الرئيسية / الآراء والمقالات / د. مونتجمري حور يكتب : أكذوبة حل الدولتين

د. مونتجمري حور يكتب : أكذوبة حل الدولتين

مونتجمري حور

أكذوبة حل الدولتين 

كتب: د. مونتجمري حور

كثيرة هي السبل التي يمكننا من خلالها إثبات زيف حل الدولتين ومنها: التهام المستوطنات الصهيونية وجدار الفصل العنصري لمعظم أراضي الدولة الفلسطينية المرجوة، والمراوغة الإسرائيلية في إحداث أي تقدم حقيقي في عملية السلام، والصراع الديمغرافي إلخ… على أية حال، يأت هذا المقال مختلفاً نوعاً ما في تركيزه على نقاط قديمة-جديدة تضاف إلى سلسة إثباتات أكذوبة حل الدولتين، كوهم كبير وقعنا ضحيته منذ عقود طويلة. تتمثل هذه النقاط في إثبات تعارضين قائمين، الأول: بين إقامة دولة فلسطينية مستقلة، وطموح إسرائيل للقيادة والريادة في المنطقة، والثاني: بين إقامة دولة فلسطينية مستقلة ذات سيادة وبين التوجه الدولي الجديد.

قدمت إسرائيل لنا في أكثر من ثلاثة عقود دروساً عملية بأنها ليست في وارد الاستجابة للدعوات الدولية لحل القضية الفلسطينية وفق قرارات الشرعية الدولية التي تكفل حق شعبنا في تقرير المصير، وقيام دولته المستقلة كاملة السيادة وعاصمتها القدس على حدود حزيران يونيو 1967، ونجحت إلى حد كبير في إدخالنا مرحلة الاستجداء السياسي بتمني مجرد الجلوس معها أو فتح أفق سياسي لمحادثات سلام. ولاحظنا مراراً وتكراراً أنه كلما ساءت الأمور والأحوال، تقفز فجأةً إلى السطح ثانيةً أكذوبة حل الدولتين، وجرت العادة أن يصاحبها أو يتبعها تصريحات من مسئولين أمريكيين وغيرهم من الزعماء للحديث عن حل الدولتين والتزام كافة الأطراف به ثم سرعان ما يعود الجميع لحالة صمتهم ثانيةً، وكأننا كفلسطينيين بتنا نستجدي حتى الأمل في العيش بحرية وسلام. في كل مرحلة من مراحل تطور الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، سعت إسرائيل عبر سياسة الأمر الواقع التي تنتهجها منذ احتلالها لأرض فلسطين التاريخية إلى الانتقال من نقطة إلى نقطة أعلى دون رجعة، فنجدها مثلاً انتقلت من مرحلة الدفاع عن “أرضها” إلى ترسيخ واقع دولة، والآن مرحلة السعي إلى زعامة المنطقة عبر عدة خطوات حققتها دبلوماسيتها في السنوات القليلة الماضية وأصبحت أمراً واقعاً ومنها:

أولاً توقيع اتفاقات أبراهام (كأمر واقع):

يرى كثير من المحللين أن اتفاقيات أبراهام الموقعة بين إسرائيل من جهة، والإمارات والبحرين والمغرب من جهة أخرى يمكن وصفها بأنها انتقال من السلام البارد الذي ساد على مدى أكثر من أربعة عقود بين إسرائيل، ومصر والأردن. لا تدخر الدبلوماسية الإسرائيلية جهداً لتعزيز اتفاقيات أبراهام، ولم تترك موطئ قدم لها إلا وسعت من خلاله لتعزيز هذه الاتفاقيات وفتح المجال أمامها، وتجدر الإشارة إلى أن الاتفاقات الإبراهيمية تطورت وأنها الآن في مرحلة ما بعد الشرق الأوسط بنجاح تل أبيب في استقطاب دولة الهند. لا تسع تل أبب عبر هذه الجهود للوصول إلى علاقات سياسية أو دبلوماسية أو تجارية شكلية، بل إلى علاقات حقيقية ومثمرة، ولا شك أنها حققت نجاحات كبيرة في هذا المضمار وأنها فاجأت الجميع باقترابها من الوصول إلى ذروة النجاح، وقريباً ستسعى إلى إرساء تحالفات عسكرية وستسعى لقيادتها. على أية حال، كل هذه الجهود والنجاحات كشفت أغلب الخطط الإسرائيلية الاستراتيجية القديمة والمستقبلية وأصبحت مقاصدها النهائية مكشوفة للقاصي والداني وهذه نقطة مهمة يمكن البناء عليها.

تشابه كل الحلول المقترحة (كأمر واقع):

ما تظهره معظم الحلول المقترحة للصراع الفلسطيني-الإسرائيلي بنصوصها الأصلية باللغة الإنجليزية وما تتم مناقشته في الخفاء والعلن هو حل الدولة الواحدة وما يعيبها هو أنها تأتي بمقاييس إسرائيلية بحتة، وجميعها لا تقدم أكثر من حكم ذاتي للفلسطينيين داخل إسرائيل كدولة أم. بكلمات أخرى، كل ما يدور على الأرض، وكل ما يتم طرحه ومناقشته ذو محتوى واحد والمتغير الوحيد هو عنوان الحل المقدم؛ فمثلاً بنود حل الفدرالية هي نفس بنود حل الكونفدرالية، وهي ذاتها بنود الكيان الهجين بين الفدرالية والكونفدرالية، وهي ذاتها بنود الاتحاد الإبراهيمي، وهي ذاتها بنود كونفدرالية الأرض المقدسة، وهي ذاتها بنود الولايات المتحدة الإبراهيمية، والأدهى من ذلك هي ذاتها بنود حل الدولتين بحلته الجديدة.
نخلص مما سبق أن إسرائيل في المرحلتين الحالية والتي تليها ستكون بحاجة ماسة إلى استجماع كافة قواها السياسية والأمنية والعسكرية والاقتصادية والتجارة والجغرافية وغيرها للظهور أولاً كدولة قوية متفوقة وقادرة على مد يد العون لدول المنطقة، وثانياً كدولة قائدة ورائدة في الشرق الأوسط بما يمكنها من توسيع رقعة نفوذها الإقليمي ويعزز من صيتها الدولي. وبناء عليه، لن تقف إسرائيل لتتحدث عن حل دولتين وإظهار نفسها كنصف دولة أو كثلاثة أرباع دولة لتنافس على قيادة المنطقة بأسرها بل كدولة قيادية ورائدة لديها حسن نية لشمل الجميع تحت مظلتها، وستسعى إلى تثبيت موطئ قدم لها حيثما استطاعت، وتواجدها العسكري في مملكة البحرين خير دليل.
تفرض التحديات علينا واقعاً جديداً يتطلب أفكاراً أكثر ابتكاراً وشفافية أعلى في صنع القرار، وعلينا إحداث تغير وتغيير بأقصى سرعة ممكنة بترقية كافة الملفات وتحديثها بما يلائم المصلحة الفلسطينية الوطنية العليا أولاً، والتطورات الدولية والإقليمية ثانياً. لننتبه أن أبرز نقاط قوتنا في هذه المرحلتين الحالية والقادمة هي حاجة إسرائيل الماسة لنا ولغيرنا من دول المنطقة، ولم يسبق لها أنها كانت بحاجة لنا ولا لمنطقتنا يوماً كحاجتها في هذه الفترة، وإن ظن البعض أننا نمر بحالة ضعف وهوان وانكسار، فهو مخطئ ولدينا كل الأوراق السياسية والدبلوماسية التي تضع إسرائيل في حجمها الطبيعي أمام العالم. لن تستطيع إسرائيل الصعود بحجمها الحالي وفي يدنا نفخها أو إعادتها على الأقل إلى حجمها الطبيعي. علينا الاستعداد بمواجهة واقعنا بشفافية وبثقة بالانتقال من وهم الحديث عن حل الدولتين إلى حل الدولة الواحدة التي تكفل لنا حقوقاً متساوية وتمكن أقدامنا من وطء كل شبر من أرض فلسطين التاريخية.
montgomeryhowwar@gmail.com

عن الصباح الفلسطينية

شاهد أيضاً

عمر حلمي الغول

عمر حلمي الغول يكتب : لا ادلة على أكاذيب إسرائيل

نبض الحياة لا ادلة على أكاذيب إسرائيل عمر حلمي الغول دولة إسرائيل اللقيطة قامت على …