القدس
الرئيسية / تحقيقات و حوارات / المسجد الاقصى المبارك / الحرم القدسي الشريف : حرية العبادة والسيادة السياسية

المسجد الاقصى المبارك / الحرم القدسي الشريف : حرية العبادة والسيادة السياسية

القدس

المسجد الاقصى المبارك / الحرم القدسي الشريف : حرية العبادة والسيادة السياسية

وليد سالم

د. وليد سالم

اوائل ايار، ٢٠٢٢ ( معدل : تموز ، ٢٠٢٢).

ملخص

تحاجج هذه الورقة أولًا أن فكرة ” إعادة بناء الهيكل مكان الحرم القدسي الشريف ” هي فكرة مخترعة توظف الهيكل القديم غير المعروف الصلة والمكان حسب الدراسات العلمية ، والذي تم تدميره بشكل تام على يد الامبراطور الروماني تيتوس عام ٧٠ للميلاد لكي تعزز وتستكمل السيادة السياسية المخترعة التي إقامتها على أرض فلسطين المستندة بدورها إلى اختراع أمة و ” أرض ميعاد ” تعود إليها هذه الأمة بعد ألفي عام من المنفى. وتحاجج الورقة ثانيا بأن هذا التصور الصهيوني اذا ما عمم عالميا فإنه يترتب عنه خلق فوضى عالمية ينشأ عنها مثلا حق العرب بالمطالبة باستعادة الأندلس وعشرات ” الحقوق ” الأخرى المشابهة لشعوب أخرى ، وذات الفوضى العالمية يمكن أن تنشأ عن المطالبات بإعادة إحياء أماكن دينية تم تدميرها منذ عشرات و / أو مئات القرون . وثالثا تبين الورقة من خلال تعقب المواقف والقرارات العثمانية والانتدابية بشأن فلسطين أنه لم يكن هنالك شمل لأي حق لليهود بالعبادة حوالي حائط البراق في أي من الفرمانات العثمانية التي اقتصرت على تنظيم الوضع القائم ( الستاتسكو) في الأماكن المسيحية المقدسة فقط ، فيما منحت فقط رخصة ( وليس حق ) بالزيارة للموقع لليهود وذلك خلال فترة محدودة وحسب اقتصرت على فترة حكم محمد علي باشا وابنه إبراهيم باشا على فلسطين ( ١٨٣٢- ١٨٤٠ ) . وفقط في عهد الانتداب البريطاني بعد عام ١٩١٧ منح اليهود حق الصلاة بجوار حائط البراق لأول مرة بصورة رسمية من سلطة الانتداب ضمن سياسة تطبيق تصريح بلفور وتم شمل ذلك في الستاتسكو لأول مرة أيضا ، مع تأكيد الحكومة البريطانية في الوقت ذاته من خلال تصريحاتها وقرارات لجانها أن المسجد الاقصى / الحرم القدسي الشريف بما في ذلك أسواره هو ملك حصري للمسلمين ولا يعود لأي أحد سواهم. واخيرا ومن منظور العلاقات الدولية تحاول الورقة اقتراح حل لموضوع الأماكن المقدسة في فلسطين بحيث تكون دولة الاحتلال مسؤولة وفق ما ينص عليه القانون الدولي عن تنظيم حرية العبادة لكل الأديان داخل حدودها لعام ١٩٤٨وهو ما لا تقوم به منذ قيامها حتى الآن مما يعد خرقا إضافيا منها للقانون الدولي ، فيما تكون فلسطين المعترف بها على حدود عام ١٩٦٧ من ١٤١ دولة من دول العالم منذ عام ٢٠١٢ مسؤولة هي وأية دولة / دول تتفق معها فلسطين بإرادتها الطوعية الحرة عن الأمر ذاته في حدود دولة فلسطين وذلك وفق القوانين الدولية والاتفاقيات ووثائق حقوق الإنسان الأممية ذات الصلة ووضع الستاتسكو الساري تاريخيا بشأن الأماكن المسيحية المقدسة ، والترتيبات التي حددت أثناء العهد العثماني بشأن ترخيص مرور وزيارة اليهود قرب حائط البراق بدون رفع الصوت أو إقامة اية مرافق ثابتة في المكان كونه ملك حصري للمسلمين . بالخلاصة فقد وجدت الورقة أن ما سمي ب ” حق الصلاة ” لليهود على رصيف بجوار حائط البراق ، لم يكن قائما ولم يصبح قائما إلا فقط في عهد الانتداب البريطاني كجزء من سياسة تطبيق تصريح بلفور لإقامة الوطن القومي لليهود في فلسطين .

مقدمة

تحاول هذه الورقة التحقق من عدد من الأسئلة المترابطة: هل تترتب حقوق سيادية سياسية عن الحق في حرية العبادة في حال وجوده ؟ . هل لليهود حق في فلسطين ومن ضمنها القدس الشرقية؟ هل يتضمن الحق في العبادة ؟ وكيف ؟ وهل يمكن اعتبار دولة اسرائيل الوارث الشرعي لتلك الحقوق سواء في الأراضي المحتلة عام ١٩٤٨ او عام ١٩٦٧؟.

تنطلق الورقة من افتراضين كبيرين :

أولهما: أن حرية العبادة والعقيدة لكافة الأديان ، ولغير المتدينين قابلة للتنظيم من قبل الدولة المتجاوزة لذلك الصنف من الدول الدينية التي وجدت في العصور الوسطى سيما في أوروبا والتي كانت تدعي السيادة السياسية بناءا على قيامها برعاية سيطرة دين معين وتعزيز سطوته وقهره لأديان أو لطوائف أخرى من نفس الدين . يترتب عن هذه الفرضية في المقابل أن الدول المعاصرة التي لا زالت قائمة على تعزيز سطوة دين على آخر هي دول استبدادية غير قادرة على تنظيم الحيز الديني بإنصاف.

 وثانيهما : أن طرح حل الرزمة للأماكن المقدسة في فلسطين كلها معا في إطار الكفاح من اجل التحرر وإنهاء الاحتلال هو الوحيد القادر على معالجة التوترات القائمة في هذه الأماكن بين الاحتلال وبين شعب البلاد الاصلي سواء على المستويات القصيرة والمتوسطة والبعيدة المدى. في نطاق هذه الرزمة يقع الترابط بين قضايا الأماكن المقدسة في فلسطين : الإسلامية منها وفي مقدمتها الحرم القدسي الشريف في القدس ، والحرم الإبراهيمي في الخليل ، واوقاف يافا وغيرها من المدن الفلسطينية في الداخل ومقام سيدنا علي في نتانيا، وهكذا ، و الأماكن المسيحية منها في القدس وبيت لحم والناصرة وطبريا وغيرها من حيث وحدة التهديدات الواقعة عليها في ظل الاحتلال ( مع تمايز حدة هذه التهديدات بين مكان وآخر منها ) من جهة ، ومن جهة أخرى من حيث الحق في حرية العبادة المنتهك لكل الفلسطينيين والعرب مسلمين ومسيحيين فيها ، مقابل حق العبادة في أماكن مقدسة مخترعة لم ترد حتى في التوراة لليهود في فلسطين والقدس ، كتلك الأماكن ” المقدسة ” الثلاثة عشر لليهود التي وردت في صفقة القرن والتي بينت مؤسسة عيمق شفيه الإسرائيلية أنها كلها أماكن مخترعة القداسة ( عيمق شافيه ، ٢٠٢٠).

في إطار حل رزمة كهذا في اطار القانون الدولي يوقع على كاهل دولة اسرائيل تنظيم حق حرية العبادة لكافة الأديان بدون قيود داخل حدودها عام ١٩٤٨، وازالة كل ما ترتب عن قيامها من تغييرات، وإختراع اماكن مقدسة لم يكن لها وجود ، ويوقعها في على فلسطين القائمة قانونا على حدود الرابع من حزيران لعام ١٩٦٧ وفق الاعتراف الأممي بها من ١٣٨ دولة عام ٢٠١٢ خلال التصويت في الجمعية العامة للأمم المتحدة حينذاك تنظيم ذات الحق لكل الأديان وفق مبادئ حرية العبادة المنصوص عليها في الوثائق الدولية ذات الصلة باستقلالية وبدون أي تدخل من قبل اسرائيل ، والمطالبة بالمعاملة بالمثل من حيث تطبيق حق المسلمين والمسيحيين الفلسطينيين بممارسة حق العبادة دون قيود في الأماكن المقدسة لهم الواقعة داخل دولة إسرائيل بحدود عام ١٩٤٨، كما ويكون لدولة فلسطين الحق بالدخول والتوقيع على أية اتفاقيات تعاقدية مع أية دولة وفق مشيئتها الحرة المستقلة بشأن الأماكن المقدسة وذلك على غرار الاتفاق الموقع بين الرئيس محمود عباس أبومازن والملك عبد الله ملك الاردن عام ٢٠١٣ حول الولاية الهاشمية للأماكن المقدسة في القدس ( موقع مؤسسة الدراسات الفلسطينية ) ، والذي أتى بعد عام من تكرس فلسطين قانونيا كدولة عبر اعتراف ٢٠١٢ العالم بها ، مكرسا سيادة دولة فلسطين على الأماكن المقدسة، والولاية الهاشمية على المسجد الأقصى المبارك .

تبدأ الورقة بمقدمة نظرية مفاهيمية حول حرية العبادة وعلاقتها بالسيادة السياسية ، ثم تنتقل إلى تحليل ادعاء السيادة الصهيو- إسرائيلي على فلسطين بما في ذلك أماكنها المقدسة ، وبعدها تحلل حالة الحرم الشريف كحالة دراسية وكيفية التعامل معها في فترة الانتداب البريطاني ، ثم فترة الاحتلال الإسرائيلي بعد عام ١٩٦٧، وتنتهي بخاتمة وتوصيات لكيفية التعامل عربيا ودوليا مع الأماكن المقدسة في فلسطين .

في جزء ثان لهذه الورقة سيحلل الكاتب موضوع الأماكن المقدسة والحرم القدسي الشريف في سياق العلاقات والمواقف الدولية والمفاوضات التي تمت بشأنها ما طرح من مشاريع خلال هذه المفاوضات وخارجها ، واستراتيجيات العمل من الدول العربية والإسلامية، وحالة الكفاح الشعبي من أجل حماية الاماكن المقدسة الاسلامية والمسيحية : أين نجحت وأين أخفقت وآفاقها.

مدخل نظري مفاهيمي : حرية العبادة والسيادة السياسية

بشكل عريض ، عرف العالم الإسلامي والعربي في القرون الوسطى نوعين من الدول الدينية التي اكتسبت شرعيتها وسيادتها السياسية من الدين . الأولى هي الدولة البابوية في أوروبا ( ٧٥٦- ١٨٧٠ ) ، ثم انحصرت في دولة الفاتيكان منذ عام ١٩٢٩. والثانية هي الدولة العثمانية بدءا من امارة عثمان التي قامت في النصف الثاني من القرن الثالث عشر ( رافق ، ١٩٧٨، ص. ٣٠) وانتهت عام ١٩٢٣ على يد كمال أتاتورك .

في الحالة الأولى ، أي الدولة البابوية كان البابا الممثل للكنيسة الكاثوليكية هو الآمر الناهي الذي يعين الأباطرة والملوك ويعزلهم، وظل الامر كذلك إلى أن انشق البروتستانت عن الكنيسة الكاثوليكية مما نجم عنه حروب دينية لمدة ثلاثين عاما من ١٦١٨ إلى ١٦٤٨ حين تم توقيع معاهدة وستفاليا التي اعترفت بسيادة الدول على الارض والشعب والحكومة ، وأقرت بعدم تدخل أي دولة في الشؤون الداخلية للدول الاخرى ، وهو ما ترتب عنه البدء في إضعاف سلطة الدولة البابوية ايضا لصالح الدول ذات السيادة على الشعب والأرض والاقليم والحدود ومع ذلك استمرت للصراعات الدينية وغير الدينية بعد ذلك حتى توحدت إيطاليا عام ١٨٧٠، مما أدى لنهاية الدولة البابوية، ثم انحصارها في دولة الفاتيكان الصغيرة منذ عام ١٩٢٩ . لم يقتصر استبداد الدولة البابوية على تحكمها بالملوك والأباطرة ففي عهدها أقامت محاكم التفتيش وحاكمت وفرضت العقوبات على كل من يخالف تعاليمها مثل اتهامها كوبرنيكوس عالم الفلك بالهرطقة بعد وفاته ( ١٤٧٣- ١٥٤٣) بسبب اكتشافه كروية الأرض ودورانها حول الشمس بما خالف رأي الكنيسة التي كانت تعتبر أن الأرض هي مركز الكون ، وفرض السجن والإقامة الجبرية من عام ١٦٣٣ وحتى الوفاة على غاليليو عالم الفيزياء ( ١٥٦٤- ١٦٤٢) لتأكيده نظرية كوبرنيكوس حول دوران الأرض حول الشمس واكتشافات أخرى قام بها بما يناقض أطروحات الكنيسة . اي ان الامر هنا كان يتعلق بدولة دينية ثيوقراطية ، تحكم بإسم الله ، و استبدادية ، اي تفرض تفسيراتها الخاصة لتعاليم الله وتكافئ وتعاقب الرعية وفق تلك التفسيرات . وقد تراوح حكم الكنيسة بين ما أطلق عليه اسم ” القانون الإلهي ” المستوحى من الكتاب المقدس وفق تفسير الكنيسة له ، و ” القانون الكنسي ” المعبر عن القوانين التي تسنها الكنيسة ( مولينارو ، ٢٠٠٩- ٢٠١٠، ص . ٢٦).

وفي الحالة الثانية ، أي حالة الدولة العثمانية فإنها قد اعتبرت الإسلام دينا رسميا لها ، ولكنها في المقابل اعتمدت النظام الملي الذي أتاح لكل دين أو طائفة دينية غير مسلمة ، حق ادارة شؤونها الدينية بذاتها مقابل دفع ضريبة خاصة إلى الدولة العثمانية . وقد حظي هذا النظام برضى الطوائف غير المسلمة انطلاقها من رغبتها في إدارة شؤونها الدينية بنفسها وهو ما اعترفت به الدولة العثمانية ( مولينارو ، ٢٠٠٩- ٢٠١٠، ص. ٣١).

وفي العصر الحديث أصبحت العلاقة بين حرية العبادة وتنظيمها وبين السيادة السياسية أكثر تعقيدا . فمن جهة نشأت الدول الحديثة وفق عناصر السيادة السياسية التي لخصها كريسنر في أربعة مكونات تتعلق بالسيادة الداخلية والضبط الداخلي ، والاستقلال عن الدول الأخرى عبر السيطرة على الحدود ، والسيادة القانونية من خلال الحصول على الاعتراف الدولي ، والسيادة الوستفالية بمعنى عدم وجود سلطة مهيمنة فوق سلطة الدولة مثل الكنيسة أو الجيش ( كريسنر ، ٢٠٠١)، ويلاحظ هنا أن أيا من هذه المكونات لا يتضمن سلطة المؤسسات الدينية كمكون لسيادة الدولة، بل إنه قد اعتبر سلطة الكنيسة مقوضة لسيادة الدولة ، وبالتالي ترك للدولة الخيار بأن تقرر بمحض إرادتها إذا ما كانت تحكم وفق القوانين الوضعية أو الدينية أو مزيج بينهما في إدارتها للشؤون الدينية . وبكل الأحوال فإن الدراسات النظرية حول هذا الموضوع تشير بغالبيتها أنه حتى في حالة الدول التي تضع الدين والشريعة كمرجعية لقوانينها فإنها تستند بذلك إلى تفسيراتها البشرية للنصوص الدينية مما يجعلها في النهاية دولا لا تحكم باسم الدين ذاته ، حتى لو ادعت أنها تحكم باسم الله ولإنفاذ شريعته على الأرض سعيا من اجل اضفاء مزيد من الشرعية على حكمها في عيون رعاياها ، وفي الأدبيات حول الإسلام مثلا ثمة من يحاجج بأن خليفة الله على الأرض هو الحاكم ، وفي المقابل من يحاجج أن خليفة الله على الارض هي الامة التي يحق لها أن تدير شؤونها بنفسها وأن تختار من تشاء من الحكام وفق إرادتها الحرة من خلال الاقتراع المباشر ( بهلول ٢٠٠٠، الغنوشي ١٩٩٣، وعبد الرازق ١٩٦٦).

وبعكس استبداد الكنيسة في القرون الوسطى، فإنه لم يعد هناك معنى جوهري للحديث عن دولة دينية أو غير دينية في العصر الحديث، إذ أن كليهما هما دولتان دنيوتان تحكمان وفق تفسيراتهما للنصوص وليس وفق النصوص ذاتها ، فقد بقي التمييز قائما بين الدولة التي تتبنى الدين كليا أو جزئيا في تشريعاتها وبين تلك الدولة التي لا تتبنى أي دين ، مطلقة على نفسها اسم الدولة العلمانية . على أن هذا التمييز الأخير لا يسعف كثيرا ايضا كما يتبين في السطور التالية ، حيث أن تبني بعض الدول لدين معين لا يعني دائما عدم تسامحها مع الأديان الاخرى الموجودة داخلها ، مما يعني اقترابها من العلمانية بهذا الشأن .

وتعرف الدولة العلمانية عامة على أنها تلك الدولة الحيادية التي تفصل بين الدين والدولة ، وبين السياسة والدين ، وبالتالي تترك حرية الاعتقاد كحق فردي خاص لمواطنيها ومواطناتها يقرر بشأنه كل منهم / ن وفق إرادته / ها الحرة ( العظمة ١٩٩٢، وسالم ٢٠٠٤ و ٢٠١٠) .

هذا بشكل عام ، فيما تفاوتت تجارب الدول العلمانية بين الدولة العلمانية غير الدينية اولا ( non- religious )، التي لا تتخذ في المقابل موقفا معاديا تجاه اديان وعقائد مواطنيها وتعزز حرية الدين من تدخل الدولة . وثانيا الدولة اللائكية ( Laicite ) التي تمنع استخدام الرموز الدينية في الحيز العام، فيما تسمح باستخدامها في الحيز الخاص ، مثل فرنسا على سبيل المثال التي تركز على حرية الدولة من الدين ( ستيبان ، ٢٠١٠) . وثالثا الدولة المعادية للدين ( anti – religious) عبر إعلانها الحظر على دين معين أو أكثر ، او ممارسة التمييز ضد دين معين كما يجري في عدة دول من العالم المعاصر . ورابعا : نموذج الكنيسة المعتمدة كما في بريطانيا دون أن يعني اعتماد كنيسة معينة التمييز ضد الكنائس الاخرى والاديان الاخرى كما كان عليه الحال في القرون الوسطى في أوروبا . وخامسا : نموذج الاعتراف بالأديان كمجتمعات محلية تقدم لها الدولة الدعم بأوجه مختلفة كما هو الحال في ألمانيا وهولندا وبلجيكا وسويسرا ( نويربيرغر ١٩٩٧، وسالم ٢٠٠٤). النماذج الأول والرابع والخامس هي نماذج فصل بين الدين والدولة بحيث لا تتدخل الدولة في عقائد مواطنيها تاركة هذا الأمر كشأن خاص لكل فرد . والنموذج الثالث هو نموذج معاد للدين ، أما الثاني فهو أقرب لمعاداة الدين إذ يحصره بدرجة معينة في الحيز الخاص وحسب بدون أن يسمح له بالفعل وممارسة التأثير في الحيز العام .

يرى ألفريد ستيبان أن النماذج المطروحة آنفا للعلمانية هي نماذج مستوحاة من تجربة الغرب ، وبناءا على دراسات لتجارب الهند والسنغال واندونيسيا ، خرج بمصطلح العلمانيات المتعددة ( Multiple Secularisms) ، وعنى به أن هناك تنوعا واسعا في مفاهيم العلمانية وتطبيقاتها على مستوى العالم ، وانتقد العلمانيات الغربية سيما نموذج الفصل بين الدين والدولة على أنها جامدة ، وأنها تحصر حرية ممارسة الدين على الحيز الخاص للفرد ، دون أن تعطي المجموعات والاحزاب الدينية حق الفعل في الحيز العام . ودعا ستيبان الى تسامح متبادل ( Twin Toleration ) بين الدولة والمجموعات الدينية لتشكيل نظام ديمقراطي، بحيث تتسامح الدولة مع المجموعات الدينية ، وتبادلها المجموعات الدينية بذلك . وأشار ستيبان إلى مبدأ البانكاسيلا ( Pancasila) المعتمد في اندونيسيا والقائم على خمسة أعمدة هي الإيمان بالله ، والإنسانية العادلة المتحضرة ، والوحدة الوطنية ، والديمقراطية الاندونيسية عبر الشورى والإجماع ، والعدالة الاجتماعية ( ستيبان ، ٢٠٠٨ و ٢٠١٠). بهذا الاتجاه يزيل ستيبان التعارض الجامد بين الدولة والدين ، ويقول بأن الدولة يمكن أن تدرج الإيمان بالله وربما حتى الشريعة في دستورها ، ولكنها تمارس في الوقت ذاته احترامها المتساوي للمجموعات الدينية القائمة داخلها بدون تمييز أو إجحاف.

تجمع التحديدات النظرية سابقة الذكر ، على أن الدولة هي التي باتت مسؤولة عن تنظيم الحيز الديني وحرية العبادة لكافة الأديان داخلها ، وذلك حتى لو قامت الدولة بالتبني الرسمي لدين معين في دستورها . وقد جاءت الوثائق الاممية كالاعلان العالمي لحقوق الانسان ، والعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية لتؤكد على مسؤوليات الدول المتعاقدة في حفظ وحماية حرية العبادة والعقيدة ، ففي المادة ١٨ من العهد الأخير الصادر عام ١٩٦٦ على سبيل المثال ورد :

” ١. لكل إنسان حق في حرية الفكر والوجدان والدين. ويشمل ذلك حريته في أن يدين بدين ما ، وحريته في اعتناق أي دين أو معتقد يختاره ، وحريته في إظهار دينه أو معتقده بالتعبد وإقامة الشعائر والممارسة والتعليم ، بمفرده أو مع جماعة ، وأمام الملأ أو على حدة . ٢. لا يجوز تعريض أحد لإكراه من شأنه أن يخل بحريته في أن يدين بدين ما ، أو بحريته في اعتناق أي دين أو معتقد يختاره . ٣. لا يجوز إخضاع حرية الإنسان في إظهار دينه أو معتقده ، إلا للقيود التي يفرضها القانون والتي تكون ضرورية لحماية السلامة العامة أو النظام العام أو الصحة العامة أو الآداب العامة أو حقوق الآخرين وحرياتهم الأساسية ” ( الأمم المتحدة – مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان ). وفي المادة ٢٨ من ذات العهد نص على إنشاء اللجنة المعنية بحقوق الإنسان لكي تتابع التزام الدول المتعاقدة بتنفيذ الحقوق والحريات الواردة في العهد. وقد بلغ عدد الدول الموقعة على العهد ١٧٣ مع نهاية عام ٢٠١٨ ( www.tbinternet.ohchr.org ).

اين دولة إسرائيل من هذه التحديدات النظرية والتجارب العالمية المتعلقة بها؟ هذا ما سيتطرق إليه القسم التالي من هذه الدراسة .

الصهيونية ودولة الاحتلال ، وادعاء السيادة

هناك مشكلة أساسية في تناول موضوع حرية العبادة بالعلاقة مع الحركة الصهيونية ولاحقًا دولتها إسرائيل . حيث لا يدور الحديث هنا عن دولة قامت على أرضها التي كان لها تواجد تاريخي مستمر عليها . فقد نشأت الحركة الصهيونية خارج أرض فلسطين طارحة إعادة ” الأمة اليهودية ” إليها من الخارج بعد ألفي عام من الشتات كما تدعي . لا متسع في هذه الورقة لمناقشة هذا الادعاء حيث تناولته دراسات اخرى عديدة ( ساند ، ٢٠١٠ و ٢٠١٢، المسيري ١٩٩٠ ، سالم ٢٠٢١ ، بيتر بيرغ ٢٠٠٩ ، على سبيل المثال ) . فيما يتعلق بهذا البحث فإن المشكلة المذكورة قد تعني تغيير خريطة العالم كما طرح ارنولد توينبي ( توينبي ٢٠١١) إذا ما سعت دول أو مجموعات لاستعادة بلدان أخرى بسبب وجود تاريخي قديم لها فيها . فهل يحق للعرب على سبيل المثال لا الحصر أن يطالبوا باستعادة الأندلس بعد أن أخرجوا منها عام ١٤٩٢؟ ( أبو الغيط ، ٢٠١٧) ، ويمكن اثارة عشرات الاسئلة المشابهة . بمعنى آخر تثير هذه الاشكالية السؤال حول شرعية ‘عودة’ بعض اليهود الى فلسطين بعد ألفي عام من الشتات ، هذا إذا ما تم قبل ذلك الإقرار بأن يهود أوروبا القرن التاسع عشر الذين هاجروا إلى فلسطين لكي يستوطنوها ويقتلعون شعبها هم من ذات عرق اليهود الذين غادروا فلسطين قبل ألفي عام ، وهو أمر تطعن في مصداقيته الدراسات المذكورة آنفا وغيرها . وعليه فإن ادعاءات الصهيونية ولاحقا بلدها اسرائيل بالسيادة على الاماكن المقدسة في فلسطين هو جزء من مشكلة أكبر هي مشكلة ادعائها بالسيادة على فلسطين بسبب حق تاريخي قديم ، وهو أمر مطعون به كما ورد.

من جهة اخرى ، كان الموقف الديني اليهودي حتى ظهور الحركة الصهيونية يقضي بأن عودة اليهود من المنفى إلى فلسطين ممكنة فقط على يدي ‘ الماشياح ‘، وأن هذه العودة لا تعني بالضرورة اقامة دولة بإسم إسرائيل ، وهنا يوضح البروفيسور اليهودي الكندي المناهض للصهيونية من منطلق توراتي ياكوب رابكن بأن : ” كلمة اسرائيل في الكتب المقدسة وفي نصوص اليهودية تعني الجماعة المقدسة التي دعاها الله بواسطة إبراهيم وسارة ، واعطاها التوراة على جبل سيناء … “. ( رابكن ، ٢٠٠٦، ص. ٢٥). إسرائيل حسب رابكن هي قومية خاصة قائمة على الجماعة المقدسة وليس على دولة تسعى لتحقيق سيادة جغرافية ترابية . ويضيف رابكن بأن اسرائيل صارت تحيل إلى دولة مع ظهور الصهيونية التي ” تشكل انقطاعا في التاريخ اليهودي . هذا الانقطاع ناجم عن تحرر يهود أوروبا في القرنين التاسع عشر والعشرين وعلمنتهم “( نفس المصدر. ص. ٢٣).

يقول رابكن أن اليهود قد تحرروا من خلال اندماجهم في المجتمعات الأوروبية التي كانوا يعيشون فيها ، وعند ذاك جاءت الصهيونية لتقطع ذلك الاندماج ، وتدعو لعودة اليهود إلى فلسطين لإقامة دولة على حساب تشريد شعب آخر ، وهو ما يتناقص مرة اخرى مع فهم كلمة اسرائيل على أنها ‘ مجموعة مقدسة ‘ كما يطرح الكاتب وليست دولة ، كما أنه يتناقض مع اليهودية التي تدعو للعيش بسلام مع الأديان والشعوب الاخرى كما يطرح الكاتب ايضا . لهذا بينما يرى الدين اليهودي أن عودة اليهود على أيدي ‘ الماشياح ‘ لا تهدف لإقامة دولة بل للعيش بسلام مع الآخرين، وهو ما تستمر حركة ناطوري كارتا (حراس المعبد ) الدينية اليهودية بطرحه حتى اليوم، فإن الصهيونية قد فسرت ” أرض الميعاد ” الدينية على أنها أرض دولة اليهود. وبهذا تكون الصهيونية قد حولت حق العبادة الذي يمكن تنظيمه بدون إقامة سيادة سياسية مبنية عليه، إلى أساس للدعوة إلى إقامة سيادة سياسية يهودية ، والمفارقة أن هذه الدعوة قد جاءت في وقت كان اليهود فيه يندمجون في مجتمعاتهم في أوروبا الغربية ، لا وبل يمارسون أيضا حق العبادة في فلسطين بدون قيود في ظل النظام الملي العثماني الذي منحهم حرية ذلك.

كحركة للاستحواذ على الجغرافيا ، سعت الصهيونية في البداية إلى استعمار بلدان أخرى مثل الأرجنتين وأوغندا وقبرص وغيرها وذلك قبل أن تستقر على فلسطين ، وبعد سنوات على نشوء الحركة الصهيونية ونجاحها في تنظيم بعض الهجرات اليهودية إلى فلسطين بدأت حركات دينية تنشق عن تيار اليهودية الاندماجي وتتجه للعمل في إطار الصهيونية، بداية مع حركة مزراحي بقيادة الحاخام يتسحاق يعقوب راينس عام ١٩٠٢، والذي ألف كتابا في ذلك العام باسم ‘ ضوء جديد لصهيون ‘ ( اور حداش عل تسيون ) يرد فيه على الحاخامات اليهود المناهضين للصهيونية ، ويعلن دعمه لثيودور هرتزل مؤسس الحركة الصهيونية ( موقع حركة مزراحي الالكتروني )، ثم حركة اغودات يسرائيل التي تأسست عام ١٩١٢ في بولندا ونقلت مركزها إلى فلسطين بعد الحرب العالمية الثانية . بعكس حركة مزراحي التي يمكن وصفها بحركة دينية – قومية ، فإن حركة اغودات يسرائيل أرادت صون الحياة الدينية وفصلها عن الصهيونية والحداثة ، ولكنها تعاونت مع الحركة الصهيونية قبل قيام الدولة فيما يتعلق بتنظيم الشؤون الدينية ، وبعد قيام الدولة تولى أعضاؤها مناصب حكومية وشاركت في الانتخابات البرلمانية ، وطرحت برامج لتعزيز نفوذ الدين في نظام الحكم مثل إيجاد نظام تعليمي ديني مستقل عن النظام التعليمي الرسمي ، ومنع النساء المتدينات وطلبة مدارس التوراة من الانخراط في الخدمة العسكرية ، وحفظ عطلة السبت ، وهكذا ( الموقع الإلكتروني لمعهد إسرائيل للديمقراطية ) . ولا زالت الأحزاب الدينية التي تعمل في دولة إسرائيل تتراوح مع اختلاف في بعض التفاصيل وحسب بين هذين التوجهين حتى اليوم : التوجه الديني – القومي، والتوجه الديني المتعاون مع الحكومات الاسرائيلية من اجل تنظيم الحيز الديني والاجتماعي المتوائم مع الدين . وبعد حرب ١٩٦٧ انخرط التوجهان بكثافة في المشروع الاستيطاني الاستعماري في الأراضي الفلسطينية المحتلة في ذلك العام ، وفي هضبة الجولان وسيناء، ولا زالا يقومان بذلك فيما عدا سيناء التي تم تفكيك مستعمراتها عام ١٩٨٢ بعد توقيع اتفاقية السلام المصرية الإسرائيلية ، ومستعمرات قطاع غزة التي تم تفكيكها عام ٢٠٠٥ بعد قرار حكومة ارييل شارون آنذاك بالانسحاب من قطاع غزة . ويمثل المستوطنون المتدينون في عام ٢٠٢١ ما يناهز ٤٠ بالمئة من المستوطنين، كما ويمثل المتدينون القوميون أقل بقليل من ٤٠ بالمئة منهم ، أي أن حوالي ٨٠ بالمئة من المستوطنين هم من المتدينين( جرايسي ، ٢٠٢١).

ترتب عن المشروع الاستيطاني الاستعماري ايضا اتساع لوزن المستوطنين في الخارطة السياسية الإسرائيلية، وفي انتخابات الكنيست آذار من عام ٢٠٢١ كان المستوطنون يمثلون ١١,٤ بالمئة من أصحاب حق الاقتراع ، فيما حصلوا على ٣٠ مقعدا في الكنيست أي ٢٥ بالمئة من عدد أعضائه الكلي ، ومثل هؤلاء جزءا من اليمين الاستيطاني الذي ناهز ال ٧٢ عضو كنيست وفق نتيجة دورة الانتخابات ذاتها ( جرايسي، ٢٠٢١).

قامت الصهيونية إذن على تأويل الدين ومقولاته حول ” أرض الميعاد ” الخاصة باليهود من أجل التأسيس لحق سياسي سيادي قامت بادعائه . بهذا المعنى فإن الصهيونية هي تفسير علماني للدين ، أو دين بغطاء علماني حداثي ، وقد انخرطت فيها الحركات الصهيونية الدينية لكي تساهم في تطور المشروع الصهيوني من جهة ، ولكي تستعمله من أجل الوصول إلى ” الخلاص المسياني ” الذي لا يتحقق إلا بتحول الدولة الصهيونية إلى دولة يهودية خالصة تحكم وفق قوانين الشريعة . كان ذلك هو مشروع الحاخام تسفي يهودا كوك ( ١٨٩١- ١٩٨٢) الذي استلهمت حركة غوش ايمونيم الاستيطانية أفكاره، وباشرت البناء الاستيطاني الاستعماري منذ بدء احتلال ما تبقى من فلسطين عام ١٩٦٧( شميدت ، بشير ،فرسيكو، بن ساسون ، لابيدوت ، ٢٠١٦).

وفي العقد والنصف الأخيرين باتت قوى اليمين الديني تتنامى داخل إسرائيل، وجاء هذا التنامي ليس من أوساط الأحزاب الدينية، والدينية القومية وحسب ، بل من اوساط حزب الليكود أيضا الذي تلاشت داخله قوة امرائه السابقين من عهد مناحيم بيغن والذين كانوا يطرحون خطابا مغلفا بالعلمانية ، ليحل محلهم قادة قوميون – دينيون الى جانب اخرين متحالفين مع الأوائل لا يزالون يطرحون أنفسهم علمانيين ولكنهم أكثر انشدادا وافتخارا بالإرث اليهودي ورموزه ومعالمه الدينية في غالبيتها ( تقرير مدار الاستراتيجي باعداده السنوية منذ ٢٠١٧) . وتقف دولة إسرائيل في العقد الأخير على مفترق طرق ، فإما أن تكتفي بانجازات الصهيونية ودولة اسرائيل المترتبة عنها ، وإما أن تسعى لاستكمال ميسيانيتها الدينية الى النهاية من خلال بناء الهيكل مكان الحرم القدسي الشريف ( بن ساسون ، ٢٠١٦). وفي ضوء هذا التطور فإنه لا عجب أن يجد استطلاع أجراه موقع يو إس نيوز عام ٢٠٢١ بالتعاون مع عدة جهات ومنها جامعة بنسلفانيا أن إسرائيل تعتبر الدولة الدينية الاولى في العالم من وجهة نظر غالبية ١٧ ألف مواطن ينتمون إلى ٧٨ دولة في العالم ( يو إس نيوز ، ٢٠٢١).

تساعد هذه الخلفية في تحليل القسم اللاحق من هذه الدراسة .

الصهيونية ، دولة إسرائيل : المسجد الاقصى المبارك / الحرم القدسي الشريف كحالة دراسية

لدراسة حالة المسجد الاقصى / الحرم القدسي الشريف، يتطلب الأمر بداية تحديد بعض المصطلحات المستخدمة. حيث تستخدم هذه الدراسة المصطلح المزدوج المسجد الاقصى / الحرم القدسي الشريف للدلالة على كل حيزه البالغ ١٤٤ دونما ، والذي اعتبر وفق قرارات لجنة البراق المنبثقة عن عصبة الامم عام ١٩٣٠ ملكا حصريا للمسلمين ، كما أن التسمية ذاتها ترد مرارا وتكرارا في قرارات اليونسكو كما يرد أدناه ، وذلك على عكس الدراسات الغربية التي تستخدم اسم ‘ جبل الهيكل ‘ ( Temple Mount ) للموقع تيمنا بهيكل اليهود القديم . من جهة أخرى تعتبر الدراسة أن حائط البراق هو جزء من الحائط الواقع غرب المسجد الأقصى /الحرم الشريف والبالغ طوله ٤٨٥ مترا ( قريع ، ٢٠١١، ص. ٨٣، وبيركوفيتش، ٢٠٠١، ص. ) ، وحائط البراق هو ايضا جزء لا يتجزأ من المسجد الاقصى / الحرم الشريف وفق قرارات لجنة البراق وغيرها ، وإليه أسرى إليه الرسول محمد صلى الله عليه وسلم ببراقه ، وعرج منه الى السماء ، وسمي ب ‘ حائط البراق ‘ تيمنا بذلك ، وليس له علاقة بما يطلق عليه صهيونيا وغربيا اسم ” حائط المبكى” ( Wailing Wall ) كما سيتبين .

وفيما يتعلق بادعاءات الصهيونية حول الحرم القدسي الشريف ذاته فإن الدراسات العلمية تشير إلى انعدام وجود أي مكان ديني لليهود في القدس لمدة ٥٧٥ عاما تمتد بين عام ٧٠ ميلادية وهو العام الذي نسب فيه للامبراطور الروماني تيتوس قيامه بتدمير الهيكل بشكل كامل، وحتى ٦٣٥ ميلادية عندما قام المسلمون ببناء مسجد صغير في المكان توسع لاحقا في الفترة الأموية ( غرابر ، ٢٠٠٠، وكابلوني ، ٢٠٠٢، ص. ٢٣). ويرى غرابر في ذات النص المذكور أنه من المستحيل ضمن حدود معرفتنا توضيح الانشطة التي كانت قائمة في الموقع قبل عام ٧٠ ميلادية ، كما لا يمكن حسب غاربر تحديد المكان الذي أقام فيه هيرودس الهيكل بين أعوام ٣٧- ٣٤ قبل الميلاد ، فيما يميل كابلوني إلى أنه كان هناك هيكل بقي حطامه قائما في منطقة الحرم الشريف بعد تدميره من قبل تيتوس عام ٧٠ للميلاد . وبغض النظر عن هذا الفرق بين غرابر وكابلوني فإن كلاهما يجمعان على أن ٥٧٥ عاما قد مرت دون أن يكون هناك أي بناء في الموقع ، مما ينزع الشرعية عن دعوى الصهيونية لاعادة بناء الهيكل بعد الفي سنة على دماره وذلك في حال كان فعلا قائما كهيكل يهودي قبل عام ٧٠ وهو الأمر الذي توجد دراسات متناقضة بشأنه . قامت الصهيونية سياسيا على ادعاء حق سيادي لأمة مخترعة كما تبين سابقا ، وقامت دينيا على أساس ادعاء حقوق دينية على أماكن كانت قد دمرت عام ٧٠ ميلادية ، هذا إذا ما تأكد أن تلك الأماكن كانت يهودية وليست وثنية قبل ذلك . ويبين العرض أدناه أن شيئا من قبيل ” حق الصلاة ” لليهود على رصيف بجوار حائط البراق لم يعترف لهم به سوى في عهد الانتداب البريطاني على فلسطين، وذلك دون إعطاء حق ملكية لليهود في المكان كما جاء في الوثائق البريطانية ذات الصلة .

سعت الصهيونية للسيطرة في البداية على ‘ حائط البراق ‘ بادعاء أنه ‘ حائط المبكى ‘ وذلك في فترة ما قبل عام ١٩٤٨ ، وفي المرحلة الثانية بعد حرب عام ١٩٦٧ سعت لتوسيع مساحة ما سمته ب ‘ حائط المبكى’ ثم طرحت بعد عام ٢٠٠٠ بشكل خاص مشروع السيادة الإسرائيلية على المسجد الاقصى كله بذريعة أنه موقع ‘ جبل الهيكل’ في مفاوضات كامب ديفيد من قبل رئيس الوزراء الاسرائيلي ايهود باراك آنذاك ، وقام ارئيل شارون باقتحام المسجد الأقصى في أيلول من عام ٢٠٠٠ ، واتخذت المحكمة العليا الإسرائيلية قرارا بالسيادة الاسرائيلية على الاقصى . مع هذا المنعطف تحولت دولة اسرائيل ربيبة الصهيونية العالمية إلى الدعم الرسمي لامتلاك الحرم الشريف ذاته بادعاء أنه الهيكل كما تبين الدراسة أدناه، وتعزز ذلك بشكل أكثف منذ عام ٢٠١٤ فصاعدا كما سيبين العرض اللاحق أيضا. وقد عبر الحاج أمين الحسيني رئيس المجلس الإسلامي الأعلى في فلسطين عن تلمسه لهاتين المرحلتين بشكل مبكر ، حيث كتب عام ١٩٢٨ في مذكرته إلى القائم بأعمال الحكومة البريطانية في فلسطين ما يلي :

” ما تنطوي عليه صدور اليهود من المطامع .. لا حد لها في هذا الموضوع، وغايتهم هي امتلاك المسجد الأقصى تدريجيا بزعم أنه ( الهيكل ) مبتدئين بالجدار الغربي منه ، وهو قطعة لا تنفصل عن المسجد الأقصى ) “. ( في : خلة ، ١٩٨٢، ص ٤٤٢).

قد تكون تلك الأطروحات في زمن الحاج أمين الحسيني غير معتمدة رسميا بصورة كلية من قبل الحركة الصهيونية ، ولكنها أصبحت كذلك بوضوح منذ عام ٢٠١٤ كما سيتبين أدناه .

تميزت المرحلة الأولى خلال عهد الانتداب البريطاني وما قبله قليلا بمحاولات صهيونية لإجراء تغييرات على الأرض وفرض وقائع ثابتة في منطقة الحائط الواقع غرب المسجد الاقصى / حائط البراق ، وقد بدأت هذه المحاولات اولا في نهاية العهد العثماني، حين قام يهود متدينون عام ١٩١٠ بوضع كراسي ثابتة ومواد للصلاة بشكل جماعي عند رصيف ادعوا أنه كان مخصصا للصلاة لهم أمام قسم من الحائط الغربي . ولذلك قدم متولي وقف أبو مدين الغوث التلمساني في حارة المغاربة شكوى ضد هذا الخرق الى متصرف القدس عزمي بك الذي قام بإزالة الخروقات ( باسيا ، ٢٠١٧، ص. ١١). كان الرصيف المذكور لا يتعدى طوله الثلاثين مترا ، وعرضه أربعة أمتار يقع في أسفل حائط البراق الذي ادعى اليهود أنه يمثل بقايا الهيكل الذي دمره الامبراطور الروماني تيطس عام ٧٠ للميلاد ( الحزماوي، ٢٠١٤، ص. ١١٠). هذا ويشير كراس صادر عن الجمعية الفلسطينية الاكاديمية للشؤون الدولية ( باسيا ) أن السلطان سليمان القانوني ( ١٥٢٠- ١٥٦٦) قد سمح خلال عهده لليهود بالصلاة عند الحائط الواقع غرب المسجد الأقصى / حائط البراق ( باسيا ، ٢٠١٧ ص. ١٠) ، ولم يجد الباحث أي دليل على صحة هذه الاشارة. في المقابل هناك إشارات في بعض المراجع العربية بأن المسلمين قد سمحوا لليهود بالوقوف والبكاء عند ذلك الرصيف على خراب الهيكل وذلك من باب التسامح الديني ( مثلا : الحزماوي ، ٢٠١٤، ص. ١١٠). إلا أن المصادر الارشيفية من الفترة العثمانية لا تتضمن أية وثيقة رسمية تقول بذلك السماح كما سيرد أدناه .

في الواقع نظم العثمانيون ما أطلق عليه اسم ( الستاتسكو حول الأماكن المقدسة ) أي الوضع القائم . وكلمة الوضع القائم هنا لا تعني الوضع الراهن ، ولكنها تعني حق كل طائفة دينية بإدارة شؤونها ومرافقها الدينية باستقلالية وفق ما يناسب أحكام شريعتها ووفق ما كان عليه الوضع القائم لتلك الأماكن في فترة صدور الفرمانات العثمانية بشأنها ، حيث بدأ نظام الستاتسكو عبر فرمانات عثمانية عام ١٨٥٢. وأقر في معاهدة باريس عام ١٨٥٦ بعد انتهاء حرب القرم ، ثم في المادة ٦٢ من معاهدة برلين لعام ١٨٧٨ بين الدولة العثمانية والدول الأوروبية . الستاتسكو كما ذكر نص على حرية إقامة الشعائر الدينية لكل طائفة وفق شعائرها ( باسيا ، ٢٠١٩، ص. ٧). ونص فرمان ١٨٥٢ بخصوص الأماكن الدينية المسيحية في القدس وبيت لحم على تجميد المطالبات بحق الملكية من أي من الطوائف على هذه الأماكن ومنع أي بناء اضافي أو تغيير على الوضع القائم فيها حتى حينه ، وكان الفرمان محاولة من السلطان لمنع نشوب حرب بين الكنائس الارثوذكسية والكاثوليكية . بمعنى آخر فإن فرمانات ١٨٥٢ و ١٨٥٦ قد نظمت الستاتسكو للأماكن الدينية المسيحية فقط ، ولم يكن هناك ذكر مطلقا لأي ستاتسكو يخص أماكن دينية يهودية. ويدعي رايتر أنه عندما أقرت الفرمانات في معاهدة برلين عام ١٨٧٨ فقد أصبحت سارية على كل الأماكن المقدسة للديانات السماوية الثلاث ، وليس الديانة المسيحية وحسب( رايتر، ٢٠١٧) ، ويؤكد ذلك كراس الصندوق الهاشمي لاعمار القدس ( الصندوق الهاشمي ، ٢٠١٦، ص. ٣). إلا أن قراءة نص معاهدة برلين يفيد بأنها لا تتضمن ما ذهب إليه رايتر، فقد اقتصرت فرمانات ١٨٥٢ و ١٨٥٦ ، ومعاهدة برلين ١٨٧٨ على تنظيم ستاتسكو بما يتعلق بالأماكن المسيحية المقدسة فقط ، ولم يتم لا من قريب ولا من بعيد التطرق لستاتسكو خاص بأماكن يهودية مقدسة في فلسطين . ويؤكد ذلك باحث اسرائيلي آخر هو شموئيل بركوفيتش حيث قال أن الفرمانات العثمانية كانت تتعلق بالأماكن المقدسة المسيحية وحسب ( بركوفيتش ، ٢٠٠١، ص. ١٢)، وظل هذا الامر يتنظر حتى عهد الانتداب البريطاني الذي شمل ” حق اليهود بالصلاة بالمبكى دون أن يكون لهم حق ملكية للمكان” ضمن ترتيبات الستاتسكو ، ولكن لم يكن الأمر كذلك في العهد العثماني على الاطلاق.

الوثيقة الوحيدة التي يعثر عليها المرء بشأن ‘ حق ‘ لليهود بالتواجد في منطقة حائط البراق تعود الى فترة حكم إبراهيم باشا على فلسطين ، وتعود تلك الوثيقة الى عام ١٨٤٠، وهي موجهة من محمد شريف حكمدار بر الشام المصري إلى السيد أحمد آغا دزدار متسلم القدس الشريف آنذاك . قدم الحاج أمين الحسيني نسخة من الوثيقة الى لجنة البراق عام ١٩٣٠، وقد حقق الوثيقة وتأكد من صحتها الباحث المعروف الدكتور أسد رستم ، وتنص الوثيقة على ما يلي :

“افتخار الأماجد الكرام ذوي الاحترام، أخينا السيد أحمد أغا دزدار متسلم القدس الشريف حالا:إنه ورد إلينا أمر سامي عسكري مضمنه صورة إرادة شريفة خديوية صادرة لدولته يعرب مضمونها العالي أنه حيث قد اتضح من صورة مذاكرة مجلس شورى القدس الشريف بأن المحل المستدعين تبليطه اليهود هو ملاصق إلى حائط الحرم الشريف، وإلى محل ربط البراق، وهو كائن داخل وقفية آبو مدين ( قدس سره) ِوماسبق لليهود تعمير هكذا اشياء بالمحل المرقوم، ووجد أنها غير جائزة شرعا ، فمن ثم لا تحصل المساعدة لليهود بتبليطه، وأن يتحذروا اليهود من رفع الأصوات وإظهار المقالات ويمنعوا عنها، فقط يعطي لهم الرخصة بزياراتهم على الوجه القديم، وصادر لنا الأمر السامي السر عسكري بإجراء العمل بمقتضى الإرادة المشار إليها، فبحسب ذلك اقتضى إفادتكم بمنطوقها السامي لكي، بوصوله، تبادروا لإجراء العمل بمقتضاها المنيف يكون معلومكم في ٢٤ ر ١ سنة ٢٥٦ محمد شريف.

جرنال ٣٦٨ نمرة ٣٩” ( في رستم ، ٢٠١٧، ص. ٢٢). الأخطاء في تركيب اللغة اصلية في النص وقد وثقها رستم كما هي .

تشير هذه الرسالة إلى رخصة بالزيارة ( وليس حق بالزيارة)، مع منع رفع الأصوات أو اقامة مرافق ثابتة في المكان. ولم يكن هنالك في المقابل شمول لذلك بالستاتسكو الذي منح للأماكن الدينية المسيحية وحسب .

جرت محاولة صهيونية ثانية لخرق حق الزيارةًعام ١٩١٩، حين حاولت تملك منطقة مجاورة للحائط الغربي ، ونشرت صورا لقبة الصخرة يرفرف فوقها علم يحمل نجمة داود . ( باسيا ، ٢٠١٧، ص. ١١).

أضافت حكومة الانتداب البريطاني في فلسطين حق صلاة اليهود في رصيف من حائط البراق على الستاتسكو ، ولكن بدون أن يكون لهم الحق في تملكه ، وقد ورد في صك الانتداب لعام ١٩٢٢ والذي نشرت باسيا – الجمعية الاكاديمية الفلسطينية لدراسة الشؤون الدولية نصه الأصلي ، اربعة مواد تخص الأماكن المقدسة في فلسطين، هي المواد ١٣، ١٤، ١٥، و ١٦ ( باسيا ، ١٩٩٧ ، ص ٥٣). وقد نصت المادة ١٣ على ما يلي:

” تأخذ الدولة على عاتقها ، مع ضمان جميع مقتضيات الأمن والنظام كل مسؤولية بشأن الأماكن المقدسة والمباني والمواقع الدينية في فلسطين وصيانة جميع الحقوق المرعية وتأمين حرية السلوك والوصول إلى الأماكن المقدسة والمباني والمواقع الدينية وحرية العبادة ولا تكون مسؤولة عن جميع الحقوق المتعلقة بها إلا تجاه جمعية الأمم . على أنه ليس في هذه المادة ما يمنع الدولة المنتدبة من أن تتفق مع الحكومة على ما تراه ضروريا لأجل تنفيذ أحكام هذه المادة ، وعلى أن لا تفسر أحكام قانون الانتداب هذا بأنها تخول الدولة المنتدبة حق التعرض لجوهر أو ادارة المقامات الاسلامية البحتة المصونة امتيازاتها “. ( باسيا ، ٢٠١٧، ص. ١٢).

 وتنص المادة ١٤ على “تشكيل لجنة خاصة من حكومة الانتداب، لدراسة ، وتعريف وتحديد الحقوق والادعاءات المتعلقة بالأماكن المقدسة ، والحقوق والادعاءات العائدة للمجتمعات الدينية المختلفة في فلسطين “. ( باسيا ، ١٩٩٧، ص. ٥٣ ).

رغم احترامها الستاتسكو في المادة ١٣، فإن جزءا من نفس المادة وكذلك نص المادة ١٤ أوحت باستعداد سلطة الانتداب لبحث ادعاءات الطوائف المختلفة والتي تشمل اليهود. وقد تعرضت هذه المواد لامتحان شديد في عامي ١٩٢٨، و ١٩٢٩. ففي الثالث والعشرين من أيلول ١٩٢٨ قام اليهود بنصب ستارة تفصل بين الرجال والنساء في ساحة حائط المبكى، وقد طلبت منهم سلطات الانتداب إزالتها لأن وجودها بشكل ثابت يعني تحول الحائط إلى كنيس دائم ، وعندما رفضوا قامت شرطة سلطات الانتداب بإزالة الستارة بنفسها . ( خلة ، ١٩٨٢. ص. ٤٤١- ٤٤٢).

بعد حادثة ٢٣ أيلول ١٩٢٨، أصدرت الحكومة البريطانية يوم ١٩ تشرين ثاني ١٩٢٨ الكتاب الأبيض رقم ٣٢٢٩، وتورد المصادر الفلسطينية أن الكتاب قد تعهد ب ” المحافظة على الوضع التاريخي والقانوني Status Quo في الأماكن المقدسة وأكدت الملكية الاسلامية لحائط البراق، وايضا أكدت على حق اليهود في أداء الصلاة عند الحائط وأن يأخذوا معهم الأشياء الجوهرية التي كان مسموحا بها في العهد العثماني ” ( باسيا ، ٢٠١٧، ص. ١٢). إلا أن قراءة لنص الكتاب الواقع في ستة صفحات والمنشور على موقع ” ملفات انتداب فلسطين ” البريطاني تقول بالحق القانوني والملكية الحصرية للمسلمين للحائط الغربي وأن لليهود حق الصلاة على رصيف يقع أمام جزء منه ، ولكن الكتاب يضيف هنا ما نصه ” الحائط الغربي أو حائط المبكى يشكل جزءا من السطح الغربي للهيكل اليهودي القديم ، ولهذا فهو مقدس للمجتمع اليهودي ، وعادتهم للصلاة فيه تعود الى العصور الوسطى وربما إلى ما قبل ذلك ” ( وزارة المستعمرات البريطانية ، ١٩٢٨، ص. ٣) .

رغم اعتراف النص بالحق القانوني والملكية الحصرية للمسلمين للحائط الغربي ، إلا أن الاشارة إلى أنه يمثل السطح الغربي للهيكل هو تمهيد لما سيأتي من مطالبة يهودية بالسيطرة على مكان الهيكل المدعى وهو المسجد الاقصى / الحرم القدسي الشريف في هذه الحالة والذي يقع الهيكل غربه . وبهذا الاتجاه يدعو الكتاب الى منح الشرطة اليهودية صلاحية القيام بالمحافظة على الستاتسكو في الفترة القادمة علما أن افرادها كانوا في اجازة يوم وضع الستارة مما اضطر شرطة الانتداب للتصرف ، كما يدعو الكتاب إلى أن أفضل طريقة للتعامل مع هذه الأمور يكون من خلال الحوار والتفاهم بين المجلس الإسلامي الاعلى واللجنة الصهيونية ( نفس المصدر ، وخلة ، ١٩٨٢، ص . ٤٤٤).

لم تتوقف الأمور عند حادثة عام ١٩٢٨، ففي ١٤ آب من عام ١٩٢٩، تظاهر اليهود في تل أبيب رافعين شعار ‘ الحائط لنا ‘ ، وفي اليوم التالي تظاهروا في القدس بمسيرة نحو حائط المبكى رافعين نفس الشعار، ثم كانت هناك مظاهرات فلسطينية أيام الجمعة في ١٦ و ٢٣ آب من نفس العام والتي اتجهت نحو ما سمي حائط المبكى ودمرت ما نصبه اليهود فيه من مرافق ، ونشبت اشتباكات في لفتا ومواقع أخرى في القدس ، وسرعان ما انتشرت الاحداث الى مدينة الخليل ومرج ابن عامر وصفد ويافا وغيرها . وخلال الأحداث استعملت بريطانيا الطائرات والدبابات لقتل الفلسطينيين عندما يهاجمون المستوطنات اليهودية ، كما واتهم الثائرون الغاضبون القيادة الفلسطينية بالتواطؤ مع بريطانيا وحتى بالخيانة . ومع انتهاء شهر آب كانت الأحداث قد توقفت مخلفة مئات القتلى والإصابات ( التفاصيل في خلة ، ١٩٨٢، ص٤٥١- ٤٦٠). يشابه هذا الوصف كثيرا مما جرى ويجري بعد احتلال ما تبقى من فلسطين عام ١٩٦٧ ، فالشرارة تبدأ من القدس ، لتنتشر بعدها في الوطن كله ، وتأخذ شكل هبات تنتهي بعد حين ، وتشهد خلالها شراسة منقطعة النظير ، وانقسام الشعب الفلسطيني واتهام القيادة بالتواطؤ .

بعد هبة آب ١٩٢٩، أرسلت عصبة الأمم لجنة دولية للتحقق من ” حقوق وادعاءات الأطراف من المسلمين واليهود بشأن الحائط الغربي أو حائط المبكى في القدس ” كما اسميت ، أو ‘ لجنة البراق ‘ كما سماها العرب ، وأقامت اللجنة لمدة شهر في القدس استمعت خلالها إلى شهادات ٥٢ شخصا منهم ٢١ من اليهود و ٣٠ من العرب، كما تسلمت ٦١ وثيقة منها ٣٥ وثيقة من اليهود ، و ٢٦ من العرب ( الحزماوي ، ٢٠١٤، ص.١١٢). وأصدرت اللجنة تقريرها في ٣٠ كانون أول من عام ١٩٣٠ ، حيث اعتبر أنه ” يعود للمسلمين الحق الوحيد في ملكية وامتلاك الحائط الغربي ، كونه يشكل جزءا صميميا من منطقة الحرم الشريف الذي هو ملكية وقفية . ويعود للمسلمين ايضا ملكية الرصيف الواقع أمام الحائط والمجاور لما يسمى بحارة المغاربة ( Moghrabi Quarter ) المواجهة للحائط ، نظرا لأن الملكية الاخيرة المذكورة اعتبرت وقفا وفق الشريعة الاسلامية ، ومخصصة لأغراض خيرية “. ( النص في عبد الهادي ، ١٩٩٧، ص. ٧٠- ٧١). ويحصر التقرير صلاة بالرصيف أمام الحائط فحسب بدون أن يترتب عن ذلك أية حقوق ملكية لذلك الرصيف ، وفي النهاية يطالب التقرير المسلمين بعدم إنشاء مبان ضخمة وعدم هدم أو ترميم أي بناية من مباني الأوقاف في الحرم وحارة المغاربة المجاورة للحائط الغربي بطريقة تتعدى على رصيف الصلاة لليهود أو تعرقل وصول المصلين اليهود إليه ( نفس المصدر ، ونفس الصفحات ). بعد هذا التقرير الأممي ساطع الوضوح انحصرت العبادة لليهود خلال عهد الانتداب البريطاني في رصيف صغير من الحائط الغربي طيلة تلك الفترة ، وفي الفترة بين ١٩٤٨ إلى ١٩٦٧ خضعت الضفة الغربية والقدس الشرقية للإدارة الأردنية ، حيث رفض الملك عبدالله طلب اليهود بفتح ممر لهم نحو حائط البراق ( الحديد ، ٢٠١٥، ص. ٧٨) ، في الوقت عينه كانت اسرائيل قد منعت وصول المسيحيين والمسلمين من الدول العربية والإسلامية إلى الأماكن الاسلامية والمسيحية المقدسة داخل ما أصبح يعرف بإسرائيل مثل مسجد سيدنا علي قرب نتانيا، والأماكن المسيحية المقدسة في الناصرة وطبريا وغيرها. أي أنه يمكن اعتبار منع الأردن وصول اليهود الى حائط البراق، على أنه تعامل بالمثل . ولكن بعد الاحتلال الإسرائيلي للقدس ولما تبقى من فلسطين عام ١٩٦٧ انفتحت مرحلة جديدة لانتقال الصهيونية من السيطرة على الحائط الواقع غرب المسجد الأقصى / الحرم الشريف إلى محاولات السيطرة على الحرم القدسي الشريف بأسره ، وهذا هو موضوع الفقرات اللاحقة .

بعد حرب ١٩٦٧مباشرة ، سن الكنيست الإسرائيلي ” قانون المحافظة على الأماكن المقدسة ” وذلك في يوم ٢٧ حزيران من ذلك العام ، ونص القانون على عدم المساس بالأماكن المقدسة لكافة الأديان وضمان وصول ابناء الاديان إليها وحرية العبادة فيها ( النص في : حلبي ، ٢٠٠٠، ص. ١٠٢). وقد جاء سن هذا القانون في الواقع كلعبة علاقات دولية عامة ، حيث تم خرقه قبل إقراره، وبعد ذلك .

قبل سن القانون، كان الاحتلال قد رفع العلم الإسرائيلي فوق قبة الصخرة المشرفة عقب الاحتلال مباشرة ، ولكن العلم سرعان ما تمت إزالته بقرار من موشيه ديان وزير الحرب الاسرائيلي آنذاك، والذي قرر بدل ذلك الصلاة لليهود في حائط المبكى ، ومصادرة مفتاح باب المغاربة من الأوقاف الإسلامية على أن تبقى مفاتيح بقية الابواب بيد الأوقاف ، ويكون للشرطة الإسرائيلية تواجد على ابواب الحرم من الخارج ، فيما تنظم الأوقاف شؤون الحرم من الداخل ، بما في ذلك تنظيم الزيارات ومنها زيارات اليهود ولكن بدون فرض دفع تذاكر عليهم كبقية السياح ، وهو ما استعاضت عنه الأوقاف بجعل الزوار اليهود يدفعون بدل دليل حول المكان كان يتم تسليمه لهم . في هذه الاثناء قامت السلطات الاسرائيلية بتوسيع ما سمي ب ‘حائط المبكى’ عبر هدم حي المغاربة، وبيت عائلة أبو السعود ، واستئجار أرض تابعة لوقف الخاتونية من اجل البدء باجراء حفريات أثرية ( رايتر ، ٢٠١٧، ص ٢٠ -٣٨). هذا ويعتبر الباحث اسحق رايتر الفترة بين ١٩٦٧ – ١٩٩٦) على أنها فترة التزام إسرائيلي بالستاتسكو ، أعقبها فترة انتقالية بين ١٩٩٦ – ٢٠٠٣، ثم فترة تآكل للستاتسكو بدأت منذ عام ٢٠٠٣( رايتر ، ٢٠١٧، ص. ٢٤). وفي الواقع أن الخروقات الإسرائيلية للستاتسكو قد بدأت منذ عام ١٩٦٧ ، وما أطلق عليه اسم ” تفاهمات موشيه ديان ” مع الأوقاف لحفظ الستاتسكو” لم تكن فعلا كذلك بل تضمنت خروقات له في توسيع ‘حائط المبكى’ ، ومصادرة مفتاح باب المغاربة، وبدء الحفريات في محيط المسجد الأقصى، وهكذا مما ذكر أعلاه . واستمرت الخروقات للستاتسكو بعد ذلك حيث تم الاستيلاء على الزاوية الفخرية والمدرسة التنكزية في حزيران من عام ١٩٦٩، وبعدها بعشرة سنوات بدأت اقتحامات جماعات أمناء جبل الهيكل وحركة كاخ للحرم القدسي الشريف منذ آب ١٩٧٩، وتم إطلاق حفريات واسعة لانفاق في محيط الحرم منذ عام ١٩٨١، وتم الطلب رسميا من الاوقاف الاسلامية السماح بأداء الطقوس الدينية داخل الحرم في ٢٠ أيار ١٩٨٢، ثم دخلت مجموعات الهيكل إلى الحرم في ٢١ آب ١٩٨٥، وفي عام ١٩٩٩ قررت المحكمة العليا الإسرائيلية في ٢١ آب منه السماح لجماعة أمناء جبل الهيكل بأداء الصلاة داخل الحرم القدسي الشريف ، وسبق ذلك قيام حكومة نتنياهو بفتح نفق في محيط المسجد الأقصى عام ١٩٩٦، وتلاه قيام الوزير الاسرائيلي ارييل شارون باقتحام الأقصى في أيلول ٢٠٠٠ ( باسيا ، ٢٠١٧، ص. ١٤- ١٥). ويذكر نفس المرجع في نفس الصفحة أن المحكمة العليا الاسرائيلية قد قررت في ١١ كانون ثاني ٢٠٠٠ ان لحكومة اسرائيل حق السيطرة السياسية على الحرم القدسي الشريف ، ولم يستطع الباحث التيقن من هذه المعلومة ، علما بأن المحكمة العليا الاسرائيلية كانت السباقة في اقرار حق اليهود في الصلاة داخل الحرم القدسي الشريف كما يبين بيركوفيتش بالتفصيل ( بيركوفيتش ، ٢٠٠١، ص. ٣٩- ٤٩).

مع عام ١٩٦٧ كانت دولة الاحتلال قد قامت بتوسيع ما سمي بـ ‘حائط المبكى’ ، وبدأت بتصعيد ادعاءاتها بشأن المسجد الأقصى / الحرم القدسي الشريف بأسره ، بأنه المكان على جبل موريا الذي ضحى فيه إبراهيم بابنه اسحق منذ ثلاثة آلاف سنة ، وكذلك المكان الذي قام فيه الهيكلان الأول والثاني على مدار ٨٥٠ عاما ( رايتر ، ٢٠١٧، ص. ١٣). ينكر هذا الطرح واقع نشوء مجمع إسلامي كبير في الحرم على مساحة ١٤٤ دونم تضم مساجد ومصليات ومدارس ومكتبات ، ومركز مخطوطات ، ومصاطب للعلم والدراسة وحفظ القرآن وطواقم ادارة وحراسة وصيانة ، مما يحول كما تشير التجربة الدولية التي تم وصفها أعلاه في التعامل مع قضايا أماكن العبادة من العودة إلى الخلف بذريعة وجود قداسة قديمة لذات المكان لديانة أخرى في حال ثبت وجودها . واستنادا لهذه التجارب الدولية جاء قرار لجنة البراق المشار إليه سابقا حول أن الحرم هو ملك خالص للمسلمين ، وهو ما تنص عليه قرارات منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة – اليونسكو أيضا ( اليونسكو، ٢٠١٥ و ٢٠١٦ ). وقد نص قرار منظمة اليونسكو في نيسان ٢٠١٥ على تبني

 ” التعريف الاردني والاسلامي التاريخي الثابت بأن المسجد الأقصى المبارك هو كامل الحرم القدسي الشريف وأن منطقة طريق باب المغاربة جزء لا يتجزأ منه ” ( في عبد الهادي ، ٢٠١٨، ص .٢٢) .

 و” اعتمدت اليونسكو في ١٨ تشرين ( أكتوبر ) قرارا ينص على أن المسجد الاقصى المبارك هو من المقدسات الإسلامية الخالصة ولا علاقة لليهود به “.( نفس المصدر ، ص . ٢٣).

بعد ١٩٦٧ قامت المساعي الصهيونية للانتقال من السيطرة على ‘حائط المبكى’ ، إلى الاستحواذ على الحرم القدسي الشريف بأسره حركات ‘ غير حكومية ‘. ولكن اقتحام شارون للحرم القدسي الشريف قد مثل منعطفا نحو التبني الحكومي الرسمي لما كانت تقوم به تلك الحركات بدعم حكومي ضمني . وقد جاء اقتحام شارون للحرم بموافقة من ايهود باراك رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك، وذلك بعد فشل مفاوضات كامب ديفيد تموز ٢٠٠٠ والتي طرح خلالها باراك مسألة السيادة الاسرائيلية على الحرم الشريف وما اسماه بمنطقة ” الحوض المقدس” المحيطة بها والشاملة سلوان وما سمي ب ” مدينة داود ” والمقبرة اليهودية في راس العامود ( قريع ، ٢٠١١، ص. ٦٩). وحينها فاوض الفلسطينيون في كامب ديفيد على أساس السماح لليهود بالصلاة فيما طوله ٥٨ مترا من حائط البراق ( قريع ، ٢٠١١، ص. ٨٣). ولعل الوثائق التي كشفتها اللجنة الرئاسية العليا للقدس في ديوان الرئاسة الفلسطينية عام ٢٠٢٢ ( اللجنة الرئاسية العليا للقدس ، ٢٠٢٢ ) التي تتسق مع عدم دمج صلاة اليهود على رصيف بجوار حائط البراق تغير المنحى الفلسطيني للتفاوض حول هذا الموضوع ، في حال حصلت أية مفاوضات مستقبلية بشأنه .

شملت الحركات التي عملت على اجندة تدمير الحرم وإنشاء الهيكل مكانه : التنظيم الإرهابي ” جال ” ( الخلاص لإسرائيل) الذي خطط لتفجير مسجد قبة الصخرة في مطلع ثمانينات القرن الماضي ، والتنظيم الإرهابي اليهودي السري ( همحتيرت هيهوديت ) التي انبثقت عن حركة غوش ايمونيم وخططت أيضا في مطلع ثمانينيات القرن الماضي لنسف قبة الصخرة. وحركة كاخ التي أنشأها الحاخام مئير كاهانا عام ١٩٧١، وحركات الهيكل التي بدأت منذ عام ١٩٦٧ بتشكل حركة أمناء جبل الهيكل ، ثم تفرع عنها حركات عديدة بعضها ينادي لجعل الحرم مركزا دينيا ثقافيا ، أو بالسماح لليهود بالصلاة فيه ، او هدمه واقامة الهيكل على انقاضه، وهكذا مما يفصله الدكتور محمود محارب في بحثه الذي نشرته ‘ المقدسية ‘ في عدد سابق ( محارب، ٢٠٢٠). عملت هذه الحركات بدعم من أحزاب ما يسمى اليمين الاسرائيلي ، و” حركة أرض إسرائيل الكاملة ” التي تشكلت بعد حرب عام ١٩٦٧ وانضم إليها قادة من حزب العمل الحاكم آنذاك ، ونشطت هذه الحركات للسيطرة على الاقصى رغم قرار الحاخامية الكبرى في حينه بمنع زيارة اليهود للحرم لأن ذلك يمثل تدنيسا له كونه يمثل جبل الهيكل ، وبعد اقتحام شارون للاقصى زادت هذه الحركات من نشاطها واقتحاماتها سيما منذ عام ٢٠٠٣ فصاعدا ، حيث كانت الأوقاف الاسلامية قد أغلقت الحرم أمام زيارات غير المسلمين بشكل تام بعد اقتحام شارون وحتى آب من عام ٢٠٠٣، حين قامت السلطات الاسرائيلية بفرض الاقتحامات بقرار احادي عبر باب المغاربة الذي تسيطر عليه ( رايتر ، ٢٠١٧ ص. ٢٣- ٢٤). يلاحظ على فترة ما قبل العام ٢٠٠٠ أيضا محاولة الميسيانية الغربية ( التي سميت أيضا بالصهيونية المسيحية: الدروفاندي ، ٢٠١٤) التدخل من خلال أعمال عنف لتسريع يوم الخلاص الذي سينزل فيه المسيح من السماء إلى الأرض ليحل بعد ذلك ألف عام من السلام قبل يوم الحساب . وعندهم يكون التسريع عبر جمع اليهود في فلسطين لتنصير من يقبل منهم وذبح البقية. في هذا الإطار جاء قيام الميسياني الاسترالي مايكل روهان بإضرام النار في المسجد الأقصى يوم ٢١ آب من عام ١٩٦٩ وإحراق أجزاء منه.

على المستوى الرسمي الإسرائيلي ، قامت الشرطة الاسرائيلية بحماية جماعة الهيكل لدى اقتحامهم للحرم في ٢١ آب من عام ١٩٨٥ ( باسيا ، ٢٠١٧، ص. ١٤)، كما أن حراسها لم يتمكنوا من ردع الجندي الاسرائيلي ألن غودمان الذي دخل الحرم في ٢١ نيسان ١٩٨٢ وأطلق النار داخله مما خلف عددا من القتلى والجرحى ، وفي ٨ تشرين أول من عام ١٩٩٠ قتلت الشرطة الإسرائيلية ١٧ مصليا داخل الحرم كانوا يحتجون على قيام حركة أمناء جبل الهيكل

بمحاولة ” وضع حجر الأساس لبناء الهيكل في الحرم الشريف ” ( محارب ، ٢٠٢٠، ص. ٢٩). وفي عام ١٩٩٦ قمعت الشرطة كل الاحتجاجات التي اندلعت احتجاجا على فتح النفق تحت الحرم ، كما قامت بحماية ارئيل شارون لدى إقتحامه للحرم عام ٢٠٠٠. هذا ناهيك عن دعم الحكومة وبلدية القدس وتمويلها للحفريات في محيط الحرم الشريف والتي كتب عنها بغزارة (مثلا : النتشة ٢٠١٩، صلاح الدين ٢٠١٠، اللجنة الهاشمية ٢٠١٦، باسيا ٢٠١٧ و ٢٠١٩).

منذ ٢٠٠٣ ، بدأت الشرطة الاسرائيلية بتنظيم اقتحامات اليهود المتطرفين الى الحرم بدون أي تنسيق مع الأوقاف الاسلامية ، ومنذ ذلك الحين تصاعدت الاعتداءات و أعداد المقتحمين ، ونوعيتهم ، ففي ٢٢ أيلول ٢٠١٢ اقتحم الأقصى الوزير الاسرائيلي أوري أرئيل، وقام اثناء الزيارة بمباركة الحاخام زلمان كالمانوفيتش داخل الحرم ( رايتر ، ٢٠١٧ ، ص. ١٠٩). وفي عام ٢٠١٤ حصل منعطف حين قررت لجنة الداخلية في الكنيست الاسرائيلي السماح بزيارة الجنود بالزي العسكري، وفرض قيود عمرية على دخول المسلمين للصلاة في الحرم في أيام الجمعة ، كما وناقشت اللجنة موضوع حق الصلاة لليهود داخل الحرم ، ومسألة السماح لليهود بدخوله أيام السبت من عدمه ، وقدم في نفس العام مشروع قانون للسماح لليهود بالصلاة في الحرم للكنيست ايده ايضا اعضاء كنيست من اليسار الصهيوني مثل حيليك بار من حزب العمل ، و زهافا غلئون زعيمة حركة ميرتس ، إلا أن مشروع القانون هذا لم يقدم للتصويت ( رايتر ، ٢٠١٧ ، ص. ١١٧- ١١٩)، ودعا الوزير اوري ارئيل لبناء الهيكل الثالث، كما أصدرت وزارة الخارجية الإسرائيلية في تشرين ثاني ٢٠١٤، مذكرة اسمت فيها المسجد الأقصى بأنه ” جبل الهيكل ” ، وأنه اقدس مكان لليهود ( باسيا ، ٢٠١٧، ص. ١٥). ولد كل ذلك احتجاجات شعبية فلسطينية ، واخرى رسمية اردنية ، ترتب عنها تدخل وزير الخارجية الأمريكية جون كيري ، وقيامه بعقد لقاء في الاردن جمعه مع العاهل الأردني الملك عبد الله ، ورئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتانياهو في ١٢ تشرين ثاني ٢٠١٤. تمخض عن اللقاء التأكيد على الحفاظ على الستاتسكو في الحرم القدسي الشريف ( جوردان تايمز ، ٢٠١٤).

لم يؤد لقاء ٢٠١٤ الى استقرار الاوضاع في الحرم ، فقد استمرت الخروقات الإسرائيلية ، وتكثفت اقتحامات أعضاء الكنيست والوزراء الإسرائيليين للأقصى ، كما اسفر عن اندلاع هبة فلسطينية في أيلول ٢٠١٥ بدأت من الحرم القدسي الشريف ، وتخللها أعمال قتل وحشية اسرائيلية واعمال طعن بالسكاكين قتل خلالها ١٠ إسرائيليين ، و٥٠ فلسطينيا وجرح العشرات ( فرانس برس ، ٢٠١٥) . اثر هذه الاحداث التقى جون كيري نتنياهو في برلين في تشرين أول ٢٠١٥، ثم تلاه لقاء آخر مع العاهل الأردني والرئيس الفلسطيني محمود عباس في عمان ، واسفرت اللقاءات عن اتفاق على نصب كاميرات لمراقبة الحركة داخل الحرم الشريف على مدار الساعة ، كما منع نتنياهو أعضاء الكنيست بمن فيهم العرب من الذهاب الى الحرم . بعد ذلك قامت الاوقاف بنصب الكاميرات ولكن السلطات الاسرائيلية قامت بإزالتها على الفور لأنها كانت تريد أن يتم نصب الكاميرات بالتشاور معها ، أو أن تقوم هي بنصب الكاميرات والقيام بأعمال المراقبة من خلالها ، وبهذا لم يترتب عن لقاءات ٢٠١٤ و ٢٠١٥ اية نتيجة، إذ أن جذر المشكلة لم يعالج وهو استعادة الادارة الحصرية إلى الأوقاف الإسلامية على الحرم القدسي الشريف كما كان عليه الحال حتى ثمانينيات القرن الماضي حين بدأت اسرائيل بخرق هذه الادارة الحصرية عبر إدخال الشرطة الإسرائيلية إلى داخل الحرم بعد قيام الجندي ألن غودمان بقتل عدد من المصلين داخله كما ورد انفا.

التسلسل بعد ٢٠١٥ معروف ، من معركة نصب البوابات الحديدية عام ٢٠١٧ على مداخل الحرم القدسي الشريف و إفشالها ، ثم معركة مبنى باب الرحمة واعادة فتحه عام ٢٠١٩ بعد أن أغلقه الاحتلال عام ٢٠٠٣ حاظرا بذلك استخدامات المبنى كمصلى ومدرسة ومكتبة كما استعمل سابقا ، وحاظرا ايضا عمل لجنة احياء التراث الاسلامي التي كانت تتخذ من المبنى مقرا لعملها . هذه الأحداث موثقة بغزارة ( مثلا : أسعد ٢٠١٨، باسيا ٢٠١٩). عاد الوضع للانفجار مع تكثف اقتحامات الحرم في نيسان ٢٠٢١، ومع مسيرة المستوطنين التي فشلت باتجاهه في ١٠ أيار ٢٠٢١، وهو ما حللته مجلة ‘المقدسية’ من خلال ٣ مقالات في عددها الحادي عشر ( أبوعلي ، سالم ، خمايسي ٢٠٢١) .

في عام ٢٠٢٢ ازدادت اقتحامات المتطرفين اليهود ، حيث كان رئيس الوزراء نفتالي بينيت قد صرح بحق اليهود بالصلاة في الحرم في تموز ٢٠٢١، ثم تراجع عن ذلك ( وكالات أنباء عديدة : مثلا عرب ٤٨، ٢٠٢١) ، ولكن مكتبه عاد لإصدار بيان في العاشر من أيار عام ٢٠٢٢ نص على ما يلي :

” لا يوجد أي تغيير أو تطور جديد في الوضع في جبل الهيكل ، وسيادة اسرائيل مستمرة فيه. وأية قرارات بشأن جبل الهيكل ستتخذها حكومة إسرائيل انطلاقا من اعتبارات سيادية ، حرية الديانة والأمن ، وليس من خلال ضغوط من جانب جهات أجنبية أو جهات سياسية ” ( عدة وكالات أنباء ، مثلا : عرب ٤٨، ٢٠٢٢). وفي نفس البيان رفض بينيت طلب الأردن تعيين خمسين حارسا إضافيا في الحرم القدسي الشريف .و طرحت بقوة ايضا خلال شهر نيسان ٢٠٢٢ فكرة ذبح القرابين بمناسبة عيد الفصح اليهودي والتي منعتها الهبة الشعبية الفلسطينية التي قامت .

احتج الاردن ووزراء خارجية ثمانية دول عربية يمثلون اللجنة الوزارية العربية المكلفة بالتحرك لمواجهة السياسات والاجراءات الاسرائيلية غير القانونية في مدينة القدس. اجتمعت اللجنة في عمان يوم ٢٠ نيسان ٢٠٢٢ ، وضمت اللجنة في عضويتها كل من الأردن وفلسطين ومصر والمملكة العربية السعودية وقطر وتونس والمغرب والجزائر ، كما انضمت إليها كدولة عربية تاسعة الإمارات العربية المتحدة بوصفها العضو الممثل للمجموعة العربية في مجلس الأمن الدولي . طالب الاجتماع بحفظ الستاتسكو في الحرم القدسي الشريف والعودة إلى أوضاع ما قبل عام ٢٠٠٠ على أساس الملكية الحصرية للمسلمين للحرم القدسي الشريف ، والدور الحصري للأوقاف الإسلامية في تنظيم زيارات غير المسلمين للحرم ووقف الخروقات الإسرائيلية للستاتسكو و الاعتداءات والاقتحامات ( جريدة الغد الأردنية ، ٢٠٢٢) . جاء رد نفتالي بينيت في ١٠ أيار أعلاه ليقول بالسيادة الاسرائيلية الحصرية على الحرم القدسي الشريف ، والذي سماه ب ” جبل الهيكل “، ورفض تدخل الأردن والدول العربية فيما يجري فيه . مثل تصريح بينيت تحققا لما طرحه الحاج أمين الحسيني عام ١٩٢٨ حيث بدأوا بالحائط الغربي وانتهوا بإعلان السيادة على الحرم ، ومثل هذا التصريح استدارة كاملة تمثل تنصلا كاملا من المادة التاسعة من اتفاقية السلام الأردنية الإسرائيلية لعام ١٩٩٤، والتي نصت في بندها الثاني على :

” تحترم إسرائيل الدور الخاص للمملكة الاردنية الهاشمية في الأماكن الاسلامية المقدسة في القدس ، وعند انعقاد مفاوضات الوضع النهائي ستولي اسرائيل اولوية كبرى للدور الأردني التاريخي في هذه الاماكن ” ( النص في موقع مؤسسة الدراسات الفلسطينية).

يتبين من أعلاه أن المحكمة العليا الاسرائيلية قد قررت السيادة الإسرائيلية على الحرم القدسي الشريف عام ٢٠٠٠، وكررت ذلك وزارة الخارجية الإسرائيلية عام ٢٠١٤، وفي العاشر من ايار ٢٠٢٢ طرح رئيس الوزراء الاسرائيلي نفتالي بينيت القول الفصل بأن ” جبل الهيكل ” هو تحت سيادة اسرائيل . دعمهم في ذلك صفقة القرن عام ٢٠٢٠ التي تضمنت حرية العبادة لكل الأديان في ” جبل الهيكل / الحرم الشريف” كما ورد فيها ( سالم ، ٢٠٢٠). يتضح من ذلك أن خطوات السيطرة على الاقصى وفرض السيادة عليه بإسم الحق الديني وبما يتناقض مع التقاليد الدولية في التعامل مع الأماكن الدينية المقدسة تجري على قدم وساق ، وأن الخطوة القادمة في التخطيط الإسرائيلي هي هدم الحرم الشريف وإقامة الهيكل الثالث مكانه وهذا لا تخفيه الطروحات الاسرائيلية والتصميمات الهندسية التي تم اعدادها من قبل جماعات الهيكل لما سيبدو عليه عندما تتم إقامته ، وهي تنتظر نضوج الظروف المواتية للقيام بذلك عندما تتوقف الارادة الشعبية عن المقاومة أو تتآكل. في هذا الإطار تدير الحكومة الإسرائيلية ظهرها لبند معاهدة السلام الموقعة مع الأردن المتعلق بالحرم الشريف والتي باتت بالنسبة لها اتفاقا منتهي الصلاحية كما يظهر من تصرفاتها وممارساتها .

خاتمة

نشأت الدول القومية الحديثة كل على أرضها ، واقامت سيادة شعوبها على تلك الأرض ، وشكلت الحكومات بإسم تلك السيادة، وقامت تلك الحكومات بتنظيم الحيز الديني وحرية العبادة لكل الأديان المتواجدة على أرضها.

في حالة الصهيونية كان الأمر مختلفا ، حيث نشأت الصهيونية في أوروبا مدعية وجود أمة يهودية حافظت على استمراريتها العرقية على مدى ألفي عام وأن لهذه الامة أن تستعيد أرض الميعاد التي نفيت منها قبل ألفي عام ، وهي أمور أثبتت الدراسات العلمية خطلها ، فليس هناك استمرار عرقي يهودي صافي على مدى الألفي عام ، كما أن الوجود التاريخي القديم في مكان ما لا يشرعن المطالبة بالعودة الى ذلك المكان ، حيث أن ذلك سيؤدي الى تغيير خريطة العالم بأسره لو طالب كل شعب بالعودة إلى بلدان وطأتها أقدام أسلافه في الماضي كما بين المؤرخ أرنولد توينبي . في هذه الحالة يكون العرب حق المطالبة بالعودة إلى الأندلس على سبيل المثال ، هذا ناهيك عن مئات الامثلة الأخرى. ومن جهة اخرى طالبت الصهيونية باعادة بناء الهيكل الذي لا يوجد إجماع في الأبحاث العلمية على وجوده قبل ان يدمره الامبراطور تيتوس عام ٧٠ ميلادية ، وينطوي هذا الطرح على نفس الجذر الذي أشار له المؤرخ توينبي حول استحالة امكانية اعادة التاريخ الى الوراء . ولهذا السبب لم تمنح الفرمانات العثمانية حق الصلاة لليهود على رصيف بجوار حائط البراق كما تبين ، وبقي هذا الحق غير قائم إلى أن إعترف به الانتداب البريطاني لاحقا ضمن سياسة اقامة الوطن القومي لليهود في فلسطين وفق تصريح بلفور لعام ١٩١٧، مع ذلك حافظت سلطات الانتداب على الموقف القاضي بأن الحرم القدسي الشريف بما في ذلك أسواره هو ملك حصري للمسلمين لا يشاركهم به أحد ، وبذلك ميزت سلطات الانتداب بين حق الصلاة بدون إقامة مرافق ثابتة في مكان الصلاة وبين حق الملكية .

نجحت الصهيونية بدعم من الدول الكبرى في إقامة كيانها ، وعندما قام هذا الكيان فإنه أخفق منذ البداية في تنظيم حرية العبادة للأماكن الدينية المقدسة للمسلمين والمسيحيين داخل كيانه في حدود عام ١٩٤٨ ، ففيما فتح تلك الأماكن في الناصرة وطبريا ونتانيا وغيرها للزيارة لمواطني الدول التي تدعمه وتقيم علاقات معه ، فإنه قد أغلقها أمام مسلمي ومسيحيي الدول التي لا تقيم علاقات معه ، وفي مقدمتها الدول العربية والإسلامية، وذلك القسم من الشعب الفلسطيني في الضفة والقدس الشرقية وغزة ومناطق اللجوء ، في خرق واضح للمعايير الدولية لحرية العبادة والواردة في عدة وثائق دولية ، ومنها المادة ١٨ من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة عام ١٩٦٦. هذا ناهيك عن قيام اسرائيل بتدمير الكنائس و المساجد وتدنيسها والاعتداء عليها واغلاقها ، وهو ما تناولته دراسات أخرى (دمبر ، ١٩٩٢، العصا ، ٢٠٢٠، عيسى ٢٠١٤ ، خمايسي ٢٠٢٢) .

بعد حرب ١٩٦٧، صعدت دولة الكيان انتهاكاتها لحرية العبادة ، ليس فقط من خلال منع الفلسطينيين والعرب من حرية الوصول اليها ، ولكن ايضا من خلال ادعاء السيادة عليها باسم الدين ، وذلك من خلال التقسيم كما حصل مع الحرم الإبراهيمي في الخليل ، أو السيطرة والاستحواذ استنادا لادعاءات تاريخية قديمة كما جرى مع مسجد بلال بن رباح في بيت لحم وقبر يوسف قرب نابلس وما سمي بموقع ‘ شمعون الصديق ‘ في الشيخ جراح ، أو من خلال السعي للسيطرة الكاملة على الحرم القدسي الشريف والادعاء أنه يمثل ” جبل الهيكل ” القديم المطروح اعادة بنائه ، وهو ما تفشل الصهيونية في تحقيقه حتى اليوم جراء المقاومة الفلسطينية.

ترفض الوثائق الأممية لحقوق الإنسان والتقاليد الدولية ، استعمال الدين كمبرر لفرض السيادة السياسية أو لخلقها أو اختراعها ، كما ترفضه وثائق الستاتسكو بشأن الأماكن المقدسة في فلسطين وقرارات منظمة اليونسكو والتي تخرقها اسرائيل على طريق محاولة خلق ستاتسكو جديد ولكن دون نجاح حتى الآن. هذه النقطة الاولى في الاستراتيجية الفلسطينية – العربية لمواجهة إجراءات كيان الاحتلال للسيطرة على الأماكن الاسلامية والمسيحية المقدسة ، والتي يترتب عنها ضرورة المطالبة بإلغاء كافة الإجراءات والتغييرات والخروقات التي تمت في الحرم الإبراهيمي الشريف ومسجد بلال بن رباح وقبر يوسف والشيخ جراح والحرم القدسي الشريف ، هذا جنبا الى جنب مع استمرار الكفاح من أجل التحرر الوطني وإزالة الاحتلال.

الأمر الثاني في الاستراتيجية الفلسطينية العربية يتعلق بتنظيم حرية العبادة ، بين دولة فلسطين المستقلة على حدود عام ١٩٦٧، والمعترف بها من قبل ١٤١ دولة في العالم ، وبين دولة الكيان ، بحيث يكون على الأخيرة ليس فقط الغاء كل تغييراتها الباطلة على هوية الأماكن المقدسة في فلسطين المحتلة عام ١٩٦٧، بل وايضا تنظيم حرية العبادة لكل الاديان داخل اراضيها ضمن حدود عام ١٩٤٨ بدون تمييز بين دين وآخر لكل مواطني العالم . ويكون لدولة فلسطين أن تنظم حرية العبادة لكل الأديان داخل دولة فلسطين وفق المبادئ والتقاليد الدولية المتعارف عليها بهذا الشأن .

  بشأن الحرم القدسي الشريف يتطلب واقع الحال أيضا اعادة الأمور إلى ما كانت عليه في العهد العثماني بالاقتصار على الزيارة وحسب الى ذلك الرصيف بحجمه الذي كان عليه حينذاك وحسب ، وازالة كافة التعديات و الخروقات والانتهاكات والحفريات والانشاءات الاسرائيلية بما فيها ازالة كل التعديات والانشاءات التي تمت في منطقة حائط البراق واعادة بناء حارة المغاربة وكل ما هدم حولها الى ما كان عليه قبل حرب عام ١٩٦٧، وإعادة مفتاح باب المغاربة الى الاوقاف الاسلامية ، وتولي الوقف المسؤولية الكاملة على الحرم وعلى تنظيم الزيارات له وكل ما يترتب على ذلك من متطلبات ضرورية لهذا التنظيم وذلك ضمن السيادة الفلسطينية على المقدسات، والولايةً الهاشمية على المسجد الاقصى / الحرم الشريف وفق الاتفاق الموقع بين العاهل الاردني الملك عبدالله الثاني والرئيس محمود عباس أبو مازن عام ٢٠١٣ ( انظر/ ي اعلاه ) انطلاقا من ارادتيهما الوطنيتان المستقلتان وذلك عاما بعد اعتراف الأمم المتحدة و ١٤١ من دولها ايضا بفلسطين كدولة مستقلة . يتطلب ذلك أيضا جهدا معرفيا تجاه الغرب باتجاهين : الأول لتوضيح أن الحرم القدسي الشريف ليس هو ” جبل الهيكل ” كما يطرح في الأدبيات الغربية ، والثاني لدعوة الغرب لتطبيق المعايير الدولية ذاتها المتعلقة بالأماكن المقدسة في فلسطين كما هي مطبقة في دولها بالذات ، حيث لا تستخدم الادعاءات الدينية لتأسيس سيادة دينية ، ولا لإعادة بعث وانشاء اماكن دينية قديمة اندثرت منذ قرون، كما لا تمنع حرية الوصول الى الأماكن الدينية المقدسة كما يجري مع المسلمين والمسيحيين من فلسطين والعالمين العربي والاسلامي المحرومون من زيارة الاماكن المقدسة في فلسطين .

الجزء الثاني قيد الإعداد من هذه الدراسة يتطرق إلى المسجد الأقصى / الحرم الشريف في مشاريع الحلول السياسية واستراتيجيات العمل العربية والدولية رسميا وشعبيا .

– شكر خاص للجنة الرئاسية العليا للقدس – وحدة القدس في ديوان الرئاسة الفلسطينية على الوثائق الجديدة التي أعلنت عنها في حزيران ٢٠٢٢ بشأن الوضع التاريخي للحرم القدسي الشريف ( اللجنة الرئاسية العليا ، ٢٠٢٢) ، وللصديقين الدكتور وصفي الكيلاني والدكتور يوسف النتشة على ملاحظاتهما الهامة على مسودة هذه الدراسة ، وامتنان إلى أصدقاء عديدين آخرين أبدوا ملاحظات جزئية أخرى هنا وهناك . وفي النهاية فإن أي خطأ أو ثغرة في الدراسة اعلاه تقع على الباحث لوحده دون غيره .

المراجع العربية

ابو علي، سعيد ( صيف ، ٢٠٢١). ” القدس : الثورة المجيدة والولادة الجديدة “. مجلة المقدسية : العدد الحادي عشر، ص . ٣- ١٦.

ابو الغيط ، محمد ( ١٥/ ٧/ ٢٠١٧). ” هل حقا يجب أن يستعيد العرب الأندلس ؟” . جريدة العربي الجديد .

www.alaraby.co.uk

” اتفاق الدفاع عن الأقصى والمقدسات بين العاهل الاردني الملك عبد الله والرئيس الفلسطيني محمود عباس ٣١/ ٣/ ٢٠١٣”.

www.palestine-studies.org

اسعد ، احمد عز الدين ( ٢٠١٨) . سوسيولوجيا المقاومة والحراك في فضاءات مدينة القدس المستعمرة . رام الله : منظمة التحرير الفلسطينية – مركز الأبحاث .

الأمم المتحدة – حقوق الإنسان/ المفوض السامي . ” العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية “. www.ohchr.org

بن ساسون ،هيلل ( تشرين ثاني ، ٢٠١٦). ” الصهيونية ، الدين والميسيانية التي بينهما : الهيكل ( الحرم الشريف ) كحالة قصوى “. مجلة قضايا إسرائيلية: العدد ٦٣، ص. ٥١- ٦٣.

باسيا ( الجمعية الفلسطينية الاكاديمية للشؤون الدولية : ٢٠١٧). ” باب الرحمة : مدخل لمراجعة تاريخية موجزة وبيان المشهد الحالي “. القدس

باسيا ( الجمعية الفلسطينية الاكاديمية للشؤون الدولية : أيار ٢٠١٩). ” باب الرحمة : محطات تاريخية وأحداث شباط وآذار ٢٠١٩”. القدس

بشير ، نبيه ( تشرين ثاني ، ٢٠١٦). ” الخلاص اليهودي في التراث اليهودي المقدس “. مجلة قضايا إسرائيلية: عدد ٦٣، ص. ٢٢- ٣١.

بهلول ، رجا ( ٢٠٠٠). دولة الدنيا : حول العلاقة بين الديمقراطية والعلمانية . رام الله : مواطن – المركز الفلسطيني لدراسة الديمقراطية .

” بيان اجتماع اللجنة الوزارية المكلفة بالتحرك للرد على الاجراءات الاسرائيلية غير القانونية في مدينة القدس ( ٢١ / ٤/ ٢٠٢٢). جريدة الغد الأردنية .

www.alghad.com

بيتر برغ ، جابرييل ( ٢٠٠٩). المفاهيم الصهيونية للعودة : أساطير وسياسات ودراسات إسرائيلية . رام الله : مدار – المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية .

” تصريحات نفتالي بينيت بشأن الحرم القدسي الشريف ، ٢١/ ٧/ ٢٠٢١، و ١٠ / ٥ / ٢٠٢٢”

www.arab48.com

توينبي ، ارنولد ( ٢٠١١). مختصر دراسة التاريخ ( عدة أجزاء ) . القاهرة : الهيئة المصرية للكتاب.

جرايسي ، برهوم ( حزيران ، ٢٠٢١). نتائج انتخابات الكنيست آذار ٢٠٢١ في مستوطنات الضفة الغربية والقدس : الخارطة السياسية والديمغرافية . رام الله : مركز مدار – المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية .

الحديد ، محمد بدر ( حزيران ، ٢٠١٥). واقع ومستقبل السياسة الأردنية تجاه مدينة القدس ومقدساتها . جامعة الشرق الاوسط.

www.meu.edu.jo

الحزماوي ، محمد ماجد صلاح الدين ( ٢٠١٤). “وقفية أبي مدين الغوث في مدينة القدس ( ٧٢٠ هـ/ ١٣٢٠ م)”. في . الأوقاف الإسلامية والمسيحية في القدس

 (٢). عمان : منتدى الفكر العربي ، والمنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة ، والصندوق العربي للإنماء الاقتصادي والاجتماعي/ الكويت . ص. ٧١- ١١٤.

حلبي، اسامة ( ٢٠٠٠). بلدية القدس العربية ( الطبعة الثانية ) . القدس : باسيا – الجمعية الفلسطينية الاكاديمية للشؤون الدولية .

خلة، كامل محمود ( ١٩٨٢). فلسطين والانتداب البريطاني ١٩٢٢- ١٩٣٩. الطبعة الثانية . طرابلس ليبيا : المنشأة العامة للنشر والتوزيع والإعلان .

خمايسي، راسم ( شتاء ، ٢٠٢٢). ” تحديات إشكاليات تحديد موضعة ، حجم وانتشار الأوقاف الإسلامية في فلسطين داخل الخط الأخضر “. مجلة المقدسية : العدد الثالث عشر ، ص . ٥٩- ١٠٨.

دمبر ، مايكل ( ١٩٩٢). سياسات إسرائيل تجاه الأوقاف الإسلامية في فلسطين : ١٩٤٨- ١٩٨٨. بيروت : مؤسسة الدراسات الفلسطينية .

 رابكن ، ياكوف م. ( ٢٠٠٦). المناهضة اليهودية للصهيونية . بيروت : مركز دراسات الوحدة العربية .

رافق ، عبد الكريم ( ١٩٧٨). العرب والعثمانيون : ١٥١٦- ١٩١٦ ، الطبعة الثانية . عكا : مكتبة ومطبعة السروجي للطباعة والنشر .

رستم ، أسد ( ٢٠١٧). مصطلح التاريخ . المملكة المتحدة : مؤسسة هنداوي .

سالم ( صيف ، ٢٠٢١). ” هبة القدس : المعاني والآفاق “. مجلة المقدسية : العدد الحادي عشر ، ص. ١٧- ٣٢.

سالم ، وليد ( ٢٠٢١). ” الرواية الصهيونية : محاولة للتفكيك ” ورقة قدمت للمؤتمر الأول حول نقض الرواية الصهيونية ، رام الله .

سالم ، وليد ( شتاء ٢٠٢٠). ” القدس في صفقة القرن ” . مجلة المقدسية : العدد الخامس ، ص. ٤٩- ٥٨.

سالم ، وليد و ( ٢٠١٠) . “العلمانية ، فكر ومنطلقات دولية ” في . المؤتمر الثالث لمنتدى الحريات الفلسطيني حول العلمانية والنظام السياسي الفلسطيني . رام الله .

ساند ، شلومو ( ٢٠١٠). اختراع الشعب اليهودي . رام الله: مدار – المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية .

ساند ، شلومو ( ٢٠١٢). اختراع ارض اسرائيل . رام الله : مدار – المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية .

سخنيني ، عصام ( ١٩٨٦) . فلسطين الدولة : جذور المسألة في التاريخ الفلسطيني . الطبعة الثانية . عكا : دار الأسوار .

شميدت ، كريستوف ( تشرين ثاني ، ٢٠١٦). ” ولادة الحداثة من روح المسيحانية وأزمتها : قراءة أولية . مجلة قضايا إسرائيلية : عدد ٦٣، ص. ١١- ٢١.

صلاح الدين ، عايد أحمد ( ٢٠١٠). الحفريات الإسرائيلية حول المسجد الأقصى. فلسطين : وزارة الإعلام بالتعاون مع وزارة الأوقاف والشؤون الدينية – مؤسسة إحياء التراث والبحوث الاسلامية بيت المقدس .

عبد الهادي ، مهدي ( ٢٠١٨). “مؤتمر الازهر العالمي لنصرة القدس – المحور الاول: الهوية العربية للقدس ورسالتها المكانية والدينية والعالمية “.

عبد الرازق ، علي ( ١٩٦٦) . الإسلام وأصول الحكم. بيروت : دار مكتبة الحياة

العظمة ، عزيز ( ١٩٩٢) . العلمانية من منظور مختلف . بيروت : مركز دراسات الوحدة العربية .

عيسى ، حنا ( نيسان ٢٠١٤) ” الاعتداءات والانتهاكات الإسرائيلية بالقدس ”

www.dci-plo.ps

العصا ، عزيز ( ربيع ، ٢٠٢٠). ” المعالم المسيحية المقدسة بين العهدة العمرية والاستراتيجيات التهويدية “. مجلة المقدسية : العدد السادس ، ص. ٧٣- ٨٨.

الغنوشي ، راشد ( ١٩٩٣) . الحريات العامة في الدولة الإسلامية . بيروت : مركز دراسات الوحدة العربية .

فرسيكو ، تومر ( تشرين ثاني ، ٢٠١٦). ” حول التجربة اليهودية الاخيرة للتغلب على عملية العلمنة : صعود وسقوط غوش ايمونيم” . مجلة قضايا إسرائيلية : عدد ٦٣، ص. ٣٨- ٥٠.

قريع ، أحمد ( ٢٠١١) . السلام المعلق (٤) – القدس أولًا: مداخلات في الصراع والتجربة التفاوضية حول المدينة المقدسة . بدون دار نشر .

لابيدوت ، إلعاد . ” المسيح الذي لن يأتي : حول الميسيانية اليهودية “. مجلة قضايا إسرائيلية : عدد ٦٣. ص. ٣٢- ٣٧.

اللجنة العليا للقدس . ( ٨ /٦ / ٢٠٢٢) “ورقة حول مؤتمر وثائق الملكيات والوضع التاريخي للمسجد الأقصى المبارك ( الحرم الشريف )” . رام الله

محارب ، محمود ( ربيع ، ٢٠٢٠). ” سياسة إسرائيل تجاه الاقصى “. مجلة المقدسية : العدد السادس ، ص. ٢٣- ٥٦.

المسيري ، عبد الوهاب ( ١٩٩٠). الاستعمار الصهيوني وتطبيع الشخصية اليهودية . بيروت : مؤسسة الأبحاث العربية.

مركز مدار – المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية ( ٢٠١٧- ٢٠٢٢). تقرير مدار الاستراتيجي ٢٠١٨، ٢٠١٩، ٢٠٢٠، ٢٠٢١، ٢٠٢٢. ( عدة مجلدات سنوية ). رام الله .

” معاهدة السلام الأردنية – الإسرائيلية ١٧/ ١٠/ ١٩٩٤”

www.palestine-studies.org

النتشة ، يوسف سعيد ( ٢٠١٩). الحفريات والأنفاق الاسرائيلية في القدس منذ عام ١٩٦٧: دراسة نقدية في خلفيتها التاريخية والسياسية وفي مناهجها ونتائجها . وكالة بيت مال القدس الشريف .

English References

Abdu Hadi, Mahdi F. ( 1997). Documents on Palestine ( Volume 1) . Jerusalem: PASSIA: Palestinian Academic Society for the Study of International Affairs.

Aldrovandi, Carlo ( 2014). Apocalyptic Movements in Contemporary Politics: Christian and Jewish Zionism. Palgrave Macmillan UK.

Berkovitz, Shmuel ( 2001). The Temple Mount and the Western Wall in Israeli Law. Jerusalem: The Jerusalem Institute for Israeli Studies.

Emek Shaveh.( 4/2/ 2020) “ The Santification of the Antiquity Sites in the Jerusalem Section of the Peace to Prosperity Plan”.

Grabar, Oleg ( 2000). The Haram Al- Sharif: An Essay in Interpretation. The Royal Institute For Interfaith Studies .

https://web.archive.org/web/20121004035552/http://www.riifs.org/journal/essy_v2no2_grbar.htm

Kaplony, Andreas( 2002). The Haram of Jerusalem : 324- 1099. Stuttgart: Franz Steiner Verlog.

Krasner, Stephen. D (2001). Problematic Sovereignty: Contested Rules and Political Possibilities. Columbia University Press.

Molinaro, Enrico ( 2009- 2010). The Holy Places of Jerusalem in Middle East Peace Agreements. Brighton- Portland : Sussex Academic Press.

Neurberger , Benyamin ( 1997). Religion and Democracy in Israel. Jerusalem: The Florsheimer Institute for Policy Studies.

Reiter , Yitzhak ( 2017) . The Eroding Status Quo: Power Struggle on the Temple Mount . Jerusalem: Jerusalem Institute for Policy Research.

Salem , Walid ( 2004). Religion and State in Palestine. Unpublished Study .

Secretary of State for Colonies ( 1928). “ CMD. 3229: The Western or Wailing Wall in Jerusalem: Memorandum”.

https://palestinemandatefiles.wordpress.com

Stepan, Alfred ( 2008). “ Multiple Secularisms” www.india.seminar.com

Stepan, Alfred ( 2010). “ The Multiple Secularisms of Modern Democratic and Non- Democratic Regimes”. ASPA Meeting Papers. www.papers.ssrn.com

The Hashemite Fund for the Restoration of Al- Aqsa Mosque and the Dome of the Rock ( August , 2016). Israeli Violations Against the Holy Places and the Historic Character of the Old City of Jerusalem. Amman.

US News( 16/ 7/ 2021). “ The 10 most Religious Countries, Ranked by Perception”.

www.usnews.com

مواقع الكترونية اخرى

www.france24.com 24/ 10/ 2015

www.jordantimes.com 13/ 11/ 2014

The Israel Democracy Institute . “Agudat Yisrael” . https://en.idl.org.il

https://mizrachi.org

“ Ratification Status for Israel “ www.tbinternet.ohchr.org

www.whc.unesco.org

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

عن الصباح الفلسطينية

شاهد أيضاً

received_421978380379975

يوم الارض اهم مراحل النضال للشعب الفلسطيني ضد المشروع الصهيوني

الأسير رائد عبد الجليل ٠٠٠ شكل يوم الارض اهم مراحل النضال للشعب الفلسطيني ضد المشروع …