نشرة دورية تعني بالترجمة عن الصحف والمجلات العالمية

نشرة مترجمة لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر التوجيه السياسي

تصدر عن هيئة التوجيه السياسي والوطني

الافتتاحية:

مشروع خلق الدولة

 

     فيما يلي تلخيص لتقريرين أُعدا في الولايات المتحدة الأمريكية لاستخدام صناع القرار السـياسي وللتأثـير في مواقف الأطراف المؤثرة حول الوضع الفلسطيني بعنوان

" مشروع خلق الدولة الفلسطينية".

من المفيد الإطلاع على هذا المشروع لأن له مكاناً حقيقياً لدى الإدارة الأمريكية، ومن المفيد أكثر ملاحظة التركيز الوارد فيه على خلق الدولة الفلسطينية واقعياً في اطار ما عرف بالدولة مؤقتة الحدود.

 تتضمن خارطة الطريق مفصلين على صانع القرار الفلسطيني التوقف عندهما ملياً:

الأول المتعلق باجتثاث البنى التحتية للإرهاب وما يعنيه من إمكانية كسر الزجاج في الإطار الوطني.

والثاني المتعلق بالدولة مؤقتة الحدود وما يعنيه من فتح الأبواب للاستيلاء على الضفة الغربية.

يلاحظ ان القوس الديموغرافي المقترح يستثني السفوح الغربية والمناطق الشرقية "الغور" ويلاحظ أن خط الجدار والمعابر التي تقام الآن يتفق مع هدف الدولة المؤقتة الحدود والذي هو في واقع الأمر جزء من خطة الحلول المرحلية الطويلة الأمد لشارون.

 

هيئة التحرير

فحوى التقريرين

  

     أنجزت مؤسسة ابحاث اميركية مرموقة وثيقة الصلة بالادارة الاميركية ومراكز القرار ما تصفه بمشروع "خلق" الدولة الفلسطينية. وأعدت هذه المؤسسة المشروع الذي هو محور اتصالات بين مسؤولين عرب كبار ونظراء اميركيين، كما ان الرئيس الاميركي جورج دبليو بوش اطلع عليه رئيس الوزراء البريطاني توني بلير، ونال قدرا كبيرا من الاهتمام والاستحسان إن لم يكن الرضى. وستكون لهذا المشروع ردات فعل وأصداء عالمية واسعة بالتزامن مع التطورات التي تلاحقت  في الاسابيع الاخيرة على صعيد المرونة في المعسكرين الفلسطيني والاسرائيلي. والمشروع الذي أعد بعد دراسة معطياتية وتحليلية والذي توصي المؤسسة الفلسطينيين واسرائيل والولايات المتحدة الاميركية والمجتمع الدولي عبره بخطوات ترى اتخاذها لضمان نجاح قيام الدولة الفلسطينية في حال تأسيسها. ولقد فصلت المؤسسة حصيلة عملها في تقريرين منفصلين تنشر "ايلاف" اليوم ملخصيهما، كذلك قدرت المؤسسة التي باشر فريق باحثيها عملهم في المشروع بين خريف عام 2002 وخريف عام 2004، أكلاف تطبيق بـ 3.3 مليار دولار في السنة، أو 33 ملياراً خلال السنوات العشر الاولى من استقلال الدولة الفلسطينية. وأشارت إلى أن المبلغ يمكن تأمينه من موارد المجتمع الدولي ومستثمرين مستقلين. ويبقى القول أن تمويل البحث جاء من مصادر خاصة وممولين ومتبرعين افراداً.

ويقول ملخص التقريرين: إن إكتشاف متطلبات النجاح عنصر حيوي إذا قيض لدولة فلسطينية جديدة أن تؤسس. والواقع أن قطاعا واسعا من الفلسطينيين والاسرائيليين، بجانب كل من الولايات المتحدة وروسيا والاتحاد الاوروبي والامم المتحدة، ما زالوا ملتزمين بقيام دولة فلسطينية. وكانت "خريطة الطريق" المعلنة لهذا الغرض قد تصورت أصلا قيام هذه الدولة خلال عام 2005، أي العام الحالي، إلا ان الرئيس الامريكي جورج بوش أعاد النظر في الموعد مؤجلا إياه الى عام 2009، ولكن ما يقال هو أنه بالرغم من أن فرص نشوء فلسطين مستقلة غير مؤكدة، فان الخبرة المستقاه من تجارب "بناء الدول" في الماضي القريب أن أي عمل في هذا الاتجاه محكوم بالفشل ما لم توضع خطط مفصلة.

وركزت المؤسسة أبحاثها ليس على ما كيف سيتيسر لطرفي النزاع الرئيسيين للتوصل الى تسوية لخلافاتهما، بل على الخروج بتوصيات عملية لبناء "مؤسسات" الدولة المستقبلية في ظل خطوات ينبغي على الفلسطينيين والاسرائيليين والولايات المتحدة والمجتمع الدولي القيام بها. ومن ثم ما يجب عمله بعد إعلان تأسيس الدولة لزيادة فرص صمودها ونجاحها.  وقالت "إن عملية بناء الدول محفوفة دائماً بالمخاطر، ولا سيما ان جهات معترضة او منشقة داخل كل من الجانبين، وكذلك من اطراف خارجية ستسعى لتعطيل هذه العملية. وبالتالي لا بد من توافر عناصر التخطيط الدقيق والموارد المؤمنة والصلابة في المواقف والتفاعل المستمر من قبل المجتمع الدولي، وأيضا الشجاعة والالتزام والجهد من قبل الشعب الفلسطيني".

المقاربة:

    واشارات إلى انه "في مستهل بحثنا- والكلام هنا لِمعّدي التقرير – في العناصر الاساسية المطلوبة لنجاح بناء الدولة، أكدنا على طبيعة مؤسسات الحكم، والبنى والمسارات اللازمة للحفاظ على الامن. ومن ثم تقدمنا الى وصف الموارد الديموغرافية (البشرية) والاقتصادية والبيئية التي يفترض أن بمقدور الدولة الفلسطينية الاعتماد عليها، وفي المقابل: العقبات التي يمكن أن تعترض سبيلها في هذا الشأن. وأخيرا عرّفنا ماذا يتوجب على الدولة الفلسطينية فعله لضمان تمتع مواطنيها بنعمتي الصحة والتعليم".

واضافت أنه في كل قطاع أو حيز استندنا الى أفضل المعطيات الاختبارية المتوفرة لدينا، وحللنا تبعات ما يمكن ان يحصل في حال الرسو على خيارات مختلفة. وفي كل قطاع احتسبنا – تقديريا - "أكلاف تطبيق توصياتنا خلال السنوات العشر الاولى" من إعلان الدولة المستقلة، وذلك بالدولار الاميركي بسعر صرف عام 2003. ولكن هذه التقديرات لا تستند الى تحليل نفقات قاطع، بقدر ما هي تخمين لحجم الدعم المالي المطلوب من المجتمع الدولي للمساعدة على إنجاح قيام الدولة الفلسطينية.      

ما المقصود بـ "النجاح" ؟

     بينت المؤسسة المتخصصة في تقريريها "أنه في منظورنا يتجسد "نجاح " فلسطين المستقبل إذا كانت دولة مستقلة ديمقراطية تحكمها سلطة فعالة وناجعة، تمارس الحكم تحت هدي القانون والنظام في بيئة آمنة ومأمونة تتيح امكانيات التنمية الاقتصادية، وتوفر مرافق الاسكان والغذاء والصحة والتعليم والخدمات العامة لشعبها", وقالت: ومن أجل كل ذلك يجب تأمين ما يلي:

·                    الأمن: مبدأ قيام الدولة الفلسطينية يلزمها بتحسين مستوى الأمن والحماية للفلسطينيين والاسرائيليين والمنطقة ككل.

·                    الحكم: إن على السلطة ممارسة الحكم بنجاعة لكي يعترف بشرعيتها مواطنوها والمجتمع الدولي على حد سواء.

·                    التنمية الاقتصادية: يجب أن تكون فلسطين دولة قابلة للحياة من الناحية الاقتصادية، على أن تصبح مستقبلاً مكتفية ذاتيا ايضا.

·          "عافية الشعب": على الدولة الفلسطينية ان تتمتع بالقدرة على إطعام شعبها واكسائه وتعليمه، وتأمين العافية الصحية والاجتماعية لكل أفراده.

شروط تحقيق النجاح:

     وفيما يتعلق بالامن، يستحيل أن يتحقق النجاح للدولة الفلسطينية في معزل عن السلام والامن للشعبين الفلسطيني والاسرائيلي. إن القدر الكافي من الأمن شرط اساسي مسبق لتحقيق كل توصيات التقرير. ولا بد من ان تكون الدولة الفلسطينية آمنة داخل حدودها وقادرة على ضمان الحماية والأمان لمواطنيها بانتظام، ومتحررة من تخريب واستغلال القوى الخارجية، ولا تشكل أي تهديد لاسرائيل، والواجب أن تستوفى كل هذه الشروط يوم إعلان استقلال الدولة، فبخلاف البنى التحتية او التصنيع يستحيل بناء الامن والسلام بصورة تدريجية.

وحول الترتيبات الأمنية، فانها تتراوح ما  بين حماية الحدود التي تطوق الدولة إلى  المحافظة على الامن والنظام في الداخل. ولعل دعما دوليا سخيا سيكون مطلوبا من المجتمع الدولي، وتعاونا وثيقا من الاجهزة الامنية في الأطراف المعنية سيكون ضروريا من اجل تحقيق النجاح المتوخى.

وعلى صعيد "الحكم"، سيكون الحكم الصالح مفتاحاً لنجاح الدولة. وفي سياق معايير الحكم الصالح أن يكون معبراً عن ارادة الشعب، وأن يمارس حكم القانون منزها عن الفساد، وان تحظى السلطة بتأييد الشعب، بما في ذلك النظر اليها على أنها تتمتع بالشرعية.

وأشارت إلى انه فيما يخص "التنمية الاقتصادية" يستحيل اعتبار الدولة الفلسطينية دولة ناجحة ما لم تتح لشعبها فرص اقتصادية طيبة، ومستوى معيشي جيد. وفي تحليلنا نرى أن فلسطين لن تستطيع الوقوف على قدميها من دون دعم وموارد المجتمع الدولي، وتحديدا الولايات المتحدة و الاتحاد الاوروبي والامم المتحدة والبنك الدولي وصندون النقد الدولي. وسيكون حيويا تأمين موارد الدعم الكبرى على امتداد عقد كامل او اكثر، مع أن الجزم متعذر إزاء ما إذا كانت مثل هذه الموارد متيسرة أم لا . وبالتالي فهذا الواقع سيفرض انجاز النجاح المرجو بسرعة، وتـُنبه السلطات الفلسطينية الى ضرورة الاهتمام بالاستثمار بدلا من ذهاب كل ما تتلقاه الى جانب الاستهلاك.

وحول "عافية الشعب"،  يشير عدد من المراقبين إلى أن التحسن الطفيف جدا في الظروف المعيشية للشعب الفلسطيني تحت حكم الادارة المدنية منذ 1994، بل والتراجع الحاد في بعض السنين، كان عاملا مساعدا في تفجير "الانتفاضة الثانية".

إن من الأهمية بمكان تطوير مستوى الرعاية الصحية والتعليم، ويحتاج هذان القطاعان بالرغم من القاعدة المساعدة الى تنمية ضخمة يرفدها حكم صالح ونمو اقتصادي، بجانب دعم الخبرات الأجنبية لها في المجالات التقنية والمالية.

قضايا مؤثرة

    وقال التقريران إن "ثمة ثلاث قضايا تؤثر مباشرة في امكانات نجاح الدولة الفلسطينية، هي:

التواصل او التماس الجغرافي لأراضي الدولة باستثناء الانقطاع الارضي بين الضفة الغربية وقطاع غزة، و "يسر المرور" عبر الحدود بين الدولة واسرائيل. ومناخ الأمن والأمان ومستواهما، هذه القضايا الثلاث لها تأثير كبير على التحليل الاجمالي للوضع، مشيرين الى أن الشرعية السياسية للسلطة الفلسطينية، وقابلية الدولة للحياة اقتصاديا تعتمدان اعتمادا كبيرا على التماس الجغرافي لأراضي الدولة، ذلك أن دولة تقوم على "جيوب" معزول احدها عن الآخر محكومة سلفا بالفشل.

فحرية انتقال الناس ونقل السلع بين كل ارجاء الدولة مسألة حيوية، كما ييسر المرور عبر الحدود ايضا شرطاً حيوياً لنجاح الدولة اقتصاديا على الاقل في المدى القريب. ولا سيما فيما يخص حرية المرور بين اسرائيل وفلسطين لليد العاملة والسلع والخدمات، ناهيك من تشجيع الاستثمار الخارجي، ولكن من الواجب هنا ايلاء موضوع الأمن القدر الذي يستحقه من الاهمية.

وطرحا في الاقتراحات موضوع الأمن الذي هو "شرط مسبق لتأسيس وتنمية كل مقومات نجاح عملية بناء الدولة الفلسطينية. وفي هذا السياق، للمواطن الفلسطيني أن يشعر بأنه يعيش تحت خيمة القانون والنظام، وكذلك ان يكون بمأمن من آفة العنف السياسي. مجددا نعود هنا الى التذكير بأن شيئا لن يتحقق من شروط النجاح ما لم تكن اراضي الدولة الفلسطينية متصلة سواء في الضفة او القطاع".

النقاط الأهم:

    وفي ا لمحصلة فإن أهم ما توصل إليه التحليل هو "أن دولة فلسطينية ناجحة لن تقوم ما لم يتوفر لها الحكم الصالح متضمنا الالتزام بالديمقراطية وحكم القانون. ومن شروط الحكم الصالح شعور المواطن أن سلطته شرعية. وفي النهاية سيتوقف قسط كبير من شعبية السلطة الفلسطينية وشرعية ممارستها للحكم على شروط مهمة منها: اسلوب ممارسة الحكم، ومستوى التنمية الاقتصادية والاجتماعية، ومساحة أرض الدولة وتماسها، ومصير القدس، وحرية اللاجئين الفلسطينيين في الشتات بالعودة للاستقرار في فلسطين".

وإضافة فإن "مستوى الحكم الصالح سيتعزز اذا كانت حدود الدولة "مفتوحة" وكان اقتصادها مزدهرا وقدرتها على استيعاب فلسطينيي الشتات جيدة وأمنها مكفولاً، وكل ذلك مرفود بدعم دولي سخي. إن الدعم الدولي اكثر من حيوي وسيكون دوره الأهم في مجال اصلاح مؤسسات السلطة وممارساتها".

وقال التقريران: مما لا شك فيه أن على السلطة المبادرة على الأقل إلى ما يلي:

1.                  تعزيز دور حكم القانون وإعلاء شأن القضاء وتفويضه.

2.                  تحويل قسم من سلطة الحكم من الهيئة التنفيذية الى الهيئة التشريعية

3.                  مكافحة الفساد

4.                  احترام الجدارة والأهلية في التعيينات والترقيات في جهاز الدولة والخدمة العامة.

5.                  اعطاء مزيد من التفويض للهيئات المحلية.

وان من الاهمية بمكان الفصل بين السلطات واحترام استقلاليتها وتخصصها والتخلص من ظاهرتي التسلط والفساد اللتين شوهتا صورة السلطة الفلسطينية في السنوات الفائتة، كذلك ثمة حاجة لاموال تضخُ لانجاز ما هو مطلوب، مثلا لتسهيل اجراء الانتخابات، وتأسيس وتسيير أجهزة الهيئتين التشريعية والتنفيذية للدولة.

أما على صعيد الامن، فإن المهمة الاولى التي تدخل في صلب هموم الدولة الفلسطينية هي الحاجة الى كبح المنظمات المتشددة التي تهدد كلا من الوضع الفلسطيني مع الخارج بما في ذلك العمليات ضد اسرائيل ودول اخرى، والوضع الداخلي بما فيه تحدي السلطة الشرعية للدولة. وبالتالي يجب تسريع وتثبيت وتعزيز بناء قوى الامن وهيئات العدالة المنوط بها السهر على تنفيذ حكم القانون.

وتابع التقريران القول "واستطراداً سيسهل دعم بناء الهيئات العدلية والقوى الامنية ظهور قضاء مستقل واجهزة أمن فعالة قادرة على التحري والتحقيق والمكافحة في وجه النشاطات الجرمية، ضمانا للأمن العام. وانطلاقا من هذه النقطة ثمة حاجة لأموال تنفق على بناء المحاكم وترميمها وبناء وترميم مخافر الشرطة، وتجهيزها بما تحتاجه من لوازم ومعدات. وقد يقتضي برنامج شامل لتسريع عملية الإصلاح وترسيخ الشعور بالأمان عند المواطن الفلسطيني نشر قوات شرطة دولية وهيئات فاحصة لتعيين القضاة وضباط الشرطة".

وكما هو الحال في مجالي الاستخبارات ومكافحة الارهاب، قد تكون ثمة حاجة الى إعادة بناء القوى الأمنية الفلسطينية وتجهيزها بأحدث المعدات، وتوفير كل ما تحتاجه من دعم واسناد رصدي وتحليلي وتدريبي. وتقدر كلفة اعادة بناء اجهزة الامن الداخلي الفلسطيني بما لا يقل عن 600 مليون دولار سنويا او 7.7 مليار دولار خلال عشر سنوات.

الديموغرافيا

    يوجد اليوم تسعة ملايين فلسطيني يعيش 40% منهم ضمن حدود ما يرجح ان يصبح الدولة الفلسطينية الجديدة (الضفة الغربية وقطاع غزة) ولكن مستوى الخصوبة (التوالد) عند الفلسطينيين عال جدا، وعليه اذا كانت نسبة عودة فلسطينيي الشتات مرتفعة فإن التعداد السكاني للأراضي الفلسطينية سيزداد بسرعة كبيرة خلال المستقبل المنظور.

وقال التقريران: "هذا الازدياد سيزيد الضغط على الموارد المالية، ويرهق البنى التحتية ولا سيما مياه الصرف الصحي، وسيزيد الضغط على قطاعات النقل والطبابة والتعليم والاسكان. ايضا ستواجه الدولة الفلسطينية مشكلة البطالة والحاجة لتأمين فرص عمل لجيل شاب تتنامى اعداده بسرعة. ومع ان المعطيات الحديثة تشير الى انخفاض معدلات الولادات فإن هذا الانخفاض ما يزال غير مضمون أو موثق. وهو سيعتمد كثيرا على ارتفاع مستوى التعليم وتشغيل النساء". وعلاوة فإن ثمة غموضاً يحيط بنسبة الراغبين من فلسطينيي الشتات بالعودة والاستقرار في فلسطين. إن المكتب المركزي الفلسطيني للاحصاء ومكتب الاحصاء في الولايات المتحدة، يضعان النسبة بين 100 الف و 500 الف راغب في العودة، إلا أن تقديراتنا الخاصة تجعل الرقم أعلى من ذلك.

الماء

    وأكد التقريران أن حاجة الدولة الفلسطينية إلى الماء ستكون كبيرة، سواء للاستهلاك او للحركة التنموية التجارية والصناعية، ناهيك من حاجات القطاع الزراعي. وحاليا لا تلبي الثروة المائية - كما يجب- حاجة المواطنين، ثم إن التعامل مع الثروة المائية ومياه الصرف يستهلك ويهدد بإنهاك مصادر هذه الثروة.

واشار التقريران إلى ان معظم مياه فلسطين تأتي من الينابيع والآبار التي تغذيها الخزانات الطبيعية الجوفية (التحت ارضية) التي تتقاسمها الاراضي الفلسطينية والاسرائيلية. وحاليا لا يتوافر من المياه للمواطنين إلا نصف ما تعتبره منظمة الصحة العالميةالحصة المناسبة للفرد، ويعيق هذا الشح ري المزروعات وانتاج الاغذية. ومما يفاقم الوضع أكثر أنه سيكون متعذرا في المستقبل المحافظة على وتيرة استهلاك المياه الحالية. إذ أن ما يستهلكه الفلسطينيون والاسرائيليون من المياه يزيد عن التعويض الطبيعي في خزانات المياه الجوفية.

وقالا "ان الخيارات التي استعرضناها لزيادة امدادات الثروة المائية تشمل تحسين استغلال المياه الجوفية عبر خفض معدل استهلاك اسرائيل لها، وزيادة جمع مياه الامطار والعواصف، وزيادة مرافق التحلية (ازالة ملوحة مياه البحر) حيث لا توجد مصادر اخرى. ولعل من الممكن ادارة الوضع عبر الاستخدام الحصيف لتقنيات النجاعة، واعادة الاستخدام، وتطوير البنى التحتية. وفي هذا الصدد نقدر انفاق اكثر من 4.9 مليار دولار لتأمين المياه والتحكم بالصرف الصحي حتى عام 2014. ونرجح أن تخفض المبادرة لتطوير استراتيجيات إدارة الثروة المائية هذا الرقم بما يتراوح بين 1.3 و2 مليار دولار".

الصحة

    من النواحي الايجابية المتعلقة بالنظام الصحي للدولة الفلسطينية أن الشعب الفلسطيني يتمتع عموما بوضع صحي جيد، وان ثمة اهتماماً كبيراً بالشأن الصحي يعبر عنه بالعدد الكبير من  الاطباء والعاملين في هذا الحقل، والمشاريع الصحية النشطة، وكذلك الهيئات العامة والاهلية المهتمة بالعناية الطبية. ولكن في المقابل ثمة نواقص أبرزُها التنسيق بين مختلف الهيئات على امتداد الأراضي الفلسطينية، وما يرافق ذلك من تعثر تطبيق السياسات والبرامج، ووجود عدد غير قليل من ذوي الكفاءة المحدودة يعملون مستفيدين من ضعف نظام يحدد معايير الممارسة والترخيص واعادة التأهيل والتدريب، ناهيك من العجز الكبير في ميزانية وزارة الصحة العامة الفلسطينية.

وأكد التقريران أن من أولى الخطوات الضرورية تعزيز مؤسسات نظام الرعاية الصحية والعناية الطبية في العقد الأول من عمر الدولة الفلسطينية، وذلك عبر: تكامل عملية تخطيط السياسات الصحية وتطويرها، مع مساهمة من المؤسسات الحكومية والاهلية الخاصة، وتطوير برامج العناية الطبية الأولية بما في ذلك تحديث برامج التحصين الوقائي، وبرامج التغذية، والطب الوقائي، ومنع وعلاج الامراض المزمنة وغير المعدية، ومعالجة حالات تعثر النمو والحالات العصبية. ووفق تقديراتنا سيحتاج تطوير هذا  القطاع او الحقل الصحي ما بين 125 الى 160 مليون دولار سنويا من الدعم الخارجي خلال السنوات العشر الاولى من عمر الدولة الفلسطينية.

التربية والتعليم

    ينطلق قطاع التعليم في الدولة الفلسطينية المستقبلية من أرضية صلبة في العديد من المجالات، إلا انه ايضا يواجه جملة من التحديات منها مشاكل سوء التغذية والتشرد، ونقص التجهيزات، والمدارس المتواضعة البنية، والطرق غير الآمنة للطلبة، ونقص المجالات غير التقليدية، ونقص المدارس المتخصصة بتعليم ذوي الحاجات الخاصة. كذلك ثمة تواضع في آفاق ما بعد الدراسة، ومسارات التخصص المفيد في شتى المراحل، وتواضع مستوى الابحاث، ومعدلات دخل المعلمين مقابل ترهل الادارات.

 

أما ما ينصح به فالتالي:

1.                  المحافظة على المستوى المرتفع للاقبال على المدارس، وتطوير عدد الداخلين الى التعليم الثانوي.

2.                  بناء النوعية عن طريق الاهتمام بمستويات المناهج والامتحانات، وتأمين موارد الدعم الطويل الامد.

3.         تحسين ظروف العاملين في القطاع التعليمي، وازالة الترهل حيث وجد، والعمل على تكامل التمويل لكي يتاح لادارات المدارس التركيز على الاهتمام بحاجات الطلبة. وتقدر الكلفة اللازمة للقطاع التعليمي بين مليار واحد و 1.5 مليار دولار سنويا خلال السنوات العشر الاولى من عمر الدولة.

التنمية الاقتصادية

    درست المؤسسة آفاق التنمية الاقتصادية في الدولة الفلسطينية المستقلة بين عامي 2005 و 2019 مع تركيز خاص على ضمان تحسين معدل دخل الفرد. وبجانب الشروط المشار اليها آنفا مثل الامن والحكم الصالح والتماس الجغرافي للأراضي، وتوفر الثروة المائية الكافية والطاقة، ثمة أربعة عناصر مهمة، هي

1.                  كلفة صرف العملة.

2.                  الموارد بما فيها الموارد الداخلية والتمويل والموارد الخارجية.

3.                  النظام التجاري الفلسطيني.

4.                  فرص عمل المواطنين الفلسطينيين في إسرائيل.

إن ندرة الثروات الطبيعية في الاراضي الفلسطينية تكثف اعتماد التنمية الاقتصادية على الطاقة البشرية المدعومة بالتأهيل العلمي والحرفي. وبالتالي هناك العديد من الخيارات الحاسمة الاستراتيجية مطلوبة من الساسة الفلسطينيين في مستهل عمر الدولة، أبرزها تتعلق بأرض الدولة ولا سيما حجمها وشكلها وتماس رقعتها بما في ذلك من انعكاسات على الموارد الاقتصادية، وكذلك بشكل العلاقة الاقتصادية مع اسرائيل.

ويخلص التقرير في هذا الموضوع إلى اربعة سيناريوهات يمكن أن تحقق بموجبها التنمية الاقتصادية للدولة هي: دولة أراضيها متماسة الرقعة، ودولة اراضيها تماسها قليل وكثيرة الجيوب، ودولة بحدود مفتوحة وسياسات اقتصادية متحررة، ودولة منغلقة وسياسة غير متحررة.

هذه السيناريوهات تحسم مستويات المعوقات امام انتقال الناس والسلع، وكذلك أكلاف التبادل ومساحة النشاط الاقتصادي. كذلك تقرر فرص العمالة للفلسطينيين، وتحدد للفلسطينيين مجالات تصريف لموادهم الاولية وسلعهم التصديرية. وباستثناء رقعة التماس الجغرافي المحدود يتوقع ارتفاع معدل دخل الفرد الفلسطيني متجاوزا ارقام عام 1999 بحلول عام 2009، بل وقد يصل الى الضعفين بحدود عام 2019.

ولكن سيتوجب وجود استثمارات ضخمة في البنية الاقتصادية الفلسطينية، من قبل المستثمرين الفلسطينيين والمجتمع الدولي، بحيث تبلغ بين عامي 2005 و 2019 حدود الـ 3.3 مليار دولار، أي 33 ملياراً خلال عشر سنوات. ومقابل ذلك يتوجب نمو العمالة بمعدل سنوي يتراوح بين 15 و 18% بين عامي 2005 و 2009.

الشكل الرسمي للدولة.

     وحدد التقرير الثاني معالم الشكل الرسمي للدولة الفلسطينية، وهو يعالج الجانب البنيوي والجغرافي للدولة، وفي هذا الاتجاه يقول التقرير: يبلغ عدد سكان الضفة الغربية وقطاع غزة حاليا نحو 3.6 مليون نسمة يتزايد سنويا بسرعة كبيرة. وبالنظر الى احتمالات الهجرة نحو الاراضي الفلسطينية بعد استقلال الدولة يتوقع ارتفاع عدد السكان، بحسب الدراسة بحلول عام 2020 الى 6.6 مليون نسمة، منهم 2.4 مليون نتيجة الزيادة الطبيعية ونحو 600 الف من الهجرة. ومعظم هؤلاء متوقع مجيئهم من مخيمات اللاجئين في لبنان وسوريا والاردن. وبالتالي يجب تهيئة البنى التحتية الفلسطينية لتحمل هذه الزيادة.

إن لكل دولة وطناً بحاجة الى شكل ما، اكثر ما تحدده تعرجات الحدود وتضاريسها. ولكن حتى داخل الحدود هناك ايضا شكل لتوزع الكثافة السكانية، وحركة المواطنين متأثرة بالبُنية المحيطة بها.

 

شكل فلسطين .. و "قوسها"

    بدأنا - والكلام ايضا لمعدي الدراسة - البحث في توزع الكثافة السكانية راهنا، ذلك ان القرى والبلدات والمدن الفلسطينية ليست منتظمة في توزعها على اراضي الضفة، بل إن معظمها يتجمع في الجزء الغربي من أراضي الضفة، وهذا ما حكمت به حقائق المناخ والطوبوغرافيا (التضاريس الأرضية).

ويقول التقرير أن ارض الضفة مقطوعة تقريبا الى نصفين في وسطها بخط منحن بشكل "قوس" تشكلها سلسلة جبلية، تصل اعلى قممها الى ارتفاع 3 آلاف قدم عن سطح البحر. وبسبب طغيان اتجاه الرياح من الغرب الى الشرق، من البحر الابيض المتوسط، تتعرض الضفة الى وتيرة رياح وعواصف شبيهة بما تتعرض له  الاراضي المتوسطية المناخ في ولاية كاليفورنيا الاميركية أو ولاية الكاب بجنوب افريقيا. في حين يفرض ارتفاع الجبال هطول الامطار على منحدراتها الغربية مما يترك المنحدرات الشرقية اقل مطرا ومن ثم اكثر عرضة للجفاف.

وما يصدق على المطر يصدق على الرياح، مما يجعل جو المنحدرات الشرقية أعلى حرارة من جو المنحدرات الغربي. وهذا ما قلل من عدد السكان في المناطق الشرقية الجافة والحارة، وقلص رقعة الاراضي الزراعية فيها باستثناء غور اريحا الذي حولته المياه الجوفية الى واحة غناء.

وأشار الى أن "اطلس فلسطين" عرف 11 مدينة رئيسية في الضفة الغربية هي من الشمال الى الجنوب: جنين وطوباس وطولكرم ونابلس وقلقيلية وسلفيت ورام الله واريحا والقدس وبيت لحم والخليل. وباستثناء طولكرم وقلقيلية في الغرب واريحا في الشرق يمكن القول ان المدن الباقية تقع على خط منحن يوازي حرف السلسلة الجبلية.

المدن الكبرى من حيث عدد السكان هي القدس (250 الف نسمة) والخليل (145 الف نسمة) ونابلس (127 الف نسمة). بعدها تأتي طولكرم وقلقيلية ولكن بفارق كبير في عدد السكان (بحدود 40 الفاً لكل منهما). لقد سُكن عددٌ من هذه المدن منذ آلاف السنين، وبخاصة الخليل وبيت لحم والقدس واريحا ونابلس – وثمة طرق قديمة تصل بعضها ببعض – والواقع ان مسار "الطريق 60" الحديثة، التي تقطع الضفة من الشمال الى الجنوب تكاد تطابق الطريق القديمة الواصلة بين هذه المدن.

وأكد ان مقتضيات التنمية الاقتصادية في فلسطين توجب شق طرق سريعة شمالية – جنوبية لنقل الناس والسلع على امتداد الضفة، وبين الضفة وقطاع غزة، مشيرا الى ان مناقشة الاوضاع الحالية لا يمكن ان تغفل أثر المستعمرات الاسرائيلية العديدة التي بنيت في الضفة، والطرقات التي شقت لربط إحداها بالأخرى، وهذه المستعمرات والطرقات الواصلة بينها تشكل منظومة مدينية مستقلة عما حولها، كما ان تصميمها مختلف عن أنماط العمارة القديمة المألوفة في المنطقة. ولذا ولأن مصيرها السياسي المستقبلي غير محدد فقد  اخترنا ضمن حدود هذه الدراسة أن نفصل مسألة المستعمرات عن السياق العام.

السكان والنمو

وبوجود اكثر من 3.6 مليون نسمة يحتشدون فوق 2300 ميل مربع، تبلغ الكثافة السكانية الراهنة لفلسطين 1400 نسمة في الميل المربع. هذه الكثافة تعد من الاعلى في العالم. اذ لا تزيد الكثافة السكانية لهولندا (وهي الاعلى في اوروبا) عن 1200 نسمة في الميل المربع، كما لا تزيد في اسرائيل عن 770 ولبنان عن 870 في الميل المربع. أما الدولة الاعلى كثافة فهي بنغلاديش التي تبلغ كثافتها 2200. وبالتالي اذا ازداد عدد سكان فلسطين كا هو متوقع – الى اكثر من 6 ملايين نسمة خلال السنوات الخمس عشرة المقبلة، فستصل الكثافة السكانية الى 2400 نسمة في الميل المربع الواحد متجاوزة حتى بنغلاديش.

كما ان ارتفاع الكثافة السكانية يترافق عموما مع الاكتظاظ والفقر والامراض وازدحام السير والازمات الاقتصادية والمعاناة البيئية. ولكن الازدياد السكاني في حد ذاته ليس بالضرورة مبعثا للمصاعب الاقتصادية، بل في بعض الحالات يشكل حالة معاكسة عند قياس اكتظاظ المدن باكتظاظ الدول. وبما يخص الدولة الفلسطينية فإن الوضع السكاني الفلسطيني الحالي والزيادة المرتقبة للكثافة السكانية اذا ما ربطا بنمط نمو معهود في المدن العالمية الكثيفة سكانيا ووسائل النقل العامة قد يكون لمصلحة الدولة فيما يتصل بنسق قابل للحياة في الدولة.

ولدى النظر الى مواقع مدن فلسطين وأحجامها والطرق التي تربطها، بمقدورنا التفكير بعدة خيارات لتوسيع رقعة الاستقرار السكاني الفلسطيني مما يمكن الدولة من استيعاب عدة ملايين اضافية من السكان.

وسنتوقف هنا عند أربعة نماذج مختلفة يمكن تصورها:

·                    النموذج الأول هو "النمط القطبي" الذي يقوم على مدينة واحدة كبيرة تستقطب الزيادة السكانية.

إن انشاء مدينة جديدة يوفر مزايا مركزية التنمية والتحكم فوق أرض مفتوحة تتيح تأسيس رموز قوية وايجابية للدولة. إلا انها في المقابل تخلف تحديات لوجستية وسياسية واقتصادية. كما أن فريقنا لاحظ أن ارضا قابلة لبناء مدينة "قطبية" من هذا النوع لا تتوافر على الارجح في الضفة الغربية حاليا.

·          النموذج الثاني هو "نمط المثلث" الذي يضم ثلاث مدن رئيسية كبيرة هي في هذه الحالة القدس ونابلس والخليل. خيار كهذا يخفف بعض المشاكل اللوجستية والسياسية والاقتصادية الموجودة في "النمط القطبي"، ولكن فريقنا يرى ان توزيع سكانٍ اضافيين بحدود 3 ملايين نسمة على ثلاث مدن هي أصلا مكتظة سكانيا سيخلق مشاكل معقدة، وقد لا تتوفر ارض كافية لاستيعاب الزيادة.

·          النموذج الثالث هو نمط "الشبكة" الذي يقوم على مدن متناثرة، تتوزع عليه بنسب متعادلة السكانية. وهذا التوزع قد يبدو نظريا خطوة ايجابية لانه يوزع الاعباء والفوائد، إلا انه عالي التكلفة، ولا سيما أنه يتطلب شبكة كبيرة من البنى التحتية وبخاصة الطرق الممتدة على رقعة واسعة. كما انه قد يولد حالات "تقسيمية" وعزلية" تعرقل نمو المؤسسات الوطنية الجامعة.

·          النموذج الرابع هو "النمط الحبلي" أو "الخطي" الذي يشكل حبلا او خطا من المدن. ولعل جغرافية الضفة الغربية تساعد على تطوير مثل هذا النمط بحيث تربطها طريق واحدة رئيسية تكون شريان مواصلات المدن الكبرى في الضفة. وبالتالي ستوفر المدن الموصولة مجالات نمو نشاطات اقتصادية، وتنعش الطريق المراكز التاريخية الموجودة اصلا على طول الطريق. ثم إن تشجيع نمو المدن الواقعة على الطريق او قربها على النمو باتجاهها يحول دون النمو العشوائي، ويربط النمو السكاني بطبيعة الارض والبيئة, ولكن على صعيد السلبيات، يساعد على تنمية المدن الموصولة على حساب المدن الاخرى خارجه ويهمشها. كما قد يخلق حالة اكتظاظ اذا لم ينظم بصورة سليمة، وفي مطلق الاحوال ارتأى الفريق أن هذا "النمط الحبلي" هو الأفضل وعدا للمستقبل.

نمو غزة

    وقال التقرير الثاني إن جزءا من محاولة تنظيم التوزيع السكاني في الضفة هو العمل على احتواء أعباء التضخم السكاني في قطاع غزة. حيث أن الكثافة السكانية في غزة تقف حاليا عند 9200 نسمة في الميل المربع، ولكنها مرشحة للزيادة في السنوات المقبلة. وعليه ونظرا لضيق رقعة الأراضي القابلة للاستغلال، وانفصال القطاع عن الضفة، لذا قرر فريقنا ان تكون مقاربة الوضع في غزة مختلفة ومنفصلة باستثناء مسألة ربطها بطريق نقل مع الضفة.

ربط المدن

    ان "النمط الحبلي" يركز على المدن الموجودة أصلا على طول الخط المحوري الشمالي الجنوبي في الضفة، وسيوجه النمو السكاني والتنمية الحضرية نحو هذا الخط. اما السؤال الذي يستوجب الاجابة عليه هو: كيف سيتحقق الربط؟ اذا ما عرفنا ان مراكز معظم المدن التاريخية موصولة اساسا بـ "الطريق 60" غير ان هذه الطريق لا تكفي للحاجات المستقبلية للدولة. والسير سيكون بطيئاً عند كل وصلة او تقاطع، ولكن لاولئك المسافرين لمسافات بعيدة ستختفي الطريق عند مفترق مدينة ما او مدخلها لتعود فتظهر في الجانب الاخر منها.

وبناء عليه لا بد من اجل ايجاد شريان مواصلات شمالي جنوبي يسير بموازاة "القوس" الجبلي الطبيعي، ويشمل المشروع طريق سيارات وسكة حديدية سريعة يعتمد عليها ترابط المدن الرئيسية ومنها الى قطاع غزة والمطار الدولي هناك. ويقدر ان يبلغ طول الطريق من جنين شمالا الى الخليل جنوبا نحو 70 ميلا، ومع اضافة 60 ميلا للوصلة الاضافية الى غزة.

وسيحتاج المشروع ايضاً إلى مشاريع موازية، كهربائية وغازية (غاز طبيعي) ومائية ترافق شريان المواصلات بطوله كاملاً. كما أنه من المتصور إنشاء حديقة وطنية عامة طولية على امتداد "القوس" وشريان المواصلات بخطه الحديدي وطريق السيارات والشاحنات.

أما بالنسبة للمطار الدولي سيكون ايضا صلة وصل هامة وحيوية لفلسطين بالعالم ورمزا وطنيا قيماً للدولة. وبالنظر لاعتبارات الامن والسلامة نرتأي أن يشيّد المطار في غزة لا الضفة. كذلك ستكون ثمة حاجة ماسة لميناء كبير نرى أن يُنشأ الى الجنوب من مدينة غزة ويُربط بشريان المواصلات باتجاه الضفة.

ومع ان البنية التحتية للمواصلات والنقل مخصصة مبدئيا لحاجات الدولة الفلسطينية، فإنها في نهاية المطاف قد تشكل العمود الفقري للنقل البري بين عدد من عواصم الدول المجاورة مثل عمان وبيروت والقاهرة ودمشق، وانتهاء في المستقبل بحيفا وتل ابيب وبئر السبع. وستكون نقاط الدخول الدولية في كل من جنين وطولكرم وقلقيلية وجنوب الخليل وشرق أريحا. ويمكن تركيز الاستثمارات المخصصة للبنى التحتية فتربط هذه المناطق "الحدودية" مع خط "القوس". وفق التفكير المألوف ستوضع المحطات الرئيسية على طول الخط في مراكز المدن التاريخية الواقعة عليه، غير أن مفهوم "القوس" يتعمد جعل المحطات على مسافة تكون بين ميلين و 15 ميلا من المراكز التاريخية، والقصد هو التخفيف من أكلاف الاستملاك والبناء في وسط المدن.

ومن ناحية ثانية، من شأن وجود المحطات في وسط كل مدينة مفاقمة الازدحام فيها والدفع الى هدم المباني القديمة. وثالثا سيشجع بناء المحطات خارج وسط كل مدينة النمو المنظم باتجاه جديد مخدومٍ بنظام نقل حديث اقل ازدحاما.

الأحياء الجديدة

    في صميم مفهوم "القوس" استقرار بضعة ملايين من السكان على طول شريان المواصلات الجديد. وهنا سيتيسر تخطيط نمو الاحياء الجديدة على ايقاع النمو السكاني الطبيعي، وعودة فلسطينيي الشتات, وبجانب المساكن ستضم الاحياء الجديدة مرافق مختلفة كالمساجد والمتاجر والاسواق العيادات والمتنزهات والمرافق التعليمية والتربوية الخ. وسيكون الارتفاع النموذجي للمباني بين طابقين وست طبقات، وقد تمتد هذه الاحياء من شريان المواصلات الى مسافات تتبع المنحدرات وتتسلقها او تزينها ومن المفترض ان تتأمن فرص عمل على طول هذا الشريان مع اختلاف في نوعيتها بين منطقة واخرى وحي وآخر. كذلك على طول الطرقات الثانوية المتصلة بالشريان يمكن ان تنشأ وحدات سكنية ومرافق مماثلة.

ووفق مرئياتنا ثمة اراضٍ كافية للبناء بين المحطات المنشورة على طول شريان المواصلات وبين مراكز المدن التاريخية، وبالتالي استيعاب مليوني نسمة بكثافة سكانية وسطية تبلغ 30 الف نسمة في الميل المربع. بينما يمكن استيعاب المليون الثالث عبر تزايد عدد المباني داخل المدن الحالية، او اذا اختاروا في اماكن اخرى من الضفة. مع العلم انه بينما يأخذ "القوس" في الحساب التقديرات الديموغرافية حتى عام 2020 فإنه يسمح باستيعاب أعداد اكبر في المستقبل الأبعد.

التحديات

    واذا كان مشروع "القوس" سيساهم في معالجة بعض حاجات الفلسطينيين، فإن عملية استيعاب اللاجئين تنطوي على تحديات لا يستهان بها اجتماعية وسياسية. فشرعية الحكومة الفلسطينية ستعتمد جزئيا على نجاحها في اعادة توطين فلسطينيي الشتات، غير أن تدفق عدد كبير من هؤلاء سيرهق كاهل مؤسسات الدولة الوليدة، بصورة قد تهدد قدرتها على ممارسة الحكم الصالح، وبالتالي شرعيتها.

أضف الى ذلك قد تجد الحكومة نفسها مضطرة لمواجهة شعور بعض المواطنين بأنهم صاروا اقلية في مدنهم بفعل العدد الكبير من اللاجئين العائدين. وبالتالي سيتوجب على الحكومة العمل على تثبيت التماسك والانسجام الاجتماعي على المستوى الوطني في مجال الحرص على توزيع اللاجئين الوافدين بصورة لا تخلق تشققات او تنافراً بين السكان الحاليين والعائدين.

وأيضا قد تكون هناك مشكلة عند تطبيق خطط التوزيع والتوطين مصدرها فلسطينيو مخيمات الضفة والقطاع ومشردون فلسطينيون من اماكن اخرى الذين سيطالبون بتعامل مماثل لما  يقدم للعائدين. وأخيرا قد تجد الحكومة نفسها ازاء مشاعر شك وتوجس نحوها من العائدين من لبنان وسورية والاردن.

الأكلاف والفوائد

    وفي الأخير يتطرق التقريران إلى الأكلاف والفوائد، حيث يشيران الى أن مشروع "القوس" يحتاج الى استثمارات مالية ضخمة، وفي المقابل فرص العمل في مشروع من هذا النوع وبهذا الحجم مهمة جدا في حد ذاتها، ناهيك من الفوائد الاقتصادية والمنافع الاجتماعية البعيدة المدى.

ويقولان: وفي تقديرنا ان بناء الجزء الرئيسي من سكة حديد "القوس" من طولكرم الى غزة سيكلف نحو 3.3 مليار دولار بما في ذلك ثمن القطارات، أما طريق السيارات التي ستشيد ضمن شريان المواصلات الضخم فستكلف نحو 2.1 مليار دولار، بينما ستكلف الطرقات الثانوية المتفرعة نحو 275 مليون دولار. كما سيكلف بناء المحطات الرئيسية والفرعية على طول "القوس" نحو 300 مليون دولار.

وفي المقابل سيخلق المشروع فرص عمل وأماكن سكن للفلسطينيين. حسب التقديرات سيؤدي استثمار 8.5 مليار دولار الى تشغيل 530 الف عامل/ سنة في قطاع الانشاءات على اساس معطيات اردنية. ولكن حسب معطيات مصرية تبلغ التقديرات 800 الف عامل / سنة. وبالتالي اذا قدر ان المشروع سيستغرق خمس سنوات فإننا نقدر ان المستوى المطلوب للاستثمار سيوفر عملا لما بين 100 الف و 160 الف فلسطيني سنويا.