الرئيسية / الآراء والمقالات / د. مونتجمري حور يكتب : نيفتالي بينيت في مهمة صهيودينية للصعود بإسرائيل

د. مونتجمري حور يكتب : نيفتالي بينيت في مهمة صهيودينية للصعود بإسرائيل

مونتجمري حور
نيفتالي بينيت في مهمة صهيودينية للصعود بإسرائيل
كتب: د. مونتجمري حور
يثبت كل يوم يمر على الحرب الروسية-الأوكرانية للجميع أن هناك أهدفاً أكثر عمقاً لعدة أطراف دولية وإقليمية من بينها إسرائيل التي تحولت من صاحبة مشكلة، بل طرف في صراع مع الفلسطينيين جرت العادة أن تتدخل فيه القوى العظمى والمؤثرة لحله، إلى قلب الآية لتصبح وسيطاً يحل مشاكل القوى العظمى وينقذ العالم من حرب عالمية ثالثة. فبالإضافة إلى تعزيز جبهتها الديمغرافية على ثرى الأرض المقدسة، يبدو أن تل أبيب تسعى لإحراز أهدافاً أخرى من هذه الوساطة رغم الاعتقاد السائد بهشاشة حكومتها بقيادة رئيس الوزراء الإسرائيلي نفتالي بينيت. يلقي هذا المقال الضوء على جزء من المهام الموكلة لرئيس الوزراء الإسرائيلي نيفتالي بينيت منذ توليه الحكم بهدف مواصلة الأهداف التي سعت تل أبيب لتحقيقها أثناء اندلاع الحرب الروسية-الإسرائيلية.
 
نبذة تمهيدية مقتضبة
لن ندخل في نبذة تاريخية مملة تتناول مدى برودة العلاقات الإسرائيلية الروسية قبل حقبة بنيامين نتنياهو وعوضاً عن ذلك، سيتم التركيز جزئياً على حقبة حكم نتنياهو ذاتها التي استمرت لأكثر من عقد من الزمان قضى نتنياهو بموجبها اثني عشر عاماً في منصبه كرئيس للوزراء في إسرائيل. باقتضاب شديد، حقق نتيناهو خلال فترة حكمه نجاحات وانتصارات سياسية غير مسبوقة لإسرائيل، منها المعلن ومنها المخفي حتى اللحظة، في وقت سيطر على العقلية الفلسطينية تقبل فكرة حالة جمود قادمة، وفعلاً نجح المروجون لها في نشرها بين الأوساط الفلسطينية على صعيد القيادة السياسية والفصائل والجماهير الفلسطينية، ثم تلى ذلك صعود نفتالي بينيت إلى سدة الحكم في إسرائيل وبالغ في مقاطعته للجانب الفلسطيني ورفض مجرد الحديث مع القيادة الفلسطينية، وأغلق هذا الملف من جانبه نهائياً، فعزز حالة الجمود لدرجة بات المواطن الفلسطيني العادي يرى في شخصية نفتالي بينيت زوجة أب سندريلا الشريرة، والجميع بات ينتظر مغادرتها للمشهد السياسي لتحل المشاكل والأزمات المفتعلة المتراكمة. يبدو أننا جميعاً أسرفنا في التركيز على البنية التركيبية الغريبة التي اتسمت بها حكومة نفتالي بينيت، وغاب عنا جميعاً البحث في دلالاتها كحكومة جمعت بين المتناقضات السياسية وتحديد دورها.
بنيامين نتنياهو كضحية
رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق بنيامين نتنياهو رجل غير محظوظ ذهب حصاد زرعه لجاره اللئيم بعد اثني عشر عاماً من العمل والكد والاجتهاد، وهذا قد يفسر لنا حجم اللوم والعتب الذي وجه نتنياهو لنفتالي بينيت في خطابه أمام الكنيست رغم محاولاته خيبة أمله وخذلانه، وبتتبع سبل الإطاحة بنتياهو، نخلص أن من أطاحوا به هم ذاتهم الذين مدّ لهم نتنياهو يد العون لصعودهم للعب أدوار سياسية بارزة في الحياة السياسية الإسرائيلية، ودون الخوض في تفاصيل ثانوية يمكننا القول أن من أطاح ببنيامين نتنياهو هم أتباع “الصهيونية الدينية” من الشخصيات التي تمثّل أقصى اليمين في الأوساط الإسرائيلية والتي صعد على إثرها نفتالي بينيت إلى الواجهة. يمكن للمدقق في خطاب بنيامين نتنياهو أمام الكنيست الإسرائيلي أن يخرج بانطباع مفاده أن نتنياهو غلب عليه طابع التفاخر والعتب، مما دفعه أن يسترسل في خطابه مقدماً وابل من المعلومات التي يمكن البناء عليها، وأبرزها نجاح الدبلوماسية الإسرائيلية في فتح علاقات دولية في كافة مشارق الأرض ومغاربها كروسيا والصين والهند وعدد من الدول العربية والإسلامية إلخ…
على أية حال، قد يكون لتهم الفساد التي واجهها بنيامين نتنياهو دور ولو ثانوي في الإطاحة به.
العلاقة الإسرائيلية مع روسيا كمثال:
من اهم العلاقات التي تستوجب تسليط الضوء عليها في هذه المرحلة هي العلاقة الإسرائيلي- الروسية ولتحديد أوجه الاتفاق والتوافق بينهما، علينا البحث في سبل التعاون التي تجمع بين الطرفين في مجالات عدة ومنها العسكرية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية ونظراً للمساحة المحددة المتاحة أمامي، سأسعى لإثارة وتناول نقاط جديدة ذات أولوية ومنها:
تأثير المهاجرين الروس اللغوي والديمغرافي على إسرائيل:
عدد الإسرائيليين في الأرض المقدسة يقدر ب أقل من سبعة مليون إسرائيلي (حوالي 6.9 مليون نسمة عام 2021)، وإذا نجحت إسرائيل في استقدام مئات الآلاف من يهود روسيا وأوكرانيا وبلاروسيا، وهذا ما يحدث بالفعل على الأرض وبتعاون إسرائيلي يهودي غير مسبوق، سيكون لهذا العدد المتآلف تأثير سريع في المجتمع الإسرائيلي الذي يتجهز قيادةً وشعباً لاستقبالهم وتوفير سبل اندماجهم، وقد نوّهت شخصيات يهودية مرموقة إلى هذه الخطوة ومن بينهم رئيس الوكالة اليهودية الذي طلب من الحكومة الإسرائيلية العمل على دمج اليهود المهاجرين إلى إسرائيل في المجتمع الإسرائيلي، واعتماد شهاداتهم الجامعية ومعادلتها فوراً ليجدوا وظائف تتناسب مع تخصصاتهم المتنوعة، على سبيل المثال لا الحصر من سبل الدعم والتعزيز لهم. وتجدر الإشارة أن أكثر اليهود هجرةً إلى إسرائيل هم من اليهود الروس بحسب إحصائيات رسمية، والمرجح أن تنجح إسرائيل في استقدام مئات الآلاف منهم، بالإضافة إلى استقدامها لحوالي 200 ألف يهودي من أوكرانيا وآخرين من بلاروسيا ويتحدث جميعهم اللغة الروسية. والسؤال هنا: كيف تتنظر روسيا لإسرائيل وكيف سيكون أشكال هذا التغيير؟
 
تربط روسيا وإسرائيل مصالح مشتركة وتعاون اقتصادي متنامي وباتت روسيا تنظر لإسرائيل على أنها دولة فاعلة ومنتجة ورائدة في بعض المجالات، خاصةً وأنها (إسرائيل) بدأت تنفرد عالمياً في صناعات تتعلق بالذكاء الصناعي كالزوارق البحرية بلا ربان والصواريخ وأنظمة الدفاع إلخ…، وهي تلتفت إلى أنها تحول إسرائيل قريباً إلى دولة ناطقة باللغة الروسية مما سيعزز أواصر العلاقات بين الجانبين، وهي لا تشك في أن دمج اليهود الروس سيتم في جميع نواحي الحياة في المجتمع الإسرائيلي دون تحيّز، وتعي أن منهم من سيقفز لشغل مناصب مرموقة في الدولة العبرية وسيصبحون ذوي تأثير ولا أشك أن روسيا ستقدم لهم الدعم والمساندة فهمي ثنائيوا الجنسية إن لم يكونوا متتعددي الجنسيات. أما بالنسبة للتأثير الديمغرافي، فقد سبق وأن نوهنا إلى كابوس يلاحق القادة في إسرائيل يتعلق بالجوانب الديمغرافية، وتأتي خطوة استقدام المهاجرين اليهود للأرض المقدسة لتقلل من حدة القلق الإسرائيلي، فهدف إسرائيل الرئيس هو الحفاظ على التفوق العددي الديمغرافي لليهود الإسرائيليين على الفلسطينيين وهذه نقطة قانونية مهمة جداً ستساعد إسرائيل كثيراً في المحافل الدولية. ولو تفوق عدد السكان الفلسطينيين على الإسرائيليين في السنوات القادمة كما تتوقع تل أبيب، فهذا من شأنه أن يعطي مبررات قوية للموقف القانوني الفلسطيني في المحافل الدولية أن أقلية إسرائيلية تحكم أغلبية فلسطينية.
الخلاصة:
نحن معنيّون بالدرجة الأولى بالبحث في القضايا التي تخص قضيتنا الفلسطينية وحياتنا اليومية للبحث عن سبل حقيقية في إيجاد حل عادل للصراع الفلسطيني-الإسرائيلي، وللنجاح في مقاصدنا، علينا أن نعترف أولاً أننا أخطأنا جميعاً عندما اقتصرت اهتماماتنا على دراسة تركيبة حكومة بينيت أكثر من استكشاف وفهم دلالات تشكيلها في هذه المرحلة الحرجة. والآن علينا الانتباه أنها تنفذ مهاماً صهيودينية وأن مهاماً محلية وإقليمية ودولية ملقاة على عاتقها، ومنها من هو طور التنفيذ.
على الصعيد المحلي: عززت حكومة بينيت اعتقاداَ محلياً وإقليمياً أن عملية السلام مجمدة، وثبّتت الموقف الإسرائيلي القاضي بمغادرة طاولة المفاوضات مع الفلسطينيين مما مكّنها من التفرغ لانطلاق دبلوماسيتها نحو ترتيب وضعها الإقليمي ومكانتها الدولية.
على الصعيد الإقليمي: تحقق إسرائيل النجاح تلو الآخر في دمج نفسها فعلياً وعملياً في منطقة الشرق الأوسط بمواصلتها تطبيع علاقاتها مع بعض العواصم العربية ونجاحها في إحداث تعاون عملي فعلي معها في مجالات متعددة منها السياسة والعسكرية والسياحة، ولا تزال دبلوماسيتها تسعى لفتح آفاق تعاون جديدة، ومن أبرز نقاط اهتماماتها القادمة إقليمياً هي المملكة العربية السعودية حيث تؤمن إسرائيل أن انضمام السعودية للاتفاقات الإبراهيمية سيفتح آفاقاً أعلى أمامها للمواصلة قدماً.
على الصعيد الدولي: نقول بكل ثقة أن حكومة نفتالي بينيت مكّنت علاقاتها مع روسيا كعلاقة براجماتية منفعية قد تصل حد التحالف المعلن لاحقاً، واستطاعت أن تحافظ على علاقتها بالولايات المتحدة الأمريكية كحليف استراتيجي. والمدقق في الأحداث سواء الحالية أو القادمة سيلحظ الإجراءات الروسية التي من شأنها أن تصب في المصلحة الإسرائيلية، كإعاقة موسكو لتوقيع الاتفاق حول برنامجها النووي، وكمواصلتها التنسيق مع سلاح الجو الإسرائيلي إلخ… هناك أوجه شبه ومصالح إستراتيجية مشتركة لروسيا وإسرائيل ستلصق بعضهما ببعض وأبرزها الطموح المشترك للصعود، وسيؤدي ذلك حتماً إلى تعاون روسي-إسرائيلي للصعود سوياً كقوتين؛ تصعد إسرائيل بموجبه كقوة في الشرق الأوسط وتقف روسيا، في المقابل، كقطب دولي جديد. أبطال عدة يساهمون في نجاح تل أبيب ومن بينهم قد يكن رئيس الوزراء الأوكراني الذي سبق وأن ألقينا الضوء على تغليبه ليهودتيه على أوكرانيته وقد يصل الأمر إلى تقديم أوكرانيا تنازلات جسام في هذه المرحلة لإنجاح مهمة تل أبيب في الوساطة، مما يساهم في تحسين صورة تل أبيب أمام العالم حيث ظهرت كوسيط سلام وكدولة إغاثة إنسانية، حقنت دماء الأوكرانيين من جهة، ومنعت اندلاع حرب عالمية ثالثة. كل هذه الجهود المكوكية ستساهم في إيجاد مبررات، بل طمأنة للعالم أن صعود إسرائيل كقوة مهيمنة في الشرق الأوسط لن يكون مخيفاً لأحد. لم تعد السياسة الإسرائيلية الخارجية سياسة تهديد ووعيد وحروب كما أسلفنا سابقاً، بل سياسة تجمع بين المتناقضات المختلفة مما يجعلها دولة براغماتية نفعية عبر تنويعها لشراكاتها وتحالفاتها بمنتهى الاحترافية.
وكفلسطيني حر، أشعر بغيرة إيجابية بأن نرى إسرائيل التي لهثت لعقود طويلة حول إيجاد حلول لنفسها، أن تتقدم لترعى محادثات السلام بين أعتى القوى الدولية، وهذه نقطة علينا التوقف عندها، وفي المقابل نجلس نحن الفلسطينيون في الزاوية مكتوفي الأيدي ومكبلين ونردد اعتقادات بائسة منها أن حكومة نفتالي بينيت هشة ولا تملك من أمرها شيئاً. نقول بكل ثقة أن حكومة نفتالي بينيت حققت أعلى انتصاراتها فور تشكلها وجمعها بين المتناقضات السياسية والحزبية المختلفة داخل المجتمع الإسرائيلي. لقد جمعت بين أقصى اليسار وأقصى اليمين؛ جمعت عرباً ويهوداً؛ جمعت متدينين ومعتدلين وعلمانيين؛ جمعت المسلم واليهودي. وهي تأتي كنموذج قوي مصغّر يدلل على إمكانية دخول نجاح مرحلة الوحدة أو التعايش أو التعاون البراغماتي القادم مع الإسرائيليين، بل مع اليهود الإسرائيليين. على ما يبدو أننا نقف نحن الفلسطينيون المنقسمون والمتشرذمون أمام أسرة يهودية متكاتفة ومتعاونة ومتراحمة فيما بينها نجحت في كسب تعاطف واحترام العالم.
 
 
montgomeryhowwar@gmail.com

عن الصباح الفلسطينية

شاهد أيضاً

عمر حلمي الغول

عمر حلمي الغول يكتب : نواقص القرار الاممي

نبض الحياة نواقص القرار الاممي عمر حلمي الغول بين مد وجزر على مدار 171 يوما …