يعد موقع "بيلاريجيا"  شاهدًا على قدم المدينة التاريخية - الصباح
يعد موقع "بيلاريجيا" شاهدًا على قدم المدينة التاريخية - الصباح
الرئيسية / ادب وثقافة / “بيلاريجيا”.. المدينة الملكية الضاربة في عمق تاريخ تونس

“بيلاريجيا”.. المدينة الملكية الضاربة في عمق تاريخ تونس

تونس – الصباح – أحمد القدوة: تعد تونس بلد غني بمواقعه الأثرية ومعالمه الحضارية المتنوعة، فهذا البلد عاش مراحل متعددة في تاريخه بدأت منذ تأسيس مدينة قرطاج وصولًا إلى الرومانيين ثم البزنطيين قبل سيطرة العرب على تونس الغنية بمساحاتها الخضراء.

وتعتمد تونس على مواقعها الأثرية والخدمات المتنوعة في هذا المجال من أجل دعم السياحة وتنشيطها بعد نحو ثلاث سنوات من انتشار وباء كورونا وتأثيراته على اقتصاد البلاد.

رحلة تعريفية

وفي هذا الإطار، نظمت وكالة إحياء التراث والتنمية الثقافية، التي تُشرف على نحو 62 موقعًا أثريًا ومعلمًا تاريخيًا ومتحفًا، في الثامن من مارس/ آذار رحلة تعريفية إلى موقع “بيلاريجيا” الأثري الذي يتبع ولاية جندوبة الواقعة شمال غربي البلاد.

ويعد هذا الموقع من أقدم المواقع الأثرية في تونس التي تشتهر بمناطقها السياحية الخلابة.

وكانت الرحلة فرصة لمجموعة من الصحفيين التونسيين والأجانب المشاركين للتعرف أكثر وعن قرب على أهمية موقع “بيلاريجيا” الأثري ومدينة شمتو على المستوى المحلي والوطني، ومتحفها الذي يوثق أهم الحقب التاريخية التي مرّت على تلك المناطق.

وتتواصل مجهودات وكالة إحياء التراث التابعة لوزارة الشؤون الثقافية “لتحقيق نقلة نوعية في مجال التراث وجعله من مقومات التنمية المستدامة ومحركًا للاقتصاد على المستويات المحلية والجهوية والوطنية”، بحسب ما تشير لائحة أهدافها. كما تطمح إلى مواكبة التغيرات العالمية وإعادة التأكيد على أهمية المواقع الأثرية وعمقها الضارب في التاريخ في عملية تنشيط العملية السياحية برمتها.

إحياء التراث المادي

ويشكل موقع “بيلاريجيا” الذي لا تزال ثلاثة أرباعه مغمورة تحت الأرض، ولم يكشف سوى عن جزء من المدينة، أهمية إستراتيجية في عملية إعادة تنشيط السياحة في مناطق الشمال الغربي وولاية جندوبة تحديدًا التي تبعد نحو 180 كلم عن العاصمة تونس.

وتسعى الوكالة إلى إعادة إحياء هذا التراث المادي وحمايته من الاندثار أو العبث به خاصة بعد ما عانته المنطقة من تهميش وتغييب طوال العقود الماضية.

وتأتي الزيارة إلى الموقع الأثري بهدف تدعيم الرؤية الوطنية لإعادة تنشيط السياحة الداخلية والخارجية والتعريف بها لجعلها أحد ركائز التنمية الاقتصادية والثقافية وتحقيق عوائد هامة تعود بالنفع على تلك المناطق والبلاد بصورة عامة.

الموقع الأثري بـ"بيلاريجيا" - الصباح
الموقع الأثري بـ”بيلاريجيا” – الصباح

موقع “بيلاريجيا”

ويعد موقع “بيلاريجيا”، الذي يحتوي على جدران وغرف متكاملة وحدائق وأعمدة، شاهدًا على قدم المدينة التاريخية الذي لا يعرف تاريخ تأسيسها بالتحديد، لكن وفقًا لوكالة إحياء التراث، فإنّ “الدليل على قدم هذه المنطقة يتمثل في الغاز/ المخبأ المسمّى “كاف العقاب” والواقع على مسافة 5 كلم من “بولا” بين الناحية الغربية والجنوبية الغربية ويعود تاريخه إلى العصر الحجري الحديث”.

ووفقًا للوثائق الرسمية، فإن جذور “بيلاريجيا” تعود إلى القرن الرابع قبل الميلاد، إلا أنها لم تصبح ذات أهمية إلا بعد سيطرة القرطاجيين عليها، حيث خضعت المدينة عام 203 ق.م للرومان قبل أن تصبح عام 156 ق.م عاصمة للملك النوميدي ماسينيسا حليف روما.

كما تشير تلك الوثائق إلى أنّ اسم “بولاّ” ظهر لأول مرة في المصادر اللاّتينية الكلاسيكية عند ذكر ملاحقة الملك النوميدي هيارباس بهذه المدينة. وقد لجأ إليها عندما طاردته الجيوش الرومانية.

وظهر اسم المدينة بعد ذلك بزمن طويل (في نهاية القرن الرابع الميلادي) في إحدى مواعظ القديس اغسطينيوس الذي كان يؤاخذ سكان “بولاريجيا” بالاستمرار في التردّد على أماكن الدعارة والفساد مثل المسرح في حين أعرض عنها منذ زمن طويل أجوارهم سكان مدينة شمتو، بحسب الوثائق.

الموقع الأثري بـ"بيلاريجيا" - الصباح
الموقع الأثري بـ”بيلاريجيا” – الصباح

وتشير وكالة إحياء التراث والتنمية الثقافية إلى أنّ المدينة وكامل منطقة السهول الكبرى أصبحت في القرن الثالث الميلادي تخضع لحكم قرطاج المباشر، وقد مهدت لهذه السيطرة فترة طويلة من المبادلات البشرية والاقتصادية كان من نتائجها “بونقة” السكان الذين آل بهم الأمر إلى تبني الحضارة البونية بكامل مقوماتها من دين ولغة وكتابة وطقوس جنائزية.

ومرت على المدينة فترات عرفت فيها بعض التدهور، لا سيما في العهد البيزنطي، فقد كان الحرص على الجانب الدفاعي في أغلب الأحيان سببًا في إقامة تحصينات على حساب المعالم الموجودة، بحسب وثيقة وكالة إحياء التراث التونسية.

وتميزت بيوت مدينة “بيولاريجيا” بأنها تجلب انتباه الزوار بفضل نموذجها المعماري المنزلي الفريد من نوعه. وتوضح وكالة إحياء التراث بأنّ هذه المدينة الأثرية الوحيدة التي تشتمل على بيوت للسكن ذات طابقين، أحدهما تحت مستوى الأرض، والهدف من ذلك وفق أقرب الاحتمالات، أن هذه الطريقة في البناء وليدة الحرص على مقاومة فرط درجات الحرارة صيفًا والبرد شتاء.

منطقة متحف "شمتو" في ولاية جندوبة - الصباح
منطقة متحف “شمتو” في ولاية جندوبة – الصباح

موقع “شمتو”

أمّا بالنسبة إلى “المركب المتحفي في شمتو”، فهو الآخر يحتوي على عمل توثيقي كامل للمنطقة وتاريخها الطويل، حيث يوثق الفترات والآثار والحياة التي تشكلت في تلك المنطقة.

وتأسس المتحف في تسعينيات القرن الماضي بإنجاز من المعهد الوطني للتراث وبمساهمة وكالة إحياء التراث والتنمية الثقافية والمجلس الجهوي لولاية جندوبة والمعهد الألماني للآثار بروما.

وتقدّر السلطات المشرفة على المتحف بأن حجم الإنفاق على تأسيسه بلغ نحو 1.4 مليون دينار تونسي بمساهمة ألمانية بلغت نحو 400 ألف دينار، بالإضافة إلى توفير الخبرات الألمانية للإشراف على هذه الآثار والمناطق التاريخية.

متحف "شمتو" الأثري
متحف “شمتو” الأثري

عن الصباح الفلسطينية

شاهد أيضاً

انتفاضة ايران

رفض الصفقات السريّة والعلنيّة بين الحكومة الدنمركيّة والكيان الإرهابي الإيراني

مظاهرات في ايرلن تطالب باسقاط النظام بيان رفض الصفقات السريّة والعلنيّة بين الحكومة الدنمركيّة والكيان …

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *