عضو نقابة اتحاد كُتاب، وأدباء مصر
رئيس ومؤسس المركز القومي لعلماء فلسـطين
عضو نقابة اتحاد كُتاب، وأدباء مصر رئيس ومؤسس المركز القومي لعلماء فلسـطين
الرئيسية / الآراء والمقالات / د جمال أبو نحل يكتب : المَرحَ، والتَرحَ، والفَرَحَ

د جمال أبو نحل يكتب : المَرحَ، والتَرحَ، والفَرَحَ

عضو نقابة اتحاد كُتاب، وأدباء مصر رئيس ومؤسس المركز القومي لعلماء فلسـطين
عضو نقابة اتحاد كُتاب، وأدباء مصر
رئيس ومؤسس المركز القومي لعلماء فلسـطين

المَرحَ، والتَرحَ، والفَرَحَ

تأتي على الناس أوقات جميلة فيها المرح، والفرح، والبرَح، وتَرويِحُ الَروحَ، من القُروح، والجروح التي قد تَقَتلُ فرَح الروح؛ ثم تدور رحىَ الأيام، وتَمُرُ، “وتَنَجَليِ الظُّلَمَةَ، بِنُور ِ الليالي الحُلوة”، التي تَطُلَ، وتحلُ، بالشَوقَ، والمحبة للأَحِّبة، وقد يَطوُل الَسهَرُ مع السَمَر، على ضوءِ القمر النيِّرِ المُنيرِ الجميلِ مثل جَمالِ حلاوةِ شَهرِ العسل فتغُمر قلوبهَمُ الفرحة، وتغَشَاهُم الرحمةُ، وتَعمُ الأُلفة، والِرضَا، ويُصِبحَ الصَباحُ عليهم بعد انكفاء نور المِصباح، بِنُورِ الفجر، وبِكُل السرور، والوردِ المنثور، وبأجمل روائِح الَبخُور، والعطُور، ويَتَمَنونَ أن يطُول عليهم هذا السناءُ واليُسّرُ طول العمر، وعلى مرِ الدهِّر؛ وليس فقط لِيَالٍ عشرٍ أو لِشَهَّرٍ أو لشهورٍ ؛ راجَيِّنَ أن تبقى لياليهِم فرح وسلامٌ، ومرح، والفرحُ مشروع غيرُ ممنوع يقول جل جلاله: “قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَٰلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ “، وكذلك الزينة، والطيبات من الرزق مسموح الفرح فيها قال تعالى: “قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ ٱللَّهِ ٱلَّتِىٓ أَخْرَجَ لِعِبَادِهِۦوَٱلطَّيِّبَٰتِ مِنَ ٱلرِّزْقِ”؛ وقد أمرنا المولى سبُحانه وتعالى بالبوحِ الجميل المريح لِروح، وأنفُسَ كُل الناس: ” وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا”؛ ولو كان أي إنسان منا فضًا، وغليظًا في كلامه لأَنَفَّضَّ الناس من حُولهُ، وحتى، ولو كان روسلاً، ونبيًا؛؛ والأرواحُ جُنوُد مجندة، وبِطبِعِها تُحب الأفراح، والليالي الملاح، وتكرهُ الأحزانَ، والأتراحَ؛ ولا شك أن المالُ، والَبنُون زينةُ الحياةِ الدُنياَ، ولكن الباقيات الصالحات خيرٌ عند ربِك توابًا، وخيرٌ أملاً، والباقيات الصالحات أبَقى، وأنقى؛ فَحِينَما تحلُ على أي أُسَّرة مُناسبة سعيدة مثل اعمارِ، واصلاح المنزِل، أو الفرح بالنجَاح بِالتخرُج من الجامعة، أو فَرحَ الوالدين بِزواج نجلهم، أو كريمتهم؛ فتتزين الدار بكِل من فيها، وتكتسي النُساء أجمل حُلِلهِا، وحُليِّهَا؛ ومن المعلوم أن الإسلام حَرصَ على إظهار الفرح، ولكن بِضوابط، وحدود الشرع. وقد جاء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أعلِنوا النكاح، واضربوا عليه بالدفِّ)، وعن النبي صلى الله عليه وسلم : أنه قال لعائشة رضي الله عنها لما أخبرتْه أنَها زَفّتَ يَّتِّيمَة كانت عندها إلى أحد الأنصار، قال: (ألا غنَّيتُم لها؛ فإن الأنصار قوم يُعجبهم اللهوُ) قالت: يا رسول الله، وماذا نقول؟ قال: “قولوا: أتيناكم، أتيناكم، فحَيُّونا نحييكم، ولولا الحَبةُ السمراء ما سمِّنَت عَذاريِكم، ولولا الذَهبُ الأحمر ما حلَّت بواديكم”؛؛ ولذلك لا يوجد أحد على وجه الكُرةِ الأرضية لا يُحِّبْ الفرح. ولكن الحياة الدُنيا لا يوجد فيها شيء ثابت، وإنما يتغير الحال، وقد تتبدل الأحَوالَ!؛ فلا حياة سرمديةً تدوم لأي إنسانٍ، أو لِجَان، أو لأي كائنٍ كان من كان، ؛ فكل من فوق التُرابُ تُرابُ؛ وكل شيءٍ في الدُنيا سيفنى، ولن يبقى، قال تعالى: “كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ، وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالإكْرَامِ”.

 يقول الشاعر العراقي “أبو النواس”، من شُعَراء العصر العباسي: “كُلُّ ناعٍ فَسَيُنعى،، وكُلُّ باكٍ فَسَيُبكى،، وكُلُّ مَذخورٍ سَيَفنى،،، كُلُّ مَذكورٍ سَيُنسى،،، لَيسَ غَيرَ اللَهِ يَبقى،،، مَن عَلا فَاللَهُ أَعلى”؛؛ فالانسان يعيش ما بين المِحَنة، والمِنحَة”، وعليه أن يعلم أن كل قضاء لنا من الله جل جلاله هو خير، فمن رضي له الرضا، ومن سخِّط فعليه السخط؛ ونهاية المطاف فَالكُل مِنا مُسَافِّر ، وعن الدُنيا راحِلْ، فالدنيا هي دَارُ كَّدَرْ، وتعب، وكَبَدَ، وشقاءَ وابتلاء، والأخرةُ خيرٌ، وأبقى، وهي دار الخلُود، والبقاء، والفرح الحقيقي في الجنة بِلقاء الأهلِ والأحباب والأصحاب مِّمْنَ أمن، واتقى، وعمر حياتهِ بِعمل الصالحات، وعَاش جَابِرًا للخواطر، رغم كل المخاطِّر؛ يقو ل الصحابي الجليل حسان بن ثابت رضي الله عنه : ” لو كانت الدُنيا تدوم لأهلها لكان رسول الله صلى الله عليه وسلم حيًا، وبَاقيًا، ولكنها تَفنىَ ويَفَنىَ نعيمُهَا، وتبقى الذنُوب، والخطايا كما هَّيَ”؛ ويقول الصحابي الجليل ابن عباس رضي الله عنه: “ليس أحد منا إلا هو يحزن، ويفرح، ولكنْ من أصابته مُصيبةٌ جعلها صبرًا، ومن أصابه خيرًا جَعلهُ شُكرًا”؛ وهكذا هي الأيام تحورُ وتَلفُ بنا، وتدور الشهور، والسنين ما بين مدِّ الأفراح، وجزر الأتراح؛ ويُقلِّب الله الليل، والنهار، ويتقلب حال الناس من حَالٍ إلى حالٍ أخرَ، ودوامُ الحَالِ من المُحَالَ: ﴿ وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً، وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ ﴾؛ فالدار الدُنيا جعلها الله جل جلاله دارَ ابتلاء، وجعل الآخرةَ دارَ جزاءَ، وإن البلاءُ، ومعاناة المؤمن في الدنيا هو سَبَبٌ لِجَزيِل عطاء الآخرة، وعَطاء الآخرة جَزاءٌ لابتلاء الدنيا، وسبحانهُ يأخذ ليُعطي، ويَبتلي ليجزي؛؛ قال تعالى: ﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ، وَنَقْصٍ مِنَ الْأَمْوَالِ وَالْأَنْفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ ﴾، من الذين يَصِّبرُوا على الترح، ويقول سيدنا مُحمد صلى الله عليه وسلم: “إن عِظَمَ الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله إذا أحبَّ قومًا ابتلاهم، فمن رضي فله الرضا، ومن سخط فله السخط”؛؛ وإن الفرح مطلبٌ مهمٌّ، وهدفٌ منشود، وكلُّ إنسان منا يسعى للِسَعادةِ والفرح، والمرح، ومن حق المسلم أن يفرح، وأن يعبِّر في المناسبات السعيدة عن فرَحِه، وسُرُوره، وبهجته فتنتعِشَ نفسه، ويتجدَّدَ نشاطه، ويتقوَّى بذلك الفرحِ على، واجباته تجاه ربِّه، ونفسه وأهله؛؛ وإن أكمل المؤمنين إيمانًا أشدُّهم ابتلاء؛ وفي ذلك يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “أشد الناس بلاءً الأنبياءُ، ثم الصالحون، ثم الأمثل فالأمثل، يُبتلى الرجل على حسب دينه؛ فإن كان في دينه صلبًا، اشتد به بلاؤه، وإن كان في دينه رِقَّة، ابتُلي على قدر دينه، فما يبرح البلاء بالعبد حتى يتركه يمشي على الأرض وما عليه خطيئة”؛ ويجب على المسلم الحقِّ المعتدل المتوازن الصبر، وقت الترح، وعدمُ اليأس، والدعاء، والتخطيط لمواجهة الأزمات، وتربيةُ النفس، وقت الرخاء، وإعدادها للملمَّات، وتحصينُها لتكون قويةً شامخة صامدة؛ كما يتطلب علينا الموازنة ما بين الفرحِ والترح، بالوسطية، فلا نَغرق مع جَزْرِ الأحزان، ولا نركن لمَدِّ الأفراح؛ وأن تكون عندنا قناعة بأن سنة الابتلاء بالخير، والشرِّ هي سُنةٌ ثابتة في الحياة قد يتعرض لها كُل فرد، أو أُسرة الخ..؛ وليكُن سلوى قلوبنا، وأرواحنا أن نُردد الدعاء الذي يقضي على الاكتئاب؛ حيث يقول سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم: “اللهم إني أسألُكَ نَفْسًا مطمئنةً تُؤْمِنُ بلِقائِكَ، وتَرْضَى بقضائِكَ، وتَقْنَعُ بعَطائِكَ”؛ وأن نوقن حقَّ اليقين أن الحزن لا ينقطع عن المؤمن في الدُنيا!؛ وأن ما يصيب المسلمَ في هذه الحياة إنما هو بقدَر الله عز، وجل، وأن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وأن ما أخطأه لم يكن ليصيبه، فالله كتب ما قدَّره في هذا الكون، قال تعالى: ﴿ مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ، وَلَا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ ﴾؛ ولقد أثنى رسول الله صلى الله عليه وسلم على المسلم المتوازن في فرحه، وحزنه، ووصَف أمرَه بالخير كله: “عجبًا لأمر المؤمن؛ إن أمره كله خير، وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن: “إن أصابتْه سرَّاءُ شكَر، فكان خيرًا له، وإن أصابتْه ضرَّاءُ صبَر، فكان خيرًا له”، فالمسلم الوسطيُّ المتوازن دائمُ البِشرِ، والتبسم، راضٍ غير ساخِط في الشدة، وفي الرخاء متفائلٌ مسرورٌ بعطاء الله، وقضائه، وواثقٌ بعدلهِ ورحمته، وفضله؛ ولن يبقى شيءٌ خالِدَ في الدنيا؛ فأي حُزن، أو ترح، أو بهجةٍ، أو مرحٍ، وفرحٍ سوف ينتهي وينقضي ويزول، ولن يبقى للإنسان إلا ما سَعى وأن سعيهُ سَوف يُرَىَ؛ فالفرح الحقيقي والفوز المُبين هو عندما يطأ المؤمنُ بقدمهِ فيدخل الجنة وهنالِكَ الفرح الابدي الخالد كما أخبر سبحانهُ: “الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لَا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلَا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ”.

 المفكر العربي، والإسلامي الباحث، والكاتب الأديب 

   الأستاذ الدكتور/ جمال عبد الناصر محمد عبد الله أبو نحل

  الأستاذ الجامعي عضو نقابة اتحاد كُتاب وأدباء مصر، رئيس المركز القومي لعلماء فلسـطين

  رئيس مجلس إدارة الهيئة الفلسطينية للاجئين، والاتحاد العام للمثقفين العرب في فلسطين

   عضو نقابة الصحفيين بفلسطين ، والاتحاد الدولي للصحافة الالكترونية_ dr.jamalnahel@gmail.com

عن الصباح الفلسطينية

شاهد أيضاً

سفير الاعلام العربي في فلسطين
رئيس تحرير جريدة الصباح الفلسطينية

سري القدوة يكتب : تفاقم الصراع وحرب الإبادة وجرائم المستوطنين

تفاقم الصراع وحرب الإبادة وجرائم المستوطنين بقلم  :  سري  القدوة الاثنين 15 نيسان / أبريل …