نشرة دورية تعني بالترجمة عن الصحف والمجلات العالمية

نشرة مترجمة لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر التوجيه السياسي

تصدر عن هيئة التوجيه السياسي والوطني

السياج الفاصل: حل أم حجر عثرة

  بقلم: شلومو بروم

2004

  ترجمة: ظريفه الأشقر

     أدى بناء جدار الفصل العنصري بين إسرائيل والضفة الغربية إلى سوء العلاقات بين إسرائيل والعالم الخارجي.

 في الرابع عشرمن نيسان عام 2002 م, قررت الحكومة الإسرائيلية إقامة جدار الفصل العنصري وأخذت مؤسسة الأمن الداخلي على عاتقها تنفيذ هذا الطوق الذي خطط له من قبل مجلس الأمن القومي التابع لوزارة الدفاع الإسرائيلية.

قرار بناء الجدار جاء نتيجة ضغوطات الجمهور الإسرائيلي الذي يعيش حالة صراع عنيف مع الفلسطينيين, من أجل حماية الشعب الإسرائيلي داخل الخط الأخضر من الهجمات الانتحارية.  وذلك بعدما استخدمت إسرائيل طرق دفاع مكثفة لمنع الهجمات الانتحارية "حسب رأي الكاتب" , لكنها فشلت في منعها أو التقليل منها.

إن بناء جدار لمنع عمليات التسلل إلى داخل إسرائيل طبقته إسرائيل سابقاً على الحدود اللبنانية, وعلى وادي الأردن, وفي بداية اتفاقيات أوسلو طبقته إسرائيل حول قطاع غزة.

وأثبتت التجارب أن مثل هذه الجدران لها فعالية عالية, صحيح أنه لا يوجد جدار مزود بسداد محكم, لكن وجوده يقلل من محاولات التسلل, ويعطي إنذاراً لمحاولات الدخول.

 بناء جدار حول الضفة الغربية له جوانب سلبية جداً, وذلك لأن امتداده الشاسع يفصل بين الإسرائيليين والفلسطينيين المجاورين لبعضهم البعض, وبالتالي يحرم الآلاف من المستوطنين ساكني يهودا والسامرة من تلبية حاجاتهم الضرورية اليومية, ويحرم الفلسطينيين أيضاً من الذهاب إلى أماكن عملهم في المستوطنات, علماً بأن هؤلاء المستوطنين يعتمدون على خدمات هؤلاء العمال الفلسطينيين.

إن الجمهور الإسرائيلي في الداخل بجناحيه اليميني واليساري أجمع على ضرورة إقامة السياج وفرض رأيه وبقوة على الحكومة.

عارض شارون في البداية إقامة السياج بسبب خوفه من أنه سيفصل بين الإسرائيليين أنفسهم على جانبي السياج, وخوفه أيضاً من أن إقامة السياج تعطي رسالة خاطئة للفلسطينيين وللعالم أن إسرائيل تمهد للحصول على كافة المناطق المحاذية للسياج, لكن مع ازدياد عدد الهجمات الانتحارية في مراكز المدن داخل إسرائيل, وبعد أن نفذت قدرة الشعب الإسرائيلي على التحمل والمقاومة, وافق شارون على بناء الجدار.

الهدف الأساسي من إقامة الجدار هو للدفاع فقط, الجمهور الإسرائيلي أدرك فاعلية السياج الأمني المقام حول غزة وعلى الحدود اللبنانية, ووادي الأردن في منع عمليات التسلل فطالب بسياج مثيل لوقف الانتحاريين من دخول إسرائيل من الضفة الغربية.

من الصعب أن تجد شخصاً في إسرائيل أو العالم يعارض حق إسرائيل في حماية نفسها... ومع ذلك يوجد بعض الإسرائليين وغيرهم ممن يرون أن السياج لا يتلاءم مع العلاقات التي تحاول إسرائيل تعزيزها بين الفلسطينيين وسكان المستوطنات الموجودين ضمن الهيكلية البنائية الواحدة.

 

لقد أثبتت التجارب وبعد مرور أكثر من ثلاث سنوات من العنف وسفك الدماء أن العلاقات المستقبلية بين الفلسطينيين والإسرائيليين لن تكون مرضية ومشجعة, وعلى كل الأحوال فالسياج لن يكون ثابتاً تحت أي ظرف وسيتغير بتغير الحقائق.

وهنا يأتي السؤال: لماذا أصبح السياج موضع خلاف يقع إلى حد ما في التنفيذ, وليس في الفكرة ذاتها؟  العلاقة في ذلك: أنه بالامكان اعتبار بناء الجدار نوعاً من الاختبار, أما الفكرة فقد حرفت من قبل السياسيين والقائمين على عملية الفصل ورسم الحدود.

الرسالة السياسية للجدار

  بداية كان تخطيط المؤسسة الأمنية من إقامة الجدار فقط" للاعتبارات الأمنية في المقام الأول", ومع ذلك كان واضحاً عدم الرغبة في إقامة جدار وخصوصاً على الخط الأخضر وذلك لاعتبارات سياسية, وهي كيفية تعيين الحدود.  في بعض الأماكن كانت الحدود قريبة جداً من الخط الأخضر, ولكن في أماكن أخرى تغير الاتجاه شرقاً في منطقة يهودا والسامرة, وكان تبرير ذلك " الأسباب الأمنية " مثل: قرب المستوطنات الإسرائيلية من الخط الأخضر, أو بسبب طبوغرافية المنطقة, أو الحاجة إلى زيادة الامتداد للجدار لزيادة فاعليته.

عندما وافق شارون على إقامة السياج نتيجة للضغوطات الشعبية الإسرائيلية بدأ بالعمل على تغيير سير الجدار الذي رسم من قبل قوات الجيش ووضع مخططاً كالتالي:-

أن يضم السياج بداخله أكبر عدد ممكن من المستوطنات, لينقل رسالة " أن إسرائيل تنوي إلحاق تلك المستوطنات في حال وجود أي إمكانية لتسوية النزاع", وأفضل مثال على ذلك الكفاح لضم أرئيل داخل السياج, في حال تم ذلك فإنه يستلزم الغوص عدداً كبيراً من الكيلو مترات في يهودا والسامرة, وبالتالي فسوف تتحول الأماكن السكنية للفلسطينيين إلى مقاطعات صغيرة "كنتونات" يصعب الاتصال بينها علماً بأن لا ضرورة ولا فائدة من ضم أرئيل للسياج, ولو " لأسباب أمنية " حسب زعم شارون.

لا توجد مقارنة في خط سير الجدار المتفق عليه بين الحكومة الإسرائيلية وبين ما اتفق عليه في اتفاقيات جنيف.

كان الاقتراح بناء جدار بطول 930 كم, يمتد بطول 350 كم على الخط الأخضر, مع بعض الالتواءات والانعطافات البسيطة من أجل ضم عدد من المستوطنات إلى السيادة الإسرائيلية, وهذا يحتاج لجدار طوله 445 كم , وبناءً على اتفاقية جنيف لا توجد قرى فلسطينية على الجانب الإسرائيلي, بينما حسب التخطيط الإسرائيلي توجد 40 قرية وبلدة فلسطينية يبلغ عدد سكانها حوالي 345 ألف نسمة على الجانب الإسرائيلي ( تشمل منطقة القدس).

إن التغييرات السياسية التي أضيفت على الجدار أدت إلى ما يلي:-

1)         ازداد طول الجدار بشكل كبير جداً, وأصبح أكثر تعرجاً, وهذا ما أدى إلى اقتطاع مساحات كبيرة جداً من الأراضي الفلسطينية تقدر بمئات الآلاف من الكيلو مترات, مما أعطى ردة فعل عكسية للفلسطينيين وهي مقاومة الجدار.

2)         إن الامتداد الكبير للجدار شكل عبئاً كبيراً على الجيش الإسرائيلي حيث أن هذا الامتداد يحتاج لعدد كبير من الجنود والدوريات للحراسة.

3)         لقد استنتج العالم إلى حد ما أن الهدف من إقامة الجدار هو لأسباب سياسية وليس لأسباب أمنية, وذلك من أجل خلق حقيقة في المستقبل للاستيلاء على الأراضي الفلسطينية.

 أفضلية التقسيم

 لقد أضيفت اعتبارات "تقسيمية" للاعتبارات السياسية تعكس مخططات مؤسسة الأمن الإسرائيلي في بناء الجدار, إنه وبعد مرور أكثر من ثلاثين عاماً من قانون الجيش الإسرائيلي في تقسيم المنطقة, تمت إضافة اعتبارات "تقسيمية" على القانون, تعطي الأولوية للأمن الإسرائيلي على الحقوق الفلسطينية.

مما أدى إلى النتائج التالية:-

1)         لبناء جدار فاعل هناك حاجة لزيادة ارتفاع السياج , إن السياج لا يتمتع بارتفاع كافٍ كالجدار, فلربما يسمح السياج للمتسللين بدخول إسرائيل, لكن الجدار يتمتع بارتفاع لا يمكن تجاوزه, ولذلك قرر المخططون الإسرائيليون إضافة شيء مرتفع للسياج الفاصل بين إسرائيل و الضفة الغربية, وكذلك إضافة جدران مرتفعة حول المدن الفلسطينية, مثال ذلك مدينة قلقيلية التي يحيط بها الجدار من كافة الجوانب,, هذه الحالة عكست رؤية قادة المستوطنات الذين طالبوا منذ البداية بأن يكون الجدار حول المدن الفلسطينية وليس جداراً يفصل بين إسرائيل و الضفة الغربية.

2)         لقد فصل الجدار بين بعض القرى الفلسطينية وبين أراضي السكان, وبالتالي أدى إلى منع السكان من الوصول إلى أراضيهم الزراعية.

3)         في مناطق كثيرة أخرى, فصل االجدار بين السكان الفلسطينيين وبين مراكز الخدمات ومثال ذلك هناك الكثير من طلاب المدارس يواجهون العوائق والحواجز للوصول إلى مدارسهم.

الثمن السياسي

 الذين خططوا للجدار لم يواجهوا أسئلة حول كيفية تعيين الحدود المناسبة والتي زادت الأمور تعقيداً, وساءت العلاقة بين الإسرائيليين والفلسطينيين حيث إن الثمن أعلى مما يتوقعون, من الواضح أنهم تجاهلوا الحاجة للتفكير في الحقائق وفي الاعتبارات السياسية, وذلك عندما قاموا بتغيير خط سير الجدار.  ولقد بدا ذلك في المقاومة الوطنية الفلسطينية التي جاءت رداً على الإجراءات الإسرائيلية بقولها :

 "لماذا لا يفهم العالم أننا فقط نحاول حماية أنفسنا من القتلة النازيين" ؟

 إن النتائج السلبية على مستوى العلاقات العامة والمستويات السياسية من إقامة الجدار كالآتي:-

1)         لقد تبين للعالم أن إسرائيل حكومة عنصرية, وضعت مئات الآلاف من الفلسطينيين في طوق "قفص" وصادرت أراضيهم, وجعلت حياتهم جحيماً لا يطاق.

2)         إن الأنظمة الصديقة جداً لإسرائيل ومنها إدارة بوش, تعاملت مع موضوع الجدار بطريقة أنه يشكل عائقاً لأي تقدم, وعائقاً لأي محادثات رسمية,, حيث قام  بوش بالضغط على إسرائيل لإحداث تغييرات على خط سير الجدار, وذلك باقتطاعه  مبلغاً من المال من القروض كعقوبة , وذلك لأن إسرائيل تستثمر هذه الأموال في عمليات البناء على الأرض الفلسطينية.

3)         أعطى هذا الجدار مبرراً للفلسطينيين للمقاومة, وأنه يحق للفلسطينيين تقديم طلب بوقف بنائه, ويربطون ذلك بوقف المحادثات بين إسرائيل وحكومة أبو علاء.

 إن قوة المعارضة السياسة في العالم لبناء السياج كما خططت له الحكومة الإسرائيلية الآن كبيرة جداً, وهناك شك في قدرة إسرائيل على إنجازه, شارون قرّر بأن يترك فجوة في منطقة ارئيل في السياج وهذا يعطي مجالاً للهجمات, وهذا يعني أن السياج لا يفي بالغرض المقام من أجله كاملاً, وذلك لأن مخططي الهجمات سوف يتسللون من خلال الفجوات الموجودة فيه.

أصبح واضحاً للكثير من سكان إسرائيل, أن بناء السياج يرتبط معه مفهوم الفصل أحادي الجانب, ويرون أن فكرة تنفيذ السياج ضئيلة, لكن الامتداد الطويل للمستوطنات الإسرائيلية يبقى على الجانب الآخر للسياج, وهذا يعني أن الفصل غير حقيقي, وبالتالي يؤدي إلى خلق بيئة سكانية تعاني من خطة الفصل أحادي الجانب.

احتمالية التعديل

ما زالت الفرصة موجودة لإعادة النظر في مجرى السياج, وخصوصاً أن قسماً كبيراً منه لم يتم بناؤه بعد, لقد تم بناء 136 كم من الامتداد الموافق عليه من الحكومة, والبالغ 556 كم وهناك إمكانية للتعديل في بعض المناطق التي تم فيها البناء.

الهدف من إحداث تغيير هو تبيان أن الجدار أقيم فقط لأسباب أمنية وليس العكس, كما يظهر للشعب الإسرائيلي وللفلسطينيين وللعالم أجمع.  إذا حصل هذا التعديل تكون هناك فرصة أكبر لتكملة بناء الجدار,, وبالتالي تكون نسبة تحقيق الأهداف الأمنية المرجوة كبيرة.

إن أي تعديل أو تغيير يظهر في النقاط التالية:-

1)         تهتك مفهوم السياج الشرقي, والتي تعتبر فكرة سياسية.

2)         إيقاف استخدام "كلمة إضافة" إلى السياج والتي تعني العمل على زيادة ارتفاع السياج لمنع عمليات التسلل داخل المراكز الإسرائيلية, وإيجاد حلول بديلة وهادفة للمشكلة القائمة.

3)         إنهاء وحصر المواقع من الجدار التي تفصل بين السكان ومراكز تقديم الخدمات, مثل التعليم والصحة.  وأيضاً حصر المواقع التي تفصل سكان القرى عن أراضيهم.