نشرة دورية تعني بالترجمة عن الصحف والمجلات العالمية

نشرة مترجمة لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر التوجيه السياسي

تصدر عن هيئة التوجيه السياسي والوطني

تجزئة الأرض .. أسرار وأكاذيب

مقابلة مع ايهود باراك

أجراها آري شافيت

وعرضها عاموس بيدرمان

هآرتس 20 مايو 2005

ترجمة: نصير أبو حجلة

 يقول باراك في هذه المقابلة:

 "إن شارون يقود الأمة نحو طريق مجهول وان الانسحاب من غزة لن يضمن مستقبل المستوطنات الكبرى في الضفة الغربية.

وعلى العكس من حسابات شارون "لم توافق أمريكا على مثل هذه الترتيبات " أو ما يسمى ضمانات بوش , وهذه الأكاذيب الخطيرة –كما يراها رئيس الوزراء الأسبق- قابلة لأن تؤدي الى تفجير "دورة أخرى من نزيف الدماء الرهيب"

هذه المقابلة هي الأولى ضمن سلسلة مقالات سوف تتبع فك الارتباط على امتداد الشهور الستة القادمة، وعنوان هذه السلسلة هو تجزئة الأرض Dividing the land، كما انه نفس عنوان كتاب لآري شافيت المعد للطبع بالعبرية الشهر القادم.

·          يقول شافيت إنه لم يذهب لمقابلة باراك لأنه عاد الى السياسة، أو لكونه يجري بسرعة لامتطاء رئاسة حزب العمل، وليس لأن عودته تعثرت ثم عادت الى التسارع حتى أصبحت موضوع تحد لعمير بيرتس، إنما الغاية من هذا اللقاء ان باراك منذ عام ونصف العام يحاول ان يخبرنا بأن خطة الفصل خرق كبير لكننا لم نعطه اذناً صاغية.

·          ايهود باراك كما يقول شافيت شخصية جديرة بالاصغاء، وقلة من الاسرائيليين يرون المنزلق التاريخي الذي سنجد فيه أنفسنا أمام الحقيقة القاسية التي يراها باراك.

 

بعد مقدمة تصف مكتب ايهود باراك في تل أبيب ومحتوياته وأشخاصه تبدأ الأسئلة:

س – ايهود باراك خطة الفصل تزداد اقتراباً وكنت في الماضي ناقداً لها، فهل تغيرت وجهة نظرك؟

ج – خطة الفصل خطوة مهمة في الاتجاه الصحيح لكنها مجتزأة ومترددة، على المرء ان يؤيدها لكن عليه أن يفهم ايضاً أنها بدون مردود.

إنها الصفحة الأولى في كتاب يضم اعداداً كبيرة من الفصول بعضها في غاية الوعورة والقسوة.

س – منذ شهور ونحن نسأل أنفسنا: ما الذي سيحدث في اليوم الذي سيتم فيه الانسحاب. دعني أوجه اليك السؤال نفسه؟

ج – في اليوم الذي سيعقب الانسحاب سوف نكون عرضة لمواجهة بعض التقديرات التي وصفها لنا رئيس الأركان السابق موشى يعلون ورئيس المخابرات المتقاعد (الشين بيت) آفي ديختر.

كم أتمنى ان نجد في الزعيم الفلسطيني أبو مازن الشخص الذي يمتلك القوة لتفكيك بنية الارهاب واجراء التفاوض. لكن من المحتمل ان نجد حماس وقد ازدادت قوة وان نجد الارهاب عقب بضعة أشهر وقد عاد الى يهودا والسامرة، وربما الى قطاع غزة, وهذا الارهاب قابل لأن يصل حتى الى داخل اسرائيل.

س – اذا كان الأمر كذلك، واذا كان الجناح اليميني على حق، فلماذا لا تجعل صوتك عالياً بالتحذير؟ لماذا لا تقف على مدخل البوابة وتعلن بكل وضوح أننا على شفا كارثة؟

ج – اعتقد ان رئيس الوزراء يستحق الثناء على القرار الذي اتخذه للتصرف على عكس ما دأب عليه طيلة حياته. ومع ذلك فان خطة الفصل هي بالفعل غلطة العمر باعتراف شارون نفسه. ومن الخير أن تمضي في الاتجاه الصحيح على أن تجلس دون أن تفعل شيئاً. لكن ينبغي ان يقال بكل أمانة أن أطراف اليمين على حق، وبعض توقعات عوزي لينداو قد تحققت.

الفلسطينيون سوف يصورون إقدامنا على خطة الفصل انتصاراً لهم، ولسوف يقولون إن شارون قد هزم. وفوق هذا ورد على لسان شارون منذ ثلاث سنوات خلت ان مستوطنات غزة (نتساريم وكفار داروم) مثل كيبوتس "نقبه" وتل أبيب في الأهمية، فما الذي حدث منذ ذلك الحين؟. إنه الارهاب.

ولهذا سوف يقولون: علينا ان نستخدم الارهاب في الضفة الغربية ومن الضفة الغربية، ويجب أن يتجدد العنف ثانية وبأعلى مستوى لأن شارون في آخر الأمر –وبالرغم من كل تصريحاته –لا يفهم إلا لغة القوة وحدها. فلقد أذعن شارون للارهاب.

س – هل يحظى شارون بتقدير عالٍ لديك؟ هل ترى فيه خصائص لا تتمتع بها؟

ج – ربما، لا أفكر بهذه الطريقة، لكنْ هناك رأيٌ سبق هذه النتيجة وليس التعليق على لساني شخصياً.

س – دعنا نرجع لشارون، ما هي أبرز صفاته كرجل سياسية؟

ج – "إنه يقضم أكثر مما يستطيع أن يمضغ"، لديه عينان كبيرتان لكنه يفتقر الى القدرة على رؤية الحقيقة كما هي، وهناك سبب لكل هذا التسرع Shortcut. ولذا فان كل غلطة محتملة تقع قبل الوصول الى القرار السليم الذي أمكن تقديره منذ البداية.

س – أعطني مثالاً آخر من فضلك؟

ج – "خذ حرب لبنان مثلاً". أنْ تدخل لبنان لـ 72 ساعة لتوجيه ضربة الى الارهاب أمر مشروع وأن تستعرض عضلاتك على السوريين مرة كل عشرين عاماً أمر مشروع. لكن خطة شارون الكبرى كانت ملهاة. Fantasy

وتماماً كما هي الحالة الآن لم تكن هناك مناقشة لأهداف ذلك التحرك في حينه، كانت وقتها الصحافة صامته كما هي الآن. أما الشعب فقد مضى في مغامرة دفعنا ثمنها 650 قتيلاً من أبنائنا بدون أي تفكير جاد أو استراتيجية منهجية (مبرمجة).

س – مثال آخر؟

ج – خذ الخطيئة الأساسية للمستوطنات، هل سألت نفسك مرة من أين جاءت؟

في كامب ديفيد لم يتخل رئيس الوزراء مناحيم بيغن عن سيناء كلها فقط، بل اعترف بالحقوق الشرعية للفلسطينيين كذلك، والعالم قاطبة يفهم ان الحقوق المشروعة للفلسطينيين تتضمن حق تقرير المصير. وحق تقرير المصير يعني قيام الدولة. ولكن على الفور عمل بيغن على منع نتائج الوثيقة التي وقع عليها بنفسه ولهذا السبب أرسل وزير الداخلية يوسف بورغ  للبدء في مفاوضات الحكم الذاتي، وأرسل في الوقت نفسه شارون لبناء ا لكثير من "ايلون موريه" بمعنى الكثير من المستوطنات.

كانت خطة شارون نشر العديد من المستوطنات فوق أماكن عدة في يهودا والسامرة حتى لا يعود في الامكان قيام دولة فلسطينية. لكن الخطة كانت تصرفاً غبياً وبعيداً عن تقوية الكتل الاستيطانية الكبيرة التي كانت ضرورية في واقع الأمر. جاءت مستوطنات شارون المنعزلة إضعافاً لها، وتلك المستوطنات المنعزلة نموذج تقليدي كلاسيكي لحالة "القضم اكثر من القدرة على المضغ". وكما أخبرتك لا وجود لاستراتيجية وما من قراءة متعمقة لخارطة الطريق.

التكتيكات مدهشة لكنها تقود إلى نهاية خاوية.

س – وخطة الفصل هل تقود الى نهاية خاوية كذلك؟

ج - ما سيحدث بعد خطة الفصل ان أبو مازن سوف يحاول ابتزاز المزيد من التنازلات ومحاصرة شارون، سيقول  الفلسطينيون إنهم جاهزون في الحال للدخول في مفاوضات الوضع النهائي، وأن شارون هو الذي يرفض. وللخروج من هذا الفخ سوف يعرض شارون التخلي عن مستوطنات أخرى.

ربما تكون مستوطنات وادي الاردن، وربما تكون أربع أو سبع أو عشر مستوطنات منعزلة. غير أن ذلك التنازل لن يكون كافياً للفلسطينيين، ولهذا وبعد وقت سوف تتجمد الأمور ولن يحدث تقدم. ومن ثم يتجدد العنف.

ولن يجلب العنف العالم الى صفنا بل على العكس، وفي مرحلة ما سوف نفقد دعم المجموعة الدولية، في البداية سنلقى تأييداً من الولايات المتحدة، لكن بعد وقت سيتقلص دعمها وستجد اسرائيل نفسها معزولة، كما ستظهر تصدعات داخلية في المجتمع الاسرائيلي. وعندها فقط وحالما لا يكون أمامنا خيار، ستفعل اسرائيل ما كان يجب أن يُعمل منذ البداية, وبانعدام البديل ستفعل اسرائيل ما كان ينبغي أن تفعله من خلال التفكير البعيد.

س – ماذا يجب على اسرائيل ان تفعل؟ ماذا ستفعل اسرائيل لو كان ايهود باراك رئيساً للوزراء؟

ج – خمسة أشياء: أولاً إتمام السياج الفاصل من خلال مشروع طوارئ وطني يكتمل ضمن أشهر قليلة.

وثانياً: اخلاء المستوطنات المنعزلة شرق ا لسياج ضمن خطة اخلاء شاملة تتم في بحر عامين أو ثلاثة. على ان يتزامن ذلك مع شن غارات خارجية شرق السياج على الارهاب وفي موازاة ذلك تُبقى اسرائيل الباب مفتوحاً لمعاودة مفاوضات العملية السياسية.

وان تقترح اسرائيل على المجموعة الدولية ان تعطي لنفسها السيطرة على المناطق الفلسطينية من أجل تقديم العون للسلطة الفلسطينية في تهيئة نفسها لاقامة الدولة الفلسطينية.

س – الشيء الرئيسي بالنسبة لك هو السياج، أنت تعطي أهمية كبرى للسياج، ألا ترى أنك تبالغ؟

ج – سوف أعود بك ثلاثة أعوام الى الوراء. كان بالامكان بناء الجدار على نفس المسار الحالي ليس بدعم أمريكي فقط وإنما بتمويل أمريكي ايضاَ. لو كنا بنينا الجدار في ذلك الحين لاشتمل على ارئيل ومعالي ادوميم وأية منطقة أخرى ضرورية لاسرائيل، ولكان توفر لدينا خمسة وثلاثون بليون شيكل أتلفت على "اللاشيء" في تلك السنوات الثلاث، ولو بنيناه في ذلك الحين ما كنا دفنا المئات من الناس الذين قتلوا في تلك السنوات.

ذلك هو شارون. وذلك بالضبط ما قلته لك عن شارون "يقضم أكثر مما بامكانه ان يمضغ" ولا يفعل في الوقت المناسب ما ينبغي أن يُعمل، ثم يعود ليفعله متأخراً وبطريقة دريئة وبثمن باهظ, وفي تقديري ان شارون فقد ارئيل وقدوميم، وهو على وشك أن يفقد معالي أدوميم كذلك. والخمسة وثلاثين بليون شيكل التي قد ضاعت في المجاري، والمئات من أبناء الشعب جرى دفنهم.

س – أراك لا تتحدث كعادتك فأنت تبدو غاضباً.

ج – أنا لا أفهم ذلك. حتى الآن لا أفهم ذلك، والناس في هذا البلد لا يعرفون أن 60% من هذا السياج لم يقم بعد، وعندما يعود الارهابيون للضرب ثانية في بئر السبع وفي كريات جات وعسقلان وتل أبيب ماذا سنقول لأنفسنا؟ وأي جواب أمين سوف نقدمه لأنفسنا؟ وفوق كل شيء في أشهر قليلة سيعود الانتحاريون قادرين على التسرب داخل المدن الاسرائيلية من خلال المقاطع التي لم يجر بناؤها، فماذا نحن قائلون عندئذ؟ وماذا ستقول الحكومة؟

ولهذا أنا أدعو الآن لخطة طوارئ وطنية تنفذ على الفور. وان يجري العمل في الجدار 24 ساعة في اليوم، وان يتم بناؤه ولو وقع صدام مع الأوروبيين، وحتى مع الأمريكان وبمظلة يجب أن يتم بناء الجدار (ربما تكون الكلمة sukkot عبرية بمعنى مظلة أو الكلمة العربية بمعنى صمت.

س – ذلك تقدير متشائم جداً، هل أصبحت مفرطاً في التشاؤم؟

ج – اسرائيل دولة قوية جداً. إنها الأقوى في دائرة نصف قطرها الف وخمسمائة كيلومتر من القدس، واعتقد أننا في بحر سنوات عشر نستطيع ان نكون في طليعة الدول التي تتزعم العالم.

واذا ما أقدمنا على خطة الفصل كاملة وانتهينا الى حدود واضحة، فسوف يحدث انفجار هائل لكل الطاقة الكامنة هنا. والى ان يقع ذلك علينا ان نتصرف كأمة راشدة تفعل ما تريد، ونبدي نظرة معتدلة تجاه الحقيقة السائدة.

ليس هذا هو الموقف في اللحظة الحاضرة، فشارون يسلك كما لو كنا أمة قليلة الشأن غير قادرة على التكيف مع الواقع، وغير قادرة على اتخاذ القرار السليم دون ارتكاب أخطاء عدة, لذا فهو يقودنا لحلقة مفرغة.

يقول ان العرب لا يقبلون بوجود اسرائيل وهذا حقيقة، ويقول من واجبنا التعامل مع الارهاب وبنيته التحتية وتلك حقيقة أيضاً. لكنه يعود ليقول إن الوقائع على الأرض سوف تقرر الحقيقة، وهذا ليس حقيقة، حيث تثبت نشاطاته الذاتية أنها ليست الحقيقة.

يقول انه حصل على تعهد من الادارة الأمريكية بدعم الكتل الاستيطانية الكبيرة في يهودا والسامرة بأن تبقى ضمن السيطرة الاسرائيلية.  وهذا غير صحيح، والحقيقة أن هذه ليست الصورة  القائمة، إنه تضليل متعمد للجماهير.

س – هل تعني ان أرئيل شارون يخدع الجمهور الاسرائيلي؟

ج – ثمة حملة تشق طريقها هنا، وجوهرها يقوم على تضليل الأمة فيما يتعلق بقضايا وجودية، وذلك لمنعها من السؤال ماذا سيكون "العائد" لخطة الفصل هذه؟

ادعاء شارون انه اتخذ قرارات مؤلمة في غزة، وبالمقابل حصل على انجاز غير مسبوق في يهودا والسامرة "غير صحيح" ومثل هذا الادعاء لا يمكن ان يقال في بلد ذي معارضة نشطة وصحافة حرة. ومن الجلي بعد كل شيء ان الادارة الأمريكية ضد كتلة ارئيل-قدوميم وضد معاليه أدوميم بل وحتى ضد "افرات" في كتلة غوش عتصيون، لكن شارون لا يقول الحقيقة للشعب.

إنه يعاملنا جميعاً كما لو كنا أطفالاً أو غير قادرين على مناقشة مصيرنا.

س – انك تثير قضية تتعلق بقيمة اعلان بوش (رسالة الضمانات). لكنك تذهب أبعد من ذلك، أين موقع الزلل  الذي تراه في تصور شارون الكلي؟

ج – المشكلة ان شارون يحاول القفز من فوق الهاوية "بمجرد قفزتين"، وهذا غير ممكن. مرة أخرى: يقضم أكثر مما يستطيع ان يمضغ وبالتالي لن يمضغ شيئاً.

الحقيقة ان لا فرصة لامتداد حدود الدولة شرق الجدار. في أحسن الأحوال ستكون لنا السيطرة على خط  الجدار، لكن شارون غير قادر على الاعتراف بهذه الحقيقة.

ليست لديه الشجاعة للذهاب الى المستوطنين واخبارهم انه كان من الغباء اقامة مستوطنات منعزلة، وبسبب هذا، بسبب كونه لا يجروء على قول الحقيقة عن المستوطنات المنعزلة، فانة يخسر الكتل الكبيرة كذلك.

وبسبب عدم فعله ما كان صحيحاً وثابتاً فانه يقودنا بالتالي نحو خداع النفس. هو يقول أن لخطة الفصل "مقابل" وحتى ذلك غير موجود. احسبها انت لنفسك، ليس هناك "مقابل". إنه مجرد تلاعب Manipulation .

س – هذه مزاعم قاسية

ج – ليست اتهاماتي هي القاسية وانما الوضع هو القاسي. ولكن لعدم وجود معارضة فاعلة ولبقاء  الاعلام أخرس فان الشعب لا يتحدث عن الوضع كما هو في حقيقته بالفعل.

فما من تقارير حقيقية وما من نقاش حقيقي وما من رأي حقيقي، فكل شيء على ما يبدو قد جرى دفنه تحت الأغطية. كل شيء قد ترك في حالة تشويش وضباب.

س – لكن ربما يكون الضباب ايجابياً. لقد تعلمنا من كسينجر ان الغموض يمكن ان يكون خلاقاً.

ج – أحياناً يكون التعتيم مبرراً، واذا كان الغرض منه التستر على خيارات أو بدائل لمصلحة اسرائيل فذلك جيد، لكن ضباب شارون مختلف، اذ يقصد بالتعمية حجب الحقيقة وتجنب التكيف معها. ان ذلك شبيهاً بالجدار. ففي اللحظة التي يكتمل فيها الجدار سيصبح هناك خط فاصل، وعندما يقوم هذا الخط سيصبح معروفاً ما هو أمامه وما هو خلفه. وسيصبح معروفاً كذلك ان ما هو في الطرف الآخر من الجدار غير باقٍ، ولكي لا يصل شارون الى هذه اللحظة فانه يبقي الجدار مفتوحاً، وبهذا فانه يجعل اسرائيل تدفع ثمناً سياسياً واقتصادياً وأمنيا، وبالتالي فان غموضه غير خلاق. إنه غموض مدمر. إنه يمنعنا من تمييز الأشياء. إنه يمنعنا من السؤال بأمانة الى أين نمضي؟

س – اذاً دعني اسألك مرة أخرى الى أين نمضي؟

ج – خطة الفصل خطوة مجتزأة ومفتتة وأحادية وليس لها "مقابل" لكن في اليوم الذي تتم فيه , فان شارون لن يتحالف مع شمعون بيرس وحاييم رامون ولسوف يخلق ضجة كبرى.

لن يلجأ الى اليسار بل على العكس، سيذهب الى اليمين ليقول إن لعبة غزة قد انتهت، أظن اني كسبت وأنتم تظنون أني خسرت. حسناً دعونا نوحد الصفوف وسوف نحمي يهودا والسامرة ضد كلاب اليسار الصغيرة التي تريد التخلي عن كل شيء.

ما سيحدث عندئذ ان شارون سيجد نفسه حقيقة ضمن تحقق التوقعات التي اطلقها الشين بيت وجيش الدفاع. ان شارون يخدع الجمهور الاسرائيلي لكن لا يخدع الفلسطينيين الذين يعرفون انه لم يحصل على تعهد مؤكد من بوش.

من الواضح ان شارون لم يحصل على شيء "مقابل" وانما capitulated أذعن للارهاب. ولهذا فانهم سوف يلجأون لهذا الارهاب، وستكون هناك دورة أخرى للعنف وسنعود لدفن مئات أخرى من الناس خلال الانتفاضة الثالثة.

س – والى أين ستقود الانتفاضة الثالثة؟

ج – سنجد أنفسنا في وضع نشهد خلاله شركات كاملة من الجنود يحرسون بصورة دائمة جماعات المستوطنين المبعثرين في البؤر المتعددة من ايلون موريه (يعني المستوطنات المنعزلة) وعندئذ سيكون واضحاً لكل فرد أن مصير مستوطنات السامرة (براخا، تسهار وتفوح) لن يكون مختلفاً عن مستوطنات غزة (موراج وجاني).

وفي تلك اللحظة ستسأل الامهات ما الذي نصنعه هناك، ويسألن لماذا يقتل ابناؤهن.

حينها فقط حين تكون أوروبا ضدنا، وأمريكا ليست معنا، ووحدتنا الوطنية تتصدع، عندها سيتحمل شارون المسؤولية. سيتكشف له الضوء فجأة، وسيرى ان كل من له عيون في رأسه يستطيع ان يفهم الآن، لكن ذلك سيأتي بعد أن يكون المئات قد قتلوا وبلايين الشواكل قد ضاعت، وانقسام داخلي قد وقع، ولم يعد بالامكان الاحتفاظ بالكتل الاستيطانية الكبرى طويلاً ضمن السيطرة الاسرائيلية.

وفي نهاية هذا الطريق المختصر سنجد أنفسنا مضطرين للانسحاب نحو خط أسوأ من الخط الذي نستطيع ان ننسحب نحوه الآن.

سنجد أنفسنا على خط شديد الالتصاق بالخط الأخضر.