الرئيسية / الآراء والمقالات / عمر حلمي الغول يكتب : دلالات عملية القدس

عمر حلمي الغول يكتب : دلالات عملية القدس

عمر حلمي الغول

دلالات عملية القدس

عمر حلمي الغول

كل يوم يمر من تاريخ الصراع مع العدو الصهيوني يؤكد الشعب العربي الفلسطيني وحدة نسيجه الوطني والاجتماعي والثقافي. رغم كل أساليب الفتنة والتخريب والتسلح بمبدأ “فرق تسد” والتقسيمات الخنفشارية لابناء الشعب الفلسطيني دينيا وطائفيا ومذهبيا ومناطقيا وعشائريا وفصائليا، ومع ذلك فشل فشلا ذريعا في تحقيق أي نجاح بالمعنى الحقيقي، وكل ما حققه اشبه بفقاقيع الصابون، لان الناظم الأساس للغالبية الساحقة بقي وحدة الشعب، والتفافها حول المشروع الوطني، حتى حصان الامارة الطراودي باء بالفشل، رغم مواصلة انقلاب حركة حماس السيطرة على قطاع غزة حتى الان.

فجر امس الاحد الموافق 15 اب/ أغسطس الحالي قام الشاب امير صيداوي بتنفيذ عملية في القدس العاصمة في شارع معاليه هشالوم وتمكن من إصابة عشرة من قطعان المستعمرين بعشر رصاصات من مسدسه، حينما وجهها صوب ثلاث اهداف: الأول اتوبيس الركاب؛ الثاني السيارات المارة بجانب الحافلة، والثالث ضد المارة من المستعمرين. وكانت الإصابات كالتالي 3 إصابات خطيرة وحرجة، و5 إصابات متوسطة واصابتان خفيفة، حسب ما ذكرت القناة ال 12 الإسرائيلية.

وعلى اثر العملية الشجاعة قامت قوات الجيش وحرس الحدود والشرطة والقوات الخاصة وقوات ما يسمى ب”اليمام” بالانتشار بكثافة في احياء القدس الفلسطينية، فقامت بتطويق حي سلوان، وحي البستان وعين اللوزة والحارة الوسطى وبطن الهوى، واقتحمت عشرات البيوت وقامت بتفتيشها والتحقيق مع السكان الامنين بحثا عن منفذ العملية دون جدوى لمدة ست ساعات طوال والأمير الصيداوي يتجول في شوارع القدس مدينته ومسقط رأسه والعاصمة الفلسطينية الأبدية مخترقا كل المنظومة الأمنية الإسرائيلية الفاشلة، رغم ادعائها العكس.

ولا يخفى على أي مراقب موضوعي، ان عملية القدس جاءت ردا واضحا على حرب الثلاثة أيام على قطاع غزة، وعلى جريمة نابلس في اغتيال الشهيد إبراهيم النابلسي واخوانه قبل أيام قليلة لا تتجاوز أصابع اليدين، وهو ما يؤكد أولا على وحدة الدم والمصير الفلسطيني؛ ثانيا التكامل بين مختلف التجمعات والمناطق الفلسطينية في تحمل أعباء المقاومة؛ ثالثا التأكيد على فلسطينية وعروبة العاصمة الفلسطينية زهرة المدائن؛ رابعا فشل المنظومة الأمنية الإسرائيلية كلها دون استثناء على اكثر من مستوى وصعيد، من حيث غياب التقدير بإمكانية حدوث عملية فدائية؛ الاعتقاد بانها تمكنت من فصل غزة عن نابلس عن القدس وباقي المحافظات والمدن الفلسطينية وعن الجليل والمثلث والنقب. لكن العملية مجددا اكدت فشل وبهتان النظرية الأمنية الإسرائيلية؛ فشل أجهزة الامن المنتشرة في العاصمة واحيائها من اعتقال الشاب امير (26 عاما) مع انه تجول لمدة ستة ساعات طوال في مدينته وهو مسلح، وبالمحصلة قام هو شخصيا بتسليم نفسه للشرطة الإسرائيلية، ولم يتمكن القتلة من اعتقاله كما ادعوا.

ويمكنني التكهن والتقدير بأحد سيناريوهين الأول ان لا يكون المنفذ الحقيقي للعملية امير صيداوي، والهدف من تسليم نفسه، هو التمويه على المنفذ الحقيقي، ومنحه فرصة للعيش بحرية لمتابعة عمله المقاوم؛ وايضا لرفع قبضة قوات الجيش والأجهزة الأمنية عن احياء العاصمة الأبدية، والسيناريو الاخر يرتكز على ان امير هو فعلا منفذ العملية، وتعود أسباب تسليم نفسه لاكثر من احتمال، منها: انه لم يعد ويرتب مكانا لاختفائه؛ ويبدو انه نفذ عمليته دون استخدام قناع لاخفاء وجهه، وبالتالي تمكنت الكاميرات المنتشرة في الشوارع من التقاط صور له، وحددت ملامحه؛ لديه قرار واضح عدم ولوج طريق الاستشهاد، ويعتقد ان عمليات التبادل القادمة مع حكومات إسرائيل تؤمن له الافراج لاحقا؛ لا يريد ان يسبب لعائلته وذويه الأذى والمعاناة. ولتقديره انه حقق هدفه في تنفيذ عملية فدائية ناجحة جدا بكل المعايير الوطنية.

وبالنتيجة تمكن امير الصيداوي من توجيه لطمة قوية لحكومة لبيد غانتس، التي افترضت انها حققت اكثر من نجاح في حرب غزة ونابلس، وكشف خواء تقديرات حكومة تسيير الاعمال الهشة، وبالضرورة ان ما افترضت انها حصدته باليمين من غزة ونابلس ستدفعه باليسار في القدس بعد فشلها وخيبتها.

مرة أخرى الشعب العربي الفلسطيني نسيج ذاته، ولا يمكن لقوة او استعمار او ائتلاف دول من تمزيق وحدته شاء من شاء وابى من ابى، وسيبقى الشعب متمسكا بوحدته، ومصرا على استقلال وسيادة دولته على حدود الرابع من حزيران عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، ومصمما ومتأهبا للعودة لدياره من دول الشتات والمهاجر، ومدافعا عن حقه في تقرير المصير والمساواة الكاملة في الجليل والمثلث والنقب والمدن المختلطة.

oalghoul@gmail.com

a.a.alrhman@gmail.com

 

 

عن الصباح الفلسطينية

شاهد أيضاً

د. ادمون ملحم

د. ادمون ملحم يكتب : الواجب القومي

الواجب القومي د. ادمون ملحم رئيس الندوة الثقافية المركزية “الواجب” هو فعل إلزامي أخلاقي يقوم …