نشرة دورية تعني بالترجمة عن الصحف والمجلات العالمية

نشرة مترجمة لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر التوجيه السياسي

تصدر عن هيئة التوجيه السياسي والوطني

 

أمريكا... الأيقونة القادمة

 

بقلم افرايم هليفي

مجلة هآرتس

ترجمة : نصير أبو حجلة

ابريل 2005

 

الغلطة الاستراتيجية لبشار الأسد .

السيناريو السعودي المرعب.

سيف الدمقرطة ذو الحدين.

احتمال تحييد التهديد النووي الإيراني.

مستنقع خارطة الطريق.

افرايم هليفي الرئيس السابق للموساد يتنبأ بشرق اوسط جديد حيث المفاوضات الحقيقية التي ستجريها اسرائيل لن تكون إلا مع الولايات المتحدة

 

  يحكى انه في صباح 12 يناير من عام 1994م عندما قتل باسل الأسد، النجل الأكبر والأثير للرئيس السوري (السابق) حافظ الأسد وهو يقود سيارته وسط ضباب كثيف في طريق مطار دمشق الدولي، أمضى رجال الرئيس وقتاً عصيباً وهم يفكرون كيف سينقلون الأخبار المريرة الى الرئيس حافظ الأسد الذي كان ما يزال يغط في نومه الى أن قرروا بأن تتجمع الشخصيات الكبرى في الجيش والشرطة وأجهزة الأمن والدولة وتتجه الى قصر الرئاسة، وتنقل إليه ما حدث. ودخل الجميع حجرة نومه لكن أحداً لم يجرؤ على التفوه بكلمة.

وبعد صمت طويل قال الرئيس الأسد: حسناً.. ولكنْ أي منكم قاد الانقلاب ضدي؟

مرت السنون، ومضى حافظ الأسد، وخلف من بعده بشار الأسد الذي لم يكن مقصوداً بالمنصب الرئاسي واقتفى خطوات والده قليلاً الى أن تمكن من الرئاسة فاستبدل كل المسؤولين المتنفذين في العهد السابق، بالموالين له شخصياً من الطائفة العلوية التي ينتمي اليها. ورغم ذلك لن يستطيع الابن أن يشعر بالأمان، أكثر من والده كرئيس ينتمي لأقلية لا تشكل أكثر من 20% من سكان البلاد.

وخلال معظم فترة حكمه الطويلة كان حافظ الأسد يستند إلى دعم الاتحاد السوفيتي، لكن بعد انهياره رأى من الحكمة أن يتقرب من القوة العظمى الباقية، وهي الولايات المتحدة.

ولهذا وقف في صف الولايات المتحدة إبان حرب الخليج الاولى، متشبثاً باطراف التحالف الدولي الواسع الذي ضرب العراق. وكافأته الولايات المتحدة على موقفه برعاية المفاوضات الشاقة بينه بين اسرائيل، مكرسة كل طاقتها ونفوذها لانجاح هذه المحاولة. وكانت الولايات المتحدة على حافة النجاح، وأسباب الخطأ في الفهم، جاءت من رفض حافظ الأسد مقترحات كلينتون الأخيرة التي تقدم بها خلال لقائهما في جينيف في مارس عام 2000، وصارت موضع جدل منذ ذلك الحين. وخلال الشهرين ونصف الشهر التي قدر للرئيس حافظ الأسد أن يعيشها- حيث توفي في حزيران من عام 2000- لم يتخل عن المسار الامريكي الذي تبناه في أيامه الأخيرة.

غير أن بشار الأسد خرج عن خط والده ومع بداية حرب الخليج الثانية عام 2003 وقف الى جانب صدام حسين ضد الولايات المتحدة وسمح لآلاف المقاتلين بعبور الحدود السورية الى العراق الذين أوقعوا خسائر في صفوف القوات الامريكية  كما اوغل في ميادين التعاون مع إيران فيما هو أبعد من التعاون التكتيكي الذي اتخذه والده، بل وتدخل في شؤون لبنان بشكل صارخ، مما دفع بفرنسا الصديق التقليدي لسوريا أن تقود مبادرة في مجلس الأمن تسفر عن قرار غير متكافئ يدعو الى انسحاب كامل للقوات السورية العسكرية والاستخبارية من لبنان.

لقد قاد بشار الأسد بلاده حقيقة الى العزلة نظراً لفشله الاستراتيجي الذريع الذي سيدفع ثمنه باهظاً، وقد يصل الأمر حتى الى فقدان سلطته.

وخلال الأشهر القادمة سيصبح لبنان بؤرة الاهتمام الدولي، ليس فقط لكونه الميدان الذي ستظل تنافس فيه سوريا لمواصلة نفوذها المستمر في بلد لم يتم الاعتراف باستقلاله حتى اليوم، (لا وجود لسفارة لبنانية في دمشق، ولا وجود لسفارة سورية في بيروت) بل وكذلك لأنه الى الآن الساحة التي تنافس فيها ايران وهي تبحث عن مجالات لنفوذها، والشيعة وعلى رأسهم حزب الله- وهو الذراع القوية المتقدمة- والصواريخ التي في حوزته ما زالت تشكل تهديداً للتجمعات السكانية الاسرائيلية التي تقع في مدى هذه الصواريخ.

إن قرار مجلس الأمن الدولي الذي فرض الانسحاب السوري من لبنان يتطلب في الوقت نفسه، نزع سلاح " متزامن"  لحزب الله.

ان القطاع الشمالي قابل لأن يصبح ساحة مشتعلة حالما تبدأ عمليات "الدمقرطة" في سوريا ولبنان في فرض نفسها.  وفي مواجهة هذه الخلفية من عدم الاستقرار على الحدود الشمالية (وليس هناك فقط، بل كذلك في عدة اقطار اخرى في المنطقة) تكون اسرائيل على وشك الدخول في مسار تنفيذ الاتفاق النهائي للتسوية مع الفلسطينين من خلال مفاوضات مباشرة مع الولايات المتحدة.

مملكة تأتي ومملكة تذهب

 سلوك الولايات المتحدة يعكس تصميمها على رفض السماح باستمرار الفوضى السورية في لبنان او في أي مكان آخر لنفس الأسباب. وعندما تبدأ ألسنة مشاعل الديموقراطية في انارة زوايا "المملكة" في دمشق، تكون أيام الحكم العلوي قد اصبحت معدودة، وتلك نتيجة أساسية للسياسة الامريكية الجديدة في الشرق الوسط والتي تتمحور حول تشجيع وتعزيز الأنظمة الديموقراطية على اتساع المنطقة. واذا كانت سوريا هي المثال الحي على حكمة السياسة الامريكية. فعندما تصل هذه  الدمقرطة الى مرحلة التنفيذ، سوف تكون أكثر اشكالية بالنسبة لجزء آخر مختلف في العالم العربي.

فالسعودية ملكية مطلقة تحكمها عائلة متشعبة من البيت السعودي, ليس ثمة أقطار كثيرة تكنى باسم الاسرة الحاكمة في العالم.

والنساء في المملكة محرومات من أي حقوق مدنية بالفعل، إلا قلة معدودة من فئة الاسرة الحاكمة, وما من مؤسسات حكومية تتمتع (باطار) بوضع فعلي مستقل وقوة حقيقية.

والصدامات تقع هناك بين جماعات من مقاتلين اسلاميين متطرفين وبين قوات الأمن في مناطق مختلفة من الصحراء حيث يتكبد الطرفان خسائر بشرية بالغة.

والبطالة متفشية، وبعض العاطلين في معظم الأحوال غير مؤهلين لعمل من أي نوع، والوظائف للخريجين أبعد ما تكون عن تلبية الشواغر المطلوبة, حقيقة فان الارتفاع العالي في أسعار النفط قد زاد من عائدات البلاد لكن القليل منه يستخدم لتحسين مستوى المعيشة للمواطنين ككل.

وفي الأعوام الاخيرة فان حكومة ال 500 أمير التي أسهمت في تفريخ جيل من الأصوليين والاسلاميين تكافح اليوم بكل ما اوتيت من قوة الموراد، والى حد بعيد لم يكتب لها النجاح سواء في التغلب على التهديد الدولي الناجم عن ذلك، أو في التغلب على تشعباته العالمية.

لقد اصبحت الادارة السعودية هدفاً لأشد الحركات تطرفاً والتي تفجرت في داخل المملكة بعيداً عن الاجراءات الأمنية المتخذة لحماية المملكة والابقاء على نظام الحكم. فما من سياسة هادفة، داخلية كانت او خارجية للتعامل مع جذور البؤس التي اطلقت التهديدات الداخلية والخارجية والمستمرة في تغذيتها، وبعدما أصبحت الولايات المتحدة قادرة على هندسة سياسة واضحة تجاه بعض البلدان في المنطقة كالعراق وسوريا ولبنان تجد من الصعب عليها صياغة سياسة تاريخية تجاه العربية السعودية, وهذا يعزى وبصورة رئيسية- الى اعتماد الاقتصاد الامريكي على احتياطات النفط الهائلة في شبه الجزيرة العربية.

وليس بعيداً ما اخبرني به مسؤول رفيع المستوى في واحدة من اكبر شركات النفط في العالم، من انه يصحو في صباح كل يوم مروعاً من أن يشغل تلفازه المجاور فيرى تقارير عن انقلاب في العربية السعودية. لقد كان أشد ما يقلق واشنطن قبيل شن الحرب قبل عامين أن يؤدي غزوها للعراق إلى اشعال نار الثورة في الرياض، وقذف الملكية خارجاً. وكان ذلك هو الاعتبار نفسه الذي دفع بالرئيس بوش الأب أن يصدر أوامره بوقف القتال في حرب الخليج الاولى إمساكاً عن قيام قوات التحالف باحتلال عاصمة عربية.

أما الآن فالولايات المتحدة ممزقة ما بين الحاجة لضمان سلامة تدفق النفط من خلال علاقات متينة مع حكومة الرياض الحالية، وما بين الخوف من ان كل يوم يمر لا يعجل بسقوط البيت السعودي فقط، بل ويرفع درجة الخطر من أن الحكام الجدد القادمين قد ينتهجون نهجاً جهادياً أشد تطرفاً ضد دول الغرب "الكافرة".

إن آلافا من مواطني الدول الغربية يعيشون داخل مجمعات محصنة لحماية عائلاتهم داخل العربية السعودية، وهذه الاجراءات الوقائية المتشددة تعكس مدى اتساع الهوة ما بين السكان المحليين والضيوف الأجانب. وقلة من الملاحظين للمسرح في الشرق الأوسط يملكون بالفعل نظرة ثاقبة تجاه هذا الوضع في العربية السعودية، ويتفحصون بتجرد السيناريوهات المرعبة التي قد يقع واحد منها، حيث يعتقد البعض أن ثمة خطراً حقيقياً أن تمسك العناصر الدينية الأشد تطرفاً بالسلطة في العربية السعودية وتقيم  دولة "القاعدة" في الرياض، بينما يرى آخرون أن الانتماء الوطني لعدد كبير من سكان البلاد ضعيف تجاه الهوية السعودية، وان ارتباطهم الرئيسي إما قبلي وإما مناطقي، وبالتالي فان وضعاً ثورياً سوف يؤدي الى تمزق، وقيام انظمة في مناطق متعددة من المملكة.

وخلال زيارة لي منذ اسابيع للولايات المتحدة ‘اُخبرت من قبل عدد من المراقبين الواسعي الاطلاع انه اذا ما قدر لأحد السيناريوهات المحتملة والأشد قوة ان يقع في السعودية فلن يكون للولايات المتحدة خيارإلا تعميق وجودها العسكري في الشرق الأوسط، وعندئذٍ عليها أن تضاعف إنفاقها لتأمين وجود قوات عسكرية تكفي لمواجهة الاوضاع المتطورة في بلاد كالعربية السعودية.

قوة عظمى في الجوار

 من واقع كونها قوة عظمى تبحث عن دور فاعل في الشرق الأوسط فقد اصبحت الولايات المتحدة لاعباً متواجداً في المنطقة، ونمط سلوكها تجاه العراق لا يعكس تصميم الرئيس بوش على المضي بثبات في فرض سياسته على بغداد فقط، بل ثمة احتمالية عالية أن لا يكون العراق اخر بلد في المنطقة يتطلب وجوداً عسكرياً، فالحملة الأمريكية على العراق قد تم فهمها من اول يوم انها دلالة على الالتزام الامريكي الطويل المدى لفعل كل ما يلزم، وعلى البقاء في الجوار طويلاً طالما كان ذلك ضروري.

ولم يكن احد غير مارتن انديك-السفير السابق للولايات المتحدة في اسرائيل- الذي طرح منذ زمن بعيد، (فكرة فرض وصاية امريكية على مناطق السلطة الفلسطينية اذا ما تبين لها ان الفلسطينيين غير نا ضجين للحكم الذاتي).

مثل هذا الترتيب يقتضي القيام بعملية عسكرية أمريكية تفرض وجوداً أمريكياً على طول الحدود الاسرائيلية مع المناطق الفلسطينية).

ويقول راسمو السياسة الامريكية الأساسية لادارة الرئيس بوش أن الولايات المتحدة تخطط للبقاء عشر سنوات أو أكثر في المنطقة إذا لزم الأمر.

وفي معرض حديثه في ملتقى شبه مغلق خلال زيارته لاسرائيل قبل أشهر قليلة أشار "بيل كريستول" وهو أحد المحافظين الجدد الأشد تأثيراً في الولايات المتحدة: إن الوجود الأمريكي في اوروبا امتد لستين عاماً تقريباً، والاسرائيليون الذين يسعون لأداء دور لحلف الناتو في المنطقة هم بصورة أو بأخرى يشكلون جيلا ممتداً للوجود الأمريكي الطويل المدى.

نخبان للديموقراطية

إيمان الولايات المتحدة بأن الديموقراطية هي النظام الأكثر أمانا والأكثر عدالة على الأطلاق لأي حكومة قامت، وبالتالي فهي النظام الأكثر أفضلية لأية زاوية من العالم، قادها (هذا الايمان) الى فرض أول تجربة "للديموقراطية" بالشرق الأوسط داخل العراق  بعد تحريره من نير الحكم المظلم لصدام حسين (كما يراه هاليفي) ومن وجهة نظر واشنطن نجحت التجربة، فقوات حرب العصابات من الأقلية السنية التي حكمت البلاد منذ أن تأسس العراق الحديث بعد الحرب العالمية الاولى كانت غير قادرة على منع هذه العملية، حيث خرج ملايين العراقيين للإنتخابات، وصوتوا لمرشحي المجلس التأسيسي.

وما حدث خلال الممارسة أن المجموعات الاثنية الدينية أحكمت السيطرة على العملية الديموقراطية، وعكست مخرجات هذه الانتخابات التوازن العددي لهذه القوى بعيداً عن الأقلية السنية التي قاطع البعض منها الانتخابات بينما لم يتجه الآخرون  الى صناديق الاقتراع خوفاً أو اشمئزازاً من نظام أنهى مؤخرا حكمهم للبلاد.

إن إجراء مثل هذه الانتخابات في كل اقطار الخليج (الفارسي) سوف يقوض  اسس الحكومات الحالية لانه في كل دولة تقريبا قد اصبح السكان الأصليون أقلية.

وبالنسبه للعربية السعودية فان اجراء انتخابات حره ونزيهة سوف يضع الشيعة من سكان البلاد في قلب العملية السياسية في وضع لا احد يعرف فيه عدد هؤلاء الشيعة في البلاد، حيث لم تتم أية احصائيه للسكان على مدى سنين طويلة.

وقليل من الاقطار في الجزء الذي تقع فيه اسرائيل من هذا العالم قد نجحت في تشكيل هوية وطنية قادرة على تجاوز القبيلة المحلية او الولاء الطائفي، غير أن مصر خير مثال على البلد الذي حقق نجاحاُ في هذا المجال، وكذلك الاردن تحت حكم الملك حسين ونجله الملك عبد الله الذي نجح في تحقيق "الاردنة" وفي ظروف شديده الصعوبة حيث الكثير من المواطنين الاردنيين هم من اصول فلسطينية، وقد اندمجوا بالكامل في هذا البلد، ولم يعد يشغلهم حلم العودة لموطنهم القديم خلف النهر, لكن في اقطار اخرى بالمنطقة، ثمة محاولة "للدمقرطة" على الطريقة العراقية، سوف تنقل السلطة الى ايدي العناصر الدينية القبلية , بينما في اخرى سوف تسقط الانظمة المصنفة الى جانب الولايات المتحده او مع الغرب عموماُ.

ان الحملة الدولية ومعها الصراع الذي تخوضه كل دولة اسلامية ضد الاصوليين الاسلاميين الارهابيين في اوجهما، لكن ثمة شك وبنسبة عالية ان كسوة بلدان الشرق الاوسط بالزي الديمقراطي في ظل الظروف التي وصفتها مسبقاُ سوف تساعدها في معركتها المصيرية أمام تنظيم القاعدة و الجماعات المثيلة.

ومن سخرية القدر أن يعتبرالبلد الذي تقام فيه الانتخابات الاكثر حرية وشمولاُ- وأتحدث بصوره نسبية بالطبع- انه الاكثر خطورة على السلام في المنطقة - وفي ذلك حق- والى حد ما على السلام في العالم.

وايران التي تتحول لدولة نووية ليست ديمقراطية على النموذج الامريكي لسبب واحد ان رجال الدين المتطرفين الذين يحكمون البلاد حقيقة وبكل صراحة هم الذين يحددون المرشحين للانتخابات بالتغاضي عن ان الصراع قادم بين العناصر المحافظة التي تمسك بزمام الامور وبين الاغلبية المعتدلة التي ترغب في اطلاق الحريات.

لقد أصبح  الحصار الدولي لايران-أخيراً- اكثر احكاماً، والرأي العام العالمي حول هذه القضية يقوده-على غير العادة- ثلاثي غير متآلف، مكون من بريطانيا وفرنسا والمانيا وبدعم رسمي من الولايات المتحدة.

ومن وجهات نظر مختلفة هذه هي التجربة الاكثر أهمية واثارة والتي تحتل مكاناً اليوم، كما هو واضح أن ايران تحاول أن تجنب نفسها هذا الضغط الدولي مستخدمة اساليب مختلفة من الخداع لاخفاء الحقيقة وتضليل اؤلئك الذين يتفاوضون معها حول برنامجها النووي.

وايران لا تستطيع أن تسمح لنفسها –ظاهرياً- بالخسارة في هذا الصراع غير ان القادة الاوروبيين في الوقت نفسه لا يمكن أن يسمحوا لانفسهم بأن يستغلوا وينظر اليهم كالمعتوهين القرويين، وتحت أي ظرف فان الولايات المتحدة سوف لن تتبع المسار الاوروبي إذا ما حاول الهروب نحو الأهداب. واسرائيل من جانبها كذلك لا تستطيع أن تأمل فيما هو افضل من هذا التجمع من اللاعبين، ومن هذه الظروف للحملة السياسية التي تأخذ طريقها فيما يتعلق بمشروع ايران النووي .

ان الحملة ضد ذلك المشروع تاخذ مكانها في ظروف اقليمية ليست في صالح ايران، فشريكها السوري قد تم اقتياده من قبل قائد ليس عنيفاً ولا عنيداً ، وحزب الله ذراعه المتقدمة في لبنان، واقع تحت مطرقة الضغط الدولي لنزع اسلحته، و الوجود العسكري الامريكي الكائن في العراق غرباً وفي افغانستان شرقاً يصعد مخاطر العزلة الاقليمية التي طالما خشيتها ايران. ومن زاويه اخرى فان ايران تستفيد من سقوط نظام حكم صدام حسين الذي اجبر طهران على وقف اطلاق النار بعد حربها التي تواصلت ثمانية اعوام من 1980-1988 وهي الحرب التي اطلقتها بعد طرد الشاه ومجيء عصر الخميني، غير ان العزاء الذي شعرت به ايران بعد سقوط نظام صدام حسين بدأ يتلاشى حينما تبين لطهران أن الاغلبية الشيعية التي تمسك بزمام القوة في بغداد لا تنوي الانصياع لها.

وفي ضوء الوزن المتراكم لكل التطورات التي ذكرت، من الممكن أن تكون المفاجأة المفضلة خلال الاعوام القادمة لا شيء سوى الادانة لايران وتحييد الخطر الذي تشكله لاسرائيل ودون ان تتمكن اسرائيل من مواجهة ما تعتبره بحق احتمالاُ لتهديد وجودي مباشر.

ضاع في خارطة الطريق

 قطاع آخر في المشهد السياسي المتصاعد منذ قامت أمريكا (بتحرير) العراق قبل عامين وهو الصراع بين اسرائيل والفلسطينيين، والمواجهة التي ما تزال قائمة بين اسرائيل وأجزاء من العالم العربي، وكان أول من اعترف أمام الملأ بالارتباط الكائن ما بين الحقيقة الاقليمية الأكثر اتساعاً وما بين الترتيب العربي هو ولي العهد السعودي الأمير عبد الله الذي كشف عن مبادرته المشهورة في ربيع 2002 خلال حديثه مع توماس فريدمان من صحيفة نيويورك تايمز.

أما الحقيقة الصارخة فهي ان تصرف ولي العهد السعودي الذي جاء مخالفاً لكل التردد التقليدي للأنظمة العربية- باتخاذه مبادرة، وإلا يصبح متورطاً في الصراع الفلسطيني، يدلل على ان طوفان التغيير قد وقع في الفهم ا لسعودي بأن هناك ترابطاً أو صلة ما بين صراعنا في المنطقة وما بين المحيط الأكبر من حولنا.

وبعد ذلك في سلسلة من الخطوات العملية ألقت العربية السعودية بثقلها الضاغط على الرئيس الفلسطيني (المغفور له) ياسر عرفات، وكانت اللآعب الرئيسي في اجبار عرفات على القبول بقرارات كان غير راضٍ عنها سواء خلال حصاره الأول بالمقاطعة، أو خلال حصار كنيسة المهد في بيت لحم.

فمن وجهة نظر الأمير السعودي أن تصاعد التوتر والعنف والعداوة في صراعنا، له من عمق التأثير ما يعزز شوكة المتطرفين في بلاده وعلى امتداد العالم العربي، وبالتالي فان المصلحة العربية الملحة والشاملة تكمن في تقصير ألسنة اللهب التي أججها ياسر عرفات بكل ما أوتي من قوة، ثم ظهر لاسرائيل حلفاء محتملون جدد في العالم العربي في موازاة مصر والاردن اللتين أبرمت معها اسرائيل سلاماً ذا مستويات متفاوتة من الدفء.

وفي تلك الفترة اجتهدت اسرائيل في وضع تصور لمبادرة خاصة بها لتجاري الولايات المتحدة وبقية العالم من ان تغييراً ينبغي ان يحدث[1] fomented في القيادة الفلسطينية، وفي هيكل السلطة الفلسطينية لتجد اسرائيل شريكاً حقيقياً يمكن ان تجري مفاوضات معه تؤدي لقيام دولة فلسطينية بحدود مؤقتة Temporary.

وفي حزيران من عام 2002 – وقبل حدوث حرب العراق بأقل من سنة، تبنى الرئيس بوش  في خطابه الشهير في البيت الأبيض- الفكرة ذاتها، وبدعم من معظم دول أوروبا وآسيا وكثير من

الأقطار العربية في الشرق الأوسط، ولكن في الفترة ما بين حزيران 2002 ومارس 2003، انحرفت النيّة الأساسية بعيداً، وبدأت استحقاقات متعددة في الظهور لما عرف بخارطة الطريق، التي كانت تهدف –ظاهريا- لتحويل سياسة الرئيس بوش الى مراحل عملية كما وردت في حزيران 2002 .

لقد رأى المخططون إحداث تعديل على سياسة الرئيس بوش لجعلها متوازنة، لأن اعلانه في حزيران من عام 2002 كان منحازاً كثيراً لجانب اسرائيل, وكانت النتيجة ان خارطة الطريق أحدثت تغييراً أساسياً في الخطة الأصلية.

واعتبرت بنود خارطة الطريق سلبية negative من وجهة نظر اسرائيل، لدرجة ان رئيس الوزراء شارون حظر مناقشة تفاصيلها مع مسؤولين أجانب خوفاً من أن تصبح وثيقة صالحة لأية أغراض تفاوضية، وعملياً لم تتحدث اسرائيل إلا القليل عن خارطة الطريق، فقد كانت حملة انتخابات تأخذ طريقها، وكان دفاع المسؤولين الاسرائيليين أن الحكومة الانتقالية غير مخولة لاتخاذ قرارات من الدرجة العليا مثل تلك المتعلقة بخارطة الطريق.

أما الحقيقة فهي ان اسرائيل راحت في غفوة فوق ساعتها (خلال انتظارها) فقد أخذتها المفاجأة بالكامل، عندما قرر الرئيس بوش تبني خارطة الطريق كتعبير عن سياسته، وقبل اسبوع واحد فقط من زحفه ضد صدام حسين، وبعد هذه الحرب انتخب محمود عباس رئيساً للوزراء في السلطة الفلسطينية، ولم يمض وقت طويل بعد ذلـك حتـى أذعـن شارون أمام طلــب أمريكــا الحازم بالحضور الى أمريكا وتبنى خارطة الطريق. وتبع مجلس الوزراء الخطوة لكن بعد اضافة أربعة عشر تحفظاً ليس لها على الاطلاق أية شرعية دولية أو دبلوماسية، ولا أدري ما الذي دفع لهذه القفزة في سياسة الرئيس بوش، وربما جزء من السبب هو التعامل مع الحقيقة القائلة ان هناك صلة على المستوى الدولي قد حدثت ما بين صراعنا وما بين المحيط الاقليمي والدولي الأكثر اتساعاً، وهكذا فان جوهر الخطوة السعودية التي حدت بالأمير السعودي ان يطلق مبادرته قد أعطت ثمارها.

والسؤال ما الذي الزمت به اسرائيل نفسها في خارطة الطريق؟

لقد أعطت موافقتها على خطة تهدف للوصول الى حل دائم للصراع كما ألزمت نفسها بجدول زمني مدته ثلاث سنوات للوصول الى ذلك الحل، ولم يمض وقت طويل ونحن نتحدث عن حل مؤقت حتى جاءت قيادة جديدة للسلطة الفلسطينية، وحدود مؤقتة وحل المراحل الطويلة، ولكن تبعاً لنص البند الثالث من خارطة الطريق:-

"تصل الأطراف لوضع اتفاقية نهائية وشاملة ودائمة تنهي الصراع الفلسطيني الاسرائيلي في عام 2005 من خلال تسوية يتم التفاوض عليها بناء على قرارات الأمم المتحدة 242، 338، 1397 تنهي الاحتلال الذي وقع عام 1967، كما تتضمن حلاً واقعياً ملائماً وعادلاً متفقاً عليه لقضية اللاجئين وقرارا يجري التفاوض عليه في مسألة القدس على ان يأخذ في الاعتبار المصالح السياسية والدينية لكلا الطرفين (وهذا يعني اقرار اسرائيل بأن الفلسطينيين لهم موطئ قدم سياسي في القدس) ويحمى المصالح الدينية لليهود والمسيحيين والمسلمين في أنحاء العالم ويحقق رؤية الدولتين اسرائيل ودولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة وديمقراطية وقابلة للحياة تعيشان جنباً الى جنب في أمن وسلام".

وكما اشرت فالتحفظات الاسرائيلية الأربعة عشر التي تشترط موافقتها، ليس لها ولن يقدر لها أن تملك أية مشروعية، وعند أي طارئ ولأي جهة تقدم الولايات المتحدة هذه الوثيقة الاسرائيلية لن يتم الاعتراف بتحفظاتها وبالتالي تبنيها، وقد توقف رئيس الوزراء مؤخراً عن ذكرها، مستوعباً انها غير واردة.

مخرج خطة الفصل

ليس من قبيل الصدفة ان رئيس الوزراء قد بحث عن طريقة للالتفاف على خارطة الطريق، وعندما أعلن عن خطة الفصل راح يؤكد أنها منفصلة ولا علاقة لها بخارطة الطريق، وليست خطوة في الطريق اليها.

والمشكلة ان رئيس الوزراء عندما يقابل الرئيس بوش يقوم بمفاوضات جدية معه حول بعض جوانب الصراع ويحصل منه على رسالة ضمان للتجمعات الاستيطانية خلال اطار العمل بالتسوية النهائية، وتصريح حول حل لمشكلة اللاجئين.

كانت هذه هي البداية الفعالة للتفاوض على حل دائم، وأمام الزام الرئيس بوش نفسه برسالة الضمانات قدمت له اسرائيل  التزاماً احادي الجانب بانجاز خطوات عاجلة لفك البؤر الاستيطاينة التي اقيمت بعد (مارس) آذار 2001م.

وظهرت هذه الفقرة في خارطة الطريق ضمن سلسلة الالتزامات المتبادلة بين الطرفين، وبالتالي تلك هي التزامات منفصلة وغير مشروطة، من ا سرائيل للولايات المتحدة وليست للفلسطينيين، أما الوفاء بها فيجب ان يكون فورياً.

التطور الخاص هنا يعكس الاختلاف الجوهري الذي طرأ على الفهم الاسرائيلي لحل الصراع وخطواته. إنها لم تعد مسألة مفاوضات بين الأطراف لأنه ليس هناك شريك، وأبو مازن مسألة مقلقة، ولا يقوم بما عليه طبقاً للبند الأول في خارطة الطريق، ويمضي الرئيس بوش بكل جدية في تطبيق خارطة الطريق والتي يراها أداة مهمة لتبرير سياسته.

عملية المفاوضات الأمريكية الاسرائيلية في أول الأمر بدت كما لو كانت ستخلق نقطة بداية مريحة لاسرائيل، كما بدت كما لو كانت ستقدم لاسرائيل انجازات في علاقتها مع الولايات المتحدة فيما يتعلق بمختلف ملامح الحل الدائم، لكنها جعلت المفاوضات بين الجانبين ترفاً زائداً، فقد أصبحت الولايات المتحدة الوسيط المقرر في جميع المسائل المتعلقة بالصراع، وسوف يستحيل على اسرائيل في المستقبل ممارسة ضغط على الفلسطينيين فيما يتعلق بالموضوعات التي يتبنى فيها الأمريكيون وجهة النظر الفلسطينية, كذلك الافتراض القائل ان الولايات المتحدة سوف ترفض في كل مرة الاجراءات المصرية أو السعودية أو الفلسطينية المرفوضة من قبل اسرائيل أمر يحتاج الى دليل.

واذا ما وقعت تطورات في المنطقة تؤثر سلباً على وضع الولايات المتحدة والى الحد الذي يقتضي ان تكافئ قطراً عربياً، أو إذا ما طلب من الولايات المتحدة ان تتدخل في العربية السعودية أو في النظام الشمالي وشعرت ان عليها ان تبرهن أنها غير معادية للعالم العربي فثمة فقرات في خارطة الطريق ستجعل من الممكن لواشنطن قبول دور عربي خاص، دون التخلي عن خارطة الطريق.

ان الحكم النهائي والموجز حول تطبيق خارطة الطريق بين الأطراف متوقف كلياً على "الرباعية" (الولايات المتحدة، روسيا، الاتحاد الأوروبي، الأمم المتحدة) وقد أقرت اسرائيل بالتالي ان تجعل لهؤلاء الكلمة الأخيرة لكن ما يطفو على السطح الآن ان الولايات المتحدة واسرائيل تعدان خطة عمل "لحل مفروض" من أجل إنهاء الصراع. ولن يتأتى نتيجة المفاوضات بين جميع الأطراف، وانما نتيجة مفاوضات كل طرف على حده مع الولايات المتحدة، وسيبذل الرئيس بوش كل طاقته لاكتمال هذا العمل قبل أن يترك مكتب ا لرئاسة مع نهاية عام 2008 ويحتمل كذلك ان يميل قادة اسرائيل الحاليين الى ابرام صفقة حل نهائي معتقدين استناداً لماضيهم المعروف وخبراتهم الفائقة، انهم يتحملون المسؤولية التاريخية لانهاء الصراع اسهاماً منهم في خدمة الأجيال القادمة.

وكل شيء سوف يتقرر طبقاً لخارطة الطريق وستعتمد مشروعية الحل الدائم بشكل رئيسي على من يمتلك القوة وعلى الوجود العسكري الأمريكي في المنطقة, أما التسوية "المفروضة" فسيتم تثبيتها في واحدة من أ دنى اللحظات استقراراً في دول الجوار من حولنا، وبالتالي فان الدائرة التي تربط الوضع الدولي العام بصراعنا سوف تغلق, وعملية فك الارتباط سوف تكون أول الحلقات في سلسلة رسم الحدود النهائية الاسرائيلية، والتتابع سوف يتقرر في السنوات الثلاث القادمة، ليس من خلال ميزان القوة فقط بين اسرائيل وجيرانها، بل وكذلك من خلال مخرجات "حملات أخرى قادمة" على المنطقة، هذا هو التصور الذي من خلاله سوف يتقرر مصيرنا في السنوات القادمة