الرئيسية / الآراء والمقالات / ناهض زقوت يكتب : قراءة في كتاب مدارات الشعر المقاوم

ناهض زقوت يكتب : قراءة في كتاب مدارات الشعر المقاوم

ناهض زقوت

المجد لفارس القصيدة: قراءة في كتاب “مدارات الشعر المقاوم في شعر عبد الناصر صالح”

الكاتب والناقد/ ناهـض زقـوت

يمثل الشعر ديوان العرب، والأطول عمراً بين كل الفنون الأدبية، وأداة تحريك للمشاعر الوجدانية والمحرض على الكلمة الثورية. وقد سجل التاريخ أسماء المئات بل الآلاف من الشعراء الذين صدحوا بالقصيدة وحلقوا بها في سماء المجد عالياً، ومن هؤلاء الشاعر الفلسطيني عبد الناصر صالح الذي يعد من أبرز شعراء فلسطين، وصاحب الكلمة الحرة المعبرة عن سعة أفقه، وعمق ثقافته، وغزارة تجربته الشعرية.

الشاعر عبد الناصر محمد علي الصالح التايه من مواليد مدينة طولكرم سنة 1957، تلقى تعليمه الابتدائي والإعدادي والثانوي في مدارس مدينته، وأنهى الثانوية العامة في المدرسة الفاضلية بمدينة طولكرم. انتمى مبكراً لحركة فتح، ومؤسس ورئيس حركة الشبيبة الطلابية، ولجان الشبيبة للعمل الاجتماعي، ونائب رئيس مجلس اتحاد الطلبة في جامعة النجاح الوطنية (1979-1984). اعتقلته السلطات الإسرائيلية عدة مرات متفرقة أمضاها متنقلاً بين سجن طولكرم وعدد من السجون.

عبد الناصر صالح

عبد الناصر صالح

ساهم في تأسيس اتحاد الكتاب الفلسطينيين، وكان نائباً لرئيس الاتحاد منذ عام 1987 وحتى عام 2005. شغل وكيل وزارة الثقافة الفلسطينية حتى تقاعده عام 2018، عضو المجلس الوطني الفلسطيني، عضو مجلس أمناء جامعة فلسطين التقنية (خضوري) بمدينة طولكرم، ومؤسس ورئيس مُلْتقى طولكرم الثقافي الفني (مطاف). مثل فلسطين في عدد من المهرجانات والمؤتمرات العربية والدولية، كما شارك في العديد من الندوات الشعرية والثقافية في عدد من الدول العربية.، ودائم الحضور والمشاركة في الأمسيات والندوات المحلية.

 

كتب عدداً كبيراً من مؤلفاته الشعرية في داخل المعتقلات الإسرائيلية، وترجمت العديد من أعماله الشعرية إلى اللغات الأجنبية، وحاز على الجائزة الأولى لاتحاد الكتاب والأدباء الفلسطينيين عام 1990، وعلى جائزة الشعر الأولى في جامعة النجاح الوطنية عام 1980. من أعماله الشعرية: (الفارس الذي قتل قبل المبارزة ـــ سنة 1980)، و(داخل اللحظة الحاسمة ـــ سنة 1981)، و(خارطة للفرح ـــ سنة 1986)، و(المجد ينحني أمامكم ـــ سنة 1989)، و(نشيد البحر ـــ سنة 1991)، و(فاكهة الندم ــــ سنة 1999)، و(مدائن الحضور والغياب ــــ سنة 2009)، و(لا بد من حيفا ـــ سنة 2022).

***

كتب النقاد والباحثون العديد من الدراسات والكتب التي تقرأ أعماله الشعرية، ومن هذه الكتب كتاب (مدارات الشعر المقاوم في شعر عبد الناصر صالح) الصادر عن الاتحاد العام للكتاب والأدباء الفلسطينيين، رام الله 2022، وقد أهدانا الصديق الشاعر عبد الناصر صالح نسخة من هذا الكتاب والذي يضم ثماني دراسات نقدية في أعماله الشعرية. 

جاءت الدراسة الأولى للكاتب الدكتور إبراهيم نمر موسى بعنوان “عبد الناصر صالح .. نورس الشعر: حياته وشعره”، تناول فيها مسيرته الحياتية والشعرية، ويقدم بانوراما حول أعماله الشعرية، وتأثير تجربة الاعتقال على تشكيل القصيدة لديه، ورؤيته لقصيدة الشاعر، يقول: عبد الناصر محمد علي الصالح التايه شاعر مجيد، وحسن المطالع والمقاطع، وتتسم لغته بالدقة والايحاء والألفة، وبالرقة والشدة في مواضعهما من البلاغة والفصاحة، والاتباع والابتداع، والوضوح والغموض. أما أسلوبه فيغلب عليه الطبع والقوة ووحدة النسيج، وأما معانيه فسمتها الصدق والواقعية المعبرة عن عالمه النفسي والإنساني، فضلاً عن حضوره البارز في المشهد الشعري الفلسطيني المعاصر.

وقام الباحث د. موسى بقراءة دواوين الشاعر السبعة قراءة منهجية متأنية من الداخل، تنفذ إلى الكشف عن الايماءات النفسية والفكرية، وتستجلي العلاقات الفنية والموضوعية التي ترددت في جنباتها لتضيء جوانبها، وتستكشف طبقاتها اللغوية والدلالية. وقد قرأها في خمسة محاور هي: الوطن/ الأرض، واللجوء/ المنفى، والانتفاضة، والشهيد، والسجن. 

ويؤكد أن التجربة الشعرية عند الشاعر عبد الناصر صالح تتجلى في الحلم الابداعي بوصفه تصوراً للعالم، والارتفاع بالقصيدة من تشخيصها الذاتي إلى إنسانيتها الأشمل.

وتناولت الدراسة الثانية “الدلالة والمضمون في مطولة عبد الناصر صالح: نشيد البحر” للباحث الدكتور خليل عودة. يقدم من خلالها دراسة نقدية لديوان الشاعر نشيد البحر الصادر عام 1991، حيث درسه في عدة محاور: نشيد البحر بين الذات والواقع، وثنائية العلاقة بين الفلسطيني والبحر، والظاهرة التموزية، والمستوى الأسلوبي في النص. 

يشير الباحث إلى أن نص نشيد البحر “يشكل مدخلاً أساسياً لدراسة عالم الشاعر الداخلي، وعلاقته بالواقع من حوله، ففيه تتداخل رؤى الشاعر والمؤثرات التي تدفع به إلى اختيار النص الشعري وسيلة للتعبير عن هذه الرؤى التي تتقاطع فيها خطوط الماضي مع الحاضر، وتمتد إلى استقراء المستقبل”. أما عن مستوى القصيدة لدى الشاعر يقول: “اعتمد الشاعر في قصيدته ألفاظاً تتصل بالموضوع الذي تحدث عنه، وقد استطاع أن يوظف هذه الكلمات بشكل أكثر إيحاء، فهو عندما يتحدث عن البحر لا يقدمه بمعزل عن عناصر الطبيعة الأخرى، فمع البحر تأتي السماء والأرض، وقد عكست ألفاظ القصيدة هذه العناصر بشكل يوحي بعلاقته معها وموقفه منها، وقد تفاعلت اللغة مع احساس الشاعر الإيجابي بهذه العناصر”.

وقد أكدت الدراسة على قدرة الشاعر على امتلاك أدواته الفنية وتوظيفها بما يخدم رؤيته وتوجهاته الواقعية، حيث أن القصيدة امتلكت العديد من الألفاظ التي ربطت بين الفلسطيني والبحر، من النكبة إلى الخروج من بيروت. ويخلص الباحث في دراسته إلى القول: “إن هذه المطولة تعد نموذجاً شعرياً متميزاً، يفتح الباب واسعاً أمام مطولات شعرية ذات نفس طويل، وقد عكس الشاعر من خلالها قدرة جعلته متمكناً من أدواته الفنية، وأتاحت له الامتداد زمنياً عبر تجارب عدة في حياة الفلسطيني من خلال رمز جغرافي تواصل معه الشاعر إيجابياً، ووظفه ليكشف عن المتناقضات في حياته، وقدرته على التحدي والصمود من ناحية، والبعث والتجدد من ناحية أخرى”. 

وفي الدراسة الثالثة يكتب الدكتور خليل عودة مرة أخرى عن “ظواهر أسلوبية في ديوان المجد ينحني لكم للشاعر عبد الناصر صالح”. هذا الديوان الذي كتب في سجن النقب عام 1987 إبان اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الكبرى، والتي على إثرها اعتقل الشاعر، وصدر عام 1989.

لقد كانت تجربة الشاعر في هذا الديوان من بواكير الكتابة عن التجربة الاعتقالية زمن الانتفاضة، ورغم هيمنة الذات على التجربة إلا أنها تناولت رؤى أخرى مرتبطة بالشعب الفلسطيني، فنجد قصائد تتحدث عن الشهيد، وتجربة الاعتقال برؤية جماعية، وواقع الانتفاضة وتصوير فعالياتها. ففي هذا الديوان كما يرى الباحث “تحولت معاناة الشاعر من مجرد أحاسيس ذاتية بدأت مراحلها الأولى مع عملية الاعتقال التي واجه فيها الركل بالبساطير، وشمس النقب، وبرد الصحراء، وعواصف الرمل, ووجبات الاذلال، إلى احساس عام بالمأساة الكبرى التي تحيط به، وتكتمل دائرة الارهاب المتواصل من حوله”. 

لقد كان أسلوب الشاعر وألفاظه معبرة عن عمق احساسه بالواقع المحيط به سواء في المعتقل، أو أجواء الانتفاضة وفعالياتها وممارسات الاحتلال ضد نشطائها، مما يكشف عن طاقات فنية تؤكد قدرته على تنويع الأسلوب والتفاعل مع الأحداث. لذا نجد الباحث يناقش الظواهر الأسلوبية التي تضمنها الديوان كالألفاظ ومدلولاتها، واستخدام الأفعال الماضي والمضارع والأمر ويتنوع في استخدامها وفق التجربة الماثلة، واستخدام أسلوب الاستفهام وهذا الاستخدام هو تعبير طبيعي عن واقع الحياة، حيث تشتد حيرة الشاعر ويزداد قلقه، وتكثر علامات الاستفهام في حياته حول المصير والمستقبل، وكذلك يستخدم أسلوب النداء الذي يتنوع بأشكال مختلفة في الديوان حسب قيمة المخاطب ودلالته، وكانت الحركة وتمثيل الموقف من أساليب الشاعر للتعبير عن بعض موضوعاته. 

وفي الدراسة الرابعة يكتب أيضاً الباحث الدكتور خليل قطناني عن “ملامح المقاومة الشعبية في ديوان المجد ينحني لكم للشاعر عبد الناصر صالح”. يشير الباحث في دراسته إلى أنها تشتبك مع الواقع في تفكيك اشكالية مدى فعالية استخدام معطى المقاومة السلمية ضد عدو احلالي مركب لا يتورع عن استخدام القوة الخشنة والمفرطة في قمع الفعاليات السلمية، غير آبه بالقرارات الدولية ومبادئ حقوق الإنسان. 

لهذا يتخذ الباحث من الديوان خلفية لمناقشة عدد من القضايا بعد أن يقدم اطلالة نقدية للديوان، فيتناول المقاومة الشعبية من حيث المفهوم والملامح والاشكاليات، والمقتربات الموضوعية في نصوص المدونة الشعرية، ومفردات المقاومة الشعبية في الديوان كدراسة إحصائية فنية.

ويخلص الباحث في دراسته إلى أن الديوان عبر عن المقاومة الشعبية بكل مدركاتها الواقعية والثقافية يقول: “إن حالة المقاومة الفلسطينية في مواجهة الآخر الضد لم تتوقف سواء ميدانياً أو ثقافياً، ما يدل على حيوية الشعب ووعيه وإرادته، رغم قلة الامكانيات وتخلي القريب والبعيد، وعدمية القرارات الدولية، فقد قرر الشعب أخذ زمام المبادرة بيده”. وكان الشعر أحد الأسلحة التي استخدمها في مواجهة الآخر للتعبئة الميدانية، كما يرى الباحث إذ يقول: “والأدب بعامة، والشعر منه بخاصة قدم واجبه الوطني في التعبئة الميدانية، والتفاؤل والتبشير بالنصر، وفي تأصيل الهوية وتأكيد وجوديتها، وحمل لواء المقاومة الثقافية في الدفاع عن الوجدان الفلسطيني والوعي الشعبي”. 

وفي الدراسة الخامسة يجمل الباحث صالح لبريني قراءته في “الشعريات النصية والتشكيلات التعبيرية – قراءة في تجربة الشاعر عبد الناصر صالح”. حيث يؤكد الباحث أنه أمام “تجربة شعرية ذات صوت شعري له حضوره الشعري، وإضافاته الإبداعية في خلق نصية زاخرة بالخلق والجدة، مبدعة رؤاها الشعرية الممتدة في عوالم باذخة، منطلقها الأساس الهم الجمعي، إلا أن هذا لا ينفي حضور الذات بقدر ما يجعلها محور العملية الإبداعية التي تحفز على اكتشاف كل ما هو معلوم/ واقع، وكل ما هو مجهول/ الأفق الممتد في اللامحدود، ومتبس في الذات والعالم”.

وانطلاقاً من هذه الرؤية يناقش الباحث تجربة الشاعر في عدة محاور، حيث نقرأ موقف الذات من العالم، والتجلي النصي لبنية الانكسار، وجماليات شعرية المكان، وشعرية السرد، والمضمرات النصية. ويخلص الباحث إلى القول أن تجربة الشاعر “تظل مفتوحة على قراءات وتآويل متنوعة ومختلفة، نظراً لما تكتسبه من ثراء شعري باذخ وطافح برؤى وتصورات نغوص في عمق الجرح الإنساني، وتجسد المرجعيات المعرفية والثقافية التي يزخر بها المتن الشعري، الذي يكشف مدى تعدد الروافد الشعرية التي يستقي الشاعر رؤاه الشعرية التي تتجاوز تخوم الذات لمعانقة والتعبير شعرياً عن الهم الجمعي”. 

وفي الدراسة السادسة تجسد الباحثة فاطمة جودة رؤيتها بأن “عبد الناصر صالح شاعر الانتفاضة الفلسطينية”. وذلك انطلاقاً من تجربة الشاعر وتفاعله شعرياً مع الانتفاضة ودخوله المعتقل والصدح بالقصائد التي حملت مفردات الانتفاضة وأحداثها مثل: الرصاص، المدوي، الحجر، الطائرات، المتراس، الغاز المسيل للدموع، حظر التجول، حرب الابادة، شظايا، مدهونة، حوائط، الشعارات. 

وقد ناقشت الباحثة محور المفردات الخاصة بالانتفاضة كما جاءت في ديوان الشاعر. حيث أشارت بأن ديوان “المجد ينحني لكم” والذي كتبه في المعتقل يحتوي على 121 مفردة مرتبطة بالانتفاضة، وكلمة الحجر تكررت 34 مرة من بين الألفاظ، ومنها 22 مرة في قصيدة “البدء كان الحجر”. وفي محور النظرة التفاؤلية المستقبلية تتبعت معجمه الشعري لتبرز انتشار مفردات التفاؤل والأمل بشكل واسع، فقد بلغ عدد هذه المفردات 358 مفردة، وهذا يدل على الروح المعنوية العالية التي كان يتمتع بها الشاعر، فكان يرى في كل أشكال المعاناة التي يعانيها أبناء الشعب الفلسطيني صورة من صور التفاؤل وطريقاً للحرية والخلاص من ظلم الاحتلال.  

وفي محور المقاومة تؤكد الباحثة أن الشاعر عبد الناصر صالح كان أحد الشعراء الذين قاوموا العدو بأشعارهم، فكان محرضاً للجماهير، ملهباً للحماسات، يستخدم شعره سلاحاً للثورة، ويمجد أسلحة المقاومة وكل أشكال المقاومة، وكان يرى المستقبل بعين المقاومة، وضم معجمه الشعري في هذا المحور 259 مفردة، وكانت مفرداته كالتالي: الحجر، الملثم، الدم، البرق، بركان، الرعد، المقلاع، المتراس، المخيمات، وغيرها. وهذا يدل على تركيز الشاعر الكبير واهتمامه بالمقاومة، ويراها هي السبيل لتحرير الإنسان الفلسطيني، والقضاء على الاحتلال. 

وقد تعددت المحاور التي ناقشتها الباحثة في ديوان الشاعر، فنجد محور الشهادة والموت، ومحمور السجن. وتختم دراستها بتناول الدلالات الرمزية في الديوان من حيث فضاء النصر، وفضاء الطفل، وفضاء المقاومة، وفضاء الآخر (العدو).

وتأتي الدراسة السابعة للباحث محمد جلال عيسى لتناقش “جماليات السرد في ديوان الفارس الذي قتل قبل المبارزة للشاعر عبد الناصر صالح”. يناقش الباحث في دراسته التقنيات السردية وجمالياتها كما جاءت في ديوان الشاعر، حيث استخدم الشاعر السرد الأفقي، والدائري، والمتعدد في قصائده، وكذلك استخدامه للضمائر، وتنوعها في قصائده، وأكد الباحث أن ضمير الأنا المتكلم كان أكثر الضمائر استخداماً لدى الشاعر، كما أبرز الباحث تمكن الشاعر من استخدام الحوار الداخلي وتحويله من الفن القصصي إلى الفن الشعري، وقد أوضح الباحث قدرة الشاعر على التعامل مع شخصياته القصصية التي تخيلها في سجنه ووظفها في قصيدة شعرية، كشخصية الطفل، والمرأة، والثائر، والآخر (العدو)، وكشف الباحث عن اهتمام الشاعر بعنصري الزمان والمكان، حيث اعتمد على الترتيب النفسي للأحداث حسب خلجات صدره، وكان المكان السجن أكثر الأماكن دلالة في القصيدة لديه، فهو يصف المكان الذي عاش فيه الالم والمعاناة، ومع ذلك كان مكانا للصمود والتحدي. 

قسم الباحث دراسته إلى عدة مباحث، فنجد مبحث يتناول أشكال السرد وكيف وظفها الشاعر في قصائده. ومبحث ثاني يتناول ضمائر السرد (الأنا، والغائب، والمخاطب) وقد استطاع الشاعر بتنوع الاستخدام بين الضمائر أن ينوع في مجرى أحداث قصائده الشعرية التي أخذت طابع القص والرواية كما يرى الباحث. وفي مبحث ثالث يشير إلى دلالات الحوار الداخلي ومدى تأثيره على الشاعر وقدرته على استنطاق ذاته واستخراج مكوناتها، وما يختلج في ملامح وجهه أو ما يدور بخلده. وفي المبحث الرابع يغوص في شخصية القصيدة عند الشاعر التي استخدمها لكي يبث من خلالها أفكاره ورؤاه، حيث يرى الباحث أن الشخصية عند الشاعر تلعب دوراً هاماً في إيصال الفكرة، لذا أجاد توظيف الشخصيات حسب بنائها في القصيدة، ويؤكد أن الشخصية لديه هي الشخصية التي تبحث عن نفسها وكيانها، وهي رمز للفلسطيني الأسير والضائع في بلاد التيه واللجوء. وفي المبحث الخامس يتناول المكان والزمان، حيث يشير الباحث أن هذين العنصرين جاءا في قصائد الديوان ليكونا بوصلة تشير إلى ترتيب الأحداث ودمجها، فتبرز تصوراً حقيقياً للأحداث التي يسردها في خطابه الشعري. 

ويخلص الباحث في رؤيته لجماليات السرد أن الشاعر عبد الناصر صالح وظف في قصائده تقنيات الفن النثري بكثرة، حيث أنه استطاع أن يرسم من خلال لغته الشعرية قصيدة احتوت على ملامح الأعمال النثرية دون أن تفقد طابعها الشعري. 

وفي الدراسة الثامنة تناقش الباحثة الدكتورة سناء زقوت “التناص في ديوان مدائن الحضور والغياب للشاعر عبد الناصر صالح”. حيث تشير الباحثة إلى أن التناص بأشكاله المختلفة يحقق غاية جمالية تعبيرية، وذلك من خلال الانتاج الجديد الذي يقوم على تبادلية بنائية ومعنوية، تعتمد على تفكيك بعض العناصر وتجميع بعضها الآخر وفقاً لعمليات واعية وغير واعية. 

وانطلاقاً من هذه الرؤية درست الباحثة دلالات التناص في الديوان، حيث رأت أن التناص يتشكل في الديوان وفقاً لعدة تقسيمات، فثمة التناص الخارجي الذي استحضر به الشاعر العديد من المظاهر التراثية والتعالقات الدلالية والفكرية. والتناص الداخلي الذي استند به الشاعر على نصوص لأدباء عصره، فيتشرب روحها ويتماهى معها، كنصوص فدوى طوقان، وسيرة وروايات عزة الغزاوي. أما التناص الذاتي فهو التناص الذي يتحقق حين تتداخل معاني الشاعر وأساليبه في أكثر من قصيدة، وذلك وفقاً للحالة النفسية التي يعيشها الشاعر، وما يسيطر عليه من أفكار ومشاعر، وترى الباحثة هنا أن الشاعر يتمترس خلف مبادئ وطنية وفكرية لا يحيد عنها ولا يقايض فيها، وبذلك يتماهي مع ذاته وما يعبر بها من أفكار وتعبيرات في أكثر من قصيدة في الديوان. 

وتطرح الباحثة التناص في ديوان الشاعر من رؤى متعددة حيث تتناول معمارية التناص وهو الشكل الذي يختاره الشاعر لاستثمار التناص مهما كان مصدره، وتضمينه في السياق الشعري، والاستفادة من مخزونه الثقافي والدلالي. وكذلك التناص مع البناء القصصي وهو تفاعل الشاعر مع واقعه، وبما يدور حوله من أحداث، ويعبر عن رؤيته من خلال الأسلوب الدرامي الذي يبرز من خلاله تجربته التي انصهرت بمكونات وعناصر الدراما القصصية.

وتخلص الباحثة في دراستها أن استخدام التناص لدى الشاعر بأنواعه المتعددة يعكس ثقافة الشاعر الغنية الواسعة، وقدرته على تشرب الثقافات المختلفة، وقراءاته العميقة للآداب والمعارف الإنسانية والتاريخية والدينية والأدبية.

لقد أكدت هذه الدراسات على الصوت الشعري المتميز لدى الشاعر عبد الناصر صالح، من خلال تعدد استخدامات اللغة وتنوع الألفاظ، وجماليات الأسلوب، والتزاوج بين الذات والكل في قصيدته، وقدرته على انفتاح الرؤية على فضاءات عديدة، وبث أفكاره وتجاربه بما يخدم قضيته الأولى فلسطين.

عن الصباح الفلسطينية

شاهد أيضاً

عضو نقابة اتحاد كُتاب، وأدباء مصر
رئيس ومؤسس المركز القومي لعلماء فلسـطين

د جمال ابو نحل يكتب : أيقونة سلاطين هذا الزمان فخامة سلطان عُمان هَيثمُ الهُمام

أيقونة سلاطين هذا الزمان فخامة سلطان عُمان هَيثمُ الهُمام من عاش لشعبه، ولِوطنه عاش كبيرً، …