و مهمشاً بسبب التركيز على النزاع في ايرلنده الشمالية. وفي اسبانيا، فإن التغيير لا يزال حديثاً، حيث كانت القضية الباسكية تصنف رقم 1 وتسيطر بشكل شبه كلي على الطاقة الأمنية.

لقد غيرت اعتداءات 11 سبتمبر و 11 مارس (مدريد) بدرجات متفاوتة نشاط الوكالات الاستخبارية لكنها غيرت وحولت بشكل جدّي أنظمة الأجهزة الأمنية التي ركزت تاريخياً جهودها على ضبط العنف السياسي.

و العوامل المؤثرة في تلك التغيرات: أولاً الظهور المفاجئ للعنف ضد المدنيين في زمن السلام، على ارض دول غربية غير آبهٍ بالنوع (الاجتماعي والسياسي والعقائدي) للضحايا. اكثر من ذلك دمرت تلك الاعتداءات مبادئ الرؤية والتقسيم، الأساسية للحقل السياسي.

فالمجموعات المعنية لا ترتكز على قواعد ومطالب عرقية قومية أو طبقية والتي كانت حتى زمن قريب تشكل بنية العنف السياسي، لكن ما يزال البعض منها مستمراً في ذلك النهج في العديد من النزاعات بما فيها تلك التي تتورط فيها الحركات الراديكالية المسلمة (في فلسطين أو الشيشان). فهي لا تدعي فقط أنها من القاعدة، - بل حتى أن استقلاليتها على الصعيد الاستراتيجي، وغياب قاعدة اقليمية أو اجتماعية تعقد بشكل كبير بناء هذا التبادل، على عكس الجماعات الأخرى التي كان لدى الأجهزة الأمنية وسطاء معروفون لديها – هم على علاقة بالحركات ذاتها، وبواجهات سياسية، أو بحكومات تقدم لها الدعم – ويظهر ذلك النوع من المنظمات "كعدو مجهول وليس له ملامح" .

إذا يتعلق الأمر برصد الأشخاص الذين من المحتمل ان يلتحقوا بصفوف الجماعات المتطرفة في المجتمعات الإسلامية, واذا استمرت الأجهزة الأمنية في مراقبة المساجد والجمعيات الثقافية... الخ، فإنها ستلجأ إلى إعداد نماذج (نمطية) وجاهزة لأولئك المطلوبين وباللجوء فقط إلى دراسة حالات متورطة في أعمال غير مشروعة، وإعداد مواصفات اجتماعية لها خصائصها، وستظهر الاستخبارات حذراً شديداً– من الذين ستتماشى مواصفاتهم مع تلك الخصائص التي لا تتطابق بالضرورة مع المطلوبين.

لذلك في حال توفر الشروط التالية لدى الشخص تستنفر الأجهزة بشكل آلي: مثل الأصول الاجنبية (والمسلمة بشكل خاص)، ومستوى عالٍ من التعليم، والاختلاط بجمعيات أو بمساجد (تدعم التطرف وخاصة التيار السلفي)، والانقطاع عن العمل بالاضافة إلى تعدد السفر إلى الخارج وينطبق الأمر كذلك على الذين يحملون جنسية البلد الذي يقيمون فيه، حيث يصبحون بالنسبة للأجهزة الأمنية أعداء غير مرئيين، يذوبون في المجتمع مستفيدين من حقوق المواطنة (حرية التحرك، حماية قانونية، تسهيلات ادارية... الخ) وبالتي تصعب مراقبته.

الاسلام هو الهدف

 إن صعوبة المهمة، بالاضافة إلى القلق المشروع لمختلف الحكومات امام هذا التهديد، وخوفها النسبي من المواجهة يوضح ويشرع الدفاع عن الحد من الحريات، ووضع وسائل استثنائية سواء كانت بوليسية أو قضائية.

·          لاعتبارات كثيرة – بإمكاننا القول أننا نشهد إعادة تشكيل للتوازن بين مناهج العمل الاستخباري (أي الشك) والقضائي (مؤسسة القانون). حيث يصبح وجه المشتبه فيه أكثر أهمية من المذنب. ويمثل نموذج معتقل "غوانتانامو" الحالة الأكثر لفتاً للانتباه لتلك المناهج الاستخباراتية: أي سجن أشخاص للحصول على معلومات منهم بالتحرر من الحد الادنى للضمانات القضائية التي تحمي أولئك المعتقلين.

·          لكن مهما تجاوز ذلك المثال الحد فإنه، لا يعتبر منعزلاً حيث أن جهاز الجريمة والأمن في بريطانيا لم يتم تحويله منذ سنة 2001 إلى جهاز لمكافحة الإرهاب حيث يتم اعتقال المشبوهين على أنهم ارهابيون دوليون دون محاكمة او توجيه تهم لهم.

    وفي فرنسا يسمح التطبيق (الواسع) للتشريع ضد الارهاب لسنة 1986 (بما في ذلك الاتهامات الموجهة إلى المجرمين الذين على علاقة بالمنظمات الارهابية) باستراتيجيات تسمى "بالركلة داخل الوكر" تتمثل بإيقاف واسع للأشخاص الذين من المحتمل أن يقيموا علاقة مع المجموعات السرية لايقاف عمل شبكاتهم وذلك "لتعطيل تلك المجموعات" ولا تهم تبرئة واطلاق سبيل اغلبيتهم.

 ويتضح بعد قضائهم 24 شهراً في الاعتقال الاحتياطي. على أساس القاعدة العامة للارهاب الاسلامي" اتضح وجود تباين كبير في العلاقة بين عدد عمليات الاعتقال وعدد الذين يتم ايقافهم واثبات التهمة عليهم, لكن الشك لا يقف عند مقاومة الارهاب، بل يمتد ايضاً إلى مدى وفاء واخلاص المجتمعات الاسلامية وخاصة في فرنسا.

وعلى الرغم من إفلات المشبوهين من قبضة الاجراءات المضادة للتخريب" لعملاء الأجهزة الأمنية، يتم ربط أي عمل، او نشاط ثقافي وديني بضعف الارادة السياسية لدى المجتمعات الإسلامية ويتم اتهامها لتخريب النظام القائم عبر المنظمات السرية.

لاجل ذلك تعير الأجهزة الفرنسية اهتماماً خاصاً للجماعات الاسلامية مثل جماعات التبشير، التي تعمل في الأحياء الشعبية، وبالطريقة ذاتها تهتم تلك الأجهزة بالدور الذي من المحتمل أن تلعبه بعض الجمعيات او الزعامات الدينية في تهدئة التوترات التي تنشأ داخل تلك المجتمعات. وبما أنه ليس بإستطاعة المخابرات اجراء قياس مباشر لتأثير تلك الزعامات فانها تلجأ إلى المفهوم المبهم "للطائفية" التي يفترض انها تشكل بالنسبة للأجهزة تهديداً للوحدة الجمهورية عبر الهوس للهوية "المسلمة". ووصل الأمر بالأجهزة الفرنسية أن أعدت جدول احصاء عن الانطواء المجتمعي لتلك الاحياء على قاعدة ثمانية مؤشرات, منها " ممارسة عدد من العائلات من أصل مهاجر تعدد الزوجات" , ونوع "التركيبة الترابطية للمجتمع" و "وجود التجارة العرقية" و " تزايد أماكن العبادة الاسلامية" و " ارتداء الملابس ذات الطابع الشرقي والديني"  و " ووجود رموز اللا سامية ومعاداة الغرب و تواجد صفوف داخل المدارس، تحتوي اغلبيتها على طلاب جدد لا يتحدثون الفرنسية" وصعوبة الحفاظ على وجود فرنسي الاصل داخل تلك المدارس.

وتوضح هذه المؤشرات نوع و صورة الاندماج الجمهوري المرتبط بالنموذج التاريخي لتطور الدولة، ومن سماته اختفاء الفوارق الاقليمية والثقافية، وهم بذلك (المشرفون على الدولة) يعيدون إلى النظام أياً  كان يعارض هذا النموذج. علماً بأنه تجدر الحيطة بشكل خاص، حيث باستطاعة الانخراطات الدينية ان تأخذ اشكالا مختلفة. ويبدو أن هناك وجوداً لمجموعة من المواقف التي تنحرف على مدار يبدأ من القطب الروحي إلى قطب أكثر ثقافة.

وتعزى هذه المواقف إلى حوافز مختلفة جداً تؤدي إلى ممارسات وسلوكيات وأعراف اجتماعية للاسلام لا تشكل ارتباطاً بينها.

إذا ما هو العامل المشترك بين طالب (ة) مولع بدراسة "علم الدين" و شاب (ة) في وضع عدم تأهيل اجتماعي، "ويصنع لنفسه" هوية تعيد له شيئاً من العزة والكرامة الذاتية؟

ما هو العامل المشترك بين دعوة الزعماء الدينيين بقيادة الجمعيات الاسلامية لنبذ الغربيين، وانتقاد السياسة الاسرائيلية و بين تطرف الخطاب لدى شباب أحياء المهاجرين الذين سيصوتون للجبهة الوطنية على طريقة العمال الذين ليس لديهم وضع ثابت في اشارة منهم إلى الحد الاخير قبل الوقوع بين ايدي المجموعات المتطرفة وسيُحمل أولئك الشباب مسؤولية وضعهم الحالي "للمرأة" "وللإسرائيليين" أو "الغرب"؟

طبعاً لا يوجد عامل مشترك، فالمنطق، والدوافع تختلف, حيث بإمكان أي شخص القيام بأعمال او تصرفات غير محتملة، وتجب هنا مقاومتها لكن دون خلط ومزج بين كل الأمور.

لكن العديد من تجار الخوف غير معنيين بذلك فهم مهتمون فقط بإنتاج صورة كارثة لنهاية العالم، تخدم مصالحهم الاقتصادية والسياسية في حين أن التحريات التي أجريت على الأشخاص الذين اقدموا على تنفيذ العنف، تؤكد على اختلاف المسارات وخصائص سيرتهم الذاتية التي قادتهم إلى مرحلة التنفيذ.

ولخدمة تلك المصالح لا يتردد عملاء المخابرات في اعتبار نشوب مجرد حريق متعمد (أي بدافع شخصي) التأكيد على انه اعتداء إرهابي لكنه محدود. وإن إدارة الجانب اللوجستي من قبل إرهابيين من المناطق التي لا تخضع لأجهزة المخابرات “ وتشمل مخازن أسلحة حربية هي بمثابة "لعبة اطفال".

تنقل تلك الشروحات صورة لدين فاتح، ومترابط يؤمن بالحرب، وقد تم إعدادها في بعض المخابئ الاستراتيجية، التي تفتقد لعدو عالمي بعد سقوط الاتحاد السوفياتي. بالاضافة إلى دمج النمو النسبي للمطالب المتعلقة بممارسة الشعائر الاسلامية في الدول الغربية، وذلك لضمها لوحدة متكاملة تنذر بالخطر.

أما بالنسبة لانتقاد "الطائفية" الذي يتم تناوله, ويتطور في خطاب الدولة، فمن الممكن أن لا يكون إلا طريقة للإعفاء و التهرب من الضريبة بسعر مناسب جراء الآثار التدميرية للسياسات الاقتصادية والاجتماعية التي تطبق منذ عشرين عاماً.

اعتبر في سنة 2004 بأن 33% من فئة شباب الذين تتراوح أعمارهم بين 23-20 سنة ويقطنون في الأحياء الحساسة ( الشعبية للمغتربين) هم من العاطلين عن العمل وليس لديهم أي تكوين مهني او تعليمي، مقابل 12% على المستوى الوطني. كما أن فرص الحصول على عمل بالنسبة للمهاجرين غير الأوروبيين هي أقل 17.2 مرة من فرص المواطنين الاصليين، وتُصبح أصوات "الإنذار بالخطر تدعو إلى السخرية حين نضيف إلى كل تلك الاسباب السابقة: غياب الحقوق السياسية لأولئك، والعزلة الذاتية لآخرين جراء عمق المسافة بين الأحزاب السياسية (بما في ذلك اليسار) والاوساط الشعبية للخدمات العامة المتدهورة، ووجود العديد من اشكال الاضطهاد والتدقيق المستمر في الهويات من قبل الشرطة وامتناع القضاء عن اصدار الأحكام.

والسكوت في هذه المسألة عن ظروف عدم الاستقرار والحاجة السائدة في الاحياء (واصولها) تقودنا إلى الادانة الاخلاقية لأشكال التكيف الفردي والجماعي للفقر، وأيضاً إدانة التعبئة بإسم المشروع الجمهوري، يتم عبره اخفاء التقصير في مجال المساواة بعناية.

مسألة اجتماعية مُقَنّعة

اذا يظهر الاسلام اليوم اما في زاوية "الارهاب" او الطائفية كمشروع شامل للتدمير قابل لان يحل محل الشيوعية، التي ضُربت بسبب اعادة تركيب النظام الرأسمالي ( قبل مرحلة الرئيس الأمريكي فورد) وانهيار الاتحاد السوفياتي، وبالفعل يراكم (الاسلام) أهمية ويأخذ بعدا دوليا (تتصرف فيه و تديره جهات أجنبية بإدارة خارجية) و الطوائف المتنفذة والمزروعة في الدول الغربية، لكنها تحتل مراتب دنيا في السلم الاجتماعي.

إن تلك التأويلات تأتي مباشرة من الأجهزة الأمنية واستعدادات عناصرها، ويرجع نجاحهم في ذلك الى المواقع القانونية التي يحتلونها داخل تقسيم العمل السياسي وايضا بالخطاب الذي تتبناه بعض المجموعات الدينية، التي لديها ايضاً مصلحة في استقطاب المواقف التي تمنحها القوة، والوزن والمصداقية التي لا تملكها، لكن رغماً عن هذا وذاك فإن المهاجر (ة) لا تعني دائماً أنه مسلم (ة)، والمسلم (ة) لا يعني أنه ناشط (ة) سياسي للاسلام.

إن اعادة الصياغة للمسألة الاجتماعية في مجال الأمن او في المجال الديني تقوم بإخفاء الاساسات المتعلقة بالمصاعب الحقيقية التي تتعرض لها اليوم الطبقات الشعبية التي سحقت سياسياً واجتماعياً بفعل عقود من الاصلاحات اللايبرالية الحديثة. وهي تعيد تحديد وضع خطوط التباين بداخلها وبذلك تجعل الاسترداد الجماعي لمستقبل أفضل أكثر صعوبة. لكن هل ذلك هو فعلاً مشروعهم؟.