نشرة دورية تعني بالترجمة عن الصحف والمجلات العالمية

نشرة مترجمة لا تعبر بالضرورة عن وجهة نظر التوجيه السياسي

تصدر عن هيئة التوجيه السياسي والوطني

مستوطنات شمال الضفة

إلى من سيتم تسليمها؟

 

ماثيو غوتمان

عن الجروسالم بوست

8 /3/2005

ترجمة: هالة الشريف

 

 يطرح الانسحاب الوشيك من أربع وحدات شمال السامرة وضواحيها أسئلة خطيرة بالنسبة لمرحلة ما بعد الإخلاء.

"يخربش" مسؤول فلسطيني عالي المستوى على دفتر أصفر اللون شيئاً يشبه نموذج RORSCHACHS روشاخ "اختبار للشخصية" (في علم النفس) إن السيد (م) الذي يفضل عدم ذكر اسمه هكذا، هو عضو في الفريق الفلسطيني المكلف بالمفاوضات غير الرسمية مع ضباط من الجيش الاسرائيلي حول موضوع الانسحاب مـن شمال السامرة المقـرر هذا الصيـف. 

 يتأرجح رماد لفافته ثم يقع وسط الخريطة، على موقع مدينة نابلس. يزيحه السيد "م" بيده ثم يتساءل: ترى هل بإمكان ذلك جعل  حياتنا أصعب؟" بالنسبة لفك الارتباط. لقد انتهى لتوه من رسمٍ واضحٍ للمنطقة الشمالية من السامرة التي تنوي اسرائيل الانسحاب منها.

 قبل أربعة أشهر من فك الارتباط، يتصاعد القلق على الجانبين الفلسطيني والاسرائيلي، ويخشون أن تسود الفوضى المنطقة, وتصبح ساحة مواجهات بين أمراء الحرب.

إن المعطيات المتوفرة في هذه المعادلة ذات "العناصر" المجهولة هي التالية:

 فك مستوطنات مثل غانم، قاديم، صانور، وحومش، بالاضافة إلى إخلاء 500 مستوطن يقيمون فيها، وفك بعض القواعد العسكرية، هذا كل ما نعرفه، ويتخذ الباقي شكلاً ضبابياً ومقلقاً. هل ستتنازل اسرائيل عن السيطرة الأمنية في شمال السامرة للسلطة الفلسطينية – وهي منطقة تساوي ضعفي ونصف مساحة غزة- أم ستترك فراغاً في السيطرة يسهل توجيه ضربات سريعة من داخل المناطق الفلسطينية؟ هل بإمكان الجهاز الأمني الفلسطيني بشكله الحالي تحمل مسؤولية السيطرة على هذه المنطقة؟

هل سيتم تفكيك كل القواعد العسكرية في المنطقة ؟

 في هذا الصدد يحذر ضابط احتياط شارك في المفاوضات شبه الرسمية مع السلطة الفلسطينية، من فشل هذا الانسحاب، وسير الامور عكس ما خطط لها, فعندها يجب الانتظار سنوات لإعادة التفكير في حل دبلوماسي. لكن اذا سار كل شيء على ما يرام، فسيشكل سابقة وستتأكد جميع الأطراف من امكانية حدوث ذلك ". ويؤكد التقرير بأن الانسحاب من السامرة هو بلا شك أكثر صعوبة من الانسحاب من غزة، لأن الدولة الفلسطينية المحتملة سترى النور فيها.

ومثل أغلبية زملائه القادة في فتح، قضى السيد "م" فترات عدة في السجون الإسرائيلية، وهو يتحدث العبرية والإنجليزية بطلاقة، ويعتبر نفسه معتدلاً لكن الإحباط يخامره و يقول: نعم "أريد السلام" " وأريد أن يتم هدم المخيمات وإنشاء مساكن لائقة مكانها، بما في ذلك فك المجموعات الإرهابية ووضع حد لها".

 لكن "م" لا يريد تحمل المسؤولية الأمنية في شمال السامرة وسكانها من الفلسطينيين الذين يبلغ عددهم 300000 ألف مواطن على الأقل: "لا أريدها الآن "لا أريد أن أكون شريكاً في أمر بهذه البشاعة" مشيراً الى الخارطة المستقبلية لمنطقة السلطة الفلسطينية," إنها تشبه رئتي مدخن" ويواصل قائلاً: بسبب احتفاظ جيش الدفاع بحق التدخل لاعتقال أي إرهابي وحين يترك فك الارتباط منطقة الشمال منفصلة عن كل مدن يهودا والسامرة.

 من جهتهم يصر ضباط الجيش الإسرائيلي ويوافقهم ولو ضمنياً نظراؤهم الفلسطينيون, ذلك أن كل شيء يعتمد كلياً على العامل الزبيدي". إذا كان بإمكان السلطة الفلسطينية استيعاب عناصر كتائب شهداء الأقصى وإرهابيين محليين آخرين في نظامها البيروقراطي (حيث قام عباس بإعطاء امر بزيادة الرواتب كإشارة تشجيع) حينها ستبقى اسرائيل وراء الجدار الأمني وباستطاعة الفلسطيني مشاهدة بداية قدوم الخريف.

 وإذا استمر زكريا الزبيدي قائد الكتائب في منطقة جنين والقادة الآخرون (حسب مصادر الاستخبارات هناك أكثر من خمس أو ست خلايا تعمل في نفس المنطقة) في الإمساك بزمام الأمور، حينها لن يبقى لاسرائيل إلا خيار الإقامة في بيت محافظ جنين.

"لكن الزبيدي يقفز ويختبئ كلما "عطسنا" باتجاهه. لقد تعب هو وأصدقاؤه ويريدون أن يصبحوا في وضع شرعي, وللمرة الأولى يبدو أن اسرائيل "والمناضلين" قد اتفقوا، وخلال مقابلة أجريت في 25.2.2005 بمخيم جنين, صرح قائد الكتائب مساندته لأي انسحاب – مهما كان من أي جزء من الأرض الفلسطينية حتى لو كان ذلك يتعلق فقط بنقاط عسكرية.

 ويعتبر الزبيدي بأن غانم وقاديم اللتين تطلان على جنين، عبارة عن مخيمات عسكرية لأنه لم يشاهد منذ زمن طويل أية مستوطنة.

 والزبيدي - وراء قناع الآثار القاسية والبادية على وجهه جراء انفجار خلال مداهمة مخيم جنين سنة 2002 - هو قائد محلي براغماتي ومتكبر معتد بنفسه، لا يزال يتحدث عن نفسه باستخدام ضمير المتكلم " نحن ": وحيث إنه يعرف أن أمورا كثيرة تتوقف عليه وأصبح اسمه عبارة عن ماركة مسجلة ، وهو يدعي بأنه التزم ولا يزال  بوقف إطلاق النار الذي دعا إليه عباس.

ويشرح بعدم اكتراث قائلاً، بأنه مضطر لتغيير هاتفه النقال بشكل دائم حتى لو كان ذلك مجرد اجراء وقائي من اغتيال محتمل، وهذا دليل شغفه بكل الوسائل التكنولوجية الحديثة ابتداء من جهاز "النوكيا" الذي يخرجه من جيبه بشكل مستمر وبندقية الـ M.16  الموضوعة بدقة على كتفه، ومسدس السميث المثبت على خصره، و صولا الى السيارة الاسرائيلية الذاتية الدفع التي ترجل منها للتو. أما أجهزة النوكيا فتأتي من شبكة للتهريب بين اسرائيل والمناطق الفلسطينية. كعادته يجيب الزبيدي بشكل مراوغ ثم يهدد بحرق اسرائيل (وهو أحد القلائل الذين يستخدمون عبارة اسرائيل، حيث يفضل معظم الآخرين استخدام كلمة "اليهود") ويقول بأن اسرائيل لم تلتزم بانسحاب حقيقي "يتساءل الرجل الذي يحمل البندقية وكيف لها أن تسمي ذلك انسحاباً في حين تحتفظ بمستوطنتين هناك، (وهما ميفودوتان وحومش) في قلب يهودا والسامرة"؟ كيف يمكن أن يعتبر ذلك انسحابا حين يضم الجدار الى اسرائيل مستوطنة شاكدو "حينانيت" الواقعة على طول الحد الشمالي ليهودا والسامرة"؟ هل بإمكاني الذهاب الى يعبد؟ اذ يستلزم ذلك تصريحاً، وهل يعني ذلك أنه يتوجب علي التسجيل لدى السلطات الاسرائيلية؟ هل بإمكان سكان يعبد القدوم إلى هنا دون أية مشاكل؟

وحين يطرح عليه السؤال فيما إذا كان يعتبر نفسه المسؤول عن الاجتياحات الإسرائيلية على جنين، يجيب قائلا بأن الاحتلال هو المسؤول الوحيد.

إن المنطقة ليست بالغريبة عن ذلك المفهوم. فالسامرة العتيقة والتي أسسها الملك عومرى كانت عاصمة للمنطقة الشمالية لمملكة اسرائيل بداية قبل المسيح, وقد تم غزوها ونهبت عدة مرات في الألفية التي لحقت – حيث أبيد عدد كبير من اليهود أثناء الاحتلال الآشوري إلى أن قام الملك هيرود بإعادة بنائها وتقديمها إلى قيصر روما. وكان اسمها سيباستوس (سبسطية) في عصر فلسطين الهيلينية.

 لقد كان مركز هيرود مهد الحركة الاستيطانية الحديثة في سيباستيا (سبسطية) وتتالت الغزوات على سبسطية من قبل القادة المسيحيين والسمرة، والعرب المسلمين والعثمانيين والبريطانيين والأردنيين وبالنهاية اسرائيل. وكانت المنطقة أي جنين حتى الانتفاضة الأولى تزدهر بنشاطها التجاري مع اسرائيل.

لقد شهدت الانتفاضة الأولى في جنين ظهور مجموعة " الفهد الأسود" وهي خلية مرتبطة بفتح، وتبعتها كتائب الأقصى.

وحتى شهر أكتوبر 2003 كانت نسبة 80% من الإرهابيين الانتحاريين الذين ضربوا اسرائيل قد أرسلت من قبل خلايا الجهاد وحماس وفتح في جنين، لكن ومنذ ذلك الحين لم ينجح إرهابي واحد في الدخول الى اسرائيل انطلاقاً من تلك المنطقة.

وبما أن اسرائيل تصر إلى هذا الحد على تسليم السيطرة الأمنية على المنطقة للفلسطينيين بعد الانسحاب، فذلك ناتج عن تأثير ثلاث مؤسسات اسرائيلية ذات علاقة بخطة فك الارتباط: هي الجيش, والشين بيت, ومكتب رئيس الوزراء.

في الوقت الذي يضغط جهاز الشين بيت لوضع إجراءات ضاغطة وإجبارية على الأرض، يرى الجيش أنه بذلك يعطي الفلسطينيين فرصتهم. وبين هذا وذاك يحتار مكتب رئيس الوزراء بين القطبين: الشين بيت, والجيش.

 يفضل الشين بيت الحفاظ على تماس ودخول مباشر الى "يهودا والسامرة" وبالتالي التواصل مع المخبرين الذين لا يقدرون بثمن، ومن ثم القدرة على الضرب كلما رأى ذلك ضروريا. وذلك ينطوي إما على خضوع كامل من قبل السلطة، أو وجود فراغ سياسي.

 كما أسمع العديد من الضباط الكبار للمنطقة الشمالية بأنه اذا أظهرت الأجهزة الأمنية الفلسطينية تصميمها - تحت قيادة وزير الداخلية نصر يوسف – وهو أول وزير كانت لديه الشجاعة لطرد عناصر غير كفؤة – واستطاعت إثبات كفاءتها, سيكون الجيش الإسرائيلي على استعداد لمنحها فرصة.

 ويوضح ضابط اسرائيلي كبير بلهجة مطمئنة قائلا: إننا لا نقوم بتغيير لون وتسمية المنطقة, وإنما نقوم فقط بتفكيك بعض المستوطنات ليس إلا.

 يجب أن لا ننسى أن الاتصالات العسكرية بين الجيش والفلسطينيين على مستوى رتبة عقيد لم تتوقف أبداً حتى في أكثر أيام الانتفاضة دموية، وبالفعل ولمدة تقارب السنة كانت تلك العلاقات هي الإتصال الرسمي الأعلى بين الإسرائيليين والفلسطينيين.

وتشرح اسرائيل بشكل مستمر الهدف الأول من الانسحاب وهو تقليص الاحتكاكات بين اسرائيل والفلسطينيين لا اكثر.

 تفقد الأجهزة الأمنية للسلطة الفلسطينية عقلها، بسبب السلطة التي بيد القادة الارهابيين, وبلغ التوتر أوجه حين حيا الزبيدي في شهر يناير الماضي قدوم محمود عباس الى جنيـن - في إطار حملته الانتخابية – بإطلاقه واحداً وعشرين طلقةً احتفالاً بقدومه.

وحرص الزبيدي على أن يقوم رجاله بحماية أبو مازن خلال زيارته وليس رجال قدوره موسى محافظ جنين.

 كما قام بطرد الشرطة الفلسطينية من مقبرة الشهداء حين التقى القائد الوهمي بالثوري، وتوقع له هذا الأخير نصر الأبطال.

 ثم أخذ الزبيدي الوفد السياسي المرافق لعباس، وأطلق مع رجاله مئات الصليات مباشرة من فوق رأس عباس، وفي حين كان مرافقو عباس يدفعونه بقوة داخل سيارته المصفحة، لم يعد هناك شك حول هوية القائد الحقيقي للمدينة, وحين غضب الزبيدي لعدم دعوته لحضور الاجتماع الذي عقد برئاسة نصر يوسف وزير الداخلية الحالي مع وجهاء المدينة، اقتحم الزبيدي ورجاله مكتب المحافظ واشتبكوا مع العناصر الأمنية لوزير الداخلية ثم قاموا بإطلاق النار في الهواء مشترطين مغادرته الفورية.

 ثم صرح الزبيدي أمام الكاميرات قائلاً: لكل مدينة بوابتها الخاصة ونصر يوسف لم يدخل من البوابة الصحيحة.

وقيل أن نصر يوسف رد عليه غاضبا ً: "لن نغادر جنين قبل اعتقال هذه المجموعة من المجرمين".

 وبما أن الأولوية هي للأمن في شمال السامرة, اقترح عرض الأردن وإدارة الملك عبد الله نشر قوات بدر التي تم تأهيلها في شمال السامرة، وكان القصر قد أكد بأن حوالي 2000 عنصر من قوات بدر (بالإضافة لعائلاتهم) بإمكانهم فرض السلام في المنطقة الشمالية.  وبمجرد ذكر عبارة بدر لم يستطع ضابط اسرائيلي كبير كبت ابتسامته واسترد  جديته قائلاً: "ذلك غير ممكن بتاتا".

لكن في الدولة الفلسطينية الوهمية لا يعتبر كل شيء عفناً. فقد قامت القوات الفلسطينية الخاصة بقيادة بشير نافع الذي شارك في "الحوارات غير الرسمية حول فك الارتباط" بعدة اعتقالات واسعة حتى أن بعضها جرى بالتنسيق مع الشين بيت والجيش، حيث أوقفوا ارهابيين، وأبطلوا مفعول قنابل عديدة، ووضعوا أيديهم على العديد من الأحزمة الناسفة.

 وفي مكتبه الجديد بتل أبيب يعرض رئيس الأركان الجديد "موشي بوجي" رموزاً  (علم الجيش والتوراة) تلائم هذه الرموز اليهودية مكتب قائد للمعسكر الديني أكثر مما تلائمه رتبة جنرال، ومن غير المألوف أن يكون هذا الجنرال مقتنعاً بعدم وجود أية مشكلة قبل أو بعد الانسحاب من السامرة.

ويهز كتفيه باستغراب قائلا: "أية مشاكل"؟

 يخشى الأشخاص الذين شاركوا في المفاوضات بين الجهتين بأن تكون اسرائيل منشغلة وتركز بشكل كبير على الانسحاب من غزة.

 يبوح كبار السؤولين بالكثير حيت يتحدثون عن فك الارتباط، وتعبر قيادة الجيش في اجتماعاتها المغلقة عن قلقها حيث يعبر العديد من الشخصيات عن ذلك بقولهم "القرار السياسي" حين يتعلق الأمر بالحفاظ على مستوطنات "ميفودوتان" "وحومش" التي تقيم فيها سبعون عائلة. وفي النصوص الأصلية لخطة الانسحاب يجب أن يتم إجلاء المستوطنين.

 لكن تم بعد ذلك مسحهما من الخطة دون شرح واضح كما يقول البعض، وستبقى على ما هي عليه, فيما ستصبح بعد ذلك منطقة فلسطينية شبه مستقلة. وعندها تتكلف المحافظة على تلك المستوطنات مبالغ طائلة تقع على كاهل دافع الضرائب سواء بالنسبة للأيدي العاملة أو اجراءات الحراسة.

 سكان القرى الصغيرة مرعوبون، لو أن لديهم المال الكافي لرحلوا مؤكداً على ذلك أرييه سينتوفيتش رئيس مجلس "ميفودوتان" ويعمل أيضا كوسيط بين المستوطنة والدولة والجيش, ويعلم بأن الجيش هيأ نفسه لكل السيناريوهات الممكنة ابتداءً من الهدوء التام الى ضرورة نشر الجيش في وسط جنين.

 تبين اذاً بأنه لا يوجد أحد مهيأ لفك الارتباط. يرى السيد "م" بأنه يتوجب على الفلسطينيين رفض السيطرة على قطع أرض صنفت بشكل تعسفي. وتقول وزارة التخطيط أن الأمر أسوأ من ذلك، فقطعة الأرض هذه ليست فعليا شمال السامرة. حيث تشمل تقريباً كل مناطق "أ" و "ب" لكن تستثنى من ذلك المنطقة "ج" التي ستبقى تحت السيطرة المدنية والعسكرية الإسرائيلية، وبذلك يكون لإسرائيل منطقة عازلة يبلغ عرضها كيلومتراً واحداً بين المنطقة التي سيتم اخلاؤها والخط الأخضرعلى طول نهر الأردن وطولها خمسة عشر كيلو متراً تقريباً. النتيجة سيضطر سائقو السيارات اذا أرادوا الذهاب من جنين إلى طولكرم للعبور من حاجز عسكري اسرائيلي.

 ويعترف سميح العبد المدير المساعد لوزارة التخطيط الفلسطينية والمكلف من بين آخرين للتحضير لغداة الانسحاب، بأنه يخوض في الوضع الحالي كالأعمى، وفي 28 فبراير الحالي صرح قائلاً: نحن نجهل تماماً محتوى الخارطة الإسرائيلية كيف سيكون حجم وشكل شمال السامرة؟ وكيف سيجري ذلك؟ يخشى الفلسطينيون مما سيجري على الحدود الجنوبية للمنطقة التي سيتم إخلاؤها.

 هل سيترتب عن إبقاء الحواجز العسكرية الثلاثة لمنطقة نابلس نموذج بوابة قلنديا المقامة على مشارف رام الله والتي غالباً ما تحصل عليها أزمات خانقة.

 هل بقاء المستوطنين سيقسم المنطقة التي سيتم اخلاؤها؟. ما من شيء من هذا كله بوسعه حرمان الفلسطينيين من الحلم. حيث توجد وفي مكتب العبد بالوزارة خطط مفصلة تحول مستوطنات مثل غانم وقاديم الى معاهد تقنية، أو أماكن استراحة. كما أن وزارته استقبلت الاسبوع الماضي قدورة موسى محافظ جنين، وتتطلع إلى تطوير النشاطات التجارية والسياحية في الشمال، والذي قال: "أن الأمر سيكون رائعاً لأن المنطقة خلابة"، ويضغط ضابط الارتباط الإسرائيلي على الأجهزة الأمنية لكي تمنح المزيد من تصاريح العمل للفلسطينيين، كما يطلب العمل على زيادة نشاط حركة العرب الاسرائيليين بإتجاه المنطقة التي ستصبح مستقلة شرطاً للتعايش بعد الانسحاب الإسرائيلي حيث يوجد حوالي 300,000 مواطن تقريباً في المنطقة, عدد كبير منهم مزارعون أو منتجون محليون . عاش العديد منهم لمدة طويلة بسلام إلى جانب اسرائيل وقاطني المستوطنات، حتى الزبيدي قال إنه يتمنى أن يرجع الوضع إلى ما كان عليه.

ويدعي داني أتار مسؤول المجلس الإقليمي "لجلبو" وأحد مناصري الجدار الأمني في الشمال، بأن زيادة عدد تصاريح العمل للفلسطينيين أساسية لمستوطنته. وهكذا مضى يناضل لإجبار معبر الجلمة الواقع شمال جنين على زيادة ساعات عمله وتحسين طريقة أدائه.

 يقول العبد منذ عام والمسؤولون الفلسطينيون يلتقون بشكل منتظم مع شبه رسميين اسرائيليين ومنهم ضباط كبار سابقون، وعلى الرغم من أن الجيش ومؤسسات أخرى تعلم بأمر هذه اللقاءات، وتصلها تقارير مفصلة حول ذلك, لكن لم يقوموا بأي اتصال رسمي.                                                     

وبشكل رسمي أيضا لا تترك لهم اسرائيل هامشاً كبيراً للتحرك. يكرر العبد ما يقولونه: "من جانب واحد تعني فعلاً من جانب واحد". من جهته حاول البنك الدولي أيضا العمل على وصل اسرائيل بالفلسطينيين بغية تحويل ودائعهم بالإضافة بما فيها المستوطنات، لكن مهمته باءت بالفشل.

 وفي الإطار نفسه قال "نغيل روبرتس" المدير الإقليمي للبنك في يهودا والسامرة "بإمكاننا القيام بمجهود وعمل أكبر مما قام به معظم المراقبين الخارجيين موضحاً أنه على اسرائيل والفلسطينيين" التصرف بسرعة استعداداً للإنسحاب.

 أما دائرة التخطيط في الجيش الإسرائيلي فقد أعدت أكثر من استراتيجية وخريطة، وأكثر مما يتطلبه الوضع، بينما وحتى لحظة تشكيل الحكومة الفلسطينية أواخر شهر فبراير لم يتم تكليف وزير التخطيط لديها بالإعداد للغد.

من المؤكد أن هذا الإهمال يرجع الى الفوضى السائدة داخل السلطة الفلسطينية وربما يعود ذلك لأمور أخرى.

ويمتعض عابد المهندس المدني من ردة فعل اسرائيل المتغطرسة تجاه اقتراحات الفلسطينيين بخصوص انسحاب منسق، ويقول "في كل الأحوال نحن نتحدث عن مرحلة سلام من المفترض أن تتغير فيها المواقف. يهز أحد الضباط الإسرائيليين المشاركين في المحادثات مع الفلسطينيين رأسه قائلا: هنا تكمن المشكلة فالفلسطينيون لا يدركون إلى أي درجة تغيرت عقلية الإسرائيليين منذ اندلاع الانتفاضة. "بكل بساطة لا يمكننا الرجوع إلى نقطة الانطلاق (مثلما يطالبون) خاصة وأننا نعتبر أجهزة الأمن الفلسطينية ضعيفة جداً".

 على شاشة الكمبيوتر أمام الضابط يلاحق الصياد (المقتبس من رسوم متحركة مشهورة) فريسته، وهو مشهد تم اختياره ليكون على شاشة مكتب الجهاز.

ويؤكد الضابط المحرَج قليلاً قائلاً: "إن ذلك ليس كما تظن" ومحاولاً تبرير سبب اختيار هذه اللعبة على الشاشة".

والسبب راجع إلى أن منطقة جنين جنة حقيقية للصياد, وفيها انقضَّ منذ ثمانية عشر شهراً على فريسته والمتمثلة في خمسة وثلاثين إرهابياً، أي ربع الذين تم قتلهم في يهودا والسامرة, إلا أن الضابط يوضح مؤكداً عدم قتل أي طفل. وحسب رأي الضابط نفسه  فإن موت ياسر عرفات الرئيس السابق للسلطة، جعل من أعدائه القدامى والجدد أكثر براغماتية. وقال:" لقد سئموا المطاردة ".

والضابط نفسه عسكري بمعنى الكلمة، حين يسلم عليك تشعر بقبضته القوية وعقله اللماح، وهو على دراية جيدة بالمنطقة بعد مشاركته في القتال أثناء عملية السور الواقي في مخيمات طولكرم وجنين وتراكم التجربة خلق لديه شعوراً بالاحترام تجاه أعدائه.

وحين طلب من الضابط – وهو قائد المنطقة – منذ ثلاث سنوات التنبؤ بما سيجري في المنطقة، توقع سيناريوهات ثلاثة.

سيناريو (1): تتولى السلطة الفلسطينية السيطرة الأمنية، وتستوعب أو تتخلص من الإرهابيين مثل الزبيدي، وتعلن قيام "MINI" دولة في المنطقة.

سيناريو (2): يستمر الإرهاب ومحاولات عبور الجدار الأمني الإسرائيلي أو ربما إطلاق الصواريخ" الأمر الذي سيقود إلى اتخاذ تدابير عسكرية اسرائيلية واسعةٍ ورجوع القوات الإسرائيلية إلى مخيم جنين.

سيناريو (3): وهو الأكثر احتمالاً: تبذل السلطة الفلسطينية جهداً لإعادة تأهيل أجهزتها الأمنية، وتنجح في ذلك، وتقوم اسرائيل في الوقت نفسه بإدارة علاقاتها مع الفلسطينيين حسب خطين واضحين، الخط السياسي وخط مكافحة الإرهاب، وعلى الرغم من الشعور بالارتياح الذي انتابهم حيث لن يكون انتشار الدوريات الإسرائيلية مستقبلاً في المستوطنات، مما سيمكن القوات المحلية من العمل بشكل أكثر فعالية، يخشى المسؤولون الكبار في الجيش مما سينتج عن إبقاء المستوطنتين.

 إن لدينا انطباعا بأن أي تأخير أو أي حادث غير متوقع سوف يقلب الوضع رأسا على عقب، وقد رفع الهدوء النسبي في الفترة الأخيرة من قيمة كل هجوم فلسطيني وقع في قلب اسرائيل.

 يقول الضابط في السياق ذاته: "بإمكان أي هجوم حتى لو كان بسيطاً جداً مقارنةً بما شاهدناه في السابق، أن يتسبب في انقلاب الوضع السياسي". لذلك يأمل الضابط ذاته بقاء "المطاردين" في مناطقهم.

 يبدو حالياً أنه لا يوجد هدوء سائد في جنين، ويبدو أن ذلك لا يزعج الزبيدي كثيراً. فقبل عام تقريبا قتلت اسرائيل "ابو خليفة" وهو نائب الزبيدي، وأجرى معه صحفي حينها مقابلة في غرفة مغلقة تعج برائحة الدخان، وكان رجاله على أهبة الإستعداد وقد كان أحدهم يحمل بين ذراعيه طفلا لصديق شهيد في حين تتكدس كيلة بنادق في زاوية من الغرفة.

وبتاريخ 4/3/2005 قدم الزبيدي المولع بالاستعراض على متن سيارة جيب في الموعد المحدد له بدقة لإجراء المقابلة مع الصحفي حاملاً على كتفه رشاش م 16، تلحق به مجموعة من الأطفال السعداء بقدومه. وبدأ المقابلة تحت شمس فبراير، وتحت بصر السكان الذين كانوا ينظرون إليه بفضول.

يجلس الزبيدي على كرسي كان قد قدمه إليه أحد الشباب واضعاً رشاشه على ركبتيه، وبضجر بالغ يلعب أطفال المخيم، وبسعادة كبيرة يحيط به الشباب، وبالنسبة لرجل تبحث عنه اسرائيل ويدعي بأنها لا تزال تواصل عملياتها العسكرية بكل حرية، فهو معرض للخطر بشكل مميز وغريب.