الرئيسية / الآراء والمقالات / د. مونتجمري حور يكتب : هل إيقاف مشروع غاز EastMed يأتي لعدم نجاعته أم توسيعاً للخيارات الإسرائيلية؟

د. مونتجمري حور يكتب : هل إيقاف مشروع غاز EastMed يأتي لعدم نجاعته أم توسيعاً للخيارات الإسرائيلية؟

مونتجمري حور
هل إيقاف مشروع غاز EastMed يأتي لعدم نجاعته أم توسيعاً للخيارات الإسرائيلية؟
كتب: د. مونتجمري حور
منذ بدء الحرب الروسية-الأوكرانية، ازداد الطلب العالمي على الغاز الطبيعي لدرجة تفوق العرض المقدم، الأمر الذي يزيد من ضغوطات على الاقتصاد العالمي ويهدد الأمن القومي لكثير من الدول. يلقي هذا المقال الضوء ليستكشف أبعاد قرار تأكيد الولايات المتحدة الأمريكية للمرة الثانية بوقف دعمها لمشروع خط EastMed للغاز، وأنها في المقابل ستدعم مشروع مد كابل كهربائي يربط بين إسرائيل واليونان وقبرص في هذه المرحلة.
نبذة عن مشروع غاز ايست ميد EastMed:
بعد محادثات جرت عام 2015 بين إسرائيل وقبرص واليونان، اتفقت الأطراف الثلاثة على بناء خط غاز “إيست ميد”، على أن تنضم إيطاليا إلى الاتفاق في وقت لاحق. يبلغ طول خط هذا الخط حوالي 2000 كيلو متر، ويبلغ عمقه 3.3 كيلو متر وتكلفته 7 مليارات دولار تقريباً، وهو قادر على نقل ما يصل إلى 10 مليار متر مكعب من الغاز سنوياً لأوروبا من احتياطات حوض شرق المتوسط قبالة قبرص وإسرائيل إلى اليونان وإيطاليا وغيرها. وفي الوقت الذي يعتقد فيه عدد من الخبراء أن هذا المشروع سيغير خريطة الطاقة في أوروبا وسيعينها على تنويع مصادر شرائها للغاز مما يحد من تعرضها لأي محاولة ابتزاز سواء من روسيا أو غيرها، تعيد الولايات المتحدة تأكيدها على عدم نيتها لدعمه، وعوضاً عن ذلك تعلن دعمها لمشروع مد كابل يربط بين إسرائيل واليونان وقبرص في هذه المرحلة، وتوافقها إسرائيل على ذلك.
تجدر الإشارة أن الولايات المتحدة سبق لها مطلع العام الجاري، أن أعلنت عن وقف دعمها لهذا المشروع بسبب التوترات التي قد تنجم عنه في منطقة شرق المتوسط، كما ورد على لسان مسؤولين في البيت الأبيض آنذاك. من يومين، طفى إلى السطح ثانية الحديث عن إحياء مشروع خط غاز ايست ميد، لوجود نقص في إمدادات الغاز الروسية في الأسواق، وجرت لقاءات رفيعة المستوى بين مسئولين من الأطراف المعنية، وكانت النتيجة خروج الولايات المتحدة الأمريكية لتؤكد للمرة الثانية في أربعة شهور على عدم دعمها للمشروع، وعزت ذلك هذه المرة إلى عدم جدواه الاقتصادية. وفي هذا الصدد، تجدر الإشارة إلى تصريحات وزيرة الطاقة المثيرة للجدل، حيث قالت “يمكن لمشاريع الغاز أن تنتظر في هذه المرحلة”.

الغاز مصدر طاقة مهم حتى عام 2050:
بات العالم اليوم في حاجة إلى كمية أكبر من الغاز الطبيعي لتقاسمها، فالغاز يأتي ضمن أهم مصادر الطاقة التي تعتمد عليه عدة دول، خاصةً بعد تقليص المرافق العامة في كثير من الدول لاستهلاكها من الفحم، مما يساهم في إحداث حالة من الضغط الاقتصادي، ويتوقع أن تمتد أهمية الغاز حتى عام 2050. في سياق متصل، يساهم هذا الضغط الاقتصادي الناجم عن قلة عروض الغاز في رفع أهمية منطقة شرق المتوسط التي تعج بموارد الغاز الطبيعي القابلة للاستخراج وفي تركز الأنظار عليه أكثر وفي زيادة التفاؤل من إمكانية نقله إلى عدة أسواق، خاصة الأسواق الأوروبية، التي يشكل الغاز لها أهمية قصوى في تشغيل المصانع وتدفئة المنازل إلخ…، فمثلاً العام الماضي وحده، استورد الاتحاد الأوروبي 100 مليار متر مكعب من الغاز الروسي بما يمثّل 40% من احتياجاته من الغاز الطبيعي، وبعد المشاحنات بين الاتحاد الأوروبي وروسيا بسبب الحرب التي تشنها روسيا على أوكرانيا، بدأ قادة الاتحاد الأوروبي يفكرون جدياً في تنويع مصادر شراء الطاقة، خشية التعرض لأي شكل من أشكال الابتزاز سواء من روسيا أو غيرها، وقد يصل الأمر إلى الاستغناء الكامل عن الغاز الروسي بحلول عام 2027.
مشاريع الطاقة تعزز العلاقات (التعاون) متعددة الأطراف:
سبق وأن نوهنا إلى أن هذه المرحلة وهي الثانية وقبل الأخيرة لإعادة تشكل قطب عالمي بحلة جديدة، وفيها يستوجب تطوير العلاقات من الثنائية إلى علاقات متعددة الأطراف، وتأتي مشاريع الطاقة منسجمة مع هذا التوجه الجديد لنسج علاقات بين عدة اطراف في إقليم الشرق الأوسط، ثم تعاونها مع دول منطقة أو مناطق أخرى تطبق قاعدة العلاقات المتعددة هي الأخرى، بما يشكل قطب عالمي بحلة جديدة عند الجمع بين تلك المناطق والأقاليم تحت مظلة واحدة، ولكن هذا كله لا يمنع وجود حالة من التنافس المستعر بين هذه الدول وتحديداً دول شرق المتوسط بسبب التنافس الفردي على زعامة المنطقة. ولا شك أن قرار إيقاف العمل بمشروع غاز “ايست مد” يثير حفيظة اليونان وقبرص الطموحتين، ولكنه في المقابل يحيي مشروع كابل الكهرباء، الذي يربط بينهم، الأمر الذي يعمل على مراضاتهما بدرجة تكفي لاستمرار التقارب الإسرائيلي-اليوناني والإسرائيلي القبرصي، خاصة في هذا الوقت الذي تسعى فيه اليونان إلى إبرام صفقة لشراء منظومة القبة الحديدية الدفاعية. أما على صعيد العلاقات الإسرائيلية-التركية، فمن المتوقع أن تكثّف تل أبيب من لقاءاتها مع أنقرة لمناقشة خيارات مشاريع أخرى لبناء خطوط أنابيب غاز أخرى؛ سواء من إسرائيل إلى تركيا مباشرة، أو من إسرائيل إلى قبرص التركية ومنها إلى البر التركي ليتم ربطه بالأنابيب المتوجهة إلى أوروبا، وهذا يعني توسيع دائرة الخيارات الإسرائيلية في مشاريعها التي تهدف إلى مد أوروبا بالغاز الطبيعي.

في خضم تطور الأحداث، يتضح أن إسرائيل عامل ثابت في هذه المعادلة إلى حد كبير. فمنذ سنوات تعكف تل أبيب على استغلال اكتشافات الغاز الاستغلال الأمثل، ونظرت منذ البداية إلى ملف الطاقة كأحد ركائز أمنها القومي وسبيلاً مهماً لتحقيق مزيد من التقدم والصعود والتوسع في الإقليم، واندمجت على إثر ذلك في محيطها الإقليمي دون دفع أي ثمن سياسي نظير ذلك، والآن تواصل استغلال ذلك لتحجز لنفسها مكاناً بين الكبار من القوى العظمى. إسرائيل اليوم تحولت من دولة مستوردة للطاقة إلى دولة مصدرة لها، ويأتي الصراع العالمي الحالي الدائر على الطاقة ليفتح شهيتها تجاه مزيد من التقدم وتحقيق الطموح، وهي تعي جيداَ أن مشاريع الغاز ستلعب حتماً دوراً مهماً في تصدرها لمكانة مرموقة عند رسم خريطة القوى العالمية في المستقبل القريب، والواضح أنها تعد لاستراتيجية شاملة تحقق لها الأمن المالي والأمن الغذائي، وبالتالي ستقوى شوكتها أكثر هذه المرة لدرجة تمكّنها من الوقوف بين الدول العظمى كقوة عالمية لا يمكن تجاهلها، وليس فقط كقوة رائدة بين الدول الإقليمية في منطقة الشرق الأوسط.

montgomeryhowwar@gmail.com

عن الصباح الفلسطينية

شاهد أيضاً

عضو نقابة اتحاد كُتاب، وأدباء مصر
رئيس ومؤسس المركز القومي لعلماء فلسـطين

د جمال ابو نحل يكتب : أيقونة سلاطين هذا الزمان فخامة سلطان عُمان هَيثمُ الهُمام

أيقونة سلاطين هذا الزمان فخامة سلطان عُمان هَيثمُ الهُمام من عاش لشعبه، ولِوطنه عاش كبيرً، …