عضو نقابة اتحاد كُتاب، وأدباء مصر
رئيس ومؤسس المركز القومي لعلماء فلسـطين
عضو نقابة اتحاد كُتاب، وأدباء مصر رئيس ومؤسس المركز القومي لعلماء فلسـطين
الرئيسية / الآراء والمقالات / د جمال ابو نحل يكتب : التُجار الأَبرارَ، والتُجار الفُجَار

د جمال ابو نحل يكتب : التُجار الأَبرارَ، والتُجار الفُجَار

عضو نقابة اتحاد كُتاب، وأدباء مصر رئيس ومؤسس المركز القومي لعلماء فلسـطين
عضو نقابة اتحاد كُتاب، وأدباء مصر
رئيس ومؤسس المركز القومي لعلماء فلسـطين

التُجار الأَبرارَ، والتُجار الفُجَار

بدأت تطفو على السطحِ مؤُخرًا موجة من الغلاء، وارتفاع فاحِش في الأسعار في أغلب دول الوطن العربي، وكان ذلك مِن بعد تاريخ: 24 من فبراير 2022م، حينما بدأت روسيا بغزو أوكرانيا، واشتعلت نار الحرب الدائرة رحاها بينهما؛ فمن المعَلُوم أن روسيا من أكبر المصدرين للقمح، والغاز في العالم، وكذلك أوكرانيا تُعتبر “مخزن حبوب القمح لأوروبا”، ولبعض الدول العربية الكبيرة المُسَتورِدة للقمح، وقد أدت الحرب لارتفاع في أسعار الحُبوب الخ..؛ ولكن هذا الارتفاع في الأسعار، وفي بعض السلع الأساسية لم يحدُث في نفس الدول المتحاربة سواء روسيا أو أُكرانيا بل إن الارتفاع حصل في بعض الدول العربية من بعضِ تُجار الجشعِ والطمع!. ومن الأمانة القول بأننا نعلم، ونعرف في أيامنا العصيبة هذهِ ثُلةٌ قليلة من التُجار اَلأَخَرِيِّنْ مِن المُتقين الأسخياء البررة، الأنقياء من المتصدقين، والمُنفقين أموالهم في أبواب الخير سرًا، وعلانية، ليلاً ونهارًا، وهؤلاء لا يرفعون في الأسعار، وحتي، ولو كان بهم خصاصة، أو تضرروا مع الحرب الدائرة بسبب ارتفاع الاسعار عالميًا، ولكنهم رغم ذلك يُراعون أوضاع الناس، ويُنفِقُون بِطيبِ نفس، ويحبون العطاء، ويفرحون لذلك، فلا يحتكرون السلع؛؛ فأولئك على العكس، والنقيض من بعضٍ التُجار مِن الفُجار، الذين لا يخافون من الجبار، أو النار! !. ولقد كان ثُلةٌ من التجار الأولين الصالحين من الصحابة الأبرار الأتقياء الأنقياء من كِبار الصحابة رضي الله عنهم كانوا تُجَار أثرياء أبرار، ومنهم بعض الصحابة المبشرين بالجنة رضي الله عنهم أجمعين، ومن هؤلاء الصحابة الأجلاء الصحابي الجليل الشهيد/ سيدنا عثمان بن عفان, المبُشر بالجنة, وأحد الأثرياء، والصحابي الجليل/ طلحة بن عبيد الله, المبشر بالجنة, وهو أحد الأثرياء، والصحابي الجليل/ الزبير بن العوام, المبشر بالجنة, وأحد الأثرياء، والصحابي الجليل/ عبد الرحمن بن عوف, المبشر بالجنة, والصحابي الجليل/ سعد بن أبي وقاص, المبشر بالجنة, وأحد الأثرياء. رضي الله عنهم أجمعين؛ فأما عثمان بن عفان رضي الله عنه ـ كانت تقدر ثروته بـ «ثلاثين مليون درهم فضة, ومائة وخمسين ألف دينار, إضافة إلى صدقات تقدر بقيمة مائتي ألف دينار..»، وقد بشر بالجنة في عدة وقائع بذل فيها ماله بسخاء, ومنها أن عثمان ــ رضي الله عنه ــ ظفر بحفر بئر معونة حين قال رسول الله ــ صلى الله عليه وسلم ــ قال: (من حفر رومة فله الجنة) فحفرها وفاز بالجنة، كما ظفر أيضاً بتجهيز جيش العسرة «جيش تبوك» حين قال عليه الصلاة والسلام: (من جهز جيش العسرة فله الجنة) فجهزه ــ رضي الله عنه, وخبر حفره للبئر وتجهيزه للجيش، وأما طلحة بن عبيد الله ــ رضي الله عنه ــ فتقدر ثروته بـ «مليوني درهم, ومائتي ألف درهم, ومن الذهب مائتي ألف دينار» وكان دخله اليومي ألف درهم وزيادة، وكان من سخائه أنه سأله رجل أن يعطيه, فأعطاه أرضاً قيمتها ثلاثمائة ألف درهم, وقيل أكثر من ذلك..! وكان لا يدع أحداً إلا كفاه حاجته، وقضى دينه، حسب ما جاء في كتاب: “طبقات ابن سعد بسند فيه الواقدي”: واستشهد الصحابي الجليل طلحة، وفي يد خازنه ألفا ألف درهم, ومائتا ألف درهم، وقومت أصوله، وعقاره بثلاثين ألف درهم» أي: ثلاثمائة مليون درهم..!؛؛ كما قال الذهبي”، وقد خلَّف طلحة ثلاثمائة حمل من الذهب!؛؛ وأما الزبير بن العوام ــ رضي الله عنه ــ فقد بلغت ثروته من قيمة العقار الذي ورَّثه «خمسين مليونا, ومائتي ألف»، حيث جاء في صحيح البخاري أن الزبير ــ رضي الله عنه ــ «استشهد، ولم يدع دينارًا ولا درهمًا إلا أرضين, وكان للزبير بن العوام رضي الله عنهُ أربع نسوة فكان ميراث كل زوجة منهُن منهُ ألف ألف ومائتا ألف فجميع ما له خمسون ألف ألف, ومائتا ألف؛ كانوا أهل الكرم والعطاء والبذل. ومن حُسن البِشَارة عن سيدنا النبي الكريم عليهِ السلام ما قالهُ عن التاجر صاحب المعروف التقي النقي السمح السهل قال صلى الله عليه وسلم: (رحم الله رجلا سمحا إذا باع وإذا اشترى وإذا اقتضى )، وصَحَ عنهُ صلى الله عليه وسلم في صحيح البخاري، ومسلم: ( أنهُ كان تاجر مُسلم يداين الناس فإذا رأى مُعسرًا قال لفتيانه تجاوزوا عنه لعل الله أن يتجاوز عنا، فتجاوز الله عنه). وقال صلى الله عليه وسلم: ( من أنظر معسرا أو وضع عنه أظله الله في ظله…””؛ فالجنة هي مصير التاجر الصدوق الأمين؛ كما جاء عَنِ النَّبِيِّ ﷺ أنهُ قَالَ: “التَّاجِرُ الصَّدُوقُ الْأَمِينُ مَعَ النَّبِيِّينَ، وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ”؛ وَلَفْظُهُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: “التَّاجِرُ الْأَمِينُ الصَّدُوقُ الْمُسْلِمُ مَعَ الشُّهَدَاءِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ”، والحديث حَسَنٌ صَحِيحٌ؛ وشتان بين التاجر الطَاهر، والتاجِر الفاجر!؛ فحينما يأتي الحديث عن بعض التُجار من الفُجار الأشقياء نجد الوعيد الشديد، والإنذار لهم؛ حيث يقول سيدنا رَسُولُ اللهِ ﷺ: « “لَا يَحْتَكِرُ إِلَّا خَاطِئٌ”؛ والبعض هُنا رُبَما يعتقد أن كلمة خاطئ بسيطة، وعادية، فلا يُلقي لها بالاً!!؛؛ بينما الكلمة لها دلالات مُخيفة؛ حيثُ ذكرت في عدة مواضع في القرآن الكريم، ومعناها جِّدُ خَطير لأنها جاءت في كتاب الله جل جلاله وصفًا لِلطُغاة، والجبابرة من الكُفار؛ حيثُ يقول الله عز وجل يقول في محكم التنزيل عن الطاغية فرعون، ووزيرهُ هامان: ” إِنَّ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا كَانُوا خَاطِئِينَ”، ومعني كلمة خاطئين أي أثمين، عاصين، وقد وردت الكلمة في أكثر من آية قال سبحانهُ: “مِمَّا خَطِيئَاتِهِمْ أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا نَارًا”؛ فالكلمة خطيرة جدًا حينما يصف سيدنا النبي _ التاجر المحُتكر بأنهُ خاطئ وقال سيدنا محمد ﷺ للنَّاسَ وهُم يَتَبَايَعُونَ : «يَا مَعْشَرَ التُّجَّارِ! »، فَاسْتَجَابُوا لِرَسُولِ اللهِ ﷺ وَرَفَعُوا أَعْنَاقَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ إِلَيْهِ، فَقَالَ: «إِنَّ التُّجَّارَ يُبْعَثُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فُجَّارًا إِلَّا مَنِ اتَّقَى اللهَ وَبَرَّ وَصَدَقَ»، حَدِيثٌ صَحِيحٌ. وَعَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ شِبْلٍ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ ﷺ يَقُولُ: «إِنَّ التُّجَّارَ هُمُ الْفُجَّارُ»؛؛ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ! أَلَيْسَ قَدْ أَحَلَّ اللهُ الْبَيْعَ؟ قَالَ: «بَلَى، وَلَكِنَّهُمْ يَحْلِفُونَ فَيَأْثَمُونَ، وَيُحَدِّثُونَ فَيَكْذِبُونَ»!!.. وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «ثَلَاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمُ اللهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ وَلَا يُزَكِّيهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ: رَجُلٌ عَلَى فَضْلِ مَاءٍ بِفَلَاةٍ يَمْنَعُهُ ابْنَ السَّبِيلِ، وَرَجُلٌ بَايَعَ رَجُلًا بِسِلْعَتِهِ بَعْدَ الْعَصْرِ فَحَلَفَ بِاللهِ لَأَخَذَهَا بِكَذَا وَكَذَا، فَصَدَّقَهُ فَأَخَذَهَا وَهُوَ عَلَى غَيْرِ ذَلِكَ، وَرَجُلٌ بَايَعَ إِمَامًا لَا يُبَايِعُهُ إِلَّا لِلدُّنْيَا؛ فَإِنْ أَعْطَاهُ مِنْهَا مَا يُرِيدُ وَفَى لَهُ، وإِنْ لَمْ يُعْطِهِ لَمْ يَفِ». وَفِي رِوَايَةٍ نَحْوُهُ، وَقَالَ: «وَرَجُلٌ حَلَفَ عَلَى سِلْعَتِهِ لَقَدْ أُعْطِيَ بِهَا أَكْثَرَ مِمَّا أُعْطِيَ وَهُوَ كَاذِبٌ، وَرَجُلٌ حَلَفَ عَلَى يَمِينٍ كَاذِبَةٍ بَعْدَ الْعَصْرِ لِيَقْتَطِعَ بِهَا مَالَ امْرِئٍ مُسْلِمٍ، وَرَجُلٌ مَنَعَ فَضْلَ مَاءٍ، فَيَقُولُ اللَّهُ لَهُ: الْيَوْمَ أَمْنَعُكَ فَضْلِي كَمَا مَنَعْتَ فَضْلَ مَا لَمْ تَعْمَلْ يَدَاكَ»، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ؛؛ وقَالَ رَسُولُ اللهِ ﷺ: «أَرْبَعَةٌ يُبْغِضُهُمُ اللهُ: الْبَيَّاعُ الْحَلَّافُ، وَالْفَقِيرُ الْمُخْتَالُ، وَالشَّيْخُ الزَّانِي، وَالْإِمَامُ الْجَائِرُ””؛؛. ونحن الآن نحيا في تلك الأيام الجِسام، وفيها الأحداث العِظَّامَ، وكأننا نعيشُ في آخر الزمان، فَنرى العجب العُجَاب من بعض التُجار الطماعين الذين يحتكرون السلع، ويرفعون الأسعار، ويغشون، ويحرمون الناس من الأمن الغذائي!!؛؛ عِلمًا بأن أَمْنَ النَّاسِ فِي طَعَامِهِمْ وَشَرَابِهِمْ وَحَوَائِجِهِمْ قَضِيَّةٌ مُجْتَمَعِيَّةٌ، وَإِنْسَانِيَّةٌ، تَأْتِي عَلَى رَأْسِ الْأَوْلَوِيَّاتِ فِي حُقُوقِ الْإِنْسَانِ الْمَادِّيَّةِ؛ إِذْ لَا يُمْكِنُ تَصَوُّرُ حَيَاةٍ كَرِيمَةٍ بِدُونِ أَنْ يَكُونَ الْإِنْسَانُ آمِنًا عَلَى نفسهِ، وغِذَائِهِ، وَدَوَائِهِ؛؛ لذلك يَجِبُ أَنْ تَتَضَافَرُ كُل الْجُهُودُ الشريفة، والمخلصة فِي مُوَاجَهَةِ جَمِيعِ ظَوَاهِرِ الغلاء بلا سبب، ومحاربة الْغِشِّ، وَالِاحْتِكَارِ؛ ولقد أبان النبي صلى الله عليه وسلم عن نفسية المحتكر، وأنانيتهِ البشعة فقال: “بئس العبد المحتكر”؛ إن سمع برخص ساءه، وإن سمع بغلاء فرح”؛ وقال صلى الله عليه وسلم: “الجالب مرزوق، والمحتكر ملعون”؛ ومن الأحاديث الهامة في شأن الاحتكار، والتلاعب بالأسعار؛ ما رواه معقل بن يسار صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، حين أثقله المرض فأتاه عبيد الله بن زياد (الوالي الأموي) يعوده فقال له: هل تعلم يا معقل أني سفكت دمًا حرامًا؟ قال: لا أعلم. قال: هل علمت أني دخلت في شيء من أسعار المسلمين؟ قال: ما علمت. ثم قال معقل: أجلسوني فأجلسوه ثم قال: اسمع يا عبيد الله حتى أحدثك شيئًا ما سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم مرة ولا مرتين؛ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: “من دخل في شيء من أسعار المسلمين ليغليه عليهم؛ كان حقًا على الله تبارك وتعالى أن يقعده بعظم من النار يوم القيامة”، قال: أنت سمعت من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: غير مرة، ولا مرتين”، أي سمع ذلك من سيدنا النبي أكثر من مرتين..

وختامًا يجب علينا في هذا الوقت العصيب أن يكون فيما بيننا تأخي، وتعاطف، وتراحم، وترابط اجتماعي عربي، وأن نقتسم اللقمة فيما بيننا، وأن يقوم التاجر الغني بمواساة الفقراء، ومساعدة المحتاجين، وعدم رفع الأسعار، والبعد عن الجشع، والاحتكار، وأن نكون جميعًا يدًا واحدة، وخاصة أن الحرب بين روسيا وأكرانيا تتدحرج، وتوشك أن تكون حربًا عالمية ثالثة لأن قوي الشر الغربي الكافر تؤجج نارها، وتسعي لذلك الدمار العالمي الهائل، وخاصة يسعون لتدمير الأمة العربية، والإسلامية واقحامها في أثو ن تِلك الحرب، والتي حتي الرابحُ فيها خاسر!؛ ويجب على أصحاب القرار أن يقوموا بِمُحاسبة، ومحاكمة بعض التُجار من الفُجار المحتكرين الرافعين للأسعار بلا سبب!؛؛ وبالمقابل شُكر ، ومكافأة، ودعم، وتيسير عمل التُجار الأبرار الأحرار.    

الباحث والكاتب، والمحاضر الجامعي، المفكر العربي والمحلل السياسي

الأديب الأستاذ الدكتور/ جمال عبد الناصر محمد عبد الله أبو نحل

عضو نقابة اتحاد كُتاب وأدباء مصر رئيس المركز القومي لعلماء فلسـطين

رئيس مجلس إدارة الهيئة الفلسطينية للاجئين، ورئيس الاتحاد العام للمثقفين العرب بفلسطين

عضو الاتحاد الدولي للصحافة الإلكترونية/ dr.jamalnahel@gmail.com

عن الصباح الفلسطينية

شاهد أيضاً

سفير الاعلام العربي في فلسطين
رئيس تحرير جريدة الصباح الفلسطينية

سري القدوة يكتب : معضلات معبر رفح ودخول المساعدات

معضلات معبر رفح ودخول المساعدات بقلم : سري  القدوة الاثنين 18 آذار / مارس 2024. …