received_808779010456194
الرئيسية / ادب وثقافة / مسرحية حياة … قراءة تحليلية من الداخل

مسرحية حياة … قراءة تحليلية من الداخل

received_808779010456194

مسرحية حياة … قراءة تحليلية من الداخل

مروان محمد مشتهى

بقلم د. مروان مشتهى

كاتب ومؤلف

تتعدد الطرق والأساليب التي تلجأ إليها الفئات الضعيفة والمهمشة للدفاع عن نفسها عندما يقع عليها الظلم الاجتماعي والأسري فتقع فريسة سهلة تحت وطأة العادات المجتمعية البالية وسيل الاشاعات، مما يدفعها لانتزاع أبسط حقوقها في العيش الكريم وحرية الاختيار والتعبير عن رأيها؛ فالحقوق لا توهب إنما تنتزع انتزاعاً، كل تلك المعطيات تدفع باتجاه التغيير الإيجابي نحو تغيير أنماط التفكير العقيم وإعادة النظر في المعتقدات المتهالكة تجاه المرأة باعتبارها نصف المجتمع والحاضنة الأولى للأجيال والمربية والمعلمة للطفل الذي يكتسب منها عاداته وتوجهاته.

ومن تلك الأساليب والأشكال التي لها تأثير كبير ومباشر على جميع شرائح المجتمع المسرح، نظراً لما يلعبه من دور فاعل ومهم في تشكيل الوعي وتغيير قناعات الجماهير، كما ترجع أهميته بقدرته على تكوين الرأي العام وصناعة التوجهات ومحاولة تغيير العادات والتقاليد المتوارثة وبناء الثقافات، فكان الأسلوب الجديد الذي ابتدعه “اغوستو بوال” من خلال مسرح المضطهدين الذي يجسد الصراعات التي يخوضها المقهورون وأصحاب الأصوات الضعيفة في المجتمع ليكون المسرح أحد أدواتهم في التعبير عن القهر والظلم والاضطهاد الممارس تجاههم، مما شكل منهجاً ثورياً في توصيل تلك الأصوات الضعيفة لتغيير الظلم الواقع عليهم وانتزاع حقوقهم المسلوبة.

من هنا تدور أحداث مسرحية حياة التي تم العرض الأول لها بتاريخ 12/10/2022 على خشبة مسرح جمعية الشبان المسيحية للمخرج الفلسطيني نعيم نصر وبرفقة ثلة من الممثلين ذوي الخبرة والكفاءة لتعالج العنف المبني على النوع الاجتماعي اضافة إلى قضايا أخرى تطرقت لها أحداث المسرحية؛ حيث بدأت أولى المشاهد بمشهد مروع للحظة دخول الأب إلى البيت مما خلق حالة من الإرباك للأسرة حيث تبدأ مأساة تلك الأسرة من شخصية الأب الكارثية فهو شديد التسلط مما ساهم في تفكك تلك الأسرة وانهيارها من خلال اصراره على معتقداته وأفكاره العقيمة باعتبار البنت لا حقوق لها وعليها واجبات القيام بأعباء البيت والخدمة؛ وكأنها ليست كائن حي لها شعور ورغبات فهو يعتبرها جزء من مقتنيات البيت ومكانها الحقيقي بيت الزوجية ليس إلا، مما دفعه بتزويج ابنته حنين المتفوقة في الثانوية العامة لشخص لا يناسبها لا شكلاً ولا مضموناً دون أن يأخذ رأيها أو يستمع لتوسلاتها وتوسلات والدتها وحرمانها من استكمال دراستها التعليمية وذلك يؤشر لتمييز خطير وواضح بين الولد والبنت في التعليم.

وتأتي شخصية الأم المضطهدة المغلوبة على أمرها لتقاوم بكل شراسة قرار الأب بتزويج ابنتها من شخص ميسور الحال ولكنه شخص ضعيف مهزوز منقاد لأمه لا يمتلك رأياً ولا يصلح أن يكون زوجاً أو يبني أسرة وهنا يجب التركيز على دور الحماوات المتسلطات بمراعاة الله في التعامل مع زوجات أبنائهن باعتبارهم أمانة سيسألون عنها أمام الله.

حيث تعكس المسرحية خطورة دور الأم المحوري في بناء العائلة مما يجعل من الضرورة بمكان تأهيلها بالشكل المناسب لتكون الأم والزوجة والأخت بدلاً من معاملتها بدونية وحرمانها من أبسط حقوقها باختيار شريك حياتها أو مصادرة حقها في التعليم أو التعبير عن رأيها، فلقد كرم ديننا الحنيف المرأة وأعطاها كامل الحقوق، وأوصى بها الرسول خيراً حيث يقول عليه السلام: “استوصوا بالنساء خيراً”، مما يتحتم محاربة كل أشكال العنف ضد المرأة الذي يتعارض مع قوانين الفطرة السليمة ومبادئ الحرية والعدالة الاجتماعية.

من هذا المنطلق؛ جاءت مسرحية حياة التي تنفذها جمعية فكرة للفنون التربوية وبتمويل من الاتحاد العام للمراكز الثقافية والمساعدات النرويجية لتجسد تلك المعاناة وتسلط الضوء على قضية مجتمعية خطيرة مثل قضايا الشرف باعتبار المرأة هي الحلقة الأضعف وعليها أن تدفع ثمن تخلف المجتمعات بمفردها وغالباً ما تكون مضطهدة ومظلومة وبريئة من كل التهم الموجهة لها خاصة أن المسرحية تجسد دور اللص الذي اقتحم بيت الضحية “حنين” على أنه شخص غير سوي عقلياً ولكن في الواقع من دفع الثمن تلك البنت البريئة على ذنب لم تقترفه يداها فمن خلال بلاهة ذلك اللص الموتور، وثقافة المجتمع الشرقي المتخلف ضاعت أحلام الضحية وتبعثرت حياتها.

ولكن بدلاً من وقوف الأب المتسلط مع ابنته الضحية ليثبت براءتها من التهم الباطلة الموجهة لها، والوقوف للحظة مع نفسه لمحاسبة الذات والاعتراف بارتكابه جريمة تجاه ابنته من خلال إرغامها على الزواج بتلك الطريقة البائسة، من خلال تصحيح أخطائه المتراكمة أصدر الأوامر لابنه ضعيف الشخصية بالتخلص منها بطريقة أو بأخرى للهروب من الإشاعات والأقاويل والعار إن صح التعبير، وكأننا لازلنا نعيش في المجتمع الجاهلي الذي كان يئد البنات فما أشبه اليوم بالبارحة جاهلية عمياء تسود مجتمعاتنا، ولكنها لم تصل الى حد أن نطلق عليها ظاهرة رغم تسجيل أرقاماً سنوية فردية حسب الإحصائيات المسجلة تحت بند جرائم القتل من أجل الشرف لتدق ناقوس الخطر للوقوف بحزم أمام تلك القضية التي تهتك النسيج المجتمعي وتفكك أواصر العائلات.

ويأتي دور الابن لتلك الأسرة حيث كان انعكاس تسلط ودكتاتورية الأب على شخصيته خطير جداً حيث كان بمثابة قاتل محترف لشخصيته وباعث أساسي لارتباكها وترددها، فكانت شخصية ضعيفة مهزوزة منقادة لدكتاتورية وتسلط الأب فما لها إلا تنفيذ الأوامر بحجة أن الأب يقوم بالإنفاق على البيت، فقد حصل ذلك الابن على معدل متدنٍ جداً لا يؤهله لدخول الجامعة مما حذا بوالده بإجباره على دخول الجامعة رغم توسلات ابنته حنين مراراً وتكراراً على مدار السنة التي سبقت بإدخالها الجامعة التي باءت جميعها بالفشل أمام عناد الأب المتسلط.

وتسير مشاهد المسرحية وتجسد حنين دور البنت الضحية المغلوبة على أمرها حيث يتم تزويجها رغماً عنها وحرمانها من أبسط حقوقها في التعليم رغم تفوقها، وتتوالى ظروف الحياة اليومية وفي ظل انشغالها في ترتيب البيت وغياب الزوج ووالدته لسبب أو لآخر يدخل عليها لص غريب الأطوار يظهر عليه علامات التخلف والجنون فتعرفه حنين أنه غير طبيعي فتقاومه، فقام ذلك اللص الموتور برش مادة مخدرة على حنين وعلى نفسه ففقدا الوعي معاً في آنٍ واحد، وفي تلك اللحظة دخلت الحماة إلى البيت فوجدتهما في تلك الحالة فأرادت أن تنال من زوجة ابنها بطريقة سادية فطعنتها في شرفها وأجبرت زوجها على طردها من البيت بحجة العار.

ذهبت حنين إلى بيت أهلها تجر الظلم والخذلان من الزوج المنقاد لوالدته وتحكي لوالدتها ما حدث ولم تستطع طبعاً إخبار والدها بما حدث نظراً لأنه من الأساس لم يفتح حواراً بينه وبين أبنائه ليحكوا له مشاكلهم وآلامهم فتضاعفت المشكلة وبدأت الإشاعات تنهال كالنار في الهشيم، مما اضطر الوالد لمكاشفة حنين بما حدث وتحميلها المسؤولية الكاملة عما جرى لأنها لم تخبره منذ البداية، فهنا كان الحل العقيم من الأب باستدعاء الابن مهزوز الشخصية وشرح الموقف له واقناعه بضرورة التصرف وانتظار الاذن له بالتنفيذ مع حنين بالطريقة التي يرتئيها المخرج.

من هنا ومن خلال مسرح المضطهدين الذي أسسه “اغوستو بوال” بتحويل الجمهور إلى أبطال فاعلين بعدم اكتفائهم بالمشاهدة فقط إنما يقتحمون خشبة المسرح لتغيير الأحداث بشكل ثوري مقاوم كانت لي تجربة شخصية باقتحامي المسرح لأتقمص شخصية الابن الذي صدرت له الأوامر بالتصرف مع حنين حيث تم أخذها من يدها وإلباسها اللباس الأبيض لتنفيذ العقوبة.

كان دوري ثورياً قوياً متمرداً على دور والدي من حيث عدم الانصياع للأوامر وتوجيه كل ما يدور في داخلي على مدار السنوات من قهر وظلم طوال حياتي فقلت له لقد قمت بإجباري على التعليم رغم ضعف تحصيلي العلمي ومنعت أختي من التعليم رغم تفوقها، وقمت بتزوجيها رغماً عنها، وتسلطت علينا بحجة قيامك بالنفقة وعاملت أمي معاملة العبيد، فأنت لم تكن أباً يوماً ما ولم تقم بواجبك كأب ولم تتحمل مسؤولية تربيتنا بالشكل السليم والتوجيه المطلوب، بل كنت متسلطاً لم تعطنا حرية الرأي والتعبير والاختيار والحوار، ولم تعرف يوماً مشاكلنا لم تكن حنوناً ولم تكن زوجاً، فلا تستحق والدتي منذ الأساس فلولا أمي لما استطعنا العيش في هذا البيت لحظة واحدة، وبعد كل هذا تطلب مني معاقبة أختي على ذنبٍ لم ترتكبه، عليك منذ اليوم أن تسمع قراري أنني سآخذ أمي وأختي وأفتح لهم بيتاً حتى لو اضطررت أن أتسول في الشوارع، لأعيلهما بدلاً من حياة الذل والاضطهاد إلى أن تعود إلى رشدك وتتنازل عن تسلطك وتلم الشمل من جديد.

في الختام استطاعت مسرحية حياة من وجهة نظري التركيز على قضية العنف الأسري من خلال الاضطهاد للزوجة والبنت والابن بعدم اعطائهم حق التعبير عن قضايا مصيرية تخص حياتهم وتلك كانت القضية المركزية، ولكن هناك جوانب لا تقل أهمية عن ذلك ومنها حق البنت في التعليم والمساوة مع الابن في ذلك، وحرية اختيار البنت لشريك حياتها وأن يكون هناك تكافؤ بين الشريكين ولو بالحد الأدنى، والتركيز على فداحة قرار تزويج البنات في سن مبكرة وعدم تزويج البنت من أجل اعتبار المال هو المعيار الوحيد، التركيز على علاقة الحماة بزوجة ابنها من خلال التثقيف المستمر ومراعاة الله في المعاملة، فهم أمانة في أعناق الوالدين مما يترتب مسواتهم في التعامل مع أبنائهم ومساواتهم.

كل الشكر لكادر مسرحية فكرة ابتداء من المخرج والممثلين وكتبة السيناريو والحوار وتوزيع المشاهد والأدوار وانتهاء بدور الشركاء الممولين والشكر موصول لجمعية الشبان المسحية لإثارتهم تلك القضية المهمة وتقديم الحلول الفاعلة لها.

عن الصباح الفلسطينية

شاهد أيضاً

غصون غانم

جلسة على موائد الفلسفة

جلسة على موائد الفلسفة في كتاب ( دوستويفسكي وكانط _ حوارات الأخلاق ) للكاتبة أفرجينا …

أضف تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *