الرئيسية / ادب وثقافة / قراءة بديعة النعيمي : القلق الوجودي في رواية الهامش للكاتب خالد سامح

قراءة بديعة النعيمي : القلق الوجودي في رواية الهامش للكاتب خالد سامح

بديعة النعيمي

القلق الوجودي في رواية الهامش للكاتب خالد سامح

منشورات ضفاف/ الاختلاف/ بيروت/2020

قراءة بديعة النعيمي

تدور أحداث رواية الهامش للكاتب خالد سامح في فترة حرجة من التاريخ هزت العالم العربي وهي فترة سقوط النظام العراقي عام 2003 وما بعدها. وما تبعه من نخر للقيم والمبادئ. وقد دعت تلك الأحداث في مجملها إلى القلق والخوف على الوضع الذي وصلت له مجتمعاتنا وانعكاساته النفسية والمادية على شريحة الشباب ،خصوصا بعدما أصبحت عمان هي المكان الأكثر أمانا للفارّين من لهيب تلك الحرب التي أتت على الأخضر واليابس وقلبت موازين الأمور.
ومن العتبة الأولى للرواية وهي العنوان الموسوم ب الهامش يستطيع المتلقي أن يستشف بأنها رواية مشحونة بهاجس القلق.
والقلق ظاهرة طبيعية وتجربة إنسانية شاملة وهو كما قيل نتاج أصيل للانكفاء على الذات وابن شرعي لسلبيات العصر.
ونستطيع أن نقول بأنه ينشأ في أي وقت تكون حياة الفرد معرضة للخطر الذي يهدد كيانه دون معرفة معالمه وحدوده،من غير أن يقدر على مواجهته سواء كان يهدد أمنه وكرامته أو مثلا عليا يؤمن بها وأفكارا ومبادئ يعتبرها أساسا لحياته.
وبما أن الرواية أصبحت تعبيرا عن أزمة الإنسان وانعكاسا عن عالمه المجهول المحبط وحصارا يخنقه بهواجس التوتر والقلق لما هو قادم فإنه سيجد ذاته تحت رحمة الاغتراب عن مجتمعه.
والمتلقي لرواية الهامش يستشعر حالات القلق ونوباته لدى شخصياتها بل ويتبادل هاجس هذا القلق معهم بفعل التأثير والتأثر من خلال المواقف في مضامين المتن الحكائي.

– مظاهر القلق الوجودي في رواية الهامش.
*قلق المكان والزمان( الاغتراب والتشظي).
يعتبر المكان والزمان من بين الأسس الفنية والمهمة التي يبنى عليها العمل الروائي. كما أنهما يمثلان الفضاء الذي يشكل فيه وجود الإنسان. وقد وظف الكاتب المكان في روايته ليعكس دواخل شخصياته المهمشة التائهة فكان المكان بلا هوية مهمش ومغترب الوجود وهذا يتضح ص48 عن مدينة الزرقاء التي لولا أبو مصعب الزرقاوي لظلت على الهامش ( الزرقاء مدينة تسلل أحد شبانها إلى العراق بعد الاحتلال الأمريكي،فجعلها بين ليلة وضحاها “مدينة عالمية” تذكر في كل نشرات الأخبار…اسمه “أبو مصعب الزرقاوي”).
والمكان عادة يرمز إلى السكن والقرار والأمن لكنه عند خالد سامح أصبح رمزا للضياع والخوف والتشتت،فهي بالتالي أماكن تعاني التيه. ومنه ما جاء ص31 عن العاصمة بغداد بعد سقوط النظام وما آل إليه حالها ( إلا أن بغداد أصبحت مطبوعة بالدم وغبار الأحزمة الناسفة وآثار أقدام لكل وحوش الأرض) فكل هذه الأوصاف لبغداد لا تعني إلا شيء واحد وهو أنها أصبحت مكانا لا أمان فيه بسبب القتل والخطف وانتشار الغرباء الدمويين فيها سواء كانوا من من جنود بوش أو إرهابيين يقاتلون باسم الدين وهم في الحقيقة صناعة غربية صهيونية.
كما تميزت الرواية بالتعدد والاختلاف وكثرة الانتقال من مكان إلى آخر ومنه ما جاء من تنقل حازم من الزرقاء إلى عمان والعكس طيلة أحداث الرواية إلى تنقل لهيب العراقية من بغداد إلى بابل ثم العودة إلى بغداد فعمان ثم إلى بيروت فعمان. وحتى الأحداث كانت متنقلة من مكان إلى آخر. ومنه ما جاء ص31( يتواصل العنف العبثي في العراق، ومزيد من الهاربين يصلون إلى عمان،ثم ينتقلون إلى تيه الصحارى والمحيطات..).
وفي موقع آخر ص97 عن لهيب العراقية( اشترتها من أكبر محل للمكياج…وسط بيروت).
وعلى لسان لهيب عن أختها ص110( أختي تزوجت بعد وفاة أمي بثلاثة أشهر وتركت بغداد،راحت تعيش ويا ( مع) زوجها عند أهله في بابل).
وهذه التقنية وأقصد تقنية التعدد والاختلاف وكثرة الانتقال من مكان إلى آخر تدل على التذبذب والقلق وتساهم في إرباك المتلقي.
وبالرغم من هامشية الأماكن في الرواية إلا أنها تحتض أسرارا من أسرار البشرية. ويتضح ذلك ما ورد ص50 على لسان حازم ( هذه البيوت التي طالما فاحت منها رائحة الأسرار والخبايا كنت أشمها دوما من الحديث الجماعي الهامس لأمي مع الجارات…). ومنها ما ورد ص136 على لسان السارد عند الحديث عن جلال الزين الملياردير العراقي صاحب نادي الصويفية الليلي الذي عملت به لهيب( فالنادي لم يكن إليه مجرد ملهى أو مرقص….نافذة على المدينة وناسها…منجم لأسرار علية القوم ،وأثريائها،وأصحاب الأمر فيها..في نواديه لطالما ولدت مشاريع كبرى ومررت صفقات شرعية وغير شرعية..).

أما عن الزمان ومظاهر القلق فمسلم به أن الزمن في عصرنا يتميز بإيقاع سريع أصبح يشكل للإنسان مشكلة نفسية وقد تأثرت رواية الهامش بهذا الحس الزمني القلق تأثرا واضحا. فالكاتب أتقن تقنية التنقلات في الزمن فمرة ينقلنا إلى عام 1991 وأخرى إلى عام السقوط ثم الرجوع إلى الستينات من القرن العشرين وأحداث تنحية الرئيس العراقي عبد الرحمن عارف على يد حزب البعث ثم العودة إلى عام 2005 وهكذا. فهذا الزمن المتقطع ما هو إلا ضياع وقلق يشعر المتلقي بالتشتت والضياع.

*قلق الشخصيات
معظم شخصيات رواية الهامش شخصيات مهمشة ولكنها مركزية وتدور حولها أحداث الرواية.
فحازم نال الدور المحوري بالتقاء معظم عناصر السرد الفني في حضوره.وحازم شاب من مدينة الزرقاء ينتقل للعيش في العاصمة عمان ليكون قريبا من الجريدة التي يعمل بها. عنده توجهات سياسية وملتزم بالقضايا القومية ما يجعله يعاني قلقا وتوترا يدفعانه إلى زيارة الطبيب.ويتضح هذا ص15 عندما سأله الطبيب النفسي عن وضعه ( فأجاب حازم: عاد لي القلق والتوتر).
وقد عاش حازم حالات القلق بكل معانيها وصورها باستثناء الفترة التي تقرب بها من لهيب المترجمة العراقية التي جاءت إلى عمان هاربة من بغداد. ويتضح ذلك ص101 ( أما هو فقد أثارته تلك العلاقة ،خلقت شغفا مفاجئا بالحياة لديه .وكأنها البعد الدرامي لحياته المملة).

وقد كانت لهيب بمثابة تعويضا له عن شعور النقص العاطفي بالرغم من أن العلاقة بينهما كانت علاقة غير شرعية ففي ص175 عن لهيب( بعثت الحياة في سريره الذي كان قبل أن تزوره قطعة من صحراء جليدية مقفرة).
أما عن الاغتراب النفسي الذي خضع له حازم بعد رحيل لهيب فيتضح ص177( عاد البيت موحشا تماما مثلما دخله أول مرة). ومن هنا تصل لنا المعاناة النفسية مع الفراغ العاطفي الذي خلفه غياب لهيب ليعود القلق والتوتر إلى حياته من جديد.

كما يغلب على شخصية حازم النزوع إلى اعتزال الناس وهذا من سمات الاغتراب النفسي ويتضح هذا للمتلقي في نهاية الرواية ص171( قدم حازم لإجازة …معتكفا منعزلا في بيته..يعارك عبثا عوارض اكتئاب تتسلل من جديد معمقة شعوره القاسي بالاغتراب عن محيطه ورفضه المنظومات المتحكمة فيه)
أما لهيب التي شغلت الطرف الآخر من الرواية وهي

عراقية كما سبق وقلنا. عانت أيضا من حالة القلق بسبب الحرب وكلمة الحرب تحمل بكل ثقلها الخوف ومختلف الهواجس المرعبة ففي ص104 على لسان لهيب لحازم وهي تهجس له عما حدث معها بعد سقوط النظام ( يعني ممكن اللي مريت بيه ،كثير عراقيات مرو بيه…كل امرأة مرت بحوادث تشبه حوادث تجربتي،إما انها انهارت تماما،ويمكن فقدت عقلها ،أو أصابتها حابة اكتئاب رهيبة ويمكن انتحرت).
وقد عانت لهيب من أكبر صدمة نفسية في حياتها وهي لحظة اغتصابها بعد أن تم اختطافها على يد الإرهابيين ففي ص127 على لسان لهيب( صمت وظلام ووحدي مع وحش ما أدري أي أرض انشقت وطلع منها). وبسبب هذه الصدمة العنيفة ظلت في عقلها الباطن تحلم بالانتقام من محاولة استئثار أبو مصعب الموصلي مغتصبها بمنح جسدها لكل من يطلبه ويدفع ففي ص139 عن لهيب( أرادت أن تحطم صورة الضحية الساكنة داخلها وتدوسها بحذائها وأن تخرج بصياغة أخرى لذاتها مستغلة هؤلاء الذين أغدقوا عليها العطايا والهدايا الثمينة لقاء ما يغدقه جسدها عليهم من متعة).
وقد اتسمت معظم شخصيات الرواية بالقلق مع اختلاف درجة القلق وشدته حسب المثيرات وسلوك الأبطال.

*قلق الأحداث
امتزجت الأحداث في رواية الهامش بين ما هو حقيقي ومتخيل وفلسفي ليكسر كل ما هو يقيني ويفرز مكانا مركزيا للهامش في هذا الوجود. فقصة جاسم/ جيسيكا العراقي الذي حاور حازم بشأن وضع المثليين في عمان وتخيل مظاهرة تسدّ شوارعها وقضية المثليين هي قضية هامشية لكنها يوما قد تظهر وتقلب موازين قوانين الدولة.

وبقي السؤال…هل انتصر الهامش في رواية الهامش ..وهل الحقيقة قد تكون في جزئية هامشية لا في ما هو متداول؟

عن الصباح الفلسطينية

شاهد أيضاً

غصون غانم

جلسة على موائد الفلسفة

جلسة على موائد الفلسفة في كتاب ( دوستويفسكي وكانط _ حوارات الأخلاق ) للكاتبة أفرجينا …