فلسطين تلد من رحم الغياب
د.صالح الشقباوي
عندما تأتي لمسائلة الواقع يبرز إليك فجأة القادم ، ويحاول أن يظهر على شاشة الذاكرة ليرسل لك اشارات التنبيه والاضاءة ، ويقول لك فكر بما تكتب وعقلن ماتقول ، من هنا تبرز اشكالية فلسطين التي يخوض شعبها معركة مفتوحة على أكثر من جبهة في وقت واحد وزمن مختلف ، جبهة الهوية ، جبهة الكيانية ، جبهة السياسة والوجودية وجبهة العدم المتدحرج الذي يريد أن يحرق ماتبقى من شواهد تاريخية ودينية ويزيل كلما يؤكد أننا كنا هنا على هذه الأرض ، فهاهي الصهيونية المستحدثة تحاول من جديد فتح أبواب مغاراتها لتخرج لنا من ذاكرة الماضي البعيد خرافات مزيفة رفضها الحاضر والمستقبل وأكد أنه لاوجود لما يعتقدون بهيكل سليمان وجودا جغرافيا ، لا على المكان ولا في مخزون ذاكرة الزمان ، لذلك هم يحاولون بناء الحاضر على أسس الماضي المجهول ، الذي لم يولد ولم يتكون لذلك فهم يشيدونه داخل بنية عقولهم ويحيون الاسطورة ، التي تقول انهم كانوا هنا ، يريدون من الٱن أن يقف أمام مطالبهم وأن يستعبد كأداة لتحقيق رغباتهم ، اعتمادا على القوة ، التي تحمي وجودهم ، لكن القوة لوحدها لا تصنع حقا ، ولا تبني مستقبلا ، فهي تخضع لقوانين السيرورة ، وتحاكي روح الزمن المتواصل ، لذا فهي تشيخ كما يشيخ الجسد ، من هنا أرى أن الصهيونية بكل ماتملك من أدوات وامكانيات ووسائل لن تنجح في ايلاد الخرافة من رحم الجغرافيا ولا أن تدفن جسد الجغرافيا في رحم الاسطورة ، لان العلاقة التي تربط الاسطورة بالجغرافيا مبنية على وهم ليس له جذور فهو ضباب ينقشع بمجرد بزوغ الحقيقة ، وبالتالي فإنها تصعد إلى الوهم مع الوهم ، وتستنبت في مكانها الجغرافي حقيقة أن فلسطين كانت هنا ، وأن شعبها يستجمع قواه ويستنهض ذاكرته ويؤكد أنه قادر على صنع مفاعيل القوة الوجودية للدفاع عن ذاته بذاته ، وأن الممارسات الصهيونية على كل الجبهات ضده لم تفلح إلا بشيء واحد ، استنهاض قواه الفلسطينية الداخلية المكبوتةالتي تسكن أعماق ذاته ، وهذا هو سر ولود فلسطين من جديد من رحم الغياب .